مواقف متعددة ...كيف أثرت الأزمة في أفغانستان على دول جوارها؟
سيطرت
القوات المسلحة التابعة لحركة طالبان في 15 أغسطس 2021 على جميع المدن الرئيسية في
أفغانستان، وشرعت في التقدم نحو العاصمة كابول، وهو الأمر الذى تزامن مع اقتراب
انتهاء التواجد الأمريكي في أفغانستان الذى استمر لمدة 20 عامًا. ولكن يبدو أن
الأوضاع في أفغانستان تتجه نحو مزيد من التدهور، ولاسيما بعد أن وقعت أكثر من 200
منطقة وخمسة مراكز إقليمية تحت سيطرة طالبان عقب بدأ القوات الأمريكية رسميا
مغادرة البلاد.
وبالإضافة
إلى ذلك، من المحتمل أن يثير التقدم السريع لطالبان سيناريو مشابه للحرب الأهلية
التي اندلعت في أعقاب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، ولاسيما بعد أن توقفت
محادثات السلام الجارية بين إدارة كابول وطالبان في الدوحة، الأمر الذى من المحتمل
أن يؤثر على دول المنطقة بأكملها. وفي هذا
السياق، تابينت ردود فعل دول الجوار؛ ففي حين أن بعض هذه البلدان ترغب في تحقيق
الاستقرار الأفغاني من أجل تنمية التجارة الإقليمية، ومكافحة الاتجار بالبشر
وتهريب المخدرات، ومنع الهجرة غير النظامية، يرى البعض الآخر في عدم الاستقرار
الحالي فرصة لتوسيع مجالات نفوذهم.
أ.
إيران
ترغب إيران
- التي تشترك في حدود يبلغ طولها حوالى 900 كيلومتر مع أفغانستان – أن تلعب دورًا
أكبر في كابول في مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكى؛ حيث كانت طهران على شفا الحرب
مع طالبان في عام 1998 وتعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بهذه الحركة
في عام 2001، ولكن مع تغير الوضع بعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت
في التعاون مع طالبان ضد الوجود الأمريكي في أفغانستان.
وبالأحرى،
تحول الموقف الإيرانى تجاه طالبان منذ أن كثفت واشنطن مفاوضاتها مع حركة طالبان في
عام 2019بشأن الإنسحاب من أفغانستان؛ حيث استضافت إيران وفدًا من طالبان مرتين؛ في
نوفمبر 2019 وفبراير 2020. فرغم الاختلافات الأيديولوجية والمذهبية بين إيران
وحركة طالبان، لكن يدرك المسؤولون الإيرانيون أهمية استمرار التعاون مع هذه الحركة،
التي ظهرت كلاعب رئيسي على الساحة الأفغانية، ونتيجة لذلك، غيرت إيران لهجتها تجاه
حركة طالبان، مستبعدة بعض الصفات التى كانت تطلقها على قادتها مثل "التكفيري" و "الجهادي"
التي كانت تستخدم في الصحافة الإيرانية بشكل واسع.
ومع ذلك،
فإن الاحتمال الواقعي بأن تصبح طالبان هى القوة الوحيدة في أفغانستان لا يزال خطًا
أحمر بالنسبة لإيران؛ فبعد التقدم السريع لطالبان خلال الأشهر الأخيرة، والذي هدد
وجود الحكومة المركزية، استضاف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وفدي طالبان
وكابول في طهران في 7 يوليو الفائت وحث ظريف خلال الاجتماع الطرفين على العودة إلى
طاولة المفاوضات، قائلاً: "إن القادة السياسيين في أفغانستان يجب أن
يتخذوا قرارات صعبة".
فرغم عدم
وجود احتكاك كبير مع طالبان حتى الآن - التي سيطرت على مناطق قريبة من الحدود
الإيرانية (بما في ذلك المعابر الحدودية)-، إلا أن حكومة بقيادة طالبان في أفغانستان
ستشكل تهديدًا لمصالح إيران على المدى المتوسط والبعيد. لذا، من المحتمل أن تجبر
إيران ميليشيا فاطميون الأفغانية الموجودة في سوريا على الرجوع إلى أفغانستان، حتى
تضمن وجود وكيل إيراني في كابول يمكنه الدفاع عن مصالحها إذا حدثت خلافات مع
طالبان.
ب.
الصين
تكشف بعض
التوقعات عن أنه من المحتمل أن تنشط الصين في أفغانستان خلال الفترة القادمة؛ حيث
يتمثل الهاجس الأكبر لبكين في الاضطرابات التى يمكن أن تحول أفغانستان إلى كابوس أمني، تتمثل أبرز ملامحه في إحياء داعش
والتشكيلات المماثلة، مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM) الواقعة في
منطقة شينجيانغ الويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي.
وفي هذا
السياق، تخشى بكين من أن تؤدى هذه الإضطرابات إلى تعزيز التعاون بين طالبان وحركة
تركستان الشرقية، ولاسيما بعد ظهور بعض المزاعم خلال السنوات الأخيرة بأن أعضاء من هذه الحركة يتم تدريبهم من قبل طالبان
وإرسالهم إلى الصين، وهو الأمر الذى ظهرت على إثره رغبة بكين في إنشاء قاعدة
عسكرية في المنطقة الحدودية الأفغانية "واخان". وعليه، سعت بكين خلال
السنوات القليلة الماضية إلى إقامة علاقات جيدة مع طالبان لقربها من إسلام أباد؛
حيث تعهد وفد طالبان الذي زار بكين مؤخرًا بدعوة من الحكومة الصينية بعدم التدخل
في الشؤون الداخلية للصين وعدم السماح باستخدام أراضي أفغانستان من قبل الجماعات
التي من شأنها تهديد الأمن القومي للصين.
ومن هنا،
تعد أفغانستان دولة مهمة بالنسبة لبكين؛ حيث تفضل بكين استقرار أفغانستان ليس فقط
لمنع الاضطرابات في البلاد من التأثير على منطقة شينجيانغ، ولكن أيضًا لضمان أمن
مبادرة الحزام والطريق.
ت.
الهند
ترغب الهند في استقرار أفغانستان خشية أن تصبح قاعدة للجماعات
المتطرفة المعادية لها؛ فرغم تجنب
نيودلهي تعزيز علاقتها بحركة طالبان،
إنطلاقًا من انتشار بعض المزاعم التى تكشف عن أن هذه الحركة تعمل بأوامر من باكستان
التى تعتبر المنافس الأساسي للهند ، إلا أن هذه السياسة تغيرت، عقب شروع طالبان في
توسيع نطاق سيطرتها؛ حيث انخرط المسؤولون الهنود في محادثات مباشرة مع طالبان، كما
قام وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيا مجيشانكار بزيارات دبلوماسية إلى
إيران وروسيا لمناقشة التطورات في أفغانستان. ومن هنا، يكشف ما سبق عن أن الهند تود في أن تكون أكثر نشاطًا في
أفغانستان كجزء من جهودها للعب دور أكثر بروزًا في الساحة الدولية تحت قيادة رئيس
الوزراء ناريندرا مودي.
ث.
باكستان
يتباين
التوجه الباكستانى مع بعض دول المنطقة الأخرى؛ حيث ترغب باكستان في توسع النفوذ
الطالبانى في أفغانستان، إتساقًا مع النفوذ الكبير الذى تمارسه على هذه الحركة،
وهو الأمر الذى اتضح في تصريح وزير الخارجية
الباكستاني شاه محمود قرشي، خلال لقائه نظيره الألماني، هايكو ماس مؤخرًا في برلين، قائلاً:
"سنحاول الاستفادة من السلام في أفغانستان، ستنمو التجارة مع كابول كما
يمكن إنجاز العديد من المشاريع الإنمائية ". والجدير بالذكر، أن الاتفاق
الذى تم عقده بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان لعام 2020 لم يكن التوصل
إليه ممكنًا بدون دعم باكستان، التى لعبت دورًا محوريًا في جلب متمردى حركة طالبان
إلى طاولة المفاوضات.