المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

حسابات التكلفة....كيف أثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي على الاقتصاد الإيراني؟

الإثنين 01/أبريل/2024 - 02:33 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أدى تأخر العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي والتي وقعتها إيران مع القوى الغربية في عام 2015، ولكن انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018 إلى تعزيز معاناة الشعب الإيراني الذى يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة. وفي هذا السياق، أشارت بعض الدراسات إلى إنه خلال الفترة من عام 2010 إلى 2023  عانت الموازنة العامة في إيران من عجز قدره 1210 مليارات دولار. وأظهرت دراسة أخرى أن تكلفة تأخر العودة إلى الاتفاق النووي بلغت نحو 19.1% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الأربع سنوات الأخيرة، الأمر الذى جعل الاقتصاد الإيراني يعانى من قيود هيكلية وتحديات مزمنة جعلت أساليب العلاج أكثر تعقيداً.

وعلاوة على ذلك، ظلت الكثير من القضايا الاقتصادية في العام الإيراني 1402 المنتهى في (21 مارس 2024 ) دون حل، والتي اتضح أبرزها في خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم إدانة الرغبة في العودة إليها خلال حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، ولكن حاولت وماتزال الحكومة اللاحقة لها بقيادة إبراهيم رئيسي العودة أيضاً. ولكن الأهم في هذا الإطار هو أن التداعيات السلبية المرتبطة بعدم العودة إليها ما تزال تؤرق  جسد المجتمع الإيراني المتضرر بالفعل.

وسيتم العرض فيما يلي لأبرز التداعيات السلبية المرتبطة بعدم رفع العقوبات على الاقتصاد الإيراني:

أولاً:  زيادة نسبة الفقراء الجدد

أعلن البنك الدولي في عام 2018 أن 0.5% من الشعب الإيراني (أي ما يعادل 420 ألف شخص) يعيشون تحت خط الفقر المطلق (الدخل أقل من 1.90 دولار في اليوم).  ووفقاً لتقرير مركز أبحاث المجلس لعام 2017، يعيش ما بين 23 إلى 40% من إجمالي سكان إيران تحت خط الفقر. وفي أكتوبر 2019 وبسبب الانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة الإيرانية فإن أكثر من 60% من إجمالي سكان إيران باتوا يعيشون تحت خط الفقر، الذى وصل إلى 20 مليون تومان في نوفمبر 2022.

وفي بداية العام الإيراني الماضي الذى بدأ في مارس 2023 وعندما وصل سعر الدولار إلى أكثر من 50 ألف تومان، تجاوز خط الفقر للعيش في حضر طهران 30 مليون تومان. ويقدر هذا الرقم بـ 15.700.000 تومان للأسرة الريفية في محافظة طهران، ووفقاً لهذه الإحصائيات، يصبح نصف سكان إيران تحت خط الفقر المطلق.

 وفي هذا السياق، على سبيل المثال، يبلغ متوسط ​​سعر الدجاج في إيران أكثر من 100 ألف تومان للكيلوغرام الواحد؛ بينما يبلغ نحو 1.3 دولار (65 ألف تومان) في ألمانيا، و1.7 دولار (80 ألف تومان) في تركيا، ونحو 1.8 دولار (90 ألف تومان) في الإمارات، وهو اتجاه يظهر أن الإيرانيين يتلقون الأموال بالريال، لكنهم غالباً ما ينفقون أموالهم بالدولار. وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن إيران هي الدولة الخامسة في العالم من حيث تضخم أسعار المواد الغذائية.

وبإلقاء نظرة عامة على العامية الماضيين في إيران يتضح أن سعر الدولار ارتفع من نحو 26 ألف تومان إلى 57 ألف تومان، والعملات المعدنية من نحو 11 مليون تومان إلى أكثر من 30 مليون تومان، وارتفعت أسعار اللحوم والدجاج والسيارات بأكثر من الضعف، وارتفعت السيولة من 3700 إلى 6103 ألف مليار تومان، وارتفع متوسط ​​أسعار المساكن من 30 مليون تومان للمتر الواحد إلى أكثر من 70 مليون تومان، وهو اتجاه مثير للقلق يظهر العد التنازلي للنهاية المطلقة للقوة الاقتصادية الإيرانية في المستقبل المنظور.

ثانياً: اندثار الطبقة المتوسطة

تكشف الإحصائيات عن تناقص أعداد الطبقة المواطنين الذين يعيشون في الطبقة المتوسطة بإيران، وذلك نتيجة إتجاه فئات كثير ة من هذه الطبقة نحو الفقر بكافة أنواعه، بما في ذلك الفقر الصحي والفقر التعليمي بما يعنى زيادة معدلات التسرب من التعليم، كما أن الحد من الوصول إلى الخدمات الطبية بسبب انخفاض الدخل هو أثر آخر يتعلق بانكماش الاقتصاد الخاضع للعقوبات؛ حيث أدت الزيادة في تكاليف العلاج إلى جعل بعض الفئات غير قادرة على تحمل التكاليف.

وبالنظر عن كثب إلى الكثير من الشواهد، نرى علامات على تدهور الحالة الصحية للطبقة المتوسطة. فعلى سبيل المثال، يعد تقليل استخدام الخدمات الطبية في مجالات مثل طب الأسنان إحدى هذه الحالات. وهنا يمكن القول أن الصحة والتعليم، وهما الركيزتان الأساسيتان للعدالة في المجتمع، أصبحا طبقيين وغير  موجودين لدى الطبقات الدنيا. على الرغم من أن الطبقة الوسطى عانت بشكل أقل من آثار خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن استمرار العقوبات مع مرور الوقت جعلها تندثر نحو الشرائح العشرية ذات الدخل الأدنى. بحيث لم تعد هذه الطبقة قادرة تدريجياً على التمتع بالمنافع الاقتصادية والاجتماعية.

ثالثاً: ارتفاع معدلات البطالة

بالتوازى مع ما سبق، ظهرت آثار الحصار والتحديات الاقتصادية المرتبطة به على سوق العمل خلال هذه السنوات، وقد أدى انخفاض فرص العمل وكذلك مستوى دخل الأسر إلى تحول المواطنين إلى وظائف غير مستقرة. وبهذا شهدت سوق العمل الإيراني زيادة في عدد العاملين المستقلين، والوظائف ذات الدخل المنخفض والتي لا تتمتع بالضمان الاجتماعي، وكلها مؤشرات على ضعف الهياكل الاقتصادية في إيران.

وخلافاً للعديد من الادعاءات بأن العقوبات ليس لها أي تأثير على اقتصاد إيران وحياة الناس، ينبغي قبول أن العقوبات عامل مهم في الحد من تدهور اقتصاد البلاد، وأن نتائج هذا التقييد تظهر في حياة الناس. وهذا العامل خطير للغاية لدرجة أن  إتخاذ العديد من السياسات دون حل هذه المشكلة الرئيسية لا يمكن أن يكون لها آثار كبيرة في حل المشكلات الاقتصادية ولا تشمل سوى آثار قصيرة الأجل لن تؤدى إلى علاج هذه القضية على المدى الطويل.

ومن هذا المنطلق، يثبت ذلك مدى زيف الادعاءات التي جاءت بها حكومة رئيسي بإنه سيتم تحييد آثار العقوبات،  وإنه لن يتم ربط مائدة الشعب بالاتفاق النووي وإنه يمكن تسيير الأوضاع الاقتصادية في إيران بالاعتماد على الجيران فقط من العالم الخارجي.

وفي النهاية: يمكن القول إن هذه الجزاءات ما هي إلا أحد محفزات التدهور والاستياء الموجودة في إيران، ولكن يتكاتف معها بعض العوامل الهيكلية الأخرى التى لا تقل أهمية مثل الصراع بين الفصائل السياسية وعدم وجود مساحة لقبول الرأي الآخر بين التيار المحافظ والإصلاحي، والفساد المستشري داخل الاقتصاد الإيراني، وسيطرة الحرس الثوري على غالبية المقدرات الاقتصادية للدولة، فضلاً عن تشديد القبضة القمعية للنظام وتقييد الحقوق والحريات، بل وعدم الاعتراف بها من الأساس في بعض الأحيان.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟