المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد عاطف شرقاوي
محمد عاطف شرقاوي

سوريا من فم الأسد إلى أين؟ .. رؤية حول تطورات الأزمة السورية والسيناريوهات المحتملة

الثلاثاء 17/ديسمبر/2024 - 06:10 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تتوالى الأحداث تباعًا على الساحة الدولية والإقليمية بشكل لم يُشهد من قبل، فما بين نار طوفان الأقصى التي لم تنطفئ بعد، وركام دمار لبنان الذي لم يرفع، تطل علينا الأزمة السورية من جديد، ولكن هذه المرة بأبعاد وحسابات مختلفة، حيث ترك نظام الأسد يسقط وحيدًا، ولم يجد عونًا من صديق أو حليف، إذ اشتعلت سوريا فجأةً في يوم 27 نوفمبر 2024 بعدما أعلنت هيئة تحرير الشام بقيادة "أبو محمد الجولاني" ومعها فصائل المعارضة المسلحة عن بدء عملية "ردع العدوان" ضد نظام بشار الأسد، وسرعان ما توالى تساقط المحافظات الكبرى السورية في أيدي قوات المعارضة بشكل سريع ودراماتيكي، حتى سقطت العاصمة دمشق وفر الأسد وأسرته إلى روسيا، ومن ثم توالت بيانات التأييد والتهنئة من عدد من الدول كان في مقدمتهم تركيا والولايات المتحدة، حتى أن التهنئة قد جاءت أيضًا من التنظيمات الإسلامية كطالبان والاخوان المسلمين، وحركة حماس، كما انتشرت بيانات القلق في روسيا وإيران، وما لبس أن أجري اجتماع الدوحة بحضور عدد من وزراء الخارجية العرب مع وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا، ما يشير إلى الأهمية الاستراتيجية لسوريا، وسعي الجميع للحفاظ على مصالحه فيها، ولربما تقاسم الموارد ومناطق النفوذ، هذا وتطرح هذه الأزمة مجموعة من التساؤلات لعل أبرزها:

لماذا سقط نظام بشار الأسد بهذه الطريقة؟

يمكن تحديد عدة عناصر للإجابة على هذا التساؤل، وتقسيمها إلى محورين رئيسيين:

داخليًا:

وجود خلل في تركيبة الجيش السوري، وضعف ولاءاته التي باتت تتجه إلى الأشخاص لا الوطن، وهو الأمر الذي لم يتمكن بشار من معالجته حتى رغم رجوح الكفة لصالحه في السنوات الأخيرة قبل الاطاحة به.

استنزاف القدرات العسكرية للجيش السوري على مدار سنوات اشتعال الأزمة منذ ٢٠١١.

ضعف القبضة العسكرية للنظام على المناطق التي كان يسيطر عليها بعد سحب حلفاؤه في الخارج لكثير من المستشارين العسكريين، والقوات، والجماعات المسلحة من سوريا.

ضعف القدرات الأمنية والاستخباراتية لنظام بشار، ما جعله مكشوفًا ومخترقًا أمام الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المناوئة له، كما أفقده القدرة على التنبؤ بالأزمة واشتعالها.

موقف النظام الجغرافي الذي بات في وضع المحاصر من قوات المعارضة من الجنوب والشمال، والذي سمح بتدفق الإمدادات لقوات المعارضة.

تدمير الاقتصاد السوري، وتضييق الخناق الاقتصادي على نظام الأسد؛ ما أثر على قدرات النظام العسكرية، والتنموية، ومعنويات المواطنين.

تعاظم القدرات العسكرية والاقتصادية للمعارضة من خلال نجاحهم في الحصول على دعم خارجي من قوى مختلفة.

تمكن قوات المعارضة من السيطرة على عديد من الموارد وممرات التهريب لدول الجوار، ما أعطاها مزيدًا من القوة الاقتصادية والاستراتيجية.

انتشار حالة من الاحتقان والغضب الشعبي وسط الكثير من المواطنين - حتى داخل المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد، بل ووسط العلويين أنفسهم – نتيجة سياسات عائلة الأسد القمعية المتراكمة، وهو ما أفقد نظام الأسد القدرة على الحشد.

انهيار معنويات ودوافع قادة وقوات نظام الأسد إثر هول الصدمة من مباغتة قوات المعارضة لهم، وتحقيقها لمكاسب واسعة على الأرض في فترة زمنية قليلة، وغنائم هائلة من العتاد، واستغلال ذلك إعلاميًا ودعائيًا ضد قوات بشار.

وجود خلافات بين دوائر نظام الأسد وقياداته؛ وهو الأمر الذي تكشف من خلال إعلان عدد من قائدة من الجيش والنظام انشقاقهم، ومن خلال انسحاب قوات النظام من المعارك بشكل يثير الشكوك، وأيضًا من خلال إعلان رئيس الحكومة السورية "محمد غازي الجلالي" عدم هروبه مع الأسد، واستعداده لتسليم السلطة ومؤسسات الدولة بشكل سلمي لقوات المعارضة.

عدم وجود وفاق بين نظام الأسد والأكراد - وتحديدًا ذراعهم العسكري الأبرز قوات سوريا الديمقراطية "قسد" - الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من الأراضي السورية، حيث إنهم لم يساندوا النظام السوري في مواجهة فصائل المعارضة المسلحة، وذلك بالرغم من تسليم قوات النظام العديد من الأراضي إلى قوات سوريا الديمقراطية بعدما أردك نظام الأسد أنه لا محال من الهزيمة على يد فصائل المعارضة.

خارجيًا:

وجود توجه لتشكيل نظام عالمي جديد، ما أدى إلى تضارب المصالح والمواءمات، وبطبيعة الحال سوف يتم ترجيح المصالح الأقوى على حساب الطرف الضعيف، والذي كان هو نظام بشار في هذه الأزمة.

حدوث حراك كبير على المستوى الدولي قبل تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في يناير المقبل، والذي تشير التقارير إلى أنه سيسعى لعقد صفقات كبرى لحلحلة مختلف الأزمات حال قدومه؛ لذا فإن كل الأطراف تسعى لتحقيق أكبر تغييرات ممكنة تضمن لها أكبر قدر من المكاسب قبل مجيئه.

انشغال حليف الأسد الإيراني في مواجهته لإسرائيل، مع وجود أولوية لإيران في الحفاظ على برنامجها النووي، ولربما حتى بمقابل التضحية بنظام الأسد الذي اتضحت هشاشته - بما لا يدع مجالًا للشك - سيما في المعارك الأخيرة، ولربما أيضًا رغبة من إيران في عدم استنزاف ما تبقى من الجماعات الموالية لها في معركة مع طرف خاسر في سوريا.

انغماس الروس في حرب أوكرانيا التي تمثل الأولوية الأولى لهم في الوقت الراهن، مع إمكانية وجود تفاهم ما بين روسيا وباقي الفاعلين الدوليين حول الاطاحة بورقة الأسد في مقابل تحقيق تقدم ما في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك مع الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا والتواجد العسكري الروسي في قاعدتي "طرطوس" و"حميميم"، واللذان لم تمسهما قوات المعارضة بسوء حتى الآن.

الدعم التركي العسكري والاستخباراتي واللوجستي الهائل لفصائل المعارضة في مواجهة الأسد، وقوات سوريا الديمقراطية.

ترجيح ضلوع إسرائيل والولايات المتحدة - حتى ولو عن طريق غير مباشر - في التخطيط لإشعال الحرب على نظام الأسد في هذا التوقيت؛ فليس بمحل صدفة أن يكون توقيت إعلان بدء العمليات العسكرية ضد نظام الأسد في نفس يوم إعلان الهدنة في لبنان بين حزب الله وإسرائيل.

إضعاف قوة "حزب الله" وتشتيت جهوده بعد الضربات التي تلقاها من إسرائيل في لبنان، ما منعه من دعم قوات الأسد في سوريا.

صعوبة تلقي قوات الأسد دعمًا عسكريًا من الجماعات الموالية لإيران في العراق نظرًا لقطع الولايات المتحدة طريق الامدادات العسكرية القادمة من العراق من خلال الضربات الجوية المتكررة، كما أنه لعدم رغبة الحكومة العراقية في التدخل بشكل مباشرة في الحرب السورية حتى لا تكون في مرمى العقوبات الأمريكية.

تغييب العديد من عناصر الخبرة من المستشارين والعسكريين الإيرانيين سواءً بالاغتيال أو بالانسحاب خشية الاغتيال.

عدم وجود داعمين من القوى العربية والخليجية لنظام الأسد، وذلك لأنه لطالما كان محسوبًا على المعسكر الإيراني، ولربما محاولة الأسد للوصول إلى مواءمات سياسية عبر سعيه في السنوات الأخيرة نحو التقارب مع الدول العربية والخليجية تحديدًا - مع عدم الصدام بالمصالح الإيرانية - أفقدته الثقة لدى كلا الطرفين.

انتهاء دور الأسد وفشله في أن يضع نفسه كورقة رابحة من حيث المواءمات والمصالح في معادلة القوى الدولية، بل وأن تواجده أصبح يمثل عبئًا على حلفاءه قبل مناهضيه.

نجاح "هيئة تحرير الشام" بقيادة "أبو محمد الجولاني" في حشد دعم أمريكي ودولي، حتى أنه يجري تصديره الآن كقائد ثوري باسمه الحقيقي المعلن "أحمد الشرع" بدلًا من كنيته سالفة الذكر وصورته السابقة كقائد لجبهة النصرة المصنفة إرهابية، بل وأنه جرى استضافته في شبكة "CNN" الأمريكية، وذلك على الرغم من كون الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وضعته ضمن قوائم المطلوبين للعدالة.

تمكن فصائل المعارضة بقيادة الجولاني من إيجاد مساحة من المصالح والمواءمات مع مختلف الفاعلين؛ فهو يحقق المصالح التركية، ولم يتعرض للقواعد الروسية، وصرح في لقاءه الأخير عبر  "CNN" بأنه لا ينوي المساس بالمصالح الأمريكية في سوريا.

قدرة فصائل المعارضة على حشد مقاتلين أجانب من خارج سوريا، وهو ما لم تستطع قوات الأسد القيام به في ظل الظروف الحالية لحلفائها سواءً من الدول أو الجماعات المسلحة.

أما وأن بشار قد فر من سوريا معلنًا سقوط نظامه، فقد أصبح يتبادر إلى الأذهان تساؤلًا مهمًا أيضًا وهو:

ما مستقبل سوريا والمنطقة بعد أفول نظام الأسد؟

لا شك أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ستكون له تبعات مهولة داخل سوريا وخارجها، وسيترتب عليه إعادة تشكيل لخرائط المنطقة وموازين القوى فيها.

أولًا: مآلات الصراع في الداخل السوري

يمكن تقسيم مآلات الصراع داخل سوريا إلى مسارين رئيسيين:

١. مسار التهدئة:

حيث تتمكن قوات المعارضة السورية من توحيد جهودها خلف قيادة الجولاني الذي قام بتكليف المهندس "محمد البشير" بتشكيل حكومة انتقالية واستلام السلطة من حكومة النظام السابق، ووفقًا لهذا السيناريو يجب على المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الأزمة الدفع قدمًا لإنجاح هذه الحكومة تطلعًا لتحقيق استقرار المنطقة، ومكاسب اقتصادية عبر التوجه إلى إعادة الإعمار في سوريا، وحل مشكلة اللاجئين السوريين بإعادتهم إلى أوطانهم.

كما يعتمد هذا السيناريو على نجاح الفصائل المسلحة داخل سوريا في صياغة دستور جديد تتوافق عليه أيًا ما كان نظام الحكم فيه سواء مركزي، أو فيدرالي، أو حتى بالمحاصصة كالعراق ولبنان، وتتمكن بموجبه الفصائل السورية من إعادة تكوين وهيكلة الجيش السوري بشكل صحيح.

والجدير بالذكر أنه توجد العديد من التحديات التي تحول دون تحقيق هذا المسار أبرزها:

·      اختلاف القوى والفصائل المسلحة داخل سوريا من حيث الأيديولوجية، والداعمين من الخارج.

·      تقاطع مصالح الدول الداعمة للقوى والجماعات المسلحة في سوريا، والذي سيؤثر بدوره في توجه هذه الجماعات.

·      قلة الخبرة وعدم وجود نموذج فكري سياسي تتبناه هذه الجماعات نحو مأسسة دولتها، وتحقيق سياسات خارجية وعامة متزنة.

·      مشكلة التعامل مع المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف المعارضة السورية، وضبابية مستقبل إعادة هيلكليتهم، واختلاف ولاءاتهم.

·      توجه الأكراد الانفصالي، وتزايد قوتهم العسكرية، وهو الأمر الذي لن تسمح به تركيا - الداعم الأكبر لفصائل المعارضة المسلحة - بل وستسعى لمواجهته.

٢.مسار الاقتتال:

انطلاقًا مما سبق من تحديات تعوق تحقيق التهدئة؛ يمكن القول بأن مسار الاقتتال ليس ببعيد عن مستقبل الأزمة في سوريا، ففصائل المعارضة المسلحة وإن توحدت لقتال قوات الأسد إلا أن ذلك لا يعني أنها متوحدة من حيث العقائد والولاءات، كما أن الفاعلين من الخارج سيكون لهم الدور الأبرز في تحديد ملامح المستقبل السوري والإقليمي، ويمكن تحديد أربعة سيناريوهات للاقتتال داخل سوريا هم:

السيناريو الأول: أن يبدأ فتيل الحرب باشتعال المعارك بين هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ضد قوات سوريا الديمقراطية الكردية من الجهة الأخرى، وهو السيناريو الذي تدعمه العديد من الأدلة، لعل أبرزها أن هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة ومن خلفهم تركيا على خلاف مع الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.

السيناريو الثاني: أن يحدث اقتتال داخلي بين فصائل المعارضة السورية وتيارات الإسلام السياسي؛ حيث إنهم مختلفي الولاءات والعقائد، فمنهم الموالون لتركيا، ومنهم الموالون لتنظيم القاعدة، والموالون لداعش، بل ومنهم أيضًا الموالون لروسيا، كما أن مستقبل تواجدهم وتقنين أوضاعهم ليس بالأمر السهل على الحكومة التركية القادمة، حيث أنهم لا يمكن أن ينخرطوا جميعاً في مؤسسة عسكرية واحدة بسهولة، ولا يمكن أن يلقوا أسلحتهم ويعلنوا الخضوع طوعًا للفصيل الحاكم سيما وأن كثيرًا منهم غير سوريين

السيناريو الثالث: وهو قائم على فكرة حرب الكل ضد الكل، حيث تهلك جميع الفصائل المسلحة، ولا يخرج منها طرفًا منتصرًا، وتكون المحصلة في النهاية تحقيق مصالح وأطماع بعض الفاعلين الدوليين في تقسيم سوريا، واحتلال أراضيها.

السيناريو الرابع: أن تسوء الأوضاع العالمية والاقليمية وتنحدر المواجهات إلى حروب مباشرة بين القوى الكبرى، فتصبح سوريا ساحة دولية لاقتتال الدول الكبرى بشكل مباشر، سيما وأن الملف السوري متداخل مع ملف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا من حيث الفاعلين الدوليين، والمصالح الاستراتيجية لهم.

ثانيًا: انعكاسات الصراع في سوريا على المنطقة

من المعلوم أن سوريا تحظى بأهمية استراتيجية كبرى في محيطها الإقليمي، وهو ما جعلها دائمًا محلًا للمطامع وتقاطع المصالح، وبطبيعة الحال لن تقدم دول المنطقة مصلحة سوريا على مصالحها، لذا فإن كل دولة ستسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب حتى على حساب سوريا وشعبها، ولا يمكن الوقوف على تصور وأبعاد المستقبل الإقليمي للمنطقة دون معرفة محددات ومصالح أهم الدول الفاعلة في هذه الازمة.

١. الفاعلين من القوى الإقليمية

إسرائيل

إن نوايا إسرائيل التوسعية منذ نشأتها لا تخفى على أحد، ولقد صرح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" علانيةً ومرارًا، وهم يريدون ضم المزيد من الأراضي العربية إلى دولتهم تمهيدًا للوصول إلى ما يعرف عندهم بإسرائيل الكبرى، إذن فكيف ولو كانت هذا الأراضي أمامهم بالمجان، وبلا حارس أو رقيب!، فلطالما كان لهم دورًا واضحًا في اضعاف قوات الأسد طوال السنوات الماضية عبر ضرباتهم المتتالية عليها، وسرعان ما استغلت إسرائيل الموقف بعد سقوط نظام الأسد ودفعت بقواتها في عمق الأراضي السورية، معلنة من جانبها إنهاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام ١٩٧٤م، واجتياح المنطقة العازلة وهضبة الجولان وجبل الشيخ في مساحة تزيد عن 240 كيلو مترًا مربعًا، ولتصبح على بعد ما يقرب من ٢٥ كيلو مترًا من العاصمة السورية دمشق، كما ضربت بغاراتها ما تبقى للسورين من عتاد عسكري خلفه نظام الأسد على سائر أنحاء سوريا، كما أنه من مكاسب إسرائيل أن تتخلص من سوريا باعتبارها أحدى دول الجوار الكبيرة، والتي كانت في الماضي تشكل خطرًا على إسرائيل؛ وبناءً على ما سلف ذكره ستسعى إسرائيل لإبقاء سوريا متناحرة ومقسمة، وبل ولن تتواني في تحقيق المزيد من الانتشار والتوسع داخل الأرضي السورية، وإن استطاعت ابتلاع سوريا عن بكرة برمتها لفعلت، وكذلك من المرجح أنها ستدعم الأكراد لإلهاء فصائل المعارضة في حرب معهم تحقق مصالحها، مع توجيه ضربات جوية ضد من يعاديها من الفصائل المسلحة.

تركيا

لطالما سعت تركيا تحت قيادة "رجب طيب أردوغان" إلى استعادة الإرث العثماني في دول المنطقة، سواء بالتدخل العسكري أو السياسي، وكلاهما حدث في سوريا، فتركيا قد استحوذت بالفعل على مساحة من الأراضي في شمال سوريا، وانشأت بها منطقة حدودية عازلة، وذلك بالإضافة إلى ما تستحوذ عليه الجماعات المسلحة الموالية لها في الداخل السوري، وتركيا أيضًا لا ترغب بأي حال من الأحوال أن تنشأ دولة كردية على حدودها، أو حتى يكون للأكراد قوة عسكرية تمكنهم من زعزعة الأمن القومي التركي، كما أن لتركيا أطماع وطموحات في النفط السوري، وعقود إعادة إعمار سوريا، ولتركيا رغبة في لعب دورًا كبيرًا في المنطقة، يعطيها مزيدًا من أوراق الضغط لتحقيق مكاسب سياسية، واقتصادية، وإتمام صفقات عسكرية مع مختلف القوى الدولية، لذا فإنه من المتوقع أن تقدم تركيا مزيدًا من الدعم للجماعات المسلحة الموالية لها، وذلك بما يحقق المصالح التركية سالفة الذكر، حيث ترسخ تواجدها في سوريا، وثبت قوة دورها في المنطقة، وتكسر شوكة الأكراد، وتستحوذ الشركات التركية على عقود إعادة الإعمار والنفط السوري، بل ولربما تستحوذ تركيا بمزيد من الأراضي السورية.

إيران

لقد مُنيت إيران مؤخرًا بعديد من الضربات سواء في الداخل الإيراني بشكل مباشر، أو حتى بشكل غير مباشر من خلال استهداف الجماعات الموالية لها في المنطقة، فما لبس أن تعرض حزب الله لخسائر فادحة في حربه مع إسرائيل، حتى أطيح بنظام الأسد في سوريا، وهو أحد أهم الأنظمة التي كانت موالية لإيران طوال سنين، فسوريا بالنسبة لإيران هي حلقة الوصل الأهم في الهلال الشيعي، والذي يمكن إيران من الوصول إلى المتوسط، والنيل من إسرائيل، كما أن الأكراد هم عدو مشترك للإيرانيين والأتراك، فإيران أيضًا لا ترغب في وجود دولة كردية على حدودها تهدد استقرارها، وتثير النزعات الانفصالية في الداخل الإيراني؛ ومن ثم ستسعى إيران إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال محاولة إيجاد مساحة من المصالح المشتركة بينها وبين قوات المعارضة السورية ومن يدعمهم، لكي لا تخسر كل مصالحها ونفوها في سوريا، كما أنها ستسعى مع تركيا لمواجهة خطر الأكراد، ولربما ستبذر إيران جماعات وكيانات شيعية موالية لها حتى ولو بأسماء جديدة سواء عسكرية أو سياسية، حتى تتمكن من العودة إلى الساحة السورية مرةً أخرى لاحقًا.

الدول العربية في المحيط السوري

إن الدول العربية وبالرغم من كونها باتت لا تمتلك الكثير من مفاتيح اللعب في الساحة السورية، إلا أنها ليست بمنأى عما يحدث، كما أنهم في موقف بالغ التعقيد؛ فالعرب لم يكونوا على وفاق مع نظام الأسد السابق المدعوم من إيران، وفي نفس الوقت سيصعب عليهم أيضًا أن يكونوا على وفاق من النظام الجديد المدعوم من تركيا، فكلًا من إيران وتركيا يسعون إلى التوسع وزيادة نفوذهم في المنطقة، كما أنه قد تكون لصعود المعارضة السورية لسدة الحكم - والمعروفة بكونها محسوبة على ما يعرف بتيارات الإسلام السياسي - تبعات على الأنظمة العربية، وخاصةً بعدما توعد العديد من قادة تلك الفصائل الأنظمة العربية المحيطة، كما أن انهيار سوريا وما يحدث فيها - والذي قد يؤدي إلى تقسيمها - يثير القلق والتساؤل حول دور أي من الدول الآتي!؛ لذلك ستسعى الدول العربية إلى محاولة الوصول لتفاهمات، واستثمارات، ومصالح مشتركة مع الجماعات المختلفة في الداخل السوري ومن يقف ورائها من الدول، وذلك لمحاولة النأي عن أية صراعات أو صدامات مع هذه الفصائل، وإلا ستنتشر نار الحرب من سوريا إلى جيرانها.

٢. الفاعلين من القوى الدولية

الولايات المتحدة

من المعروف توجه الولايات المتحدة الراسخ لحماية أمن إسرائيل، فإنها تسعى للضغط على إيران في سوريا من أجل ذلك، وأيضًا من أجل تحقيق مكاسب في مفاوضات الملف النووي الإيراني، وتقليم أذرع إيران في المنطقة، كما أنها تسعى لتحييد النفوذ الروسي في سوريا، والضغط على روسيا ومقايضتها بملف حرب أوكرانيا، كما أن لأمريكا توجه استراتيجي لبسط السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال حلفائها، تمهيدًا للتخارج منها والتفرغ لمواجهة الصين في تيوان وبحر الصين الجنوبي؛ ومن ثم فإن الولايات المتحدة ستقدم - كما جرت العادة - دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا واستخباراتيًا غير محدود لإسرائيل، كما وأنه على الرغم من اعطائها الضوء الأخضر لفصائل المعارضة بقيادة الجولاني ومن ورائهم تركيا - عضو الناتو - للتحرك لإسقاط نظام الأسد، إلا أنه من المحتمل أن توجه دفة الدعم إلى الأكراد، لكي تحقق التوازن في معادلة القوى بين قوات هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الموالية لها من جهة، وبين الأكراد من جهة أخرى، ولذلك لتأجيج الصراع بين الجانبين، فيحرق كل منهما الآخر، وتترك سوريا سائغة أمام إسرائيل.

روسيا

لا يخفى على أحد انغماس روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ولكن بعد انهيار نظام الأسد في سوريا أصبح حتميًا على الروس التعامل مع مستجدات الأمور، فهم في النهاية لا يهمهم شخص بشار الأسد، وإنما يهمهم مصالحهم الاستراتيجية في سوريا والمتوسط، وتواجدهم العسكري في "حميميم" و"طرطوس"؛ وحمايتهم لسفن تجارتهم ومراقبة مسارات النقل من سوريا وذلك للالتفاف على العقوبات الأمريكية، أو حتى لجلب المرتزقة الذين يقاتلون معهم في أوكراني عبر سوريا، ومن ثم فإنهم لن يبدأوا بمواجهة ضد النظام السوري الجديد، بل على العكس تمامًا فانهم سيسعون لخلق مساحة من المواءمات يلتقون عندها، وذلك بما يحافظ على المصالح الروسية في سوريا، وإن تراجع الدور الروسي في سوريا فذلك سيكون بمقابل تحقيق مكاسب في ساحة المعركة بأوكرانيا، كما أن الروس قد يتوجوا إلى دعم بعض الفصائل المسلحة لتمثل أذرع لروسيا في الأراضي السورية تواجه بها بقية التنظيمات المسلحة.

الصين

لا تمتلك الصين العديد من المصالح المباشرة في سوريا، لكنها بلا شك ستسعى إلى دخول الساحة السورية اقتصاديًا بالاستثمارات، أو عسكريًا بصفقات التسليح، أو حتى سياسيًا برعاية المباحثات والمصالحات التي تعزز مكانة الصين السياسية عالميًا، وذلك حال ما سنحت لها الظروف.

كما أنه من الأهمية بمكان ذكر أن كل الفاعلين الدوليين لديهم الرغبة في تحقيق نفوذ وتواجد يمكنهم من السيطرة على ممرات التجارة العالمية الجديدة، والتي يُخطط لإنشائها في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم فإن التواجد في سوريا يعد عاملًا مهمًا لتحقيق ذلك.

ومما سبق يتضح تقاطع العديد من المصالح بين الفاعلين ما يذعن بأن مستقبل المنطقة ليس بأقرب ما يكون إلى الوصول للاستقرار والتهدئة، فقد يتنافس الجميع في سوريا، وقد يخرج الأمر من دائرة المنافسة إلى دائرة الصراع، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وتظل الآمال قائمة، عسى أن يتمكن أبناء سوريا ومنطقتنا العربية من إيجاد حلولًا تعزز الاستقرار، وتفشل مخططات الأعداء والطامعين، وتحط أوزار الحروب.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟