المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تداعيات السقوط: أسباب تراجع استراتيجية روسيا الإقليمية بعد سقوط الأسد

السبت 11/يناير/2025 - 09:43 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

بعد تأسيس قوات المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام حكومة انتقالية لإدارة الدولة السورية، يمكن القول إن تداعيات سقوط بشار الأسد تمتد إلى ما هو أبعد من سوريا، خاصة روسيا الحليف الأوثق للنظام السابق، وهذه التداعيات ستؤثر على الاستراتيجية الإقليمية الروسية التي من شأنها أن تقوض نفوذ روسيا، ليس فقط في الشرق الأوسط بل وأيضًا في مختلف أنحاء أفريقيا.

أهداف روسيا

تسعى روسيا جاهدة للحفاظ على نفوذها الجيو-سياسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمثل تطورات الصراع المسلح في سوريا واحدة من أكبر التحديات الاستراتيجية التي تواجهها في المنطقة. منذ تدخلها العسكري في سوريا في عام 2015 لدعم نظام بشار الأسد، أصبحت روسيا قوة محورية في الصراع السوري، في محاولة لتوسيع دائرة نفوذها الإقليمي وضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية. إذ تعتبر موسكو القاعدتين العسكريتين اللتين تحتفظ بهما في سوريا، وهما قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية ومنشآتها البحرية في طرطوس، من الأصول الاستراتيجية الحيوية التي لا يمكن التفريط بها، خاصة في ظل تصاعد التوترات في المنطقة.

وفي إطار سعيها للحفاظ على مصالحها العسكرية والدبلوماسية في سوريا، تحركت موسكو لضمان سلامة القواعد العسكرية الروسية في سوريا. وفي الوقت ذاته، أفادت بعض التقارير أنه تم التوصل إلى اتفاق بين روسيا وزعماء المعارضة السورية لضمان حماية القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية الروسية داخل الأراضي السورية.

ويُظهر الموقف الروسي من الأزمة السورية التزامًا ثابتًا بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة؛ حيث تعتبر القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وخاصة قاعدة حميميم الجوية ومنشآت طرطوس البحرية، من الأصول الاستراتيجية الحيوية بالنسبة لموسكو. فهي تمنح روسيا حضورًا عسكريًا دائمًا في البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز قدرتها على تنفيذ عمليات بحرية وجوية في المنطقة. وقد تزايدت المخاوف الروسية من تهديد هذه القواعد في ظل التطورات الميدانية المتسارعة وأن هذه القواعد قد تكون مهددة بشكل خطير إذا استمر الوضع العسكري في سوريا في التدهور. وفي إطار هذه التحديات، سعى المسئولون الروس إلى تأمين هذه القواعد الحيوية من خلال ترتيب اتفاقات مع الأطراف المعنية، بما في ذلك ضمان حماية المنشآت العسكرية الروسية من أي تهديدات قد تنشأ من الجماعات المسلحة أو من القوات المعارضة لنظام الأسد. ويعد الاتفاق الأخير مع بعض زعماء المعارضة السورية خطوة نحو ضمان أمن هذه القواعد والمرافق الروسية، وهو ما يعكس استمرار موسكو في تكريس جهودها للحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي في سوريا.

أسباب التراجع

هناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تفسر أسباب تراجع الدور الروسي في سوريا، أولها هو تراجع القدرات لمجموعة فاجنر بعد مقتل يفغيني بريجوزين الذي لعب الدور المحوري في إعادة ترتيب النفوذ الروسي وترتيب الأوضاع الأمنية وجمع المعلومات الاستخباراتية، فقد كان بريجوزين العقل المدبر وراء تعزيز النفوذ التي شنها الكرملين في الشرق الأوسط، كما ابتكر مخططات مالية لمساعدة روسيا على التهرب من العقوبات، وقد حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عام 2023 حماية نفوذه روسيا في سوريا، لكن جهوده باءت بالفشل بشكل واضح. فقد ثبت أن النظام الذي بناه بريجوزين في سوريا وحافظ عليه من الصعوبة تكراره بعدما سيطرت وزارة الدفاع الروسية على أنشطة قوات فاجنر؛ حيث تراجعت أرباح النفط والغاز، وفشلوا في توقع تداعيات العمليات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية. ونظراً لاعتماد روسيا على إيران لدعم أنشطتها في سوريا بعد أكثر من عقد من التعاون والتنسيق لدعم نظام الأسد، فقد أدى هذا التغاضي إلى تقويض الموقف الاستراتيجي لموسكو في المنطقة بشكل كبير.

ويتمثل العامل الثاني في تحويل سوريا إلى محور العمليات اللوجستية الإقليمية لروسيا، ورغم أن هذا الاعتماد ربما نشأ عن ضرورة، إلا أنه كشف عن نقاط ضعف حرجة في السياسة الروسية؛ إذ تعتمد روسيا بشكل كبير على القواعد العسكرية السورية لتعزيز نفوذها وإدارة علاقاتها الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي واجه تحديات كبيرة في علاقات سوريا مع دول الخليج التي ربطت تعزيز العلاقات مع روسيا بالتخلص من مخدر الكبتاجون والضغط على سوريا في هذا الشأن.

في حين يشير العامل الثالث إلى تقليل روسيا من شأن موقف تركيا وقدرتها على الاستجابة بشكل حاسم للتهديدات ضد مصالحها الأمنية الوطنية. لقد أظهرت أنقرة قدرة ملحوظة على تنظيم وتعبئة ومواجهة الجهات الفاعلة التي تتحدى أولوياتها الاستراتيجية، سواء داخل المنطقة أو خارجها. وهو ما يؤشر على خطأ روسيا في تقدير ميزان القوى في سوريا والمنطقة من خلال التقليل من عزم أنقرة على إجبار الأسد على التوصل إلى اتفاق يشمل التعامل مع المعارضة السورية والترحيب باللاجئين. وفي الواقع، لم يكن الأمر سوى مسألة وقت قبل أن تواجه تركيا نظام الأسد. ولم يؤد هذا التغافل بتعقيد عمليات روسيا داخل سوريا فحسب، بل سمح أيضًا لتركيا بفرض نفسها كلاعب إقليمي مهيمن، الأمر الذي أدى إلى تآكل نفوذ موسكو بشكل أكبر.

ورغم الصعوبة في معرفة ما يدور في توجهات السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة في سوريا، إلا أن المرجح أن بوتين أخطأ في حساباته عندما نظر إلى سوريا باعتبارها صراعًا مجمدًا. فقد تصور أن الوقت سوف يحسن الوضع، وأن الولايات المتحدة سوف تقبل تدريجيًا درجة من التطبيع مع الأسد، وأن هذا من شأنه أن يغير مجريات الأوضاع لصالحه.

ويمكن الإشارة هنا إلى الخلل الكبير في استراتيجية بوتين يكمن في عجزه عن معالجة المخاطر التي صاحبت مكاسبه الاستراتيجية مثل تأمين موطئ قدم في سوريا، وتوسيع شبكة الدفاع الجوي الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، واكتساب موقع استراتيجي للضغط على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي ــ فقد أهمل التخفيف من نقاط الضعف المتأصلة المرتبطة بهذه الإنجازات والتي من أهمها اعتماد روسيا المفرط على إيران. فعلى الرغم من أن طهران تعمل كشريك عملي في مواجهة النفوذ الأميركي، وزعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والضغط على الدول لعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا إنها نظام ضعيف بطبيعته، والواقع أن إسرائيل أظهرت عزمًا استثنائيًا على استهداف وكلاء إيران وخاصة حزب الله، وقد كشفت إسرائيل بشكل غير مباشر عن هشاشة اعتماد بوتين على طهران.

اتجاهات عديدة

إن العواقب المترتبة على هذه الحسابات الخاطئة انعكست على النفوذ الروسي خاصة بعدما انهارت جهود روسيا التي استمرت لسنوات طويلة لوضع نفسها كضامن أمني بديل للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة في غضون أيام فقط، وهو ما أكدت عليه السرعة التي سيطرت بها المعارضين لنظام الأسد على المدن والقرى والقواعد العسكرية، كما لم تعد روسيا قادرة على الترويج لدورها في إنقاذ الأسد من الحرب الأهلية السورية ــ وهي الرواية التي استخدمها كثيرًا لتعزيز نفوذها في المنطقة بصورة عامة. ومع الأخذ في الاعتبار الاستثمارات الكبيرة التي ضختها روسيا في سوريا، فإن بوتين يواجه مفترق طرق ما لم يسع إلى التوصل إلى تسوية مع المعارضة السورية لتأمين المصالح الروسية، فإن النفوذ الروسي سيتراجع في مواجهة القوى الغربية.

والأمر الأكثر أهمية من ذلك يتمثل في أن سوريا ليست الدولة الوحيدة التي تمتلك فيها تركيا مصالح وطنية مباشرة، والتي تتدخل فيها أيضًا كل من روسيا وإيران، وأنه في حال سقوط ليبيا حيث أنشأت روسيا قواعد عسكرية متعددة لدعم المشير خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي في الحرب الأهلية في البلاد فقد يتضاءل نفوذ موسكو في ليبيا أيضًا. وكما فعلت تركيا في سوريا ستفعل في ليبا بعدما أدت الضربات الحاسمة التي شنتها إسرائيل ضد وكلاء إيران إلى إحداث تأثير الدومينو، والذي استغلته تركيا بمهارة لزعزعة استقرار التحالف الروسي الإيراني في سوريا، وهو ما يهدد النفوذ الإقليمي الروسي بشكل أكبر.

إن إقامة تعاون استراتيجي أمريكي مع تركيا في سوريا وليبيا قد يكون بمثابة سياسة تحولية، ومن شأن مثل هذه الشراكة أن تسفر عن فوائد متبادلة من خلال إضعاف المحور الأمني ​​الإيراني الروسي وإعادة تنظيم توازن القوى الإقليمي. وعلاوة على ذلك، من شأنها أن تضع الولايات المتحدة وحلفائها في موقف يسمح لهم بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا الديمقراطية بعد الأسد. وعلاوة على ذلك، فإن هذا التحول من شأنه أن يساعد الولايات المتحدة على استعادة موقفها القوي في المنطقة والمناطق المجاورة والتصدي للنفوذ الروسي الذي استثمرت فيه قدرًا كبيرًا من الوقت والموارد في تعزيزه.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟