شهد
العراق في العاشر من أكتوبر 2021 إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في ظل
مشاركة مجموعة من القوى السياسية واعتراض البعض الآخر، وقد تمت الدعوة إلى الانتخابات مبكرًا بسبب
الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أكتوبر عام 2019، والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن
600 شخص على أيدي جنود الحكومة وأعضاء الميليشيات. ومنذ ذلك الحين، توجه عدد كبير
من النشطاء إلى المنفى وقتل العشرات من منتقدي الحكومة داخل العراق.
وتُعد هذه
الانتخابات بمثابة استفتاء على غياب الثقة بالقوى السياسية، واحتجاجًا على فسادها
الذي أيقن العراقيون أن الانتخابات لن تقدم حلولًا له، بدليل التجارب الانتخابية
السابقة التي أثبتت القوى السياسية خلالها صعوبة تغييرها عبر الصناديق، وهو ما
يُظهر انسداد الأفق السياسي في العراق خاصة أنها جرت في ظل معوقات تقف في طريق
إجراء انتخابات حرة في البلاد. وتتمثل هذه المعوقات في المال السياسي الفاسد
والنفوذ الحزبي والسلاح المنفلت واستغلال أجهزة وأدوات الدولة، وهو ما ساهم في
تراجع حماسة وآمال القوى التي قادت الاحتجاجات كثيرًا في إمكانية إحداث تغيير عبر
صناديق الاقتراع، ووصل الأمر بأطراف رئيسية فيها إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي
من حيث الترشح والتصويت، خاصة بعد اغتيال عدد من النشطاء السياسيين.
مخرجات عديدة
أعلنت
أحزاب عراقية عن نيتها الطعن بنتائج الانتخابات التشريعية المبكرة منددةً بحصول
تلاعب واحتيال، وسجل تحالف الفتح الذي يمثّل الحشد الشعبي، تراجعًا كبيرًا في
البرلمان الجديد، وفق النتائج الأولية. كما أعلن الإطار التنسيقي لقوى تضم تحالف
الفتح وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في بيان "نعلن طعننا بما
أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها وسنتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات
الناخبين".
وأعلن
أبو علي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله، إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر
نفوذًا في بيان أن "ما حصل في الانتخابات يمثل أكبر عملية احتيال والتفاف على
الشعب العراقي في التاريخ الحديث". في المقابل، احتفل أنصار التيار الصدري بظهور
تقدّمه في النتائج الأولية، وجابت مسيرات شوارع العاصمة بغداد رافعة الأعلام
العراقية وصورًا لمقتدى الصدر.
وكانت
المفوضية العليا للانتخابات في العراق أعلنت أن نسبة المشاركة في الاقتراع بلغت 41
في المئة، بحسب النتائج الأولية، وهي النسبة الأقل منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام
2003؛ حيث أدلى العراقيون بأصواتهم لاختيار نواب برلمانهم من بين 3200 مرشح في
الانتخابات المبكرة التي تجرى وفق قانون انتخابي جديد ينص على التصويت الأحادي
للمجلس المؤلف من 329 مقعدًا.
تغيرات عديدة
جرت
الانتخابات وسط عدم اكتراث شعبي، عبَّرت عنه نِسَب المشاركة المتدنّية وفق الأرقام
الأوّلية. انتخابات شكَّلت مناسبة جديدة للتعبير عن غياب الثقة بالطبقة السياسية
الحاكمة، التي تعيد إنتاج نفسها في كل مرّة، والتي تُعد بمثابة استفتاء على غياب
الثقة بالقوى السياسية، واحتجاجًا على فسادها الذي أيقن العراقيون أن الانتخابات
لن تقدم حلولاً له، بدليل التجارب الانتخابية السابقة التي أثبتت القوى السياسية
خلالها صعوبة زحزحتها عبر الصناديق، كما يُظهر انسداد الأفق السياسي في العراق،
خاصة في ظل هيمنة عقدة الفوز بالمركز الأول على أربع كتل سياسية؛ هي: (التيار
الصدري، والفتح، ودولة القانون، إضافة إلى كتلة قوى الدولة التي يتزعمها عمار
الحكيم)، والتي لا يريد أي فريق منها التنازل عن الفوز بالمركز الأول، وتكوين
الكتلة الأكبر وتشكيل الحكومة، ومن المتوقع أن تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة عدة
أشهر، وهي عملية من المحتمل أن تؤدي إلى تقسيم الوزارات مرة أخرى بين الكتل.
وأظهرت النتائج الأولية لفرز
الأصوات، التي أعلنتها مفوضية الانتخابات، فوز الكتلة الصدرية بأكبر عدد من
المقاعد، إذ حصلت على 73 مقعدًا، تليها كتلة تقدم التي يرأسها رئيس البرلمان
الحالي محمد الحلبوسي (38 مقعدًا)، وجاءت كتلة دولة القانون في المركز الثالث
بحصولها على 37 مقعدًا.
وبعد وقت قصير من إعلان النتائج،
وصف مقتدى الصدر الانتخابات بأنها "يوم النصر على الميليشيات"، قائلًا
إن الأوان قد آن لحل الميليشيات وحصر السلاح في يد الدولة. ودعا الصدر "الشعب أن يحتفل بهذا النصر بالكتلة الأكبر، لكن بدون
مظاهر مسلحة".
ومع فرز
أكثر من 94 بالمائة من صناديق الاقتراع، لم يبد أن أيا من الكتل السياسية
المتنافسة على طريق الفوز بأغلبية البرلمان، وبالتالي تعيين رئيس الوزراء. وبدا أن تيار الصدر، الزعيم الذي برز كقائد تمرد ضد القوات الأمريكية
بعد الغزو في 2003، حصل على مزيد من المقاعد في البرلمان المكون من 329 مقعدًا، من
54 مقعدًا عام 2018 إلى أكثر من 70. وسيتمكن تيار الصدر من تولي دور قيادي في
العملية السياسية لإيجاد مرشح وسط ووضع أجندة سياسية للأعوام الأربعة المقبلة.
وتغلب
مرشحو الصدر على مرشحي ائتلاف "الفتح" المدعوم من إيران، وفقا للنتائج
الأولية، ويتكون ائتلاف الفتح الذي يرأسه هادي العمري من عدة أحزاب وهو على صلة
بقوات "الحشد الشعبي"؛ حيث تلقت الأحزاب المدعومة من إيران، والتي لها
صلات بجماعات مسلحة متهمة بقتل جزء من نحو 600 شخص لقوا حتفهم في احتجاجات حاشدة
في عام 2019، ضربة في الانتخابات. وحصدت هذه الأحزاب عدد مقاعد يقل عما فازت به في
الانتخابات السابقة في 2018.
مسارات عديدة
بدأت
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق في 12 أكتوبر 2021، تلقي طلبات
الطعون على النتائج الأولية للاقتراع البرلماني؛ حيث أعلن القاضي جليل عدنان خلف
رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، في تصريح صحفي، إن
قانون الانتخابات يتيح للكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات النيابية تقديم
الطعون على النتائج الأولية للانتخابات خلال ثلاثة أيام تبدأ من اليوم التالي لنشر
تلك النتائج.
في ظل
هذه الظروف، ستتمتع الحكومة الجديدة بالقليل من الشرعية ولن يكون لديها بالتأكيد
إجابات على المشاكل السياسية والاقتصادية المزمنة التي يواجهها العراق. إذا حاول
المجتمع الدولي النظر إلى هذه الانتخابات على أنها نجاح ، فإنهم يتجاهلون العنف
الذي أعاق الحملة ورفض الشباب - الذين يشعرن بالعزلة والمشاركة.
من جانب
آخر، فإن إجراء الانتخابات يمثل استجابة قوية لرغبات شعبية، تسعى بجدية إلى تجديد
وتحديث النخبة السياسية، بما يضمن طابعًا من الاستقرار الداخلي، هذا فضلاً عن أن
هذه الانتخابات ترتبط بتشكيل حكومة جديدة، من شأنها صناعة حالة سياسية واقتصادية،
تؤكد ثبات ورسوخ مؤسسات الدولة العراقية، وتشيع حالة رضا لدى المواطن العراقي وإن
كانت شهدت الكثير من الانتقادات من جانب القوى السياسية غير الحزبية.