تصاعد التوتر: مسارات تعامل ترامب مع التصعيد الروسي في أوكرانيا
تدرك روسيا أن رئاسة ترامب الجديدة سوف تنهي الحرب بطريقة تتناسب
مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد أثار قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن
بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أتاكمز ATACMS بعيدة المدى لضرب العمق الروسي
مخاوف من تفاقم الحرب الدائرة بين
أوكرانيا وروسيا، على الرغم من أن واشنطن رفضت في السابق السماح بمثل هذه الضربات
لأنها تخشى أن تؤدي إلى تصعيد الحرب، إلا أن هناك تحول جذري في الموقف الأمريكي، ويأتي
هذا التحول السياسي الرئيسي قبل شهرين من تسليم الرئيس جو بايدن السلطة إلى الرئيس
المنتخب دونالد ترامب، الذي أثار انتخابه مخاوف بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لكييف
بعدما أفصح عن نواياه تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية وخطته من أجل إنهاءها، وهو ما
يضع الكثير من علامات الاستفهام حول القرار المتأخر من جانب إدارة بايدن. على
الجانب الآخر، أعلن الكرملين أن قرار الولايات المتحدة السماح لأوكرانيا باستخدام
أسلحة أميركية الصنع لضرب العمق الروسي سيؤدي إلى زيادة التوتر وتعميق انخراط الولايات
المتحدة في الصراع.
أسباب متعددة
تعددت أسباب سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ
بعيدة المدى داخل روسيا، وقالت إن الولايات المتحدة لم تسمح لكييف أبدًا باستخدام
الصواريخ داخل روسيا لكنها كانت تستخدم نظام الصواريخ التكتيكية للجيش، المعروف
باسم ATACMS، على أهداف روسية في الأراضي الأوكرانية التي
تسيطر عليها روسيا منذ أكثر من عام. كما سيكون للترخيص الأمريكي تأثير إضافي آخر:
حيث يمكن للمملكة المتحدة وفرنسا منح أوكرانيا الإذن باستخدام صواريخ ستورم داخل
روسيا وهو صاروخ كروز طويل المدى فرنسي بريطاني بقدرات مماثلة لصواريخ ATACMS الأمريكية.
وضمن السياق ذاته، جاء هذا القرار بعدما تعززت الشراكة
الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية وتزويد كوريا الشمالية روسيا بكميات كبيرة
من الذخيرة والصواريخ وغيرها من المعدات العسكرية خلال الأشهر القليلة الماضية من
الحرب، كما أرسلت نحو 10 آلاف جندي للقتال بجانب الجيش الروسي وفق ما أعلنته مصادر
غربية.
ومن المتوقع أن ترد روسيا الآن وفي المستقبل بتزويد كوريا
الشمالية بتكنولوجيا عسكرية متطورة سواء فيما يتصل بالقدرات التقليدية أو النووية.
وبعيدًا عن التعاون العسكري في أوكرانيا، فإن العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية
تنطوي على تحالف سياسي أكثر شمولًا يركز على
معارضة الأجندة العالمية الأميركية، وهو ما يشكل أهمية بالغة بالنسبة
لكوريا الشمالية نظرًا لعزلتها الدولية.
كما أن دخول كوريا الشمالية إلى حرب أوكرانيا ومشاركتها في
القتال، قد يحول هذا الصراع إلى حرب عالمية. وبالنسبة للولايات المتحدة
والكوريتين، قد يصبح هذا بمثابة جولة ثانية من الحرب الكورية الجارية، وهي من
بقايا الحرب الباردة التي لا تزال قادرة على الصمود رغم مرور الزمن.
لكن البيت الأبيض حرص على التأكيد على أن نشر القوات الكورية
الشمالية في منطقة كورسك الروسية هو السبب في اتخاذ هذا القرار، وأن هذا هو رد
الولايات المتحدة على تصعيد موسكو، وبالتالي فإن بايدن يعتبر أن السماح لكييف
باستخدام "ATACMS" هو
تصعيد يأتي ردًا على تصعيد.
تصعيد روسي
يمكن استنتاج عدة أسباب وراء اتجاه كل من روسيا وكوريا الشمالية
إلى تصعيد تعاونهما العسكري في مواجهة الكتلة الغربية في أوكرانيا، فمن الجانب
الروسي، يشكل وجود مصدر إضافي من الأفراد العسكريين أهمية حاسمة ليس فقط لزيادة
التأثير وتعزيز السيطرة الميدانية، بل وأيضًا
للحد من الضغوط على التجنيد الوطني الذي كان مصدر للضغوط الداخلية على
الكرملين منذ بداية الحرب. فضلاً عن ذلك، ففي حالة وقوع إصابات، بطبيعة الحال، فإن
خسارة جندي كوري أجنبي أقل تكلفة سياسية
بالنسبة للكرملين.
من جانب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، فإن إرسال القوات
يشكل تكلفة صغيرة نسبيا مقارنة بالفوائد
الكبيرة التي يمكن أن تجنيها البلاد من حيث تعزيز القدرات العسكرية
والتحالف السياسي مع روسيا. وفي حالة وقوع خسائر، فإن التكلفة السياسية ستكون
ضئيلة، نظرًا للرقابة الصارمة على وسائل الإعلام والرقابة الاجتماعية في البلاد.
ومن المتوقع أن تقاتل القوات على الأراضي الروسية فقط، وتحديدًا في استعادة منطقة
كورسك.
ولكن هذه العملية ليست خالية من المخاطر. ففي الوقت الحالي، تظل
احتمالات التصعيد على نطاق أوسع كبيرة، فقد أعلنت كوريا الجنوبية عن نيتها تعزيز
دعمها لأوكرانيا ردًا على تورط القوات العسكرية لكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن
هذه الخطوة ربما جاءت تحت ضغط من الولايات المتحدة، فإنها تشير إلى انفتاح ملحوظ
نحو صراع متعدد الجنسيات.
من ناحية أخرى، وبعدما منحت الولايات المتحدة موافقة لكييف
لاستخدام صواريخ طويلة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل روسيا. أصدر بوتين مرسومًا يجيز استخدام أسلحة نووية ضد دولة لا تملك هذا
النوع من السلاح إذا كانت مدعومة من قوى نووية. وأفاد
المرسوم بأن من الشروط التي تبرر استخدام أسلحة نووية إطلاق صواريخ بالستية ضد
روسيا،
وتصف العقيدة الأسلحة النووية بأنها وسيلة للردع، مشيرة إلى أن
استخدامها إجراء متطرف واضطراري، وتقول إن روسيا تبذل كل الجهود اللازمة للحد من
التهديد النووي ومنع تفاقم الخلافات بين الدول، التي قد تؤدي إلى نشوب صراعات
عسكرية، بما في ذلك الصراعات النووية، وتنص على أن الردع النووي يهدف إلى توفير
الفهم للخصم المحتمل لحتمية الانتقام في حالة العدوان على الاتحاد الروسي أو
حلفائه.
وأشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن هذه التحركات
تمثل مرحلة جديدة وخطيرة في الصراع. وأن العقيدة الجديدة تهدف إلى إيصال رسالة
واضحة إلى الأعداء المحتملين، مفادها أن روسيا مستعدة للرد بوسائل نووية في حال
تجاوز الخطوط الحمراء.
وتتجه الأنظار إلى روسيا بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن
تغييرات جوهرية في العقيدة النووية الروسية. هذه التحولات تحمل في طياتها إشارات
مقلقة تتجاوز إطار الردع التقليدي إلى رسائل سياسية تهدف إلى تقسيم الحلفاء وفرض
شروط جديدة في ساحات الحرب والدبلوماسية. ويبدو أن بوتين يراهن على تغير السياق
الدولي، حيث إن تصاعد المخاطر على الأراضي الروسية مع توغل القوات الأوكرانية داخل
روسيا نفسها، ترى موسكو أن الردع النووي قد يكون ضروريًا لوقف التصعيد. كذلك تراهن روسيا على
انقسام الحلفاء، وتعتقد أن الخلافات حول الضربات بعيدة المدى توفر فرصة لتقويض
الوحدة داخل الناتو.
ولكن على المدى البعيد، قد يتغير الوضع خاصة أن دونالد ترامب أعلن
عن نيته إنهاء الحرب ونتيجة لهذا، فمن المتوقع أن تبذل روسيا بمساعدة كوريا
الشمالية، جهودًا كبيرة للسيطرة على أراضي إضافية على الأرض في الأسابيع القليلة
المقبلة، من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات في موقف قوي مع سيطرة فعلية على جزء
أكبر من الأراضي.
كما أنه مع
دخول العقيدة النووية الروسية حيز التنفيذ، يبدو أن العالم على أعتاب مرحلة جديدة
من عدم الاستقرار الاستراتيجي. وبينما يتحدث الجميع عن منع وقوع حرب نووية، تزداد
التحركات التي تقرب العالم من هذا السيناريو الكارثي، كما في حال قامت روسيا بخطوة تصعيدية شاملة، فقد تضطر الولايات
المتحدة الأمريكية إلى التفاوض معها. لذلك، فهناك تصعيد قبل مفاوضات محتملة بهدف
التوصل إلى هدف سياسي محدد، حتى إن روسيا تحاول هي الأخرى من خلال التصعيد دفع
الدول الغربية وخصوصًا الولايات المتحدة تحديدًا إلى التوصل لاتفاق.
في الختام: لا أحد
من الأطراف المنخرطة سيستفيد في الحرب مع كوريا الشمالية، ولا سيما كوريا الشمالية
وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. ولا أحد يستفيد من تصعيد الحرب في أوكرانيا.
فالخسائر المدنية هائلة بالفعل بالنسبة للشعب الأوكراني، كما كانت بالنسبة للشعب
الكوري خلال سنوات الحرب النشطة من عام 1950 إلى عام 1953. ولا يزال الكوريون في
مختلف أنحاء العالم متأثرين بالعواقب الطويلة الأجل للحرب، كما هو الحال بالنسبة
للأميركيين وفيما يتعلق بالرئيس الأمريكي ترامب فإنه يعتقد أنه يستطيع التحدث عن
السلام، لكن الحقيقة أنه سيرث حربًا بمخاطر متصاعدة.