المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التهدئة: التوافق اللبناني الإسرائيلي وانعكاساته على الحرب في غزة

الإثنين 16/ديسمبر/2024 - 06:46 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، بين إسرائيل وحزب الله. وأضاف الرئيس الأميركي في بيان مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن هذا الاتفاق جاء بعد أسابيع من الدبلوماسية. وقد نشرت الحكومة اللبنانية النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل والذي تضمن التزام حزب الله وجميع المجموعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية بعدم تنفيذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل، التي ستلتزم بالمقابل بعدم تنفيذ أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان سواء على الأرض أو في الجو أو البحر. كما أشار نص الاتفاق الذي يتكون من 6 صفحات و13 فقرة، إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا تدركان أن لبنان وإسرائيل يسعيان إلى إنهاء التصعيد الحالي للأعمال العدائية عبر الخط الأزرق بشكل مستدام، وأن كلا منهما مستعد لاتخاذ خطوات لتهيئة الظروف التي تفضي إلى حل دائم وشامل.

وتهدف هذه الالتزامات إلى تمكين المدنيين على جانبي الخط الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم وبيوتهم. كما تعتزم الولايات المتحدة وفرنسا قيادة الجهود الدولية لدعم بناء القدرات والتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء لبنان، من أجل تعزيز الاستقرار والازدهار في هذه المنطقة.

اتجاهات عديدة

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن من أهداف وقف إطلاق النار مع لبنان فصل الساحات وعزل حماس، على الجانب الآخر دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اللبنانيين إلى الإسراع لانتخاب رئيس جديد للبنان يجمع ولا يفرق، مؤكدًا أن لبنان تجاوز لحظة تاريخية هي الأخطر، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيز التنفيذ.

ومن ناحية أخرى، سوف تضطلع الولايات المتحدة بـدور فاعل في آلية المراقبة والتحقق من دون أن يوضح ما إذا كانت أي قوات أميركية ستشارك في هذه الجهود. ولكن يتوقع أن تقوم بريطانيا ودول أخرى بجهود خاصة موازية للتحقق من وقف تدفق الأسلحة غير المشروعة في اتجاه لبنان. كما أنه لن تكون الآلية الخماسية بديلًا من اللجنة الثلاثية التي تشمل كل من لبنان وإسرائيل واليونيفيل.

ويتضمن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود الدولية طبقًا لما ورد في القرار 1701، الذي تم تبنيه منذ 18 عاما لإنهاء حرب استمرت شهرا بين إسرائيل ولبنان في عام 2006، على أن تجري عملية إخلاء مقاتلي (حزب الله) وأسلحتهم من منطقة عمليات (اليونيفيل) طبقًا للقرار نفسه الذي ينص أيضًا على وجوب عدم وجود مسلحين أو أسلحة غير تابعين للدولة اللبنانية أو القوة الدولية على امتداد المنطقة بين الخط الأزرق وجنوب نهر الليطاني. وبالإضافة إلى التحقق من تنفيذ الاتفاق، ستبدأ محادثات للتوصل إلى تفاهمات إضافية على النقاط الحدودية الـ13 التي لا تزال عالقة بين لبنان وإسرائيل، بما فيها الانسحاب الإسرائيلي من الشطر الشمالي لبلدة الغجر والمنطقة المحاذية لها شمالًا. وينص الاتفاق على وقف الانتهاكات من الطرفين مع إعطاء كل منها حق الدفاع عن النفس. ومن شأن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله أن ينهي أكثر من عام من الضربات عبر الحدود وأشهر من الحرب الشاملة التي أسفرت عن مقتل الآلاف في لبنان والعشرات في إسرائيل.

المفاوضات في غزة

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ، باتت الأنظار تتجه نحو غزة، حيث أبدت حركة حماس استعدادها للتوصل إلى هدنة تشمل صفقة لتبادل الأسرى، بشرط التزام إسرائيل. هذه التصريحات تزامنت مع حراك دولي تقوده إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بهدف التهدئة في غزة، مما يثير تساؤلات حول إمكانية نجاح جهود الوساطة في ظل التعقيدات الميدانية والسياسية. فوقف إطلاق النار في لبنان ليس بالضرورة تمهيدًا لوقف مشابه في غزة، إذ أن الأوضاع في غزة مختلفة، فالحرب فيها تتعلق بأكثر من مجرد أمن الحدود أو الرهائن الإسرائيليين حيث أنها تتعلق ببقاء بنيامين نتنياهو السياسي، ورفض حكومته المطلق لطموحات الفلسطينيين لتحقيق استقلالهم.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات فقد بدأت الولايات المتحدة مسعى جديدًا للتوصل إلى اتفاق في غزة، بعد نجاح جهود إدارة الرئيس، جو بايدن، في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في لبنان. وتعتقد إدارة بايدن أن الاتفاق لديه القدرة على أن يكون عامل تغيير وإحياء المفاوضات الإسرائيلية مع حماس مع تجديد الولايات المتحدة جهودها لتأمين وقف إطلاق النار بعد انفكاك الارتباط بين الحربين في لبنان وغزة وأصبحت حماس معزولة، ولعل هذا التوجه نحو إمكانية الشروع في الوصول لاتفاق يمكن إرجاعه إلى قراءة حماس للمشهد الإقليمي والدولي، وأن نجاح اتفاق لبنان دفع الحركة إلى التفكير بمرونة أكبر.

بالنسبة لإسرائيل فإنها قد تكون مستعدة للتفاوض مع حماس، ولكن بشروط واضحة، منها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وأن الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تدفع نحو إنهاء الأزمة، لكنها لن تقبل بأي صيغة تمنح حماس دورًا مستقبليًا في حكم غزة.

يحاول بايدن استغلال الزخم الناتج عن نجاح هدنة لبنان لإحراز تقدم مماثل في غزة، لكنه أشار إلى أن إسرائيل قد تتردد في تقديم تنازلات قبل تغيير الإدارة في واشنطن، وتأتي التحركات الأمريكية في هذا الملف وفق افتراض أن أي سلام في الشرق الأوسط يجب أن يمر عبر غزة، وباعتبار أن الوصول إلى السلام على الجبهة الشمالية لإسرائيل سوف يزيد من الآمال في تحقيق تقدم أوسع نطاقًا، وتضاؤل الأمل في بقاء الرهائن الإسرائيليين على قيد الحياة هناك.

ويتبادل الطرفان إسرائيل وحماس الاتهامات فيما يتعلق بعرقلة جهود الوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة، حيث لم تتمكن الجهود المتواصلة في دفع الجانبين إلى هدنة جديدة بعد انهيار واحدة استمرت لأسبوع نهاية نوفمبر 2023، والتي تخللها تبادل إطلاق سراح محتجزين لدى حماس بسجناء فلسطينيين لدى إسرائيل.

موقف إيران

دعمت إيران منذ البداية مساعي وقف إطلاق النار سواء في لبنان أو قطاع غزة؛ حيث ترى في الاتفاق مكسبًا يعزز المقاومة من دون أن يؤثر على استراتيجيتها طويلة الأمد، كما أن الاتفاق يمثل فرصة لحزب الله لإعادة ترتيب صفوفه، بعد تكبد خسائر كبيرة خلال المواجهات، إلا أن إيران ستواجه تحديًا في الحفاظ على نفوذها الإقليمي من دون إثارة المزيد من الضغوط على لبنان.

وبشأن تناقض الخطاب الإيراني بين دعوات التهدئة ودعم الهدنة في لبنان من جهة، وتصريحات تصعيدية ضد إسرائيل من جهة أخرى، فمن المحتمل أن تتجه إيران إلى الفصل بين ملفها النووي والشئون الإقليمية، إلا أن إيران قد تضطر للتعامل مع متغيرات داخلية في لبنان تدفع نحو تعزيز دور الدولة اللبنانية مقابل تراجع نفوذ حزب الله.

فكما أراد قادة حزب الله الحاليين الوصول إلى اتفاق للهدنة، كانت إيران على نفس الهدف تريد وقف إطلاق النار، فحزب الله الآن يحتاج إلى فترة لإعادة بناء صفوفه، بينما تحتاج إيران لوقف النزيف الجيو استراتيجي، إذ أن محور المقاومة الذي تدعمه لم يعد يشكل رادعًا، ولم ينجح هجومها الصاروخي الذي نفذته ضد إسرائيل بعد اغتيال نصرالله في تحقيق الأضرار التي كانت تطمح لتحقيقها.

في الختام يمكن أقول إن إسرائيل حققت معظم أهدافها التي حددتها بعد هجوم حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023، وعلى رأسها إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتكليف الحكومة اللبنانية ببسط سيادتها حتى الحدود الدولية، مع وجود جهاز مراقبة للولايات المتحدة الأمريكية لتطبيق القرار. كما نجحت في تدمير البنية العسكرية لحزب الله في المنطقة الأمامية، وتكبيده خسائر فادحة إضافة إلى استهداف قيادته السياسية والعسكرية، وبالتالي فإن إبرام الاتفاق يبقى أفضل الخيارات بالنسبة لإسرائيل خاصة بعد تمكنها من فصل الساحة الفلسطينية عن جبهة الاسناد اللبنانية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟