المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التصعيد: ماذا تعني العملية العسكرية الروسية في إدلب؟

الأربعاء 29/سبتمبر/2021 - 07:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

استهدفت الطائرات الحربية الروسية بشكل مكثّف مناطق في جبل الزاوية وريف حلب الغربي، بنحو 7 غارات منطقة دير سنبل وب4 غارات محيط البارة، كما شنّت 4 غارات على أطراف بلدة دارة عزة، وكانت الطائرات الحربية الروسية شنّت، غارات ضمن ما يسمى منطقة "بوتين-أردوغان"؛ حيث قصفت محيط بلدة كنصفرة ومحور الشيخ سلمان وبالقرب من دارة عزة. بدورها، قصفت قوات النظام محور كبانة بجبل الأكراد، محيط بلدة معربليت ومحاور سراقب، وقرية قليدين في سهل الغاب. وعلى الرغم من ذلك نفى مصدر عسكري في غرفة عمليات "الفتح المبين" التسريبات الروسية حول اقتراب موعد شن عملية عسكرية في إدلب.

من جانب آخر فإن التصعيد الروسي يقتصر على عودة الطائرات الحربية الروسية للمشاركة بغارات محدودة جنوبي إدلب من دون وجود نشاط لوحدات المدفعية أو قوات النخبة، وهي عادة تكون مؤشرات مهمة على اقتراب اندلاع مواجهات برية، وان التسريبات الروسية تأتي في سياق الضغط على الجانب التركي.

وضمن هذا السياق قُتل سبعة مسلحين على الأقل من فصيل سوري موال لأنقرة في 26 سبتمبر 2021 بسبب غارات روسية نادرة في منطقة تخضع لسيطرة تركيا وحلفائها المحليين في شمال سوريا، وتجب الإشارة هنا إلى أنه منذ السادس من مارس 2020 ويسري وقف لإطلاق النار رعته روسيا حليفة الحكومة السورية وتركيا الداعمة لفصائل مسلحة، في منطقة إدلب التي لا تزال خارجة عن سيطرة دمشق.

الأهداف الروسية

تتعدد الأهداف التي تريد موسكو تنفيذها من وراء هذه العمليات التي تخوضها في منطقة إدلب التي تقع ضمن اتفاقيات مع الجانب التركي حول خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، ولعل الرسالة المهمة التي أردات روسيا أن تعلنها من هذه العمليات تتمثل في التأكيد على عدم وجود حدود أو خطوط حمراء لأفعالها وأهدافها العسكرية في سوريا.

وضمن هذا السياق فهناك مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية وراء التلويح الروسي ميدانيًا بالقيام بعملية عسكرية في هذه المنطقة والتي تتمثل في مواجهة تركيا والفصائل العسكرية التابعة لها في هذه المنطقة بعدما تبدلت السياسة التركي بصورة كبيرة تجاه التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو 2021، واللقاء الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن، وما سبقها من عقد صفقة بين تركيا وبولندا– والتي تُعد إحدى بوابات التوتر بين دول الناتو وروسيا.

من جانب آخر يمكن الإشارة إلى أن تركيا عملت على تنسيق جهودها مع الولايات المتحدة للعمل بصورة مشتركة في أفغانستان بعد إعلان واشنطن الانسحاب من هناك وإمكانية تعاون تركيا في تأمين مطار كابول والاستفادة من تواجدها لتعزيز نفوذها في مواجهة النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى. وقد تزامنت هذه الترتيبات مع ظهور تنسيق واضح بين الطرفين في شمال شرقي سوريا، والذي تمثل في عدم معارضة واشنطن للغارات التي تستهدف كوادر حزب العمال الكردستاني.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تهدف روسيا إلى العمل على سرعة العودة للعمل للطرقات الدولية، لتعزيز المكاسب الاقتصادية الناجمة عن إعادة فتح معبر جابر-نصيب الحدودي مع الأردن، لأن تدفق البضائع من أوروبا وتركيا عبر الطرقات الدولية سيتيح للنظام السوري زيادة عائداته من رسوم العبور باتجاه الأردن ودول الخليج.

تصعيد مستمر

بجانب العمليات العسكرية التي نفذتها روسيا في منطقة إدلب السورية، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجمات عسكرية على مواقع للجماعات المتطرفة في هذه المنطقة، بعد أن كان يتم التركيز التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، ينصب على تنظيم "داعش" بالدرجة الأولى، وعلى وجه الخصوص في مناطق شرق الفرات السورية، فإن الضربة الجوية التي نفذت مؤخرا ضد قياديين من تنظيم القاعدة في إدلب تشير بحسب مراقبين لتوسيع نطاق تلك الحرب في المنطقة التي تعد آخر معاقل الفصائل المسلحة في سوريا.

من ناحية أخرى تشهد مناطق شرق وشمال شرق سوريا تصعيد كبير وهي المنطقة التي تشكل نقطة تلاقي لسيطرات ثلاث مكونات هم وحدات حماية الشعب الكردية والنظام السوري والمعارضة السورية. وتغيرت طبيعة تلك المنطقة عدة مرات خلال الحرب السورية، أهمها التدخل التركي بعفرين في عام 2018؛ حيث طرد الجيش التركي بمساندة برية من فصائل المعارضة وحدات الحماية الكردية، لكن أوقفت روسيا العملية ولم تسمح لتركيا باستكمال المعارك وهو ما أبقى جيبًا لا بأس به في ريف حلب الشمالي للمقاتلين الأكراد، منه السفح الغربي لمنطقة جبل الأحلام المطل على الباسوطة وبراد الكردية. وجرى تغير في طبيعة المنطقة خلال شهري يناير وفبراير 2020؛ حيث قامت القوات السورية والقوات المتحالفة معها بشن هجمات في منطقة ريف حلب الغربي وجبل الشيخ عقيل وحاصرت نقطة المراقبة التركية الثالثة في الجبل، وهي واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية في الشمال السوري باعتبارها الأقرب إلى نبل والزهراء ـ قاعدتي التمركز الإيراني في ريف حلب الشمالي وتشرف على ريف حلب الغربي وطريق حلب-اعزاز ومن جهة أخرى شكلت ثالث النقاط التركية المحاذية لعفرين من الجنوب وورقة الضغط على المقاتلين الأكراد.

وشهدت المنطقة في فبراير 2020 مقاومة كبيرة من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية لمنع سقوطها والسيطرة على طريق دارة عزة -الباسوطة. ودارت معارك عنيفة مع الجيش السوري في نبل والزهراء، دمر رماة صواريخ المعارضة عدة دبابات وعربات للقوات المتقدمة.

استباق التصعيد

لم تسلم مناطق غرب إدلب من القصف خصوصًا مناطق عرب سعيد والشيخ بحر، كما قصف الطيران الحربي الروسي محيط بلدة الفوعة، ولم تسجل مراصد المعارضة السورية المتخصصة برصد حركة الطيران الحربي في سوريا أي مشاركة لطيران النظام منذ مارس 2020 فقد غابت مشاركته بعد إسقاط عدة طائرات بصواريخ المعارضة السورية والدفاعات الجوية التركية عقب التوتر الذي حدث ومقتل الجنود الأتراك في معسكر بيلون بجبل الزاوية جنوب إدلب والذي أسفر عن مقتل 37 جنديًا تركيا وهو ما أشعل اشتباكًا بين الجيشين التركي والسوري، وهو ما دفع تركيا إلى إشراك طائرات بيرقدار بدون طيار في المعركة لوقف هجوم النظام وحلفائه، وقد توقف هذا التصعيد مع توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في 5 مارس 2020.

على صعيد سياسي، يستشعر الرئيس التركي خطورة التصعيد في منطقة خفض التصعيد الرابعة والمتبقية من مناطق تفاهماته مع الرئيس الروسي. ويحاول استباق هجوم وشيك في إدلب، فرتب قمة ثنائية، تعقد في 29 سبتمبر الجاري، لن يحضرها وفدا البلدين بداية، وستقتصر على الزعيمين فقط. وبالتأكيد فإن القمة لن تختصر بالحديث عن إدلب، فهناك عدة ملفات بحاجة إلى تفاهمات بينهما، منها إنشاء طريق وسكة حديد يصلان بين ولاية إغدير شرقي البلاد وأذربيجان. لكن تبقى إدلب والحدود الجنوبية التركية والقضية السياسية في سوريا؛ حيث يستحوذ اللقاء على أهمية بالغة، حسب ما أشار أردوغان في تصريحاته الإعلامية في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في الختام ستحتل قضية إدلب جزءًا كبيرًا في محادثات الطرفين حول مستقبل تسوية الأزمة السورية والتي يتم التباحث حولها في قمة سوتشي القادمة بين الرئيسين بوتين وأردوغان، كما أنه بالنظر إلى خلفية التعمليات التصعيدية التي قامت بها روسيا في مناطق خفض التصعيد الأخرى فإنها تأتي قبل مرحلة الجلوس على طاولة المفاوضات بهدف تقنين المكاسب الميدانية التي تم تحقيقها.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟