المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تنامي الانخراط: تداعيات فوز ترامب على الحرب الإسرائيلية في غزة

الإثنين 16/ديسمبر/2024 - 06:40 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

استعاد دونالد ترامب السيطرة على البيت الأبيض بعد فوز كاسح بعدما تجاهل الناخبون الأمريكيون القضايا القانونية التي تلاحقه واختاروا رئيسًا سيختبر حدود السلطة في حال نفذ وعوده الانتخابية. بدورها، أقرت هاريس بالهزيمة ووعدت بانتقال سلمي للسلطة، بينما يتوقع أن تكون لولاية ترامب الثانية تأثيرات كبيرة على السياسات الداخلية والخارجية الأميركية.

وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من بين أوائل القادة الذين تواصلوا مع الرئيس المنتخب ترامب لتهنئته، حيث أجريا محادثة شملت تأكيدًا على التعاون لتعزيز أمن إسرائيل. وخلال هذا النقاش، تناول الطرفان التهديدات الإيرانية، وذلك في ضوء معلومات استخباراتية أمريكية تشير إلى مؤامرات إيرانية تستهدف ترامب.  كما أشار إلى أن هذا النصر يمثل انتصارًا ضخمًا للعلاقات بين البلدين، إذ يتمتع بعلاقة وثيقة مع إسرائيل، وقد دعم سياسات نتنياهو السابقة في مجالات عدة. ولطالما تحدثت تقارير عن أن نتنياهو رفض الامتثال للدعوات الأمريكية بوقف الحرب في قطاع غزة وفي لبنان، قبل الانتخابات الأمريكية، أملًا بفوز ترامب الحليف الكبير لإسرائيل.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية حمل أملًا بين الإسرائيليين في أن تتمكن إدارته الجديدة من إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من سنة في قطاع غزة. فقد انعكست تلك الأجواء على الشارع الإسرائيلي؛ إذ أعرب العديد من الإسرائيليين عن فرحهم بهذا الانتخاب، معتبرين أن الرئيس الجمهوري قادر على صنع السلام، في المقابل، أعرب العديد من الفلسطينيين، الذين يعيشون مآسي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن خوفهم من عودة ترامب. بينما رأى آخرون أن السياسة الأميركية تجاه تل أبيب لن تتغير أيا كان من يحكم البيت الأبيض، ومن زاوية أخرى فقد جاء نجاح ترامب بعدما أثارت إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت ردود فعل قوية في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل على عدة جبهات خاصة أن جالانت أقر بأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدعم أي صفقة على الطاولة وتريد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومن ثم جاءت هذه الإقالة باعتبار أن نتنياهو لا يحب أن يبرز أحد وزراء ائتلافه الحكومي في الساحة ويفضل أن يكون هو اللاعب الرئيسي، وهو ما قد يصعب الأمور على ترامب فيما يتعلق بالضغط على نتنياهو فيما يتعلق بإنهاء الحرب.

استراتيجية جديدة أم إعادة إحياء

لكي نفهم ما سيفعله ترامب في ولايته الرئاسية الجديدة بشأن هذا الصراع، فينبغي أن نتذكر ماذا فعل في فترته الرئاسية الأولى، لأن ذلك مدخل مهم لبناء صورة مستقبلية عن فكره وخطواته المتوقعة. فخلال فترة ولايته الأولى، تبنى ترامب سياسة دعم قوي لإسرائيل واتخذ عدة قرارات غير مسبوقة منها الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل؛ حيث نقل ترامب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مما أثار استياء الفلسطينيين ودول عربية وإسلامية، واعتُبر انحيازًا واضحًا لإسرائيل. بجانب ذلك طرح ترامب صفقة القرن لتكون خطة للسلام البديلة والتي تضمنت إقامة دولة فلسطينية بشروط قاسية، واحتفاظ إسرائيل بمعظم المستوطنات في الضفة الغربية. رفض الفلسطينيون هذه الخطة، معتبرين أنها تنتقص من حقوقهم، بالإضافة إلى ذلك دعم ترامب اتفاقيات أبراهام التي أبرمت بين إسرائيل وعدة دول عربية لتطبيع العلاقات، وهو ما عزل الفلسطينيين سياسيًا وساهم في تعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة.

لم يحدد ترامب كيف سيتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس إذا أُعيد انتخابه، أو كيف ستختلف سياساته عن سياسات سلفه جو بايدن، وقال ترامب إن إسرائيل بحاجة إلى إنهاء ما بدأته مشيرًا إلى أنها تخسر حرب العلاقات العامة بسبب الصور القادمة من غزة، وبالتالي قد يبرم صفقة توقف إطلاق النار، إلا أنها ستكون وفق شروط ومصالح إسرائيل، كما ألمح سابقًا خلال حملاته الانتخابية إلى أن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، مضيفًا أنه يفكر في كيفية توسيعها، إن هناك مخاوف من أن يسمح ترامب لإسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما من شأنه أن يعني نهاية القضية الفلسطينية وسيكون ترامب هو الشخص الأفضل لتحقيق شرق أوسط جديد وفق هذا التصور.

على الجانب الآخر، وإن كانت إسرائيل ترغب في إنهاء الحرب أو إيجاد حل، فسيحاول ترامب إعادة إحياء صفقة القرن، والنظر إلى القضية الفلسطينية بأسلوب جديد ومختلف بعد تجربة الحلول ذاتها لعشرات دون فائدة، إلا أن من المرجح أيضًا أن يكتسب رئيس الوزراء الإسرائيلي المزيد من الجرأة على المستوى المحلي، بعد إقالته لوزير الدفاع يوآف جالانت إثر أشهر من الصدامات حول السياسة الداخلية وجهود الحرب الإسرائيلية. وعلى الرغم من أنها هي نفسها والعديد من الإسرائيليين يرحبون بتلك الدعوات من قبل ترامب، فإن نتنياهو وحكومته يعارضون بشكل قاطع إنهاء الصراع قبل أن تحقق إسرائيل النصر التام.

إن إنهاء الحروب في غزة ولبنان ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط من المرجح أن يكونا على رأس أجندة الرئيس المنتخب في الشرق الأوسط. كما أن دونالد ترامب سوف يمارس كل الضغوط الحقيقية والملموسة كما فعل في ولايته السابقة، مؤكدا أن هناك سياسات واقعية وإجراءات علمية سينفذها ترامب، إذ إنه لا يعطي مجرد وعود فهو مفاوض من الطراز الأول ولديه خطوات إيجابية في كثير من الأمور.

اتجاهات وتناقضات

إن تصريحات ترامب عن إنهاء الحرب قد تكون أشيه برسائل سياسية، خاصة أنه يستخدم هذا الأسلوب لتقديم نفسه بوصفه صانع سلام قادرًا على إنهاء الصراعات. ومع ذلك، في ضوء تاريخه في دعم إسرائيل وسياساته السابقة، فإن إستراتيجيته ربما لا تعني إنهاء النزاع بشكل جذري أو تقديم تنازلات للفلسطينيين، بل ربما العمل على هدنة قصيرة الأمد أو تجميد للأوضاع يخدم إسرائيل، مع الادعاء بأنه وضع حدا للحرب.

وضمن هذا السياق، يمكن أن يسعى ترامب إلى اتباع جملة من السياسات لإنهاء الحرب من خلال التدخل الدبلوماسي بشروط إسرائيلية عبر مفاوضات أو وساطة، ولكن بشروط تميل لصالح إسرائيل، مثل نزع سلاح حركة حماس أو الحصول على ضمانات بعدم تدخل حزب الله في النزاع، وهو ما من شأنه أن يمنح إسرائيل اليد العليا.

كما يمكن أن يتجه ترامب إلى تجميد الصراع بصورة مؤقتة وفرض شروط قاسية على الأطراف الفلسطينية واللبنانية، مقابل وعود بتحسين الوضع الاقتصادي أو تخفيف الحصار، ولكن من دون حل جذري للصراع، أي أنها ستكون تسوية قصيرة الأجل وليست حلًا دائمًا دون تغيير كبير في الوضع القائم. من ناحية أخرى، قد يتجه ترامب إلى تعزيز مسارات الضغط على إيران وأذرعها الإقليمية، وهو ما يمكن أن يقلل من خطر التصعيد وضمان عدم انخراطهم في الأزمة.

وقد يكثف ترامب الخطاب الذي يستخدمه البيت الأبيض تجاه طهران ويستأنف فرض عقوبات اقتصادية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، قد يأمر باستخدام القوة العسكرية الأميركية ضد شخصيات إيرانية متورطة في أنشطة إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، ستمتنع إدارة ترامب عن العمل العسكري ضد القدرات النووية الإيرانية، خوفًا من تورط واشنطن في حرب جديدة في الشرق الأوسط. إن الدعم الذي عبر عنه في الأشهر الأخيرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد طهران لن يظل ساري المفعول بالضرورة خلال فترة ولايته، حيث قد تشكل عواقبها تحديًا للولايات المتحدة أيضًا.

في الختام: على الرغم من تعهدات ترامب بإنهاء الحرب، فإن سياساته السابقة وتوجهاته المنحازة لإسرائيل تعطي إشارات معقدة بشأن مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة قد تقف حائلًا أمام السياسة الأمريكية في هذا الشأن، وإن كان تسوية هذه الأزمة يفرض على إسرائيل أن تعمل مع الإدارة الأميركية، وليس معارضتها علنًا من أجل تحسين فرص أن يساهم الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه في تحقيق مصالحها في توجيه سياساتها الخارجية في مناطق وقضايا أخرى.

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟