المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
الصادق الشعراني
الصادق الشعراني

ملامح من السياسات الصينية للقضاء على الفقر

الأربعاء 29/يونيو/2022 - 07:03 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

يعتبِر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  مُكافحة الفقر هو الهدف الأول للمنظُومة العالمية، لأنه مِن أكبر التحديات التي تواجه البشرية اليوم، فعلى الرغم من إنخفاض نسبة الفقر المُدقع إلا أنه مازال هنالِك الكثيرُون الذين يكافِحُون من أجل الحصول على إحتياجاتهم الأساسية ككائن بشري، وكثير مِنهم يفتقر إلى الغِذاء الكافي ومِياه الشُرب النظِيفة والصرف الصِحي. بلغة الحقائق والأرقام يقُول البرنامج : لا يزال أكثر من 800 مِليون شخص يعِيشون على أقل من 1.25 دولار أمريكي في اليوم، يعيش حوالي 1.3 مليار شخص في فقر متعدد الأبعاد، نِصف جميع هؤلاء الناس الذين يعيشون في الفقر تحت سن 18.شخص واحِد من كل 10 فقراء للغاية بحسب بيانات منشورة على موقع البرنامج بالإنترنت.

نسبة لزِيادة نِمو السُكان في منطقة جنوب وشرق آسيا، كانت تلك المناطق – ومازالت -  بطبيعة الحال الأكثر عُرضة للفقر وفقاً لمعايير خط الفقر الدولي البالغ 1.25 دولار أمريكي في اليوم، بِهذا القِياس تجدُ أن مجمُوعات كبيرة من السُكان في الهند وبنغلاديش ونيبال، وشرق آسيا وغربي الصين فقراء.وفي هذه الورقة سنتناول الفقر في الصين والسِياسات العامة الحُكومية في تخفِيف حِدة الفقر والقضاءُ عليه.

يقُول حُسين إسماعيل وهو كاتِب في موقع الصين اليوم الإلكترُوني : الحديث عن مُكافحة الفقر في الصين يكون غالباً مُكتظاً بالأرقام والبيانات والجداول والرسوم البيانية،وهو موضُوع تختلِط فِيه السِياسة بِالإقتصاد بالعلوم الطبيعية والدِراسات الإجتماعية والتحليلات الإحصائية، وأتصور أن كثيراً من الصِينيين- ناهيك عن الأجانب- لا يستطِيعُون تقديم شرح مُبسط لمسِيرة الصِين في مُكافحة الفقر في العصر الحديث. يمكن التحدُث بسهولة عن النتائج، والتي تتلخص في كلمات قليلة.. الصين تخلصت من الفقر!، بيد أنه حتى هذه الخُلاصة تظل محل جدل ونِقاش، بإعتِبار أن الفقر مسألةً نِسبية بشكل عام، فهناك العديد من الطُرق لتعرِيف الفقر، بما في ذلك الفقر المُدقع والفقر النسبي والفقر الذاتي والفقر الغذائي وغير الغذائي وفقر القُدرات.

وفي هذا الإطار تقُول الباحِثة مريم إصلاحي : تبرُز التجربة الصينية كأحد أهم التجارب التي كُللت بالنجاح، والتي لاقت رواجأ كبيراً جعلت مِنها نموذجاً جدِيراً بالدِراسة والمُناقشة. هذا النجاح لم يكن وليدُ الصُدفة، بل نِتاج قناعتها بضرُورة إستئصال الفقر من خلال قِيامها بِذاتها بإصلاحات جذرية، وبإيمانها بأن النجاح هو المِعيار الوحيد لقياس المنهج وفعاليته.

وفي النتائج يقول البنك الدولي في تقرير منشور موسُوم بـ تسخِیر النمُو الإقتصادي للصین في تخفیض أعداد الفقراء ويُقرر: إستناداً إلى نتائج بحوث وتحليل الفقر، إستخدمت الحُكومة مشروعات إيضاحية من تمويل البنك الدولي للإنشـاء  والتعميـر   بُغية إختبار المناهج الجديدة متعددة القطاعات التي تراعي متطلبات السوق لتوجيه سياسات تخفيض أعداد الفقراء .

خلفِيات الفقر في الصِين

تاريخياً الصِين لم تكن دولة صناعية، بل كانت من دولة الزراعية ذات نِمو سُكاني عالي، وليست لديها سِياسات للتعامل مع  ذلك النُمو؛ وبِالتالي وكمُحصلة طبيعِية ساهم ذلك في إرتفاع معلات الفقر والبطالة، وفي ذلك يقول أحمد فاروق عباس :" إحتوت الصين في العقد الأول من القرن على نحو 50 مليون فقير (أقل من 5% من السكان)؛ وحسب المعايير الدُولية التي تُحدِد عتبة الفقر لمُجمل البلدان بدولار واحد يومياً (بالتعادل مع القوة الشرائية) يوجد في الصين بين 120 - 110 مليون فقير(أي ما يعادل 9-17 %) من السكان. (1)

ويرى حسين إسماعيل أن الفقر ظل لصِيقا بالصين على مدى عقود قبل تأسيس الصين الجديدة، إذ مكن التأريخ لمسيرة الصينيين على درب مُكافحة الفقر في العصر الحديث بإنشاء جمهورية الصين الشعبية سنة1949 م . وأعتقادي أنه من هنا بدات مجهودات حقيقية  - الموثقة علي الأقل - للدولة الصِينية بتبنى سِياسة الإصِلاح والإنفتاح فشهد الريف إصلاح نظام الأراضي والتعليم والصحة وإدخال التقنيات الزراعية والألات,وإدخال منظومة الضمان الإجتماعي كمرحلة أولي في جهود تخيف وطأة الفقر.ودخلت المرحلة الثانِية 1978 – 2012 عبر الإستراتيجية الوطنية ومُساعدة الفقراء من خلال التنمية، عملت هذه الإستراتيجة لإخراج ملايين المواطنين من خط الفقر. أما المرحلة الثالثة فكانت برنامج المساعدة المستهدِفة للفقراء بدقة, تحت إشراف الرئيس والحزب الشيوعي الصيني.

وفي سِياق الإرتباط الوثيِق بين السياسي والإجتماعي، لابد لنا أن نُشير إلي المنظومة السياسية، وهي الحزب الشيوعي الذي يتخذ من الماركسية اللينية مرجعاً له كمنظومة إشتراكية - ذات خصائص -  صِينية، الأمر ما كان له سهم كبير في صِياغة سِياسات تخفيف وطأة الفقر، والتي في نهاية المطاف شكلت قُوة دفع إجتماعي لإرادة العيش معاً. ذلك المعني تحديداً يُفسره علي رضا كركي ويقُول :" تلخِص الحقوق والواجبات صورة العلاقات الشائكة بين القائمين بالأعمال والوظائف والتجارة وغير ذلك، وعليه تكون العلاقات الإجتماعية في حد ذاتها نوعاً من أنواع العيش الإجتماعي "(2)

على هذه الوقائع قامت الحُكومة الصينية بتحدِيث تعريفاتها للفقر، وحددت نظرتها للمُواطن الفقير بصورة أكثر دقة، وفي هذا السِياق قال ليو يونغ فو، مدير مكتب الفريق القيادي لمساعدة الفُقراء التابِع لمجلس الدولة الصيني في تصريحه للإعلام :" القضاء على الفقر يعني أن لا يقلق الفقراء من نقصِ الغذاء واللِباس، وضمان التعليم الأساسي الإلزامي والرِعاية الطبية الأساسية وتأمين السكن "(3).  وبِحسب تقرير نُشر في فبراير 2021 عبر وكالة الأنباء الصينية  (شينخوا)، إسِتثمرت البلاد ما يقربُ من 1.6 تريليون يوان (حوالي 246 مليار دولار أمريكي) من الأموال الحُكومية في التخفيف من حِدة الفقر خلال السنوات الثماني الماضِية. وكانت هذه المرحلة تحت شِعار تخفيف حدة الفقر بدِقة وإنضباط.

سياسات مقاربة الفقر ذات الخصائص الصينية 

نشرت صحيفة سودانيز فويز الانجليزية مقالاً للسفير الصينى لدى السودان ما شينمين فى عموده  "التركيز على الصين بعنوان " الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية"، يستعرض فيه نجاحات الصين ومُقاربتها في سِياسات القضاء علي الفقر ولكن بخصائص صينية .ويقول : " لقد تم إخراج 98.99% من القرى التى كانت تعيش تحت خط الفقر من دائرة الفقراء، فقد أنجزت الصين المُهمة الشاقة بالقضاء التام على الفقر، حيث أنها أخرجت 832 مُقاطعة و 128,000 قرية، وأصبح الفقر الذى ظل يطارد الشعب الصينى لأكثر من ألفى سنة من قصص الماضى".(4) 

فهذا بطبيعة الحال إنجاز بمعاير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. هُنا نُود أن نُفصل قليلأ في تلك السِياسات وأبرز ملامحها.

حوكمة الفقر..  نِظاماً فاعلاً وآليلات عملية

لم تُكن تِلك النتائج صدفة وإنما جاءت بعد عمل كبير، حيث حشدت الإدارة الصينية أكثر من 255 ألف فريق عمل، يُباشرون العمل في الميدان، وأكثر من 3 مليون موظف يعمل كمفوض خاص  في القري الفقيرة، و2 مليون موظف في المدن، وأنُشئت إدارات مكافحة حِدة الفقر بكل مستويات الدولة وإدرات أخرى للإشراف والتقييم والرقابة المتعددة الأبعاد فتكونت أنظِمة حوكمة مُتكاملة. وفيما يتعلق بالإدارة السليمة لتحقيق الاهداف يقول السفِير ماشينمين :" قد تم رصد جميع حالات الفقر على نِطاق الدولة بالمعلومات التفصِيلية عن الذين يُعانون من الفقر، وما مُستوى حدة فقرهم وماهى الأسباب، وعلى هذا النسق تُقدم المُساعدات للأسر والافراد"(5). 

كُل ذلك ساهم في خلق مجال إجتماعي وبئية شجعت كل الفاعلين في المجتمع للمُساهمة في هذا التحدي في كل مناطق الصين في المُدن والريف.

التنمية .. هي المدخل الموضوعي للفقر 

إستثمرت الصين ملايين الدولارات على مشروعات البني التحتية خارج المدن فمدت شبكات الطرق وشيدت الاسواق والمرافق الخدمية، وضخت مبالغ إضافية في برامج التمويل الأصغر والتجارة الإلكترونية. ولتوفير التمويل اللازم إتخذت الحكومة أسُلوب التؤامة بين المُقاطعات الشرقية الغنية والمقاطعات الغربية الفقيرة، علاوة علي الشركات الخاصة التي أسهمت بقوة في تلك المشروعات وبأرقام كبيرة. حققت هذه السياسية نجاحات كبيرة، فخرج الكثير من الفقراء عن طريق التعليم أوالإنتاج أو الإنتقال من مكان لاخر أو المعاشات. وأيضا طريقة مايُسمي التعويض البيئي. وهو ما يمكن أن نطلق عليه سِياسات تعزيز التدريب على المهارات والتنمية المتنوعة. وفي هذا السياق يقُول الباحثان ساري حنفي وريغاس أرفانيتيس :" تمثل الصناعة والتكنلوجيا بالنسبة للحكومة الصينية الوطنية والحكومات المحلية في الصين أولوية عالية وهي ضرورة لإستدامة النمو من جهة، ولأسباب سِياسية وإجتماعية من جهة أخرى"(6). وهُنا من اللافِت أن وضع الأولويات في الدولة والأخذ في الإعتبار إستدامة التنمية وذلك عبر توجيهها للمجالات التي تستوعب التغيِرات الإجتماعية والسِياسِية لمُجتمع ديناميكي كالمُجتمع الصيني.

سِياسة الاعتماد على الذات والتغيير المفاهِيمي

الحِكمة الصينية تقول "من يمتلك صِنعة لايفقر". وفي هذا الإطار عملت الصين علي تغيير أنماط الحياة وطرائق التفكير، عبر توفير وتطوير التعليم للفقراء وتوجيهه ليعمل بالتوازي مع المجهُودات الأخرى الدافِعة في إتجاه تخفيف إعتمادهم على الحكومة، وإعتمادهم على ذواتهم، وحثهم على النمو الذاتي والمُحافظه علي ذلك النمو.

سِياسة الإستثمار العام في القضاء على الفقر

عمِلت الصين على تسخیر النمو الإقتصادي للصین في تخفیض أعداد الفقراء وذلك بشهادة البنك الدولي، وذلك عبر تفعيل سياسة الإستثمار، وهي واحدة من السياسات الفعالة التي بدأت في مطلع القرن الواحد وعشرين، والتي تنطوي داخلها على خُطط مرحلية، مدة كل واحدة خمس سنوات، وفي تقييم النُسخة الأخيرة منها تعتقد مريم ياسمين إصلاحي بأن التنمية تربعت على قِمة أوليات الصين، وكذا إستمرارية دعمها للتنمية الإقتصادية وتحويل نمطها والسماح للسياسة الإستثمارية القيام بدورها وتقول :" مع تركيزها بصِفة خاصة على تنسيق التنمية الريفية الحضرية وتعزيز مجالات ومُحركات جديدة لها للوفاء بالمتُطلبات المعِيشية والثقافِية وزيادة تدعيم خلق مجتمع رغيد على نحو شامل"(7).

      طورت الحُكومة الصينية سياسة الإستعانة بالقطاع الخاص لتخيف وطأة الفقر وذلك عبر دعم وتمويل البرامج والخطط والمشاركة في تنفيذها كنوع من أنواع التعاون والمسوؤلية الإجتماعية، والتي أدتها الشركات والقطاع الخاص عموماً بحماس وتركت بصمات نجاحاتها في الأرياف والقرى.

 هذه السِياسة تتبني الإستثمار والتوسع  في بناء المصانع وخطوط الانتاج، وتوفير التقانات الزراعية والتدريب وتوفير صناديق خاصة لدعم المراة الريفية وزيادة الإستثمار في المواصلات والطاقة والبيئة والري فضلاً عن التوسع في مظلات الضمان الإجتماعي والتأمين الصحي.وفي هذا الأداء يقول حسين إسماعيل:

 "لقد صعدت الصين إلى السماء بالفعل وباتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم الذي تطلعت إليه أجيال من أبناء هذه الأمة. تخلصت قويتشو وشينجيانغ وقانسو ويوننان وغيرها من وصمة الفقر، ولم يتخلف أحد من الصينيين عن مسيرة الخروج من الفقر"(8).

الخُلاصة

يُمكن القول بأن النجاحات التي حققتها الصين في 2020م – وعلى الرغم – من الظُروف الصِحية لجائحة كورنا لم يُكن عملاً إعتياداً، وإنما تجربة إنسانية مُلهمة تستحق الدِراسة بتعمُق، لأنها ذات أبعاد حِزبية برامِجية وحوكمة تنفِيذية ذات خصائِص صِينية، وشراكات القطاع الخاص. كما ساهمت شراكة البنك الدولي مع السلطات الصينية في : "تعزيز فهم التوزيع المتغير للفقر في المناطق الريفية بالصين وطبيعته وأسبابه وأتاحت المعلومات لعملية وضع السياسات العامة. فأصبحت حركـة الأيدي العاملة عُنصراً رئيسياً في برنامج الحكومة لمكافحة الفقر، وبرهنت المشروعات على فاعلية النهج المتعدد. وذُكر ذلك نصاً في تقارير نتائج البنك الدولي للإنشاء والتعمیر (9).

لقد تخلصت الِصين مِن وصمة الفقر وبات الأن على كل دول الجنوب التوجه شرقاً للإستفادة من التجربة الصِينية في إستئصال الفقر والتي أحد أهم خصائصها : أنها صُنعت في الصين حقيقةً وليس مُجرد نسخ آلى.

 

المصادر

(1)   أحمد فاروق عباس، 26 أكتوبر 2019م، التجربة التنموية في الصين .. الواقع والتحديات، الرابط:

https://jsec.journals.ekb.eg

https://cutt.ly/KQBu8lC

(2) علي رضا،المستقبل العربي، العدد 491،  بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 64.

 (3) تقرير خاص، صحيفة الشعب اليومية أونلاين، الحكومة الصينية تصيغ المعايير الصارمة للقضاء على الفقر ،الرابط:

  https://bit.ly/3sAh3M4

(4) الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية، السفير الصينى لدى السودان، ما شينمين:

http://sd.china-embassy.org/ara/xwdt/t1862313.htm

(5) نفس المصدر السابق

 (6) ساري حنفي وريغاس أرفانيتيس، المستقبل العربي، العدد483، بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 51.

 (7) دراسة بعنوان: السياسة الإستثمارية الصينية في القضاء على الفقر، مريم ياسمين إصلاحي 2019

https://idafat.univ-ghardaia.dz/article/view/221/153

 (8) جهود الصين لمكافحة الفقر: رؤية موضوعية، موقع الصين اليوم، حسين إسماعيل، الرابط :

https://cutt.ly/5QBp9ey

(9) تقرير البنك الدولي : نتائج البنك الدولي للإنشاء والتعمیر

https://cutt.ly/UWezTbI

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟