المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

كيف يمكن التغلب على عقبات الاتفاق النووى؟

الأربعاء 29/يونيو/2022 - 08:13 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إيلي جيرانمايه، عرض: مرﭬت زكريا

أعلن الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي  جوزيب بوريل  عندما كان  في طريقه إلى طهران للقيام بمحاولة مدتها 11 ساعة لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني؛ ففي محادثات فيينا في مارس من هذا العام، أحرز المفاوضون تقدمًا جوهريًا نحو إعادة إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى الامتثال للاتفاق، لكن الصفقة الآن معرضة لخطر الانهيار الشديد، على خلفية توقف المحادثات النووية وزيادة التوترات بين إيران والغرب بشأن القضايا النووية بشكل حاد، فضلاً عن التصعيد الحاد بين كل من إسرائيل وإيران. وبالتالي، يمكن القول إن انعدام الثقة المتزايد بين الغرب وإيران قد يؤدي بهما إلى سوء تقديرهما.

ففي الأيام الأخيرة، أجرى وزير الخارجية الإيراني مناقشات رفيعة المستوى مع نظيريه الروسي والصيني حول مصير خطة العمل الشاملة المشتركة، وعليه، يمكن أن تخلق زيارة بوريل الزخم الدبلوماسي اللازم لإنهاء المأزق الحالي وتجنب المزيد من التصعيد. وحتى الآن، على الرغم من الدبلوماسية المكوكية المستمرة من قبل الاتحاد الأوروبي، لم يتمكن المفاوضون من حل القضية الشائكة العالقة بين طهران وواشنطن؛ حيث تصنف الولايات المتحدة الأمريكية الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) كمنظمة إرهابية. وكما هو الحال، من غير المرجح أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى إتفاق بشأن الخطوات المتبادلة التي تصر إدارة بايدن على أنها ضرورية لإزالة التصنيف.

ومع استمرار المأزق، وسعت إيران الآن أنشطتها النووية إلى ما هو أبعد من حدود الاتفاق النووي لعام 2015، كما أعاقت عمليات التفتيش وغيرها من عمليات المراقبة التي توفر إشرافًا حاسمًا على أنشطتها النووية. ففي يونيو 2022، أصدرت 30 دولة من أصل 35 دولة في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يوجه اللوم إلى إيران بسبب افتقارها إلى التعاون والتفسيرات الموثوقة حول تحقيقات الوكالة في السلوك الإيراني السابق بشأن القضايا النووية. وردت إيران بفصل بعض الكاميرات في منشآتها، الأمر الذي قد يقوض بشكل كبير ما تسميه الوكالة "استمرارية المعرفة" بشأن الأنشطة النووية الإيرانية. كما أبلغت إيران الوكالة أنها بدأت في استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في موقعها النووي تحت الأرض؛ حيث تزيد هذه التحركات من تعقيد تنفيذ اتفاقية فيينا.

ورغم أن هذه النظرة القاتمة، هناك بعض الدلائل على أن إدارتي بايدن ورئيسي يمكن أن تتوصلا إلى حلول مبتكرة للمواجهة - من خلال تجاوز قضية تصنيف الحرس الثوري الإيراني - للنظر في إيماءات أخرى يمكن أن تعيد الاتفاق النووي. ولتحقيق ذلك، يحتاجون إلى إزالة ثلاث عقبات رئيسية.

تعد المشكلة الأساسية في طهران مع عودة خطة العمل الشاملة المشتركة سياسية أكثر منها اقتصادية؛ حيث لا يثق القادة الإيرانيون كثيرًا في أن الاتفاق النووي الذي تم إحياؤه سيكون دائمًا، لأنهم يدركون - بعد تجربة التعامل مع الرئيس دونالد ترامب - أنه لا يمكن لأي إدارة أمريكية إجبار خليفتها على الالتزام بالاتفاق.

والآن بعد أن سيطرت الفصائل المحافظة بشكل كامل على الحكومة والبرلمان والقضاء في طهران، لا يرغب القادة الإيرانيون في المخاطرة بسمعتهم من خلال إبرام اتفاق آخر مع واشنطن، والأهم من ذلك، أن المرشد الأعلى علي خامنئي سيعتبر أن التعرض للخداع مرة ثانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة كارثة سياسية، خاصًة في وقت قد تكون فيه عملية انتقالية لاختيار خليفته جارية.

وهناك أيضًا شعور متزايد في طهران بأن الديمقراطيين أضعف من أن يؤمنوا البيت الأبيض لولاية ثانية - مما يزيد من احتمال ضياع أي فوائد تكسبها إيران بموجب اتفاق جديد في غضون عامين، والهدف المعلن لإدارة بايدن المتمثل في التفاوض على صفقة "أطول وأقوى" مع إيران يثير قلق العديد من السياسيين الإيرانيين؛ حيث إنهم يخشون أنه بمجرد إبرام اتفاق، ستهدد الإدارة بإعادة فرض عقوبات على البلاد ما لم تدخل على الفور محادثات متابعة بشأن اتفاق نووي موسع.

وفي غضون ذلك، تجادل الفصائل المتشددة في إيران بأنه سيكون من غير الحكمة التخلي عن النفوذ النووي الذي يمكنهم استخدامه في المفاوضات مع رئيس أمريكي أقوى. ويزعمون أن الصدمة الاقتصادية التي ستعانيها إيران من إعادة فرض العقوبات (بعد خروج أمريكي آخر من الاتفاق النووي) لا تستحق الفوائد قصيرة الأجل لاتفاق مع إدارة بايدن.

وبالنسبة لحكومة رئيسي، يمكن أن يساعد تخفيف العقوبات الأمريكية في تخفيف التدهور الاقتصادي في البلاد واحتجاجات الشوارع على مستوى البلاد، والتي تفاقمت خلال عامه الأول في منصبه. ومع ذلك، لم تتمكن إدارته من الحصول على دعم محلي كافٍ لإنهاء الصفقة التي تم التوصل إليها في فيينا لإعادة تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة.

 كما أنه من الواضح أن إيران تطالب بإزالة تصنيف الحرس الثوري الإيراني لأن إدارة روحاني لم تكن قادرة على تحقيق هذا الامتياز ولأن الحصول على الإزالة يمكن أن يساعد في خلق إجماع محلي لدعم الصفقة  بما في ذلك بين أعضاء الحرس الثوري الإيراني. لذلك، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الآن اقتراح حزمة من المبادرات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن توفر حافزًا إضافيًا لإيران لقبول النص الذي تم التوصل إليه في فيينا. ويجب ربط هذه الإجراءات بالتنفيذ الكامل لاتفاقية 2015 ويمكن تصميمها لحماية المصالح الغربية، مثل تعزيز أمن الطاقة والتعاون الاقتصادي الإقليمي.

بينما تتمثل العقبة الرئيسية الثانية  في افتقار الرئيس جو بايدن الواضح إلى الرغبة في خوض معركة سياسية داخلية مكلفة بشأن الاتفاق النووي. وقد أدى تردده، الذي من المرجح أن يزداد مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر2022، إلى قلق العديد من القادة الأوروبيين من أنه يسير نائمًا نحو أزمة نووية كبرى.

لهذا السبب يحتاجون الآن إلى التواصل المباشر مع إدارة بايدن والقيادة الإيرانية، لدفعهم إلى تنفيذ الإجراءات التي اتفقوا عليها في فيينا، ويجب على القادة الأوروبيين مناشدة بايدن مباشرة بصفته داعمًا قديمًا للتحالف عبر الأطلسي ، من خلال التأكيد على اهتمام أوروبا القوي بالصفقة.

أما العقبة الرئيسية الثالثة تتمثل في الخطر المتزايد من أن إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ستخطئ في تقدير تسامح بعضها البعض مع التصعيد. ويزعم بعض القادة في طهران أن التوسيع المدروس للأنشطة النووية هو أفضل طريقة للضغط على إدارة بايدن لتقديم تنازلات. ويرى العديد من المتشددين في اللحظة السياسية الحالية فرصة لاكتساب قوة سياسية واقتصادية أكبر من خلال منع التوصل إلى اتفاق نووي جديد والسعي إلى المواجهة.

وتم رؤية ذلك عندما احتجزت اليونان ناقلة نفط إيرانية وبدأت في نقل شحنتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بناءً على طلب واشنطن، احتجزت إيران ناقلتين يونانيتين رداً على ذلك. هناك الآن تقارير تفيد بأن المتشددين الإيرانيين يضغطون على إيران لزيادة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة غير مسبوقة تبلغ 90% والانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بالكامل.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة من المرجح أن تقابل رداً قاسياً من إسرائيل أو الولايات المتحدة - وربما حتى رد فعل عسكري، ويأتي ذلك في ظل تكثيف إسرائيل لحملتها من الاغتيالات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني واستهدفت منشآت عسكرية إيرانية، وفي المقابل تتهم إسرائيل إيران باستهداف السياح الإسرائيليين في تركيا، لذا، يجب على الحكومات الأوروبية استخدام علاقاتها مع إيران وإسرائيل لمحاولة وقف حلقة التصعيد هذه.

وفي غضون ذلك، يبدو الآن أن بايدن يعيد إطلاق حملة الضغط الأقصى التي شنها سلفه على إيران من خلال تكديس العقوبات على البلاد وتشديد تطبيقها لهذه الإجراءات. كما كان ينبغي أن تعلم إدارة ترامب فإن هذا النهج يقوض ببساطة أمن الولايات المتحدة  الأمريكية مقابل فوائد دبلوماسية قليلة.

وفي هذا السياق، يبدو أن العديد من صانعي السياسة في واشنطن يعتقدون أن القادة الإيرانيين مدفوعون أساسًا بالضرورات الاقتصادية، لكنهم لا يولون اهتمامًا كافيًا لخطر أنه إذا فرضت الولايات المتحدة مزيدًا من القيود على صادرات النفط الإيرانية، فقد تكون هناك عودة إلى نوع التصعيد العسكري الذي حدث في عام 2019، والذي عطل تدفق الطاقة عبر الخليج، وسيكون هذا ضارًا بشكل خاص لأوروبا والولايات المتحدة لأنهما يعملان على استبدال إمدادات الطاقة من روسيا.

كما إن حاجة أوروبا إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني بات أكبر من أي وقت مضى، فلا إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية لديها خطة عملية لإدارة تداعيات انهيار الصفقة. ومن المفهوم أن القادة الأوروبيين منشغلون بالحرب الروسية على أوكرانيا. ومع ذلك، يجب أن يدركوا أن مثل هذا الانهيار لا يمكن أن يؤدي فقط إلى تصعيد عسكري، بل قد يؤدي أيضًا إلى تفاقم مشاكلهم في سوق الطاقة، ولمواجهة هذه التهديدات، سوف يحتاجون إلى اتباع نهج بوريل وتكثيف جهودهم على الفور في الدبلوماسية رفيعة المستوى.

Ellie Geranmayeh, Borrell in Tehran: How to overcome three obstacles to the Iran nuclear deal, European Council on foreign Relations, 24 June 2022, available at https://ecfr.eu/article/borrell-in-tehran-how-to-overcome-three-obstacles-to-the-iran-nuclear-deal/?fbclid=IwAR3tWzAcHM5gB-Pb7YjowRn5FX2o-6KfjiBqwoyybtOxQvbXmAgel6P9aAo

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟