شراكة متنامية.... تداعيات انخراط كوريا الشمالية في الحرب الروسية مع أوكرانيا
أثارت التقارير الغربية التي أفادت
بقيام كوريا الشمالية بنشر قوات عسكرية لدعم روسيا في الحرب الأوكرانية، مشيرةً
إلى وجود حوالي 10 آلاف جندي كوري شمالي في روسيا حالياً، مع توقعات بزيادة هذا
العدد إلى 12 ألف جندي العديد من التساؤلات حول مآلات انخرط كوريا الشمالية في
الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتأثير ذلك على مستقبل الحرب ولاسيما بعد مجيء الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب. وفي هذا السياق، تمثل هذه الخطوة –غير المسبوقة– تحولاً
كبيراً في التحالف الجيوسياسي القائم بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث تشارك
الأخيرة لأول مرة علناً في صراع أوروبي يتجاوز نطاق نفوذها المعتاد.
ويأتي ذلك اتساقاً مع تنفيذ بنود
الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبيونج يانج؛ حيث وقع الرئيس بوتين ونظيره الكوري
الشمالي "كيم جونج أون" في يونيو 2024 على معاهدة التعاون الاستراتيجي
الشاملة، والتي تنص المادة الرابعة منها على "في حالة دخول أي من الجانبين في
حالة حرب بسبب غزو مسلح، يتعين على الجانب الآخر تقديم المساعدة العسكرية وغيرها
بكل الوسائل المتاحة لديه دون تأخير"، وهي الاتفاقية التي تم التصديق عليها
في 24 أكتوبر 2024، ومن ثم ليس مرجحاً أن يكون تزامن التصديق على المعاهدة مع وصول
القوات الكورية الشمالية مصادفة؛ إذ يبدو أن الكرملين يسعى إلى إيجاد تبرير قانوني
للدعم العسكري الخارجي في حربه ضد أوكرانيا؛ حيث وضع الكوريين الشماليين في الجبهة
في منطقة كورسك الروسية، وليس في دونباس أو دونيتسك، حيث تدور أعنف المعارك.
وتأسيساً على ذلك، يمثل إرسال كوريا
الشمالية قوات لدعم روسيا في الحرب الأوكرانية توسعاً خطيراً في مسار الصراع، الأمر
الذي قد يترتب عليه بعض التداعيات المباشرة التي تتمثل في الأتى:
أولاً: زيادة حدة
التصعيد مع واشنطن وحلفائها في أسيا
أسفر نشر القوات الكورية الشمالية لدعم
روسيا إلى زيادة المخاوف الأمنية في شرق آسيا، وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها الإقليميين في هذه المنطقة، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان؛ حيث عبر
المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم من أن مشاركة كوريا الشمالية قد تشجع روسيا على
تكوين شراكات مع دول أخرى معزولة أو معادية، مما قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع.
كما أصدرت واشنطن وطوكيو وسيول بياناً مشتركاً يدين بيونج يانج بسبب تطويرها
للأسلحة النووية وتعميق التعاون العسكري مع روسيا، مؤكدين على التزامهم بالدفاع عن
بعضهم بعضاً إزاء أي تهديد مباشر من التحالف الروسي – الكوري الشمالي.
وفي السياق ذاته، فإن عواقب هذا
التحالف لا تقل أهمية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي؛ إذ قد يعقد من جهود الحلف لتحقيق
أهدافه في منطقة أوروبا الشرقية، الأمر الذي قد يستدعي تعزيز الوجود العسكري لحلف
الناتو في هذه المنطقة، بل وربما زيادة الدعم للدول الأعضاء تجاه أوكرانيا، وذلك
من أجل تعويض التقدم الذي تحققه روسيا من خلال القوات الكورية الشمالية.
ثانياً: رفع مستويات
التوتر مع كوريا الجنوبية
تنظر كوريا الجنوبية إلى تورط جارتها الشمالية
في الحرب الأوكرانية باعتباره خطراً أمنياً، نظراً لإشارته إلى استعداد بيونج يانج
للانخراط في صراعات خارج نطاقها التقليدي. ورداً على ذلك، أعلنت حكومة سيول عن
دراستها اتخاذ "تدابير مضادة على مراحل". ورغم التهديدات بإرسال أسلحة
هجومية إلى أوكرانيا، إلا أن المساعدات المباشرة من كوريا الجنوبية من المرجح أن
تظل مقتصرة على المساعدات الإنسانية وغير الفتاكة، حيث إن القانون المحلي يمنعها
من تصدير الأسلحة إلى مناطق الصراع النشطة. كما يخشى المسؤولون الكوريون الجنوبيون
أن تشكل القوات الكورية الشمالية، بعد اكتساب الخبرة القتالية، تهديداً متزايداً
لبلادهم، وخاصة إذا عادت بتكتيكات محسنة وخبرة عملياتية من مشاركتها في أوكرانيا.
وفي سياق آخر، وبالرغم من التهديدات
الغربية المتزايدة تجاه بيونج يانج بسبب مشاركتها في الحرب الأوكرانية، أطلقت
كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات قبالة ساحلها الشرقي، ناهيك عن
كشف الاستخبارات الدفاعية الكورية الجنوبية عن استعداد جارتها الشمالية لإجراء
تجربتها النووية السابعة، وهو ما قد ينذر باتجاه الوضع في شبه الجزيرة الكورية إلى
تصعيد جديد، حيث إن جميع الأطراف المعنية تستعد لمواجهة البيئة الأمنية المتوترة
في هذه المنطقة.
ثالثاً: توطيد الشراكة
بين موسكو وبيونج يانج
قد يؤدي تعزيز العلاقات بين روسيا
وكوريا الشمالية إلى تطور برامج الأخيرة للأسلحة النووية، وخاصة في ضوء تضمين
اتفاقية يونيو 2024، بنوداً تعزز التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا، بما في
ذلك الفضاء والطاقة الذرية السلمية. وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح ينص على دعم
روسيا لكوريا الشمالية في تطوير الصواريخ أو الأسلحة النووية، إلا أن روسيا قد
تخلت عن معارضتها السابقة لهذه البرامج، وهو ما اتضح من خلال استخدام روسيا حق
النقض ضد قرار الأمم المتحدة، الذي كان يهدف إلى تشديد العقوبات على كوريا
الشمالية في عام 2022، وكذلك ضد قرار آخر في 2024 لتمديد ولاية لجنة مراقبة عقوبات
الأمم المتحدة، وهو ما يعني فعلياً انتهاء الرقابة على الالتزام بالعقوبات الأممية
المفروضة على بيونج يانج.
وفي إطار هذا التعاون أيضاً، قد تسعى
بيونج يانج لضمان الالتزامات الدفاعية الروسية في حالة نشوب صراع إقليمي في شبه
الجزيرة الكورية، أي يمثل الدعم الكوري الحالي صفقة مقايضة عسكرية مستقبلية بين
البلدين، وذلك في إطار التزامهما بتنفيذ بنود الاتفاق الدفاعي الأخير، كما أنه من
الممكن أن تستفيد كوريا الشمالية من هذه التجربة، لتطوير آليات التنسيق مع القوات
الروسية في أية صراعات مستقبلية.
رابعاً: تقليل اعتماد
بيونج يانج على بكين
يهدف الدعم العسكري الذي تقدمه كوريا
الشمالية لروسيا في جزء منه إلى تقليل اعتماد بيونج يانج على بكين، وبالتالي تقليص
نفوذ الأخيرة على نظام كيم، خاصة وأنها تعتبر الشريك الأكثر أهمية لكوريا الشمالية
حتى الآن، حيث يعتمد الاقتصاد الكوري الشمالي، المثقل بالعقوبات والذي يعاني من
الفقر، بشكل كبير على التجارة مع الصين، التي تمثل أكثر من 90% من إجمالي واردات
وصادرات كوريا الشمالية، فضلاً عن كونها أكبر مصدر للمساعدات الغذائية لها.
وكشفت سياسة كوريا الشمالية النووية
المتطرفة في عام 2017 عن حدود التحالف بين البلدين، حيث أوضحت افتتاحيات في صحيفة
"جلوبال تايمز"، وهي صحيفة تعبر بشكل أو بآخر عن التوجهات الرسمية
الصينية، أن بكين ينبغي ألا تتدخل عسكرياً إذا هاجمت كوريا الشمالية الولايات
المتحدة أولاً، بل وقد تسمح حتى للجيش الأمريكي بقصف المنشآت النووية لكوريا
الشمالية. كما روجت بعض وسائل الإعلام الصينية أن بيونج يانج تهدد أمن الصين عبر
امتلاكها الأسلحة النووية دون استشارة بكين. وردت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا
الشمالية بانتقاد نادر لعدم صدق الصين، متهمة إياها "بالرقص على أنغام
الولايات المتحدة".
وفي التقدير: يمكن
القول إن نشر كوريا الشمالية قوات عسكرية لدعم الحملة الروسية في أوكرانيا يشكل
تطوراً محورياً له آثار بعيدة المدى، حيث يمثل هذا التحالف تحولاً في السياسة
العسكرية والخارجية لكوريا الشمالية، إذ بات نفوذها يمتد إلى ما هو أبعد من شبه
الجزيرة الكورية، مما يضعها في موقع المشارك النشط في الصراعات الدولية التي تؤثر
على حلفائها الاستراتيجيين.