تعزيز الشراكة.... كيف يمكن ان تستفيد المغرب من عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟
في الوقت الذي أرسل فيه زعماء دول
العالم برقيات تهنئة إلى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب عقب فوزه في
الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024، والذي سيعود إلى البيت الأبيض في 20 يناير
القادم، إلا إنه من المتوقع أن يتم تعزيز مكانة المغرب مع مجيء ترامب. فالمغرب هو
أحد أقدم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت من بين أوائل من اعترفوا
باستقلال المغرب عندما فتح السلطان محمد الثالث موانئ المغرب للسفن الأمريكية. وفي
عام 1786 أصبح هذا الاعتراف الضمني رسمياً بتوقيع معاهدة السلام والصداقة، والتي
لا تزال سارية المفعول حتى اليوم. وبعد أن تم تعيينها حليفاً رئيسياً خارج حلف
شمال الأطلسي في عام 2004، تلعب المغرب أيضاً دوراً هاماً في أنشطة الولايات
المتحدة الأمريكية، بما في ذلك الحرب الدولية ضد الإرهاب.
واستثمر ترامب في هذه العلاقات في
ديسمبر 2020 عندما اعترف قبل أسابيع قليلة من نهاية ولايته الأولى بالصحراء
الغربية كجزء من المغرب. وبعد شهر، زار السفير الأمريكي في المغرب مدينة الداخلة
الصحراوية لبدء عملية فتح قنصلية. لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يجعل هذا
المشروع حقيقة واقعة. إن دعم فرنسا الجديد لمطالب المغرب بالحكم الذاتي لمنطقة
الصحراء الغربية (الذي أعلن عنه أمام البرلمان المغربي خلال زيارة تاريخية إلى
الرباط الشهر الماضي) يمكن أن يساعد المغرب في تسريع هذه الأجندة.
وإسرائيل من بين الدول التي اعترفت
بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في عام 2023، وفي عام 2020، انضم المغرب
إلى قائمة الدول العربية المطبعة مع إسرائيل. لذا، آثار اندلاع عملية "طوفان
الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 مظاهرات حاشدة في المغرب لدعم الفلسطينيين، الأمر الذي
أسفر عن مسارعة المغرب إلى إرسال المساعدات إلى الفلسطينيين المحاصرين في غزة، والتأكيد
بالأمم المتحدة على ضرورة احترام الحقوق الشعب الفلسطيني، مع الاستمرار في تعزيز
العلاقات مع تل أبيب.
وتأسيساً على ذلك من المتوقع أن يتعزز
دور المغرب في الشرق الأوسط خلال ولاية ترامب الثانية، وهو ما يتضح في أبعاد عدة
تتمثل في:
أولاً: تعزيز النفوذ في
أفريقيا: مما لا شك فيه أن المغرب،
أيا كانت استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط، سوف يلعب دوراً محورياً، وخاصة في عهد
الملك محمد السادس من المتوقع أن يتجاوز الشرق الأوسط. ففي الجنوب تواصل المغرب،
التي عادت إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017، تعميق بصمتها الأفريقية، وذلك برعاية
فرنسية؛ حيث أخذت باريس في الاعتبار دور المغرب في مختلف أنحاء القارة، وبدأت في
الاعتماد عليها كوسيلة لاستعادة نفوذها في أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، وقد
تحذو واشنطن حذوها. وفي نوفمبر 2023، أعلن محمد السادس عن مبادرة جديدة
"لتمكين دول الساحل [مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو] من الوصول إلى المحيط
الأطلسي" من خلال مشاريع تنمية واسعة النطاق.
وبالتأكيد تتضمن هذه الخطة مكونًا
أطلسياً طموحاً سيتطلب بلا شك التنسيق مع الولايات المتحدة. ويمكن تحقيق ذلك من
خلال الشراكة من أجل التعاون الأطلسي، التي أطلقت في سبتمبر 2023 وتضم العديد من
الدول الأفريقية، بما في ذلك المغرب ودول الساحل مثل السنغال ونيجيريا. وهناك
مبادرات وتحديات أخرى يمكن للولايات المتحدة والمغرب التعاون بشأنها، بما في ذلك
معالجة تجارة المخدرات التي تجتاح منطقة الساحل. إن الكيفية التي تتعامل بها إدارة
ترامب مع هذه المشاريع الأطلسية ستحدد اتجاه علاقة الولايات المتحدة بالمغرب بسبب
الدور المركزي الذي تلعبه الرباط في هذه المبادرات.
ثانياً: تأثير قانون خفض
التضخم الأمريكي على المغرب: إن
ما يفعله ترامب بشأن قانون خفض التضخم قد يؤثر أيضاً على مكانة المغرب على خريطة
واشنطن؛ حيث يمكن أن يستفيد الاقتصاد المغربي من قانون خفض التضخم، الذي يعتمد، من
بين أمور أخرى، على الإمدادات من البلدان المرتبطة باتفاقيات التجارة الحرة مع
الولايات المتحدة الأمريكية. (كانت المغرب قد أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات
المتحدة منذ يناير 2006). وكذلك اتجهت الشركات الصينية نحو المغرب. وفي الوقت
نفسه، كان هذا النظام بالنسبة للمغرب نظاماً رابحاً عزز خلق فرص العمل على أراضيه
ونقل التكنولوجيا وعزز مكانته كلاعب رئيسي في الصناعة الخضراء في أفريقيا. ويعد
الاقتصاد المغربي أحد أقوى اقتصادات أفريقيا، لتحقيق طموحاته الإقليمية وتعزيز
تأثيره ــ فهو بالفعل ثاني أكبر مستثمر في القارة، بعد جنوب أفريقيا.
كما أن عمل ترامب مع الكونجرس الذي
يسيطر عليه الجمهوريون لإلغاء قانون إيرا أو تقييد السياسة من شأنه أن يجعل المغرب
أقل إغراءً للصين، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات. وفي حالة تصاعد التوترات
بين الولايات المتحدة والصين، قد يراجع المغرب استراتيجيته القائمة على المساواة
في المسافة بين هاتين القوتين.
ومع تحول الصين الآن إلى الشريك
التجاري الرائد لأفريقيا؛ حيث يبلغ حجم التجارة بين الصين والقارة الآن خمسة أضعاف
حجم التجارة مع الولايات المتحدة ــ فإن الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع الشراكة
المغربية سوف تؤشر للكثير عن نواياه تجاه أفريقيا.
ثالثاً: احتواء ترامب
للطموحات الإيرانية في الصحراء الغربية: ما يمكن أن يقدمه تعميق التعاون مع المغرب للولايات
المتحدة هو فرصة إحباط طموحات إيران في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وفتح فرص
استثمارية مربحة في المنطقة للشركات الأمريكية؛ حيث أن إن دعم إيران لجبهة البوليساريو
- ودور الجزائر في نقل الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى المجموعة، وفقًا
للمسؤولين المغاربة - يمثل تهديدًا أمنيًا في الصحراء والساحل يهدد بزعزعة استقرار
المنطقة بأكملها وإطلاق العنان لتدفقات الهجرة غير المسبوقة إلى جنوب أوروبا.
بعد اندلاع حرب غزة، نزل الملايين من
المغاربة إلى الشوارع تضامناً مع الفلسطينيين، لكن المسؤولين في الرباط قرأوا
الصراع بشكل مختلف. لقد رأوا التهديد من الوكلاء الإيرانيين في الضرر الذي تمكنت
حماس وحزب الله والحوثيون من إلحاقه بإسرائيل والتجارة البحرية العالمية. وقد
أثارت هذه التطورات قلق المسؤولين المغاربة بشأن ما قد تفعله ميليشيات إيرانية
محتملة في الصحراء الغربية. وقد أدى هذا إلى تقريب إسرائيل والمغرب من بعضهما
البعض، وترجم إلى صفقة أقمار صناعية بقيمة مليار دولار وتعاون نادر في تصنيع
الطائرات بدون طيار، من بين شراكات استخباراتية وأمنية طموحة أخرى.
وفي النهاية: يمكن القول إن أفريقيا التي تنتظر إدارة ترامب الثانية
ليست هي التي تركتها إدارته الأولى في عام 2021؛ لقد تغير مشهد القارة بشكل عميق
بسبب كورونا، وأزمة الطاقة في أعقاب الحرب في أوكرانيا، وسلسلة الانقلابات في
منطقة الساحل، والحرب الأهلية في السودان، وتعزيز مجموعة البريكس للاقتصادات
الناشئة، وفي كل من هذه القضايا، يتمتع المغرب بصوت سيكون له ثقل في واشنطن. وقد
لا يكون الصراع في الصحراء الغربية على رأس قائمة أولويات إدارة ترامب الجديدة.
ومع ذلك، هناك أسباب مقنعة لتعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية بين الولايات
المتحدة والمغرب والمساعدة في التوصل إلى حل لهذا "الصراع المنسي" قبل
أن يطارد واشنطن وحلفائها.