جديد المركز
 
  المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أحمد سمير عارف
أحمد سمير عارف

التهديدات الأمنية الجديدة في مجتمع المخاطر العالمي

الخميس 27/مارس/2025 - 08:38 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

* هذه الدراسة منشورة في مجلة (آفاق سياسية) عدد يونيو 2024

 

إشراف     

أ.د عبير الغندور                            د. هويدا شوقي

أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية               مدرس العلوم السياسية

كلية التجارة وإدارة الأعمال – جامعة حلوان


أولاً- المقدمة

يؤكد "أولريش بيك" Ulrich Beck في كتابه مجتمع المخاطر.. نحو مفهوم جديد للحداثةRisk Society: Towards a New Modernity" - يؤكد بروز مفهوم المخاطر بدلا من مفهوم الأخطار نتيجة تخطي التهديدات حدود الدولة القومية في عصر العولمة.(1)

إذ يعرف مجتمع المخاطر بأنه "حالة أصبحت فيها فكرة إمكانية التحكم في الآثار الجانبية و الأخطار التي يفرضها اتخاذ القرارات محل شك"، كما يشير إلى أن هذا المجتمع يكرس لفكرة المخاطرة والتي ترتبط بدورها باتخاذ القرار بشأن سلوك ما قد يحقق لنا : إما فرصة و إما خطرا، و مع تفاقم المخاطر والأخطار مقابل الفرص فإن مجتمع المخاطر بات يعيش حالة من عدم الأمان وأيضا الشك وفقدان اليقين بخصوص إمكانيته و مقدرته على مواجهة تلك المخاطر risks  و الأخطار  dangers و التحكم فيها مكانيا و زمنياً.(2)

وقد انعكس تطور واتساع نطاق المخاطر والتهديدات بشكل واضح، على مفهوم الأمن بصفة عامة وعلى مفهوم أمن الحدود بصفة خاصة، إذ فرضت تأثيرات العولمة بما تمثله من فرص ومخاطر حدودا جديدة غير تلك الحدود التقليدية(3)،  ولكن مفهوم العولمة في حد ذاته ربما يكون أحد العوامل "المقوضة" لمفهوم الأمن، وهو ما يستدعي أيضا تحليلا لمفهومي العالمية والعولمة وتوضيحا للفارق بينهما.

فالتحولات الذي شهدها مفهوم الأمن، أسفرت عن بروز ما يسمى بالمخاطر الكامنة Latent Dangers  في بيئة الأمن هو ما يفرض مزيدا من التحديات على صانع القرار المتعلق بالأمن القومي، لأنها في النهاية تمثل مخاطر مجتمعية في بيئة الأمن القومي .Societal Risks(4)

أي أن اعتبارات الأمن لم تعد تهدف إلى تجنب الخطر، ولكن تهدف أيضا إلى الاعتماد على مفاهيم التأمين ضد الخطر وآليات التعامل معه، فعلى سبيل المثال المخاطر التكنولوجية Technology of risks أصبحت هي الموجهة للتفاعلات الاجتماعية في المجتمعات الحديثة.(5)

ولعل التداخل والتمايز الفكري بين العالمية والعولمة ربما يساعد الباحث أيضا في محاولاته لاستكشاف أسس جديدة لمفهوم الأمن ربما تعرضت لعمليات من التشويه أو التشويش أو الإقصاء فيما يتعلق بمواجهة المخاطر العالمية، ذلك أن توضيح الفارق بين المفهومين سيتيح للدراسة مجالات أوسع لحدود مفهوم العالمية وكذلك لحدود تأثيراتها على مفهوم الأمن.

وبغض النظر عن حدود الفارق بين العالمية والعولمة والتي سيمهد لها الباحث ضمن مفاهيم الدراسة الأساسية، فإن التحولات التي شهدها مفهوم الأمن مؤخرا، نابعة عن التحول في طبيعة المخاطر الدولية والعالمية، فظهرت ما تسمى بالمخاطر الكامنة Latent Dangers (6)  في بيئة الأمن للتعبير عن حجم التحديات أمام صانع القرار المتعلق بالأمن القومي، لأنها في النهاية تمثل مخاطر مجتمعية Societal Risks في بيئة الأمن القومي.(7)

ثانياً- فرضية الدراسة:

"تفترض الدراسة أن التحولات في طبيعة التهديدات الأمنية في مجتمع المخاطر العالمي، الناتجة عن تزايد التداخل بين الأزمات البيئية، والأوبئة، والتهديدات السيبرانية، وتغير أنماط الصراعات التقليدية وغير التقليدية، قد فرضت تحديات جديدة أمام الدول والمجتمعات، مما أدى إلى إعادة تعريف مفاهيم الأمن الوطني والدولي، وتوسيع نطاق الأمننة ليشمل الفواعل غير الدولاتية والمخاطر العابرة للحدود".

ثالثاً- أهمية الدراسة:

تنبع أهمية هذه الدراسة من الطبيعة المتغيرة للبيئة الأمنية العالمية، حيث أصبحت التهديدات الأمنية الجديدة متعددة الأبعاد وغير تقليدية، مثل الأزمات المناخية، الأوبئة العالمية، والهجمات السيبرانية. وتبرز أهمية الدراسة من خلال، تسليط الضوء على التحولات النظرية في مفهوم الأمن، خاصة في سياق مجتمع المخاطر الذي أشار إليه علماء مثل أولريش بيك.

كما تساهم الدراسة في إثراء النقاش الأكاديمي حول توسيع نطاق الأمننة ليشمل قضايا غير تقليدية، ما يعزز فهمنا للارتباط بين المخاطر العالمية والأمن، فضلا عن أنها تقدم إطارًا تحليليًا لصانعي القرار لفهم طبيعة التهديدات الجديدة وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهتها، لاسيما وأنها تأتي الدراسة في وقت يشهد العالم فيه أزمات معقدة ومتداخلة تتطلب إعادة التفكير في الأطر التقليدية للأمن.

رابعاً- منهجية الدراسة:

تعتمد الدراسة على عدة مناهج أهمها المنهج الوصفي لوصف وتحليل طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة، وخصائص مجتمع المخاطر العالمي، مع توضيح أبعادها وآثارها على الأمن الوطني والدولي، حيث يتم تحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بالمخاطر العالمية مثل الأزمات البيئية، والأوبئة، والهجمات السيبرانية، وغيرها.

كما تستخدم المنهج التاريخي لتتبع تطور مفهوم الأمن عبر الزمن، وانتقاله من التركيز على الأمن التقليدي إلى الأمن غير التقليدي، مع الإشارة إلى أبرز المحطات التاريخية التي أثرت في هذا التحول، فضلا عن منهج دراسة الحالة، لتحليل حالات معينة تُظهر تجليات التهديدات الأمنية الجديدة في مجتمع المخاطر العالمي، وكذلك المنهج الاستشرافي،لاستشراف مستقبل التهديدات الأمنية في ظل التطورات التكنولوجية والعولمة، مع تقديم سيناريوهات محتملة لكيفية إدارة هذه التحديات.

المبحث الأول- ظهور مفهوم مجتمع المخاطر العالمي

المطلب الأول ـ مجتمع المخاطر العالمي.. النشأة والمفهوم.

               يعد إسهام أولريش بك في صياغة مفهوم مجتمع المخاطر العالمي الأكثر انتشارا وتأثيرا رغم ظهور المصطلح في بعض الأدبيات الأوروبية، وتتمثل أهم المساهمات السابقة في هذا الصدد في كتابات هابرماس التي نشرت في ألمانيا قبل نحو خمسة وعشرين عاما من تناول بيك لهذا المفهوم في حقل العلوم الاجتماعية، والذي أشار فيه إلى أن المخاطر ذو طابع عالمي فلم تعد قاصرة على مجتمع بذاته، ولم تعد قاصرة على فئة بحد ذاتها، فانتشار الكوارث والمخاطر المصاحب للإفراط في الإنتاج قد أصبحت نتائجه غير المقصودة سائدة في كل المجتمعات الإنسانية.(8)

               ويعود مصطلح مجتمع المخاطر العالمي لعالم الاجتماع الألماني الشهير أولريش بيك ULRICH BECK، في كتابه "مجتمع المخاطر العالميWorld Risk Society" الذي صدر عام 1999، ويؤكد الكاتب في مقدمة كتابه أن أسبابا عديدة ساهمت في صدور الكتاب تكمن في أن "سلسلة من الأحداث العالمية التي لا تنقطع يشترك فيها الواقع مع وسائل الإعلام باستمرار في كتابة فصول جديدة من "مجتمع المخاطر العالمي".(9)

وكانت سلسلة الأحداث التي أشار إليها "بيك" دافعا لفصول جديدة من "مجتمع المخاطر العالمي"، تؤكد ديناميكية هذا المجتمع بل وتوضح إلى أي مدى يتسع هذه المجتمع وتتعدد معه مستويات المخاطر، وهو ما جعل جريدة "تاجيس أنتسايجر"، تصف هذه المخاطر بأن "ما بدا مبالغا فيه قبل عشرين عاما أصبح هو سيناريو الحقيقة الآن.(10)

وفي هذا السياق يفرق "بيك" بين عدد من العناصر التي تميز بين تصنيف "مجتمع المخاطر العالمي" وتصنيف مجتمع المخاطرة، وهي التفرقة التي يتناول فيها التمييز بين المخاطرة والكارثة أو بين المخاطرة والحكم المتنوع على المخاطرة وهو ما اعتبره "بيك" يكتسب أهمية متزايدة في عصر العولمة حيث  أشار "بيك" إلى أن "عالمية الخطر" أهم سمات هذا المجتمع، بل ذهب إلى أن "توقع الكارثة" أًصبح له تأثيرات عالمية ضمن إجراءات مواجهة المخاطر الجديدة.(11)

ويضرب "بيك" مثالا بالعملية الانتحارية التي تم إحباطها في مطار هيثرو عام 2006، حين تدخلت الشرطة البريطانية مدعومة بتعاون دولي وألقت القبض على جناة "شديدي الخطورة" يحملون جوازات سفر بريطانية حاولوا تفجير عدد من طائرات الركاب في طريقها من مطار هيثرو إلى الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام متفجرات سائلة.(12)

ويركز "بيك" في استدلاله بحادث مطار هيثرو، على التأثيرات العالمية والإقليمية للحادث، فالتدابير الأمنية الجديدة التي تم اتخاذها لم تقتصر على لندن فقط ولكنها كانت بمثابة ردة فعل عالمية تجاه تلك الهجمات الإرهابية المحتملة في أماكن أخرى، وهو ما أسفر عن تدابير قيدت حرية ملايين الركاب في مناطق أخرى من العالم، ممن قبلوا الحد من حرياتهم بإرادتهم بعد أن ترسخت في إذهانهم فكرة "خطر الإرهاب".

وفي مفهوم عالمية المخاطر أيضا قدم كتاب بيك تصورا جديرا بالاهتمام حين حذر من التأثيرات "العالمية" لخطر تغيرات المناخ، وهي تلك التأثيرات التي جعلت أزمة محلية مثل فيضانات لندن تمثل خطرا وجوديا على نيويورك وطوكيو، وهي التأثيرات التي تتطلب "صفقة عالمية" للوصول لحلول وسط وعدالة كونية في عالم تتوزع فيه الثروات دون تساو بدرجة شديدة.(13)

ويؤكد بيك أن عدم تساوي الثروات في العالم يجعل كل دولة تسعى لتحقيق أهدافها ضمن هذه "الصفقة العالمية" انطلاقا من اهتمامات قومية شديدة الخصوصية، وفي معرض حديثه عن "الخطر" فإن "بيك" يرى أن معيار العالمية لم يعد يجعل لعدم المساواة بين دول أي تأثير، إذ أصبح "الخوف" هو المعيار الذي يتم تصنيف الدول وفقا له وليس الفقر.(14)

ويتخذ "أولريش بيك" من حادث تشيرنوبل(15) الذي وقع في أبريل عام 1986، نموذجا للتهديدات التي أحدثت تحولا في فردية العصر الجديث، فالكارثة والخطر ليس ناتجا عن التخلف، بل عن الأنظمة التي تحول صفة الخطأ الأصلية في الإنسان إلى قوى تدمير لا يمكن فهم حدود السيطرة عليها، وصار بالإمكان تقدير الأخطار باستعمال أدوات قياس(16)، فلقد أصبح الخطر مرتبط برياح وبعض المطر الذي يحمل خطر التلوث الإشعاعي، دون اعتبارات للأسلاك الشائكة التي أقامتها الدول ولا للإجراءات الأمنية الشديدة وقوة الجيوش والشرطة، فحادث تشير نوبل بالنسبة لـ"بيك"، أثبت عجز النظام الصناعي تجاه الطبيعة المتكاملة صناعيا، إذ حولت الطبيعة مكانها إلى داخل النظام الصناعي.(17)

وتجد تفسيرات "بيك" لتطور هذا المجتمع الذي تسوده المخاطرة في تحليلات "ما بعد"؛ ما بعد الحداثة، وما بعد الصناعي، اهتم بيك بالحركات البيئية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في هذه الفترة زاد الوعي بالمخاطر الهائلة الناتجة عن التنمية الاقتصادية الحديثة، وكثر الحديث عن الخطر النووي.(18)

كما شهدت فترة الثمانينيات زيادة الوعي بتغير المناخ، والأمراض الناشئة، وهي الأمراض التي تظهر لدى السكان لأول مرة، أو التي ربما كانت موجودة سابقاً لكن وقوعها أو مداها الجغرافي يتزايد بسرعة، إذ قال بيك، إنه إذا كان تغير المناخ قد يحدث نتيجة لانبعاثات الكربون، فإن ظهور فيروسات مثل نقص المناعة البشرية (الإيدز)، أو الفيروس التاجي (سارس- كوف-2) قد يرجع إلى تدخل البشر في النظام الأيكولوجي (العناصر الفيزيائية والبيولوجية المجتمعة في البيئة).(19)

نتيجة العولمة، وعدم قدرة المؤسَّسات والنُخب الحاكمة على إدراك هذه الحقيقة الاجتماعيّة الجديدة واتِّخاذ موقف منها على علاقة بطريقة حياة هذه المؤسسات وبتاريخ تكوّنها. فهذه الأخيرة وجِدَت في عالم تسوده النزَعات القوميّة وأفكار أولويّة السياسة الحكوميّة والحدود الفاعلة والسيادة القومية على الاقتصاد الوطني.

ويعتبر بيك أنَّ الحدود ومجالات التجارب والكفاءات الحصريّة التي تشكِّل عالم الدول القوميّة لم تعد موجودة. ويتساءل بيك: وإذا كان ذلك كله صار من الماضي، فما هو شأن العالم الذي هو طوْر التكوّن، أو قد قام بالفعل؟ ويجيب: "إنَّ هذه هي المسألة التي يثيرها هذا الكتاب ويحاول الإجابة عنها. فما ظهر إلى الآن هو سياسة حدود لم تتّضح بما يكفي..، لا يجب النظر إليها من منظور قوميّ، بل من منظور عابر للقوميَّات في إطار سياسة عالميّة داخليّة.

فهناك مقاربتان للعولمة في عصرنا الراهن: الأولى تنظر إليها وتدرسها بوصفها نامياً (Interconnectedness)، وبعبارة أُخرى بوصفها زيادة في المداخلات والعلائق والموجات العالمية الهويّة والشبكات العابرة للحدود. أمَّا وجهة النظر الأخرى فتركز على (إلغاء المكان من خلال الزمان)، وهو ما صار ممكناً بفضل وسائل الاتِّصال الجديدة، فقد أصبح الحبُّ والزواج والصداقات عالمية، بل إنَّ الهويَّات والولاءات السياسيَّة لم تعد خاضعة لولاء الزواج الآحاديّ القوميّ.(20)

المطلب الثاني- مجتمع المخاطر العالمي والحداثة الجديدة "الارتدادية" Reflexive Modernization:

مجتمع ما بعد الحداثة كما يراه "أولريش بيك" مجتمع جديد يختلف عن المجتمع الصناعي التقليدي،  تسود فيه الفوضى وتغيب أنماط الحياة المستقرة "العلاقات الاجتماعية والاسرية " ومعايير السلوك المقبول اجتماعيا، اذ أن العلاقات باتت أكثر هشاشة عما كانت عليه، إذ ضعف الرباط الاجتماعي، وباتت العلاقات الاجتماعية "علاقات سريعة" تتشكل وتنتهي بسرعة كما تتصف بأنها غير محدودة وثابتة، بل وأحيانا تتمدد متحدية المكان والزمان بفضل تكنولوجيا الاتصالات الرقمية.(21)

إن الانتقال من المجتمعات التقليدية – وفقا لألولريش بيك - إلى المجتمعات الصناعية إلى مجتمعات الحداثة أو بتعبير بيك "الحداثة الثانية" وأنطوني جيدنز الحداث الارتدادية أو الانعكاسية ""، نتجت عن مخاطر مباشرة أو غير مباشرة، خفية وظاهرة وحادة وضعيفة، تمس مجالات الحياة الاجتماعية، وهو ما يتطلب تناول مشكلات وتأثير حداثة المخاطر في بعده الاجتماعي المعاصر "السوسيولوجيا المعاصرة".(22)

ويصف بيك "Beck" الحداثة بأنها نتيجة المجتمع الصناعي العقلاني الذي تغيرت فيه الحياة الاجتماعية بكل أبعادها (الثقافية، الاقتصادية، السياسية، البيئية)، بعد أن بدأ المجتمع الصناعي في الاندثار مفسحا المجال لمجتمع جديد تسوده الفوضى، وتغيب فيه أنماط الحياة المستقرة ومعايير السلوم الإرشادية.(23)

ولفهم الحداثة الانعكاسية للمجتمعات المعاصرة باعتبارها مجتمعات المخاطر، يمكن الإشارة إلى بدايات القرن العشرين الذي شهد نموا اقتصاديا سريعا من جهة والعمل على إرساء عقد اجتماعي من خلال مبادئ الديموقراطية وهي تلك الفترة التي شهدت تطورا سريعا للجانب التقني للعلم وبروز أكثر تحديدا لخبراء في المجالات الطبية والكيميائية والذرية، إذ اعتبر العالم الألماني أن هذا الاهتمام العلمي النشط والفعال في الحياة الاجتماعية أدى إلى تفاقم مشكلات نتيجة هذا التطور مما أصبح معه من الضروري تناول موضوع المخاطر من منظور تقني مختلف.(24)

ويعرف عالم الاجتماع الإنجليزي أنطوني جيدنز  Antony Giddens الحداثة الانعكاسية بأنها السبب والمسبب، وهو ما يعني أن الحيز الاجتماعي ليس فقط مكان الفعل ولكن أيضا مكان التفكير في الفعل، والانعكاسية هي ملك للتفاعلات الاجتماعي التي تقود الفعل للتأثير على الفاعل والعكس.(25)

وفي هذا السياق فإن الاهتمام بموضوع المخاطر كموضوع سوسيولوجي يرتبط أساسا بالتأثيرات التكنولوجية وعلاقاتها بالأنظمة الاجتماعية، وكذلك الجانب الثقافي للفاعلين الاجتماعيين نظرا لأهمية المخاطر وأثرها على العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، ومن أهمها اللامساواة الاجتماعية خاصة في الأوساط الفقيرة التي ارتبطت أساسا بالفئات الاجتماعية المدنية.(26)

فوفقاً للحداثة الانعكاسية، فإن المواطنين في المجتمعات الحديثة، يواجهون مخاطر واسعة الانتشار قد تقضي على كل شيء، بسبب التدخل المستمر في الأنظمة البيئية، وهو ما تحدث عنه بيك في كتابه من خلال مفهوم "الأنثروبوسين"، والذي يشير إلى إلى الفترة الزمنية التي تشير إلى التأثير البشري الملحوظ على جيولوجيا الأرض والنظم الإيكولوجية.(27)

ويعتبر بيك أن مجتمع المخاطر يصبح انعكاسي بالمعنى الدقيق للمصطلح أي انه في حد ذاته موضوع ومشكلة، فقد أدى الانتقال السريع للمجتمع من تقليدي إلى حداثي إلى تعدد وتوسع حدة المخاطر في مختلف التفاعلات الاجتماعية حيث زادت وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة من حدة هذه المخاطر التي أصبحت تأثيراتها مباشرة وعميقة.(28)

ويرى بيك الحداثة الانعكاسية هي مواجهة المجتمع الصناعي مع نفسه من خلال نموذج المخاطر، فالانعكاسية هي نوع من الصراع يسهم في هيكلة النقد المعاصر للحداثة ويحدد معالم حداثة أخرى، ويعرفها بأنها توزيع ذاتي للمجتمع الصناعي في حد ذاته، فدور المخاطر في المجتمعات يحمل تهديدات خارجية وتهديدات داخلية خاصة بالأخطار السياسية نتيجة قرارات أو مصالح سواء كانت طبيعية أو إنسانية مثل التنظيمات العالمية خاصة الإرهابية، أو الجماعات الأيديولوجية.(29)

إلا أن بيك ذهب إلى منطقة أبعد قليلاً، حيث قالت فورين بوليسي إن عالم الاجتماع تساءل عن كيفية التعامل مع هذا النوع من المخاطر والتكيف معه، ووفقًا لبيك، فإن البشر يميلون تلقائيا إلى رفض التعامل مع المخاطر حتى يلمسون تأثيراتها عليهم بشكل مباشر. وقال: "حتى التسمم الإشعاعي على سبيل المثال يبقى خطرًا مجهولاً وغير واقعي وغامض، حتى تبدأ في المعاناة من التسمم، أو يُصاب جنينك بطفرة جينية مروّعة تؤثر عليه.(30)

وفي مجتمع المخاطر، اعتبر بيك أن الاعتماد أصبح بشكل جذري على المعرفة العلمية المُتخصصة لتحديد ما هو خطير وما هو ليس كذلك قبل مواجهة هذه المخاطر، كما لفت عالم الاجتماع الألماني إلى أن العالم فشل في التعامل مع الأزمات الكوارث التي يشهدها العالم، بسبب المعلومات المزيفة Fake information والتهديدات والعدائية السائدة في مناطق كثيرة من العالم، وبالتالي أصبح العالم يواجه صدمة مزدوجة، تتمثل في مواجهته لأزمة قد تشكل خطرًا محُتملاً على بقائه، وفي الوقت نفسه تهدد استقلاله وقدرته على قياس تلك التهديدات.(31)

بل إن بيك كان أكثر تشاؤما واعتبر أن كل تفاعل مع المواطنين يوميا أو الالتقاء بأحد الأصدقاء وغيرها من الأمور الحياتية البسيطة محفوفة بالمخاطر الافتراضية وقد يترتب عليها مشاكل خطيرة، حسب عالم الاجتماع الألماني، مُشيرًا إلى كون النتائج في هذه الحالة مُتناقضة، بل واعتبر كذلك أن طريق العلم يقود إلى عالم مليء بالقوى الخفية التي تهدد حياتنا على الأرض.(32)

بيك، أكد كذلك أن المواطنين لن يستطيعوا التعامل مع الأزمات إلا عندما يتعاملون مع كل شيء من خلال هذه النظرة المزدوجة، ولن يمكنهم فهم الأمور والحكم عليها إلا من خلال هذه الطريقة المتناقضة.

وقد قال بيك، في كتاباته، إن حالة الانقسام تلك - كأحد ارتدادات الحداثة - قد تمتد لتشمل العلم نفسه، مع استمرار الحديث عن المخاطر العالمية، والتأكد من أنها تُشكل خطرًا على البشرية والكوكب، ستنشأ مجتمعات جديدة وبديلة، وستتغير وجهات نظرنا حيال العديد من القضايا والأمور، وستعيش البشرية حالة من انعدام اليقين ربما تؤثر على كافة مناحي الحياة.(33)

ووفق لبيك فإن تأثيرات الحداثة الانعكاسية قد تتمثل في لجوء الأشخاص إلى الاستهانة بخطورة كارثة ما، والتقليل منها، وبذل جهدًا كبيرًا لمنع العقل من إدراك أو استيعاب خطورتها، وهو ما حدث على سبيل المثال في الولايات المتحدة، البرازيل، المكسيك، عندما قال حُكّام هذه البلاد إن فيروس كورونا – في بداية تفشي الفيروس - ما هو إلا انفلونزا يُمكن التغلب عليها بسهولة، ولا يجب المبالغة في تقديرها، أو منحها أكبر مما تستحقه.

المطلب الثالث- مجتمع المخاطر والتهديدات العابرة للقومية "الكوسموبوليتانية"

وفي دراسته للمخاطر والتهديدات أيضا تطرق بيك لما يسمى بالتهديدات الكوسموبوليتانية أو العابرة للقومية Cosmopolitan Threats، لاسيما في عصر العولمة، حيث أشار إلى أن العولمة وتأثيراتها دفعت نحو سيولة الأفكار ومعها تصورات السلطة والشرعية والعنف والدولة والسياسة، حيث تكمن الإشكالية الرئيسية في كيف يمكن لقيم هذه الحداثة الثانية أن تصبح حداثة "كوسموبوليتية" أي عابرة للقوميات"؟.(34)

ويجيب بيك عن تساؤله مؤكدا، أن سيركز هدفه على على وضع نظامٍ بديلٍ يرتكز على السياسة والإنصاف الاجتماعي والسياسي، وليس على قوانين السوق العالميّ، معتبرا أن العقلية الكوسموبوليتيّة أو العابرة للقوميات تذهب باتِّجاه المصلحة الشاملة التي تحتاجها الإنسانيّة لتحفظ نفسها، أي أنها محاولة لإعادة التفكّر بالعلاقات المتبادلة والانعكاسيّة بما يتجـاوز الوطنية بذهنية واقعيّة كوسموبوليتيّة "عابرة للقوميات"، توسّع النظرة إلى المجتمعات.

ومع بداية هذه الألفيّة الثالثة يبدو أن مستقبل الإنسانيّة قد أوشك على أن يكون أكثر انفتاحا، مستشهدا بما سبق وأن تكهّن به كلٌّ من فردريك نيتشه وكارل ماركس وإيمانوئيل كانط وماكس فيبر. فمنذ نحو قرن ونصفِ القرن قال نيتشه: "على أوروبا أن تقرّر وضع حدٍّ للمهزلة التي طالت والمتمثّلة بتمزّقها إلى دول صغيرة، وكذلك لضعف إرادتها القبليّة والديموقراطية"، حيث تأسس الاتحاد الأوروبي عام 1991.(35)

كما توقع بيك أن ينتهي ما أسماه بعصر "السياسة الصغيرة"، متوقعا أن يحمل القرن القادم الصراع من أجل السيطرة على العالم، والإلزام المطلق لممارسة "سياسة كبرى"، كما استشهد بيك بأنه قبل نيتشه، تمتّع كانط بهذه الرؤية الكوسموبوليتيّة بوصفها فكرة موجّهة لهذه السياسة الكبرى، إذ قال: "أن يفكِّر الإنسان بنفسه بوصفه عضواً كاملاً في المجتمع المدنيّ العالميّ، وطبقاً لحقّ المواطنين، تلك هي الفكرة الأكثر سموّاً التي بإمكان الإنسان أن يتصوّرها، والتي لا يستطيع أحد التفكر بها من دون حماسة.(36)

وفي محاولة لفهم هذه الرؤية الكوسموبوليتية، فقد يظهر للوهلة الأولى أن تفشي وباء الكورونا كمشكلة فردية، تتمثل في خوف كل شخص من الإصابة أو العدوى، وهو ما يمكن متابعته من خلال أطروحة "رايت ميلز"Wright Mills  حول "الخيال الاجتماعي"، والتي تشير إلى ضرورة التفكير في مشاكلنا الشخصية – مشكلة الخوف من الإصابة بفيروس الكورونا – وفهمها على ضوء القضايا الكبرى، خاصة وأننا في أغلب الأوقات لا نربط مشاكلنا الشخصية بقضايا المجتمع ككل.(37) وفي ظل هذا الفهم، تبقى حقيقة واحدة مؤكدة هي أن فيروس الكورونا وباء عالمي كان - في ذروة تفشيه - قضية عامة ومصدر للقلق في العالم كله، ويمثل هذا الاعتراف وفقا لبيك مجرد بداية، وبعدها يصبح من المهم التقدم نحو فهم هذه المشكلة والكشف عن جوانبها الأخرى.(38)

فلقد أكد "بيك" قبل رايتس إذن على أن المخاطر العالمية الناتجة عن التغير المناخي وانتشار الأمراض المعدية والأوبئة عبر العالم، هي إحدى سمات عالمنا الرأسمالي المعاصر، وأنه في سياق كهذا يجب على الأفراد والحكومات والشركات والدول، أن يكونوا قادرين على التعايش مع المخاطر ومواجهتها والتكيف معها، عبر مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الصحة والمرض.(39)

ولقد أكد "بيك" على أنه في حال حدوث أي كارثة أو وباء عالمي، فإن التأثير سوف يكون مدمرًا ويصعب احتواء تداعياته، ولعل هذا بعض ما تجسد أمام العالم خلال تطور وسرعة انتشار وباء الكورونا، وحصده لآلاف الأرواح عبر العالم،، وهو ما يجب معه – في ضوء تلك المقاربة - أن يتم فهم الوباء، ليس باعتباره مشكلة فردية فحسب، بل خطرا عاما، ومصدرا للقلق يطول الجميع.

 وعلى هذا الأساس يذكر عالم الاجتماع الألماني أن هناك ثلاثة ردود أفعال تجاه أي خطر عالمي  هي؛ الإنكار، أو اللامبالاة، أو التغيير، فمن خلال الإنكار يتم التصرف كما لو كان الخطر غير موجود، أما من خلال اللامبالاة يمكن للمرء أن يعترف بالخطر دون أن يعطيه أي اهتمام، فيما يبقى التغيير خياراً أخيراً.(40)

وقد أكدت جائحة كورونا أنه لا يمكن إذا الاعتماد على الإنكار أو اللامبالاة، لذلك فإنه لا سبيل إلا من خلال التغيير، فمن خلاله يجب على كل شخص إعادة النظر في تصرفاته، وأن يتوافق مع الإجراءات الجماعية العالمية التي ينصح بأن يلتزم بها الجميع، كما يجب على كل فرد أن يؤمن بأنه لا خيار أمامه إلا أن يساهم في هذا العمل بشكل جماعي بهدف السيطرة على الوباء.(41)

فبالرغم من أن وباء الكورونا بمثابة "خطر عالمي" إلا أن هذا لا ينبغي أن يخدع العالم بأن جهوده الفردية غير ذات أهمية، بل إن أفكار بيك جعلت البعض يذهب إلأى أن رأسمالية المخاطر والأوبئة وانعدام المساواة تُحمل الرأسمالية والسياسات الليبرالية الجديدة مسؤولية ما يحدث من مخاطر وكوارث، وتغيير مناخي في العالم، وأن هذه السياسات سبب مباشر لترسيخ انعدام المساواة وزيادة نسب الفقر والفقراء في العالم.(42)

وقد أشار "أنتوني لوينشتاين" إلى ما أسماه "رأسمالية الكوارث" قائلًا: لقد خلقت السياسات الرأسمالية للدول الكبرى مآسي وكوارث لشعوب كثير من الدول تحت شعار "تحقيق التنمية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والأعمال الإغاثية"، إذ أن النتائج دائمًا ما كانت سلبية وبعيدة عن المخطط له، فضلا عن أنها حاولت إطالة أمد هذه الكوارث ليصبح الأمر أشبه ما يكون بتجارة كبرى تدر المليارات على الشركات والمقاولين.(43)

وأكدت الدراسات في هذا السياق على أن الكثير منا يعرف أن الأوبئة والأمراض المعدية كانت في الماضي، وهذا خطأ، لأننا لم نتخلص من الأمراض المعدية والأوبئة، ونحن منذ 1980م نعايش مرحلة العودة الجديدة للأمراض المعدية، مثل: "فيروس هانتا" و"الجمرة الخبيثة "و"السارس" و"الإيبولا" وغيرها، وهذه الأمراض والأوبئة مخيفة جدًا، وتسببت في معدلات وفيات كبيرة، إلا أن سمتها الوحيدة أنها كانت بعيدة عن مجتمعاتنا، لذلك لم ندرك خطورتها، ولم نرها إلا عبر الأخبار على شاشات التليفزيون، ولأن الحياة الحديثة معقدة ومشغولة للغاية، لم نقلق بشأن الدول أو الأشخاص الذين لا نعرفهم ويعيشون في  أماكن بعيدة  عنا، وعانوا أو ماتوا بسبب شيء لا نعرفه.(44)

ويطرح انتشار الأوبئة والجوائح، إذا فكرة غياب العدالة والمساوة حتى فيما يتعلق بالمرض والصحة، وهي الفكرة التي ترسخت مع السياسات الرأسمالية؛ فرغم ما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية في علم اللقاحات، والأنظمة الطبية والصحية، إلا أنه لا يزال هناك الملايين في دول مختلفة يعيشون تحت خط الفقر.(45)

فهذا العالم يتسم بقدر كبير من عدم المساواة، حيث تعاني القلة من فرط الوفرة والرفاهية، وتكافح الأغلبية من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من أساسيات الحياة، تحصل القلة على رعاية صحية مذهلة بينما تفتقر الغالبية إلى أدنى مستويات الرعاية الصحية، وقد يموتون بسبب أضعف الأمراض وأبسطها، وقد يموتون من الجوع، وقد يموتون من فرط أعباء الحياة التي يحملونها على أكتافهم.(46)

المبحث الثاني- مفهوم الأمن بين اعتبارات القومي والعالمي

المطلب الأول- المخاطر الجديدة و"المعضلة الأمنية Security Dilemma ":

        لقد شكل ويشكل موضوع الأمن الشغل الشاغل للدول عبر مختلف مراحل تطورهم، إن لم يكن أساس استمرار هذه الدول، إذ يرتبط ارتباطا وثيقا بحق البقاء، وكما سبق القول فإن مفهوم الأمن لا يزال مثيرا للجدل في ظل تغير طبيعة التهديدات والمخاطر الدولية، ولكن أغلب الأدبيات تتفق على على أن مصطلح الأمن يرتبط ارتباطا وثيقا بغياب التهديد الفعلي أو المحتمل.(47)

ويرى باري بوزان  Barry Buzan في هذا الإطار أنه مفهوم الأمن معقد وينبغي الإحاطة بثلاثة أمور على الأقل، أولها السياق السياسي للمفهوم مرورا بالأبعاد المختلفة له، وانتهاء بالغموض والاختلاف الذي يرتبط به عند تطبيقه في العلاقات الدولية.(48)

        ويرى بوزان BUZAN بأنه في حالة الأمن يكون النقاش بشأن التخلص من التهديد، أما إذا كان النقاش في إطار النظام الدولي فإن الأمن يتعلق بقدرة الدول والمجتمعات على حماية هويتها المستقلة وتماسكها العملي.(49)

        وقد ارتبطت ما يسمى بالمعضلة الأمنية تقليديا بمفهوم المجتمع وحالة الطبيعة، بل واعتبرها أحد أسباب نشأتها، وقد ميز توماس هوبز بين "حالة المجتمع" و"حالة الطبيعة"، واعتبر أن الأفراد في النظام الدخلي يعشيون "حالة المجتمع"، بينما تعيش الدولة "حالة الطبيعة" في العلاقات الدولية.(50)

        ويمكن تفسير نشأة هذه المعضلة الأمنية بالنظر إلى ما قاله "هوبزHobes" بشأن تخلي الأفراد عن جزء من حريتهم لصالح سلطة مركزية مشتركة من خلال عقد اجتماعي بحثا عن الأمن، ولكنه يعتقد أن هذه السلطة المركزية أو الدولة قد أنشأت من أجل حماية الشعب من أي عدوان خارجي، والأفراد وفقا لذلك أوكلوا للدولة مسألة حماية أمنهم، ولا يزال هذا التصور قائما ربما لكونه مصدرا من مصادر شرعية السلطة، وسببا للولاء العام لها.(51)

        والمعضلة الأمنية وفقا لـ"جون هارزJohn Herz" هي "أحد الخيارات الصعبة التي تواجه بعض الحكومات التي تكون قادرة على تحقيق جهودها الدفاعية بهدف تسهيل العلاقات السلمية"، فسعي الدول لتقوية إجراءاتها الدفاعية يدل على نية غير مقصودة تؤدي إلى تهديد الأمن على المدى الطويل إذ يثير الشكوك الدولية ويقوي الضغوط من أجل خوض سباق التسلح.(52)

        فمعضلة الأمن Security Dilemma تظهر من فكرة عدم الثقة الموجودة في الفوضى الدولية على أساس بنيوي يزداد حدة بسبب الميول المحافظة لدى واضعي الخطط الدفاعية، كما تختلف خدة المعضلة بحسب العلاقات السياسية بين الدول.(53)

        وفي سبيل سعي الدولة لحماية الشعب من العدوان الخارجي تدخل في دائرة مغلقة نحو زيادة القوة، مما يخلق انعدام الأمن تلقائيا لدى دول أخرى في سياق سعيها لتحقيق الأمن لذاتها، وهذه العملية المستمرة من انعدام الأمن يطلق عليها "المعضلة الأمنية"، والتي يرجعها كل "بوثBOOTH" و "ويلرWILLER" إلى شعور دولة ما بعدم اليقين والاطمئنان، بشأن ما إذا كانت الإمكانيات العسكرية للدول الأخرى مجرد استعدادات دفاعية لدعم أمنها، أم أنها تحمل دوافع هجومية تسعى من خلالها إلى تغيير الوضع الراهن لصالحها.(54)

        كما يفرق آخرون في إطار هذه المعضلة الأمنية بين مفهومي الأمن الناعم Soft Security والأمن الصلب Hard Security؛ الأمن الناعم يشير إلى التحديات الغير عسكرية التي توجه الدول مثل تحديات الصحة والجرائم المدنية والمشاكل العرقية، وهي تحديات غير مباشرة ذات طبيعة مركبة، يتداخل فيها أمن الأفراد بأمن الدولة والمجتمع بل وقد تكون ممتدة جغرافيا وعابرة للحدود، ويعرفه أرنولد وولفر ARNOLD WOLFERS بأنه عدم وجود تهديد للقيم المكتسبة أو عدم وجود مخاوف من  تعرض هذه القيم للخطر.(55)

        وهنا يؤكد جون هيرزJohn Herz  بأن هذه المعضلة الأمنية تتعاظم في ممارسات العلاقات الدولية لأن منطق تغليب المصلحة الذي تتبناه كل دولة وحشد القوة اللازمة لتأمينه، يقلل من فرص خلق تعاون بين الدول، يتم من خلاله بعث بيئة دولية سليمة، فتكون حالة انعدام الثقة التي تصنع هذا النظام والموقف الدفاعي المستبق الذي يضع كل طرف نفسه فيه في مواجهة الغير أو ما يسمى بالـ"مهاجم المفتروض" يخلق شكوكا تؤدي إلى مواقف متبادلة من الفل ورد الفعل، مواقف مفتوحة الاحتمالات للتصعيد والانفجار، في أي وقت وتحت أي سبب، وهو ما يجعل قيام الحرب أمرا محتملا على الدوام.(56)

        لذا، فإن إقرار الأمن وفق هذه المعضلة الأمنية يحتم مراجعة للمفاهيم التي تروج داخل العلاقات الدولية والاتجاه بها لاتجاهات جديدة تتجاوز تلك التقليدية، وفي هذا الصدد يؤكد "بوزان" ضرورة إيجاد رؤية جديدة حول الأمن، تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والبيئية والمجتمعية والعسكرية، يتم التعبير عنها من منطلقات دولية مشتركة وشاملة، وهو ما من شأنه أن يجعل الدول تتملص ولو جزئيا من تلك السياسات الأمنية المفرطة الذاتية، إلى التفكير في مصالح أمنية بمشاركة جيرانها.(57)

المطلب الثاني- الأمن وإشكالية القومي والعالمي

        ساهمت التغيرات التي طرأت على المجتمع الدولي مع أواخر القرن العشرين، في إيجاد رؤية جديدة حول الأمن بإخراجه من حيث النطاق، من القومية الإقليمية إلى العالمية، ومن حيث البعد من العسكرية إلى السياسية الاقتصادية والبيئية وحتى ما هو مرتبط الإثنية في حالات أخرى.(58)

        وبذلك أصبح الأمن ينطوي على مدخلات دولية أكثر اتساعا، وأصبح التشابك الجديد المتعدد الأبعاد يرسم ملامح رؤية جديدة في الساسات التعاونية لإقرار الأمن، وما يرتبط به من سلم دولي عالمي يتجاوز حدود الخصوصيات، إلا أن الإشكالية الرئيسية أصبحت التوفيق بين الأمن القومي والأمن العالمي.(59)

               ولكن التفرقة بين الأمن القومي والأمن العالمي لا تقف فقط على المعنى والدلالة، بل يشمل أيضا الإجابة على تساؤل؛ من المنوط بتقديم الحماية؟، إذ توسعت في الراهنة الأخيرة ممارسات مؤسسات الأمن القومي لتضع في حسبانها قضايا كالأمن السيبراني والأمن الصحي والأمن البيئي، إذ لم تعد تقتصر وظيفتها تركز فقط على الجانب العسكري فقط.(60)

ولكن توسيع مسؤولية المشاركة في تحقيق الأمن العالمي يعمل بشكل واضح على إلغاء الحد الفاصل بين الشؤون "الداخلية" و"الدولية"، فإذا كانت الدول قد تعاملت دائما مع قضايا الصحة والبيئة والطاقة والأمن السيبراني والعدالة الجنائية على أنها شؤون داخلية، فهي أصبحت تتعامل مع هذه القضايا على أنها هامة ومؤثرة في ممارسات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والأمن وقضايا الدفاع والدبلوماسية والتنمية.(61)

ومع ظهور التهديدات العابرة للحدود خاصة بفعل تأثيرات العولمة كان لهذه التهديدات الجديدة طابعاً عالمياً تطلب إتخاذ قرارات دولية بشأنها في إطار مجلس الأمن الدولي، كما في القرار 2195 الصادر في 2014 لمكافحة الجريمة المنظمة، وعلى الأخص الإتجار بالمخدرات. حيث شدد القرار على عدد من الإجراءات الدولية والوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة.(62)

ويبقى القرار الأهم بخصوص عالمية التهديد للسلم الدولي هو القرار 1373 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2001، بعد أكثر من أسبوعين على هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية. لم يُلزم هذا القانون الدول الأعضاء بمكافحة الإرهاب فقط، بل طالبها كذلك، تحت طائلة العقوبة، بتشريع قوانين وطنية لتجريم ومكافحة الإرهاب.(63)

واللافت هنا بروز الإرهاب تهديد جدي لمصالح الدول الوطنية وكخطر على أمنها القومي، وارتباط بروزه هذا بمنظومات عالمية داعمة للإرهاب تحتاج تصدياً دولياً لها. كانت الحملة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم "داعش Isis" في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2018 نموذجاً على هذا الجهد الدولي المشترك.(64)

وقد أصبحت التهديدات العالمية تتطلب قدرا أكبر من المرونة، بمعنى أن تكون الأولوية لدعم القدرة على الصمود والتحمل أكثر من إحراز النصر، وهو ما عكسته تطورات الأوضاع في أوكرانيا جراء العملية العسكرية الروسية، إذ عكس صمود قوات الجيش الأوكراني في مواجهة القوة الروسية - رغم التفوق العسكري الواضح لصالح الجانب الروسي-، هذه المرونة التي تتطلبها التهديدات العالمية وأن مواجهتها لم يعد يقتصر على تحقيق الأمن العسكري.(65)

ورغم هذه المرونة التي يتطلبها مفهوم الأمن تتطلبها التهديدات العالمية، إلا أن نيويورك تايمز أكدت أن تداعيات الأزمة الأوكرانية وأزمة جائحة كورونا Covid-19، فرضت على الدول "التراجع عن العولمة Retreat From Globalization"، بل إن هاتين الأزمتين تبرزان بوضوح إشكالية القومي والعالمي، فتوجه الولايات المتحدة والغرب إلى عزل روسيا وفرض عقوبات اقتصادية عليها يعني الارتداد عن قواعد الاعتماد المتبادل التي أحدثتها العولمة.(66)

المطلب الثالث-  مفهوم الأمن الشامل

               تشير الدراسات النظرية والعلمية العربية إلى مفهوم الأمن الشامل بأكثر من معنى أحدها أن مهمة تحقيق الأمن ليست حكرا على المؤسسة الأمنية فقط، وإنما هي مهمة مشتركة تتولى كل جهة جانبا من جوانبها، والأمن الشامل لا يتأتى من وجهة النظر هذه بمجرد تحقيق أهداف المؤسسة الأمنية، وإنما بتحقيق أهداف مؤسسات الدولة جميعها بما يحمي المقومات الأساسية التي تقوم عليها الدولة، وما يحافظ على تماسك بنائها في النظام الدولي، أما الآخر فهو يعني أن للوظيفة الأمنية مجالات متعددة بصرف النظر عن واجبات الأجهزة الأخرى في مجال اختصاصها، وأن هذه الوظيفة بتنوعها بلغت ما يكفي لاعتبارها إطار للدور الشامل الذي يحقق الأمن في أمثل صورة.(67)

إن البلورة الفكرية الدقيقة لمفهوم الأمن الشامل Comprehensive security  تحددت في سنة 1994 بموجب تقرير التنمية البشرية لذات السنة، الذي حدد ستة تحديات جديدة شاملة لها صلة وطيدة بالأمن وهي، النمو الديمو غرافي Demographic growth، التفاوت الاقتصادي Economic inequality، النزوح الجماعي Mass migration، التدهور البيئي Environmental degradation، تجارة المخدرات Drug dealing، والإرهاب الدوليInternational terrorism.(68)

إلى جانب مشاركة "لجنة رامفال Ramphal Commission"(69) سنة 1995 بتعمقها في موضوع "الحكم الرشيد الشامل Comprehensive good governance " وعلاقة الديمقراطية بالأمن على المستوى الدولي، وفي ذلك محاولة لإيجاد سبل للربط بين تحقيق الأمن الشامل والتراجع في سيادة الدول، ونفوذها أمام التهديدات غير العسكرية للأمن.(70)

أي أن مفهوم الأمن يتميز بكونه شاملاً ويشمل عدة جوانب تتعلق بحياة الإنسان، فهو لا يقتصر على حماية الهوية والأيديولوجيا، بل يمتد ليشمل قدرة المجتمعات على الحفاظ على خصوصيتها وثقافتها، فضلاً عن قدرتها على استقرار مؤسساتها وهياكلها. كما يشمل أيضاً ضمان الموارد اللازمة لتحقيق رفاهية الأفراد، إلى جانب تعزيز القدرة على التصدي لأي تهديدات مسلحة، وهو ما يتطلب تقوية القدرات الدفاعية والهجومية عند الضرورة.

المبحث الثالث- مفهوم المخاطرة في سياسات الأمن القومي

المطلب الأول ـ مفهوم المخاطرة في سياسات الأمن القومي:

عندما يكون الأمن القومي للدولة في حالة من التهديد بسبب قضية استراتيجية في البيئة الإقليمية والدولية يكون هناك ضغطا على القرار الاستراتيجي، إذ لم يعد التهديد والخطر الاستراتيجي مرتبط بخطر محدد وواضح يمكن لصانع القرار حشد القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية لمواجهته، بل إن التحدي الأكبر بات فيما تفرضه قواعد المساومة للتعامل في قضايا متشابكة معقدة فيما يتعق بالجانب الأمني.(71)

والتحدي يكون في قدرة صانع القرار على الحفاظ على التوازن الاستراتيجي المطلوب في بيئة المخاطر سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي بما يعزز المكاسب الاستراتيجية ويقلل الخسائر قدر الإمكان.(72)

ويفهم الأمن القومي في سياقين أولهما، سياق التفاعل المرتبط بتخليق العدائيات والفرص والثاني سياق التكوين المرتبط ببناء التصورات المستمرة والمتغيرة بشأن العرف على المصالح والتي تشكل بيئة الحكم على الأحداث في مسائل الأمن القومي.(73)

وتفرض بيئة المخاطر على صانع القرار ضرورة الاختيار بين الاحتمالات في ضوء اعتبارات المكسب والخسارة التي يقدرها، ويكون التحدي في أعلى مستوياته إذا كان القرار يتعلق بقضايا الأمن القومي.(73)

ولقد قدمت نظرية الاحتمالات لتفريسكي Tversky وكاهنمان Kahneman جهودا جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بحسابات المخاطرة واتخاذ القرارات في بيئة عدم التأكد.

ونظرية الاحتمالات هي نظرية سلوكية لصنع القرار تحت ظروف مختلفة من الخطر، إذ أن اتخاذ قرار بالمخاطرة يعني تصورا لاحتمالات الخسارة أكثر من احتمالات المكسب المتوقع من اتخاذ القرار، أي أن صانع القرار يختار مبدأ المخاطرة، عندما يكون في وضع غير مناسب لتجنب مزيد من الخسارة، والسعي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.(74)

وتعتبر مكديرموت Rose McDermott  أن مفهوم المخاطرة يرتبط دائما بعدم اليقين، أي أنه "الخطر متأصل في أي حالة يكون فيها عدم اليقين، وعندها تكون المخاطرة كبيرة، كما تكون المكاسب أيضا كبيرة".(75)

وما تتيحه نظرية الاحتمالات هي مزيد من الفهم لمؤشرات المكاسب والخسائر، كما تعلي من أهمية الموقف في تحليل صنع القرار، حيث تعتمد على أدلة مادية بشأن طبيعة الاختلاف بين الجماعات وتأثير ذلك على احتمالات الخطر في ضوء التفضيلات الجديرة بالاهتمام عند اختيار القرار، خاصة في حقل العلاقات الدولية، إذا أنه إذا كانت هناك مخاطر نسبية لتحرك في اتجاه معين من قبل صانع القرار، فإنه سيكون متأثراً بدرجة إدراك صانع القرار لنطاق هذه المخاطر سواء فيما يتعلق بالمكسب أو الخسارة.(76)

المطلب الثاني- المخاطرة والمنفعة في العلاقات الدولية:

               تعتمد مقاربات المنفعة المتوقعة على عدة افتراضات أهمها أن االفاعلين الرئيسيين يسعون إلى تعظيم العائد المتوقع من تلك المنفعة، كما تعتمد كذلك تلك المقاربات على عدد من الفرضيات القياسية "المعيارية" أهمها:

1 ـ المقاربة الانتقالية Transitivity:

               تشير هذه المقاربة إلى أن الاختيار يتم على أساس تراتبية المنفعة Benefit hierarchy  والتي يمكن الإشارة إليها بـ(U)، حيث إن الاختيار (أ) يكون مفضلا عن الاختيار (ب) عندما تكون منفعة  (أ) أكبر من منفعة (ب)، ومن ثم فإن الانتقالية تكون متاحة عندما يكون ممكنا تحديد قيمة معينة لكل اختيار لا تعتمد على الاختيارات الأخرى المتاحة.(77)

ومعنى ذلك أن هذه الفرضية قد تكون ممكنة التحقيق applicable، عندما يجري تقويم الاختيارات على نحو منفصل، وتكون غير ممكنة التحقيق Not applicable عندما تعتمد أو تتوقف نتائج اختيار معين على البديل الذي يتم مقارنته به.

وقد قدم كاهينمان وتفيرسكي وغيرهما، ما يشير إلى إعطاء وزن كبير للبدائل المؤكدة، سواء كانت في مجال المكاسب، إذ أن عامل التأكيد في هذه الحالة يساهم في اجتناب المخاطرة من خلال اختيار البديل الذي له مكسب مؤكد وتفضيله على البديل الذي له مكسب أكبر Bigger gain، لكنه بديل محتمل فحسب وليس مؤكدا not certain، أم في مجال الخسارة، إذ إن العامل نفسه، أو التأثير نفسه لعامل التأكد، يؤدي إلى السعي للمخاطرة risk من خلال تفصيل الخسارة المحتملة على الخسارة الأصغر التي تكون مؤكدة، ومن ثم فإن المبدأ النفسي له يعني تفضيل تجنب المخاطرة في مجال المكاسب والسعي للمخاطرة في مجال الخسائرة.(78)

ومن بين فرضيات نظرية التصور Perception theory أن صانعي القرارات أو الفاعلين الرئيسيين قد يكونوا قابلين ومؤهلين للمخاطرة Risk Acceptant، فهم يميلون إلى النكوص "التراجع Recidivism"، وذلك حتى إذا كانت المنتفعة المتوقعة لهذا النكوص أقل من القيمة المتوقعة للتعاون، ومن ثم ستكون العلاقة الردعية في إطار الخسائر غير مستقرة، ذلك أن قبول المخاطرة التي تخلقها الخسارة يعني أن التهديدات ذات الصدقية العالية جدا هي بدرورها من غير المحتمل أن تكون رادعا فاعلا، وهو ما يختلف تماما عن مجال المكاسب التي تكون فيه تهديدات الردع الأقل صدقية أكثر فاعلية.(79)

فنظرية التصور تحل معضلة مهمة في تعريف الردع تقليديا، إذ وفقا لذلك الفرض، فإن الردع لا يعمل لأن الهديد بالردع في حد ذاته يكون مكلفا، لكن في غلبية حالات الردع الواقعية نجد أن الردع ياتي بنتائجة، ومن ثم ووفقا لنظرية التصور، فإن المتغير المستقبل المهم الذي يفسر نجاح الردع أو فشله هو عبارة عن مستوى الرضا عن الوضع الراهن.(80)

المطلب الثالث- المخاطرة ونظرية الاختيار العقلاني

ووفقاً للاختيار العقلاني فإن الهدف من الردع هو خلق شعور باللاأمن insecurity عند الطرف الآخر، ومن ثم خفض ثقة المتنافس بقدرته على العدوان، ومن ثم يؤدي اللأمن عند الطرف المنافس إلى اختيارات عقلانية Rational choices  أو اختيارات محافظة، وترى نظرية الاختيار العقلاني أيضا أن التفاوض يساهم في إنشاء المصداقية، ومن ثم فإن هذه الاستراتيجية يمكنها أن تكون ناجحة في فرض التعاون على الخصم.(81)

ووفقاً لنظرية الاختيار العقلاني فإن النظم القائمة للرقابة واستراتيجيات التعاون التبادلية بين الدول تجعل من السهل انكشاف الغش أو الخداع، بما يسمع للمتعاون أن يحمي نفسه ويستخدم عقوبات ضد المعارضين.(82)

وأوضح جانيس جروس ستين Janice Gross Stein ولويس باولي Louis W.Pauly أن الحكومات التي تعاني من عدم التأكد في صنع القرار وتتخوف دائما من الخسائر، تلجأ إلى إقامة علاقات تعاونية جديدة Collaborative relationships  باعتبارها استراتيجية مخاطرة تهدف للتخفيف من وطأة الخسارة، والفرضية هنا هي أن صانعي القرارات يصورون قرار التعاون باعتباره قرار مخاطرة لا يقلل الخسائر عن الحد الأدنى، لكنه يمكن أن يبتعد بصانع القرار عن الحد الأدنى، لكنه يمكن أن يتبعد بصانع القرار عن احتمالات الخسارة المؤكدة، وهو ما يعني أنه في مجال الخسائر، سوف يسعى صانعو القرارات للتعاون الجديد، حتى إذا المخاطر أكبر من الخسائر الناتجة من نكوص الدول الأخرى.(83)

الخاتمة

شهد النظام الدولي في العقود الأخيرة تحولات جذرية في طبيعة التهديدات الأمنية التي تواجه الدول والمجتمعات، حيث لم تعد هذه التهديدات تقليدية فقط، بل أصبحت متعددة الأبعاد، متداخلة، وعابرة للحدود. وفي ظل ما يعرف بـ"مجتمع المخاطر العالمي"، تتشابك هذه التهديدات لتخلق بيئة أمنية معقدة وغير مستقرة. ومن هنا، سعت الدراسة إلى تناول هذه الإشكالية من خلال تحليل طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة، وفهم تداعياتها على الأمن الوطني والدولي، واستكشاف استجابات الدول والمجتمعات لهذه المخاطر.

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة التي تسلط الضوء على عمق التحولات الأمنية في عالم اليوم. فقد أثبتت أن طبيعة التهديدات الجديدة، مثل التغيرات المناخية، الأوبئة العالمية، والجرائم السيبرانية، تختلف جذريًا عن التهديدات التقليدية كالتهديدات العسكرية. إذ تتسم هذه التهديدات بأنها عابرة للحدود، ما يجعل من الصعب على أي دولة مواجهتها بمفردها، ويقتضي تعاونًا إقليميًا ودوليًا شاملًا.
كما أظهرت الدراسة أن مفهوم الأمن التقليدي أصبح قاصرًا عن استيعاب هذه التحولات، مما أدى إلى بروز مفاهيم جديدة مثل الأمن الإنساني والأمن البيئي. وخلصت إلى أن هذه التهديدات قد فرضت على الدول إعادة صياغة سياساتها الأمنية، من خلال توسيع مفهوم الأمن ليشمل أبعادًا اقتصادية، صحية، واجتماعية.

على الصعيد النظري، ساهمت الدراسة في توضيح العلاقة بين مجتمع المخاطر العالمي ونظرية الأمننة، حيث أصبحت التهديدات الجديدة تُعرَّف من خلال خطاب أمني يسعى إلى تبرير استجابات استثنائية. وقد أضافت الدراسة بُعدًا جديدًا للتحليل النظري من خلال ربط مفهوم المخاطر العالمية بالتحولات التي طرأت على نظرية الأمن، مشيرةً إلى أهمية توسيع إطارها المفاهيمي ليشمل قضايا مثل الأمن السيبراني والأمن البيئي.

كما أكدت الدراسة على أن خطاب الأمننة لم يعد مقتصرًا على الفواعل التقليدية (الدول)، بل امتد ليشمل فواعل غير تقليدية، مثل الشركات التكنولوجية الكبرى، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية. وقد أظهرت أن هذه الفواعل تلعب دورًا محوريًا في تشكيل استجابات المجتمع الدولي للتهديدات الجديدة.

من الناحية العملية، سلطت الدراسة الضوء على التحديات التي تواجه صناع القرار في ظل التهديدات الأمنية الجديدة. وأكدت على أن غياب التعاون الدولي الكافي يجعل من الصعب التصدي لهذه المخاطر بفعالية. ومن أبرز التوصيات العملية التي قدمتها الدراسة:

تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال بناء شبكات أمنية متعددة الأطراف لمواجهة المخاطر العابرة للحدود.

تطوير استراتيجيات وقائية لمواجهة التهديدات البيئية، مثل إنشاء صناديق دولية لتمويل مشاريع الاستدامة البيئية ومكافحة تغير المناخ.

الاستثمار في تعزيز الأمن السيبراني وتحديث البنية التحتية الرقمية للدول، بما يضمن حمايتها من الهجمات السيبرانية المتزايدة.

بناء أنظمة إنذار مبكر للأزمات العالمية، خاصة تلك المرتبطة بالأوبئة والكوارث الطبيعية، لتعزيز الاستجابة السريعة والفعالة.

كما فتحت الدراسة المجال لمزيد من الأبحاث المستقبلية التي يمكن أن تسهم في تعميق الفهم لهذه القضايا. ومن بين الموضوعات التي تحتاج إلى استكشاف إضافي:

دراسة تأثير التحولات التكنولوجية المتسارعة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، على الأمن الوطني والدولي.

تحليل دور المنظمات الدولية والإقليمية في بناء أطر تعاون جديدة لمواجهة المخاطر الأمنية الناشئة.

استكشاف تأثير التهديدات غير التقليدية على الدول النامية، التي غالبًا ما تكون أكثر عرضة للتأثر بهذه المخاطر.

البحث في كيفية تحقيق توازن بين مواجهة التهديدات الأمنية الجديدة واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، خاصة في ظل تصاعد الخطابات الأمنية.

وتؤكد هذه الدراسة الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في المفاهيم التقليدية للأمن، وتطوير إطار نظري وعملي جديد يتماشى مع طبيعة التهديدات في مجتمع المخاطر العالمي. فالتحديات الأمنية التي تواجه العالم اليوم تتطلب رؤية شاملة، تستند إلى التعاون الدولي، والابتكار في الاستراتيجيات، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. ويبقى الأمل أن تكون هذه الدراسة خطوة نحو فهم أعمق لهذه التحولات، ودعوة لمزيد من الجهود الأكاديمية والعملية لمواجهة المخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل الإنسانية.

الهوامش

1)        Ulrich Beck, Risk Society: Towards a New Modernity. Sage Publications ,2000, p.19.

2)        Ibid, p 25.

3)        Stephen J. Blank, "Rethinking Asymmetric Threats", op.cit.p 53.

4)        Lawrence Freedman, “The Third World War,?” Survival, Vol. XLIII, No. 4, Winter 2001, p. 70

5)       Ibid, p73.

6)     المخاطر الكامنة هي المخاطر والتهديدات التي تتميز بأنها غير مرئية كامنة، كوجود أسباب خلاف بين دولتين أو أكثر دون وجود دلالات أو مظاهر مرئية على هذا الخلاف أو التوتر.

7)        Lawrence Freedman, “The Third World War,?” Survival, Vol. XLIII, No. 4, Winter 2001, p. 70

8)     أولريش بيك، هذا العالم الجديد: رؤية مجتمع المواطنة العالمية، ترجمة: العيد دودو، (منشورات الجمل وكولونيا العالمية، بيروت، الطبعة الأولى، 2001)، ص 77.

9)        Beck, Ulrich.World Risk Societ, (Cambridge: Polity Press, 2001), P. 53.

10)   Guido Kalberer, "Wir haben einen Staatssozialismus für Reiche", tagesanzeiger, Munich, 11.11.2008. https://www.tagesanzeiger.ch/kultur/diverses/wir-haben-einen-staatssozialismus-fuer-reiche/story/31603563.

11)     Beck, Ulrich.World Risk Societ. Op. cit., P. 87.

12)   Ibid., P. 95.

13)   أولريش بيك، مجتمع المخاطر العالمي بحثا عن الأمان المفقود، ترجمة: علا عادل ـ هند إبراهيم ـ  بسنت حسن ـ القاهرة، (المركز القومي للترجمة، 2013)، ص 7.

14)  المرجع السابق، ص 37.

15)  حادث تشيرنوبل هو كارثة نووية وقعت في 26 أبريل 1986 في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، الواقعة في أوكرانيا التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي آنذاك. حدثت الكارثة نتيجة لانفجار في المفاعل الرابع للمحطة أثناء اختبار أمان، نتج عنه إطلاق كميات هائلة من الإشعاع إلى الغلاف الجوي، وصلت إلى مناطق واسعة في أوروبا.

16)   Beck, Ulrich.World Risk Societ. Op. cit, P 95.

17)   Ibid., P. 105.

18)   SEE: Ulrich Beck, Anthony Giddens and Scott Lash, Reflexive Modernization: Politics, Tradition and Aesthetics in the Modern Social Order, (Stanford University Press: Stanford, California, 1994).

19)  أولريش بيك، السلطة والسلطة المضادة، ترجمة: جورج كتورة و إلهام الشعراني، (بيروت: المطبعة الشرقية، الطبعة الأولى، تاريخ النشر: 2010)، ص 209.

20)    المرجع السابق، ص210.

21)    Sørensen.Mads, Christiansen.Allan, Ulrich Beck: An introduction to the theory of second modernity and the risk society, (Routledge, New York, 2013), P29.

22)   Ulrich Beck, Anthony Giddens and Scott Lash, Reflexive Modernization: Politics, Tradition and Aesthetics in the Modern Social Order, Op. cit, P 3.

23)   Ibid, p. 5.               

24)   Ibid, P 7.

25)   Giddens, Anthony. The Consequences of Modernity, (Stanford, Stanford University Press: 1990), 36-42.

26)   Sørensen.Mads, Christiansen.Allan, Ulrich Beck: An introduction to the theory of second modernity and the risk society, Op.cit. P 45.

27)   Ulrich Beck, Anthony Giddens and Scott Lash, Reflexive Modernization: Politics, Tradition and Aesthetics in the Modern Social Order, Op. cit, P 337.

28)   Ibid, P. 341.

29)   Ulrich Beck, Risk Society: Towards a New Modernity, op.cit.p. 52.                   

30)   Tooze.Adam, The Sociologist Who Could Save Us from Coronavirus, foreignpolicy, AUGUST 1, 2020. https://foreignpolicy.com/2020/08/01/the-sociologist-who-could-save-us-from-coronavirus/

31)   Ibid.

32)   Beck, Ulrich. World at Risk, (Cambridge: Polity Press: 2009), P .40.

33)   Ulrich Beck, Risk Society: Towards a New Modernity, op.cit.p. 183.

34)   Beck, U., ‘World Risk Society as Cosmopolitan Society? Ecological Questions in a Framework of Manufactured Uncertainties’, Theory, Culture & Society, vol. 13, no. 4, 1996a, p. 5.

35)   Ibid., P. 45.

36)   Beck, Ulrich. Cosmopolitan Vision, (Cambridge: Polity Press: 2006), P .101.

37)   C. Wright Mills and His Concept of the Sociological Imagination. August 25, 2022. Edubirdie. Retrieved July 6, 2023, from https://edubirdie.com/examples/c-wright-mills-and-his-concept-of-the-sociological-imagination/

38)   Ibid.

39)   Beck, U., World Risk Society as Cosmopolitan Society?, Ibid., P. 75.                                                     

40)   Ibid.p.76.

41)   Baker, Andy. Global Cooperation in the Age of COVID-19: A New World Order?, (Cambridge: Cambridge University Press: 2022), P. 115.

42)   Ulrich Beck, Risk Society: Towards a New Modernity, op.cit.p. P. 168.

43)  أنتوني لوينشتاين، رأسمالية الكوارث. ترجمة: أحمد عبد الحميد. العدد 478 (الكويت: عالم المعرفة. 2019)، ص 12.

44)   Fukuyama, Francis. The Great Disruption: Human Nature and the Reconstitution of Social Order, (New York: Free Press: 1999), P. 155.

45)   Piketty, Thomas. Capital in the Twenty-First Century, (Cambridge: Harvard University Press: 2014), P. 460.

46)   Ibid.

47)   SEE: McNAMARA .ROBERT S, The Essence of Security, Ibid.

48)   Buzan. Barry, People, states and fear: An Agenda for security Analysis in the Post-Cold War Era, Op. cit, P. 20.

49)   Ibid., P. 45.                                                                                                                                                                                        

50)   Hobbes, Thomas. Leviathan, (Oxford: Oxford University Press: 1651), P. 120.

51)   Ibid.

52)   Peter Stirk, "John H. Herz: Realism and the Fragility of the International Order", Review of International Studies Vol. 31, No. 2 Apr., Cambridge University Press, 2005, P. 286.

53)   Ibid.

54)   Wheeler, Nicholas; Booth, Ken, 'Uncertainy - Rethinking the Security Dilemma', in Security Studies: An Introduction, Op.cit, p. 150.

55)   Arnold Wolfers, "'National Security as an Ambig uous Symbol', Political Science Quarterly, Op.cit, p. 496.

56)   Peter Stirk, "John H. Herz: Realism and the Fragility of the International Order", Op.cit. P. 289.

57)   Buzan. Barry, People, states and fear: An Agenda for security Analysis in the Post-Cold War Era, Op. cit, P. 37.

58)   Global Insecurity: Futures of Global Chaos and Governance, Burke.Anthony, Parker.Rita, (eds.), (Palgrave Macmillan, UK: 2017), Edition: 1, P. 141.

59)   Ibid, P. 146.

60)   Buzan. Barry, People, States and Fear: The National Security Problem in International Relations, Op. cit, p. 25.

61)   Ibid, P. 27.                                                                                                                                              

62)   SEE: https://undocs.org/ar/S/RES/2195 (2014).

63)   SEE: https://www.unodc.org/pdf/crime/terrorism/res_1373_arabic.pdf.

64)   Mendelsohn, Barak. The al-Qaeda Franchise: The Expansion of Al-Qaeda and Its Impact on the Global Terrorist Movement, (Oxford: Oxford University Press: 2016), P.115.

65)   Matisek, Jahara, and Will Reno. Weathering the Storm: Western Security Assistance on the Defensive in Ukraine. The Royal United Services Institute (RUSI), February 23, 2024. https://www.rusi.org/explore-our-research/publications/commentary/weathering-storm-western-security-assistance-defensive-ukraine

66)   Wong. Edward, Swanson. Ana, “Ukraine War and Pandemic Force Nations to Retreat From Globalization”, The New York Times, March 22, 2022.

67)   https://www.nytimes.com/2022/03/22/us/politics/russia-china-global-economy.html

68)   Waever, Ole, and Barry Buzan. Regions and Powers: The Structure of International Security. (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), p. 71.             

69)   SEE: https://hdr.undp.org/content/human-development-report-1994.

70)   لجنة رامفال، التي أُنشئت عام 1995، أظهرت دورًا بارزًا في البحث عن سبل لربط "الحكم الرشيد الشامل" بالأمن الدولي، خاصة في سياق تراجع سيادة الدول أمام التهديدات غير العسكرية. سعت اللجنة إلى تسليط الضوء على أهمية الديمقراطية في تعزيز الأمن المستدام، معتبرة أن الديمقراطية الفعالة تسهم في تقليل التوترات الداخلية وتعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات العالمية، مثل الإرهاب، التغير المناخي، والأزمات الاقتصادية.

71)   Ramphal Commission. "The Ramphal Commission Report: Comprehensive Good Governance." Report, 1995.

72)  جهاد عودة، الصراع الدولي: مفاهيم وقضايا، دار الهدى للنشر، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005 ص 262.

73)  المرجع السابق، ص 267.                                             

74)  جهاد عودة، تقدير الأزمة الاستراتيجية في العالم، دار المكتب العربي للمعارف، الطبعة الأولى القاهرة، 2014، ص 81.   

75)   Gregory Allen, Rachel Derr, Threat assessment and risk analysis: an applied approach, op.cit, P. 25.

76)   Kahneman. Daniel, Tversky. Amos, "Prospect Theory: An Analysis of Decision under Risk," Econometrica, vol. 47, no. 2, 1979, p. 265.

77)   McDermott. Rose, Risk -Taking in International Politics: Prospect Theory in American Foreign Policy (Ann Arbor, MI: University of Michigun Press, 2001), P. 18.

78)   Ibid, p. 25.

79)   Kahneman. Daniel, Tversky. Amos, "Prospect Theory: An Analysis of Decision under Risk", Op.cit, p. 268.

80)   Ibid, P. 271.

81)   Ibid.

82)   Jervis, Robert. Perception and Misperception in International Politics (Princeton: Princeton University Press, 2017), P. 95.

83)   George, Alexander L. The Logic of Deterrence.( New York: The University of Chicago Press, 1974).

84)   Stein, Janice Gross, and Louis W. Pauly. "The Political Economy of Cooperation: Strategic Decision Making in International Politics." International Organization 44, no. 4 (1990): P. 716.

85)   "Choosing to Cooperate: How States Avoid Loss" by Janice Gross Stein and Louis W. Pauly (Publisher: Johns Hopkins University Press, Year: 2005).

المراجع  والمصادر

المراجع العربية:

1.      أنتوني لوينشتاين، رأسمالية الكوارث. ترجمة: أحمد عبد الحميد. العدد 478، الكويت، عالم المعرفة. 2019.

2.      أولريش بيك، السلطة والسلطة المضادة، ترجمة: جورج كتورة و إلهام الشعراني، (بيروت: المطبعة الشرقية، الطبعة الأولى، تاريخ النشر: 2010.

3.      أولريش بيك، مجتمع المخاطر العالمي بحثا عن الأمان المفقود، ترجمة: علا عادل ـ هند إبراهيم ـ  بسنت حسن ـ القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2013.

4.      أولريش بيك، هذا العالم الجديد: رؤية مجتمع المواطنة العالمية، ترجمة: العيد دودو، منشورات الجمل وكولونيا العالمية، بيروت، الطبعة الأولى، 2001.

5.      جهاد عودة، الصراع الدولي: مفاهيم وقضايا، دار الهدى للنشر، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005 ص 262.

6.      جهاد عودة، تقدير الأزمة الاستراتيجية في العالم، دار المكتب العربي للمعارف، الطبعة الأولى القاهرة، 2014.

 المراجع الأجنبية:

1.         [1] Beck, U., ‘World Risk Society as Cosmopolitan Society? Ecological Questions in a Framework of Manufactured Uncertainties’, Theory, Culture & Society, vol. 13, no. 4, 1996a.

2.         [1] Beck, Ulrich. Cosmopolitan Vision, (Cambridge: Polity Press: 2006).

3.         [1] Beck, Ulrich. World at Risk, (Cambridge: Polity Press: 2009).

4.         [1] C. Wright Mills and His Concept of the Sociological Imagination. August 25, 2022. Edubirdie. Retrieved July 6, 2023, from https://edubirdie.com/examples/c-wright-mills-and-his-concept-of-the-sociological-imagination/

5.         "Choosing to Cooperate: How States Avoid Loss" by Janice Gross Stein and Louis W. Pauly (Publisher: Johns Hopkins University Press, Year: 2005).

6.         Baker, Andy. Global Cooperation in the Age of COVID-19: A New World Order?, (Cambridge: Cambridge University Press: 2022), P. 115.

7.         Beck, Ulrich.World Risk Societ, (Cambridge: Polity Press, 2001.

8.         Fukuyama, Francis. The Great Disruption: Human Nature and the Reconstitution of Social Order, (New York: Free Press: 1999), P. 155.

9.         George, Alexander L. The Logic of Deterrence.( New York: The University of Chicago Press, 1974).

10.    Giddens, Anthony. The Consequences of Modernity, (Stanford, Stanford University Press: 1990.

11.    Global Insecurity: Futures of Global Chaos and Governance, Burke.Anthony, Parker.Rita, (eds.), (Palgrave Macmillan, UK: 2017), Edition: 1.

12.    Guido Kalberer, "Wir haben einen Staatssozialismus für Reiche", tagesanzeiger, Munich, 11.11.2008. https://www.tagesanzeiger.ch/kultur/diverses/wir-haben-einen-staatssozialismus-fuer-reiche/story/31603563.

13.    Hobbes, Thomas. Leviathan, (Oxford: Oxford University Press: 1651).

14.    https://hdr.undp.org/content/human-development-report-1994.

15.    https://undocs.org/ar/S/RES/2195 (2014).

16.    https://www.nytimes.com/2022/03/22/us/politics/russia-china-global-economy.html

17.    https://www.unodc.org/pdf/crime/terrorism/res_1373_arabic.pdf.

18.    Jervis, Robert. Perception and Misperception in International Politics (Princeton: Princeton University Press, 2017).

19.    [1]Kahneman. Daniel, Tversky. Amos, "Prospect Theory: An Analysis of Decision under Risk," Econometrica, vol. 47, no. 2, 1979.

20.    Lawrence Freedman, “The Third World War,?” Survival, Vol. XLIII, No. 4, Winter 2001.

21.    Lawrence Freedman, “The Third World War,?” Survival, Vol. XLIII, No. 4, Winter 2001

22.    Matisek, Jahara, and Will Reno. Weathering the Storm: Western Security Assistance on the Defensive in Ukraine. The Royal United Services Institute (RUSI), February 23, 2024, at:

https://www.rusi.org/explore-our-research/publications/commentary/weathering-storm-western-security-assistance-defensive-ukraine

23.    McDermott. Rose, Risk -Taking in International Politics: Prospect Theory in American Foreign Policy (Ann Arbor, MI: University of Michigun Press, 2001).

24.    Mendelsohn, Barak. The al-Qaeda Franchise: The Expansion of Al-Qaeda and Its Impact on the Global Terrorist Movement, (Oxford: Oxford University Press: 2016).

25.    Peter Stirk, "John H. Herz: Realism and the Fragility of the International Order", Review of International Studies Vol. 31, No. 2 Apr., Cambridge University Press, 2005.

26.    Piketty, Thomas. Capital in the Twenty-First Century, (Cambridge: Harvard University Press: 2014).

27.    Ramphal Commission. "The Ramphal Commission Report: Comprehensive Good Governance." Report, 1995.

28.    Sørensen.Mads, Christiansen.Allan, Ulrich Beck: An introduction to the theory of second modernity and the risk society, (Routledge, New York, 2013), P29.

29.    Stein, Janice Gross, and Louis W. Pauly. "The Political Economy of Cooperation: Strategic Decision Making in International Politics." International Organization 44, no. 4 (1990).

30.    Stephen J. Blank, "Rethinking Asymmetric Threats", op.cit.p 53.

31.    Tooze.Adam, The Sociologist Who Could Save Us from Coronavirus, foreignpolicy, AUGUST 1, 2020, at:

https://foreignpolicy.com/2020/08/01/the-sociologist-who-could-save-us-from-coronavirus/

32.    Ulrich Beck, Anthony Giddens and Scott Lash, Reflexive Modernization: Politics, Tradition and Aesthetics in the Modern Social Order, (Stanford University Press: Stanford, California, 1994).

33.    Ulrich Beck, Anthony Giddens and Scott Lash, Reflexive Modernization: Politics, Tradition and Aesthetics in the Modern Social Order, Op. cit, P 3.

34.    Ulrich Beck, Risk Society: Towards a New Modernity. Sage Publications ,2000.

35.    Waever, Ole, and Barry Buzan. Regions and Powers: The Structure of International Security. (Cambridge: Cambridge University Press, 2003).       

36.    Wong. Edward, Swanson. Ana, “Ukraine War and Pandemic Force Nations to Retreat From Globalization”, The New York Times, March 22, 2022.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟