المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الإعلام الساخر: خِفة دم المصريين من الفراعنة حتى ثوّار يناير

الأحد 20/أبريل/2014 - 11:19 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. شريف درويش اللبان

من الثابت، مما وجد على جدران الكهوف، أن النقوش الأولى كانت تتضمن حسًا اتصاليًا وليداً يتناسب من جانب مع طبيعة تفكير البشر في تلك العصور، ومن جانب آخر مع البيئة وما تحويه من مشاهد. ومن الثابت كذلك أن الإنسان في تلك العصور نفسها، وانطلاقا من غريزة حب الاستطلاع، ومن أجل المحافظة على النوع، كان يسعى للتعبير عن نفسه، وعن قدرته، ولمعرفة أحوال الآخرين من بني جنسه، ومن ثم بدأ ينقش ما يراه أمام عينيه، ويعبر بالنقش أو الرسم عن عالمه الذي يعيش فيه.

وحتى عندما حاول المصري القديم، ونجحت محاولته فى معرفة الكتابة، فإنها قامت على فني "النقش" و "الرسم" فكانت تنقش أولا بأشكال من بيئة هذا المصري ومجتمعه، ومن الطبيعة خاصة الطيور والحيوان والنبات وغيرها، ثم تُنقش فوق الأدوات المختلفة الخشبية والحجرية والجلدية نقشًا ورسمًا يتلاءمان مع طابع هذه الأدوات بارزًا أو غائرًا، وكانت هذه كلها هي "الرموز المصورة" أو "الكتابة المصورة" التي اصطنعها الإنسان للدلالة على أنشطته، وتعريف الآخرين بها، ولتثبيتها وحفظها في شكل هذه الرسائل التي بقيت إلى اليوم تنقل لنا أفكارهم.

إن الرسوم، بشكل أو بآخر، قديمة قدم جهود الإنسان الأولى للاتصال بالرموز المنطوقة

وبذلك نجد أن الرسوم، بشكل أو بآخر، قديمة قدم جهود الإنسان الأولى للاتصال بالرموز المنطوقة. وعلى الرغم من الاختلاف البيّن بين الرسوم الأولى الموجودة على جدران الكهوف والمعابد، والرسوم الكاريكاتورية الضاحكة المعاصرة، إلا أنه توجد جذور اتصالية عامة لهذا الشكل من الفن الذيَ لقيَ شعبية كبيرة، ويكمن الفارق الجوهري بين الاثنين في أن الرسوم المعاصرة تتوجه للغالبية أو العديد من الناس وليس للقِلة، في حين أن الرسوم الأولى لم تكن سوى وسيلة تزيين أو زخرفة محضة، أو وسيلة لنقل معانٍ محددة، أو الاثنين معًا.

وقد ارتبط انتشار الرسوم اليدوية - إلى حد بعيد - بظهور الطباعة، وهو الأمر الذي أتاح إمكانية عمل أكثر من نسخة من الرسم الواحد، وعن طريق فن الحفر المرتبط بفكرة الطباعة، أمكن التحكم في التدرج الظلِّي للرسوم عن طريق سمك الخطوط المستخدمة في الرسم نفسه، وقد أدى هذا إلى انتشار الرسوم في شمال إيطاليا وجنوب ألمانيا، ثم انتقلت إلى فرنسا وعبرها إلى إنجلترا، فالعالم الجديد في الولايات المتحدة، وعندما ظهرت الصحافة اعتمدت على الرسوم دون الصور، حيث كان متعذرًا في ذلك الوقت إنتاج الصور الظلية.

وبينما لم تقف صحف اليوم عند نقطة البداية التي انطلقت منها، إلا أنها تستخدم الرسوم اليدوية لكي تذكرنا بأن كل العناصر التوضيحية التي استخدمتها حتى اختراع عملية إنتاج الصورة بطريقة التدرج الظلي في نهاية القرن التاسع عشر، كانت في معظمها رسومًا يدوية خطية، وتتباين هذه الرسوم تماما مع الصور الظلية، ويرجع بعض هذا التباين إلى شخصية الفنان أو الرسام، والتي تبدو أوضح وأقوى في الرسم اليدوي عنها في التصوير الفوتوغرافي، وهذا ما يفسر رفض بعض الصحف استخدام الصور الشخصية المرسومة (البورتريهات) مع القصص الخبرية، لأن هذا النوع من الصور يعد رأياً وحكماً ذاتيًا يجب ألا يجد مكانًا مع التقارير الإخبارية التي تعتمد أساسًا على الحقائق، ولكن هذا لا يمنع احتفاء بعض الصحف والمجلات بالرسم اليدوي دون غيره مثل صحيفة "لوموند" Le Monde الفرنسية ومجلتي "روز اليوسف" و"صباح الخير" المصريتين حتى وقتٍ قريب.

تعد الرسوم الساخرة مثالاً جيدًا للاتصال الجماهيري لأنها نوع من الرسوم التي تنقل معنىً مؤثرًا أو توجيهيًّا.

وتعد الصور الفوتوغرافية أدوات أساسية بالنسبة للقائم بالاتصال الذي يريد إخبار القارئ بالتحديد عما وقع في حدث معين، في حين يمكن القول إن القائم بالاتصال الذي يريد أن يرشد القراء حول كيفية عمل شىء ما، سوف يجد، غالبا، الرسم أكثر فاعلية، فيمكن للصحيفة أن تقدم رسوما متعددة لتبسيط أشياء معقدة حتى يمكن استيعابها. فعندما يكون الهدف الأساسي هو التفسير، يمكن أن تكون الرسوم التوضيحية أداة رئيسة، ففهم الأشياء المعقدة يمكن أن يضيع بين طوفان الكلمات، وتقديم البيانات الإحصائية يمكن أن يكون مفيدًا إذا تم تدعيمه بالرسوم البيانية، كما يمكن للرسوم أن تستخدم لتسلية القارئ، أما إذا كان هدف الصحيفة هو التأثير، فالكارتون السياسي Political Cartoon قد أثبت فاعلية كبيرة في هذا المجال.

وهكـذا، نجـد أنه لم يعـد الهـدف من الرسـم كـفـن صحـفـيّ في المـقـام الأول، هو رسم الأحداث أو وجوه الأشخاص، بل صارت له أهداف أخـرى كتقديم النقد الساخر لبعـض المواقف والقضايا، أو التعبير عن بعـض الأحـاسـيـس الإنسـانية الـتـي تبـغـي الصحـف التـأكـيـد علـيـهـا عندما تنـشـر إحـدى القـصـص الأدبـيـة أو الـقـصـائد الشعـرية، علاوة على أن الرسام يستطيع أن يلخص بريشته بعض الحـقـائـق الجـغـرافـيـة والعسكرية، عندما يرسم خريطة لإحدى الدول . كما أولت الصحف الرسوم التوضيحية اهتمامًا كبيرًا، لا سيّما أنها تقوم بدور مهــم في مواجهة المنافـسـة المصورة من قبل الوسائل الاتصالية الأخرى، حـيـث تـقـدم هذه الرسوم معلومات وتفاصيل إضافية وردت في المتن، وتجذب الانتباه إلى جانب مهم من جوانب الخبر أو الموضوع.

ويمكننا استعراض توظيف الصحافة المصرية للرسوم اليدوية الساخرة، التي تعد الفن الذي قامت عليه الصحافة الساخرة والإعلام الساخر، من خلال الأنواع المختلفة لهذه الرسوم، وذلك على النحو التالي:

وهي مجموعة من الرسوم التي تتميز بالطرافة، وبالقدرة على جذب انتباه القارئ ونقل الفكرة إليه، والتعبير عن وجهة نظر معينة بالرسم، مثلما يعبر الكاتب عن وجهة نظره بالحروف والكلمات. ويعتمد الرسام في هذه الرسوم على الإيجاز والتبسيط، وانتقاء صفة بارزة في الشخصية التي يتحدث عنها لتحقيق هدف مهم وهو أن يفهم القارئ بنظرة سريعة خاطفة ما يهدف الرسام إليه في أقصر وقت ممكن وبأقل عدد من الخطوط، وإذا فشل الرسام في ذلك فقد الرسم صفته الأساسية وميزته.

وتعد الرسوم الساخرة ركنا أساسيا في صفحة الرأي في الجريدة، إلى جانب نشرها فى صفحات أخرى، وهى تنقسم إلى نوعين أساسيين هما: الكاريكاتور Caricature والكارتون Cartoon، ويرجع أصل كلمة كاريكاتور Caricature إلى الكلمة الإيطالية Caricure، ومعناها أن يقوم الشخص بتحميل الشيء أكثر من طاقته.

وهناك فرق بين ضربي الرسوم الساخرة، فالكاريكاتور تصوير للأشخاص فيه فُكاهة يجسم ملامحهم الواضحة، ويبالغ في إبراز ما يتميزون به من سمات في حين أن الكارتون لا يصور الأشخاص - إذا فعل - لذواتهم، وإنما للتعبير عن المواقف والأفكار، وغالبًا ما تبحث الجرائد عن كيفية التأثير في تفكير الجمهور من خلال الرسوم الساخرة التي تدعم وجهات نظرها الأساسية أو وجهات نظر رساميها تجاه القضايا المختلفة.

فالرسم الساخر يميل إلى أن يكون سلاحًا هجوميًّا، إلا أنه يحمل بين طياته خطر التبسيط  المبالغ فيه Over simplification في معالجة القضايا الحيوية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرسوم الساخرة لا تزال أكثر المواد الصحفية المقروءة، وذلك لقدرتها الكبيرة على جذب الانتباه نحو المشكلات العديدة التي يواجهها المجتمع، ولعل ذلك هو ما دعا نحو 40% من الصحف الأمريكية مثلا إلى نشر هذا النوع من الرسوم.

وفى الحقيقة، تعد الرسوم الساخرة مثالاً جيدًا للاتصال الجماهيري لأنها نوعٌ من الرسوم التي تنقل معنىً مؤثرًا أو توجيهيًّا. ومن هنا، تهدف هذه الرسوم إلى إحداث التأثير في المتلقي في عدة جوانب منها، تثبيت بعض الصور الكامنة، تعديل الاتجاه السلوكي، إثارة المتلقي التنفيس عن المتلقي بحيث لا يتكون لديه تراكم في تراث الرفض لظاهرة سياسية أو اجتماعية معينة، وأخيرًا إثارة الرغبة في الضحك أو السخرية.

وقد لعبت الرسوم الساخرة دورًا مهمًّا في بناء المجتمع المصري، وتوجيه الرأي العام المصري سواء أكان هذا التوجيه في النواحي السياسية أم الاجتماعية، إلا أن تطور هذه الرسوم قد تعرض لما تعرض له كتاب المقال من نكسات، وذلك نتيجة للالتزام بوجهة نظر معينة، لأن هذا الالتزام حدد لرسام الكاريكاتور خطوطًا ثابتة جعلت الرسم الساخر يهتز اهتزازًا ملموسًا، أو أن ينصرف عن معالجة المشكلة من جذورها. ولا شك أن الانتكاسات التي تعرضت لها الرسوم الساخرة كانت نتيجة طبيعية لتأميم الصحافة، وقد تجلت هذه الانتكاسات في تراجع مساحة الرسوم بصفة عامة، والكارتون بصفة خاصة.

قام الكارتون بدور مهم في القضايا الاجتماعية في مدرسة "أخبار اليوم"، إلا أنه لم يكن بمعزل عن القضايا السياسية الحيوية مثل تحرير القارة الأفريقية

إلا أنه ممـا يذكـر للصحـافـة المصرية أن الرسوم السـاخـرة فـيـهـا قـد أسـهـمـت بفــاعلـيـة في مناقـشـة عديدٍ من القضايا المهمة، ومن أمثلتها مشكلة البطالة، حيث رسم الفـنـان رخـا العـمّـال العاطلين وهم يتجمهرون على شكل علامة استفـهـام كبيرة حول أحد المصانع، وقد كان التعليق المكتوب أسفل هذا الرسم يقول: "سؤال بقيَ بلا جواب .. أين حل مشكلة العمال العاطلين؟". وقد نشر هذا الكارتون في صحيفة "أخبار اليوم" في عام 1946، في وقت استحكمت فيه مشكلة البطالة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستغناء القوات الإنجليزية عن الكثير من العمال المصريين.

وكما قام الكارتون بدور مهم في القضايا الاجتماعية في مدرسة "أخبار اليوم"، إلا أنه لم يكن بمعزل عن القضايا السياسية الحيوية مثل تحرير القارة الأفريقية، فقد رسم أليكس صاروخان كارتون في تحرير أفريقيا عام 1963، وهو يمثل هذه القارة بالصخرة الشامخة وسط بحر متلاطم الأمواج، إلا أن الأفريقي يعتلي هذه الصخرة، في حين أن المستعمر يتشبث بها، ويقوم الأفريقي بطرد هذا المستعمر، وإلقائه في عرض البحر، حيث تنتظره أسماك القرش الجائعة!

ولا يمكن أن نتحدث عن مدرسة "أخبار اليوم" في الكاريكاتور دون أن نذكر شخصية "هنداوي" الكاريكاتورية التي يرسمها الفنان مصطفى حسين لصحيفة "أخبار اليوم" منذ عام 1988، وهي شخصية تمثل ذلك الرجل الريفي الساذج - أو هكذا يبدو - القادم من "كفر الهنادوه" وينتقد السياسات الحكومية في لقاءاته الأسبوعية مع د. عاطف صدقي، رئيس الوزراء ومن بعده د. كمال الجنزوري ود. عاطف عبيد ود. أحمد نظيف مُرَكّزًا على انعكاسات هذه السياسات على هذا "الكَفْر" الذي يعد ممثلاً لمصرنا الكبيرة.

وقد نجح الكاريكاتور في مدرسة "روز اليوسف" في أن يحتوي على كل العناصر التي تكفل له مكانة شعبية كفن صحفي، وإن تراوحت هذه المكانة بين المؤكَدة والمنعدمة من مرحلة زمنية إلى أخرى، ومن موضوع لآخر من الموضوعات التي تصدّت لها هذه المجلة التي نشأت أساسًا معتمدة على نشر الرسوم اليدوية في المقام الأول.

وقد كانت الرسوم الساخرة في مجلة "روز اليوسف" عام 1952 محتوية على كل العناصر التي تكفل لها الذيوع والانتشار والتأثير في الرأي العام فقد تعرضت هذه الرسوم لكل القضايا الأساسية وقتها معارضة للنظام السياسي القائم قبل الثورة، ومعبرة في ذلك عن الأماني الوطنية بوضوح، كما اشتركت الرسوم الساخرة في كل حملات مجلة "روز اليوسف" الصحفية التي هاجمت فيها أركان النظام القديم.

ورغم أهمية الرسوم الساخرة في الصحافة المصرية، فإننا نلحظ أن المساحة المخصصة لها قد بدأت تتقلص، ويبدو جليًّا أن سبب ذلك هو أزمة ورق الصحف وارتفاع أسعاره. ونحن نرى على الرغم من ذلك، أن تقلص المساحة المخصصة للرسوم الساخرة اتجاه ليس له ما يبرره، حتى بالإقرار بالارتفاع الهائل في أسعار ورق الصحف، لأن منافسة التليفزيون على جذب انتباه القراء تجعل من غير المعقول أن نحدَّ من المساحة المخصصة لهذه الرسوم، والتي تلقى نسبة قراءة كبيرة من قرّاء ينتمون إلى قطاعات مختلفة وأعمار متفاوتة.

وقد أطلق رسامو الشرائح الفكاهية Comic-Strips Cartoonists في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، على الاتجاه الخاص بتحجيم هذه الرسوم الفكاهية، والتي تزيد القوة الجاذبة لها، يجب استغلالها بتخصيص مساحة أكبر لهذه الرسوم، خاصة وأنها تعتبر وسيلة اتصال جماهيرية، فهي تصل إلى ملايين القراء كما تفعل وسائل الإعلام الأخرى كالراديو والتليفزيون.

كما تقدم الرسوم الفكاهية للصحيفة خدمة ترويجية لا يمكن إنكارها، فهي تقدم عنصرًا ضروريًّا للتسلية يساعد على زيادة التوزيع، ولا سيما أن قراء الصحيفة قد يتجهون بأبصارهم إلى هذه الرسوم ليطالعوها، ربما حتى قبل قراءة الموضوعات والقصص الإخبارية المختلفة التي تنشرها الصحيفة.

وربما يرجع التعطش لمطالعة الرسوم الفكاهية، والرسوم الساخرة على وجه العموم، إلى تناولها لشخصيات كاريكاتورية معروفة ومحبوبة، ومع مرور الوقت، تصبح هذه الشخصيات من الثوابت التي اعتادها القارئ، وبالتالي تصبح أنشطة هذه الشخصيات انعكاسًا للمساوئ التي يعانى منها والطموحات التي يتطلع إليها، وأحيانًا أوجه الحرمان التي يعانيها القارئ.

وأشارت الدراسات إلى أن الرسوم الساخرة تعد شكلاً من أشكال الاتصال المرسوم Gaphic Communication، وتضرب الرسوم الساخرة، كفن اتصالي، مثالاً رائعًا في تكوين الأنماط الثابتة، فهي لا تحتاج من الجمهور مجهودًا كبيرًا لأنها مبسطة. ومن هنا فإننا ندعو إلى زيادة المساحة المخصصة للرسوم الساخرة في الصحافة المصرية لتواجه القادم الجديد في ساحة الإعلام الساخر وهو البرامج التليفزيونية الساخرة مثل برنامج "البرنامج" لباسم يوسف، وبرنامج "بني آدم شو" وبرنامج "حكومة نص الليل" لأحمد العسيلي .. وغيرها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟