العضوية الإيرانية في منظمة شنغهاي للتعاون: الدوافع والتداعيات
بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم
رئيسي في 16 سبتمبر 2021 أول رحلة خارجية له لحضور قمة الذكرى العشرين لمنظمة
شنغهاي للتعاون (SCO) في
طاجيكستان؛ حيث أشار المبعوث الروسي الخاص لشؤون منظمة شنغهاي للتعاون "بختيور
خاكيموف" إلى أن هناك بندًا رئيسيًا على جدول الأعمال يمضي قدمًا في طلب
طهران الطويل الأمد للحصول على العضوية الكاملة - وهي مبادرة قد تستمر على الرغم
من الغياب الملحوظ للزعيمين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، وكلاهما في العزل بسببCOVID-19
، فعلى
الرغم من أن الفوائد المباشرة لهذا القرار ستكون متواضعة بالنسبة لإيران، إلا أنها
لا تزال تمثل انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا لرئيسي في وقت تواجه فيه حكومته أسئلة
ملحة بشأن المحادثات النووية المتوقفة في فيينا، وسيطرة طالبان على أفغانستان،
والتحدي الدائم المتمثل في بقاء النظام.
أولاً- طريق إيران الطويل إلى العضوية
انبثقت منظمة شنغهاي للتعاون عن
صيغة"Shanghai Five" ، والتي تضمنت سلسلة من الاجتماعات في الفترة من 1996-1997 حول
القضايا الحدودية بين الصين والدول السوفيتية المجاورة لها روسيا وكازاخستان
وقيرغيزستان وطاجيكستان. ففي عام 2001، انضمت أوزبكستان إليهم لتأسيس منظمة شنغهاي
للتعاون رسميًا، مما وسع نطاق هذه الكتلة ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي
والأمني الذي يهدف
إلى مكافحة ما تصفه بكين بـ "الشرور الثلاثة": الإرهاب والانفصالية
والتطرف.
وفي هذا السياق، أعربت إيران عن
اهتمامها بالمشاركة في هذه المؤسسة، وتقدمت في النهاية للحصول على صفة مراقب في
عام 2004. وفي قمة منظمة شنغهاي للتعاون في يوليو 2005 في أستانا، وافقت المنظمة
على الطلب، وعينت إيران مراقبًا إلى جانب الهند وباكستان. تقدمت طهران بطلب للحصول
على العضوية الكاملة في عام 2008، لكن الصين وأوزبكستان وكازاخستان كانت تخشى الذهاب
إلى هذا الحد في ذلك الوقت، الأمر الذى يرجع إلى تعنت النظام المستمر بشأن
برنامجها النووي والضغط الدولي الناتج عن ذلك. وفي قمة طشقند لعام 2010، تبنت
منظمة شنغهاي للتعاون معايير جديدة تنص على أنه لا ينبغى أن تفرض عقوبات على أى
دولة عضو ولاسيما من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وبمجرد رفع عقوبات الأمم المتحدة
في أعقاب توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 ، أجريت مناقشات كبيرة حول
إمكانية قبول إيران. ومع ذلك، استمر التأخير لسنوات بسبب عدة عوامل، بما يتضمن انضمام أعضاء آخرين مثل (الهند وباكستان)،
وتراجع العلاقات مع طاجيكستان بسبب تواصل طهران مع معارضة ذلك البلد، وتردد بكين
المستمر في استغلال إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون للترويج ضد السياسات الأمريكية.
ومع ذلك، فإن عدم إحراز تقدم بشأن
الانضمام لم يعرقل التفاعلات الجوهرية - فقد شارك الموظفون الإيرانيون بشكل متكرر
في مؤتمرات قمة منظمة شنغهاي للتعاون والاجتماعات الوزارية والمؤتمرات ومبادرات
مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الاعتراضات السابقة
لم تعد تشكل عقبة أمام العضوية الكاملة، وهذا ما أكده أمين سر مجلس الأمن القومي
الإيراني الأعلى علي شمخاني في 11 أغسطس الفائت الذي أعلن أنه تم حل "العقبات
السياسية" أمام الانضمام بعد محادثة مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف.
بالإضافة إلى تسوية خلافاتها مع طاجيكستان، يبدو أن إيران أقنعت الصين بدعم
انضمامها أيضًا، فعلى الرغم من أن بكين كانت أقل معارضة على هذه الجبهة من روسيا
وطاجيكستان ، فقد ورد أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان شكر نظيره
الصيني وانغ يي لدعمه طلب العضوية خلال مكالمة هاتفية أجروها في وقت سابق من هذا
الشهر.
ثانيًا-
تداعيات كاشفة
غالبًا ما يتم تصوير منظمة شنغهاي
للتعاون على أنها كتلة معادية للغرب بطبيعتها، حتى أن البعض يصفها بأنها "مناهضة
لحلف شمال الأطلسي". ومع ذلك، أدت الاختلافات بين الدول الأعضاء الفردية إلى
تقييد تنسيق سياسة الكتلة والتكامل الإقليمي منذ إنشائها ويرجع ذلك جزئيًا إلى
التصميم المؤسسي لمنظمة شنغهاي للتعاون التى تتخذ في إطارها القرارات بالإجماع، مما
يحد من مدى التعاون الموضوعي، بينما تفتقر هيئتاها الدائمتان (الأمانة العامة في
بكين والهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب في طشقند) إلى القدرة القانونية على إنفاذ
القرارات. وبالتالي، تعمل منظمة شنغهاي للتعاون كمنتدى للنقاش والمشاركة أكثر من
كونها تحالفًا إقليميًا رسميًا شبيهًا بالاتحاد الأوروبي أو الناتو.
لذلك، ومن الناحية العملية، سيكون
لمنح العضوية لإيران آثار متواضعة، بما يجعلها قادرة على المشاركة في صنع القرار في منظمة شنغهاي
للتعاون، ولاسيما فيما يتعلق بإعداد وتوقيع الوثائق. ومع ذلك، على الرغم من اعتماد
المنظمة على الإجماع ، فمن غير المرجح أن يترتب على إعطاء إيران رأيًا أي تغييرات
جوهرية في موقف المنظمة، نظرًا لأن الصين وروسيا تظلان حاسمتين في السياسة
الخارجية لطهران، ومن المفترض أنهما ستؤثران على تصويتها في الأمور المهمة.
لكن المكانة التي قد تحصل عليها
إيران من العضوية أكثر أهمية؛ حيث كان الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون هدفًا
طويل الأمد لطهران - ليس بقدر ما هو جانب من نهج سياستها تجاه الشرق الأوسط، وبدلا
من ذلك كامتداد لجهودها لتعزيز الشرعية الدولية للجمهورية الإسلامية وعلاقاتها مع
الشرق؛ حيث عملت إيران كقوة في الوضع الراهن في آسيا الوسطى، إذ أذعنت لهيمنة
موسكو وبكين ودعمت وحدة أراضي دول منظمة شنغهاي للتعاون، وعليه، يُنظر إلى الحصول
على العضوية الكاملة على أنه وسيلة لطهران لتعزيز هذه العلاقات الإقليمية. كما وضع
النظام نفسه كشريك مرغوب فيه من خلال التزامه بمكافحة "الشرور الثلاثة" المذكورة
سابقًا، فضلاً عن التأكيد بشكل متكرر على الإجراءات الإيرانية لوقف تهريب المخدرات
وتدفق اللاجئين.
ومن هنا، تكتسب هذه الجهود أهمية
إضافية في ضوء صراع طهران المستمر ضد الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يميل
المسؤولون الإيرانيون إلى تصوير منظمة شنغهاي للتعاون كرمز لتحويل ديناميكيات
القوة العالمية بعيدًا عن واشنطن إلى المجتمع غير الغربي. ففي السابق، كانت الصين
ودول آسيا الوسطى أكثر استعدادًا لاستيعاب مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية بشأن
السماح لإيران بالمشاركة بعمق أكبر في منظمة شنغهاي للتعاون، خاصة خلال عهد أحمدي
نجاد، عندما سعت طهران إلى استخدام المنظمة كمنصة لتعزيز سياساتها النووية. ومع
ذلك ، قد لا تكون إدارة بايدن قادرة أو مستعدة للحصول على مثل هذه التنازلات نظرًا
لعلاقاتها المشحونة مع موسكو وبكين، ناهيك عن نقص الاهتمام العام الذي أولته
واشنطن لآسيا الوسطى في السنوات الأخيرة.
ففي وقت مبكر من عام 2007، بدأت
منظمة شنغهاي للتعاون في السماح للدول المراقبة بالمشاركة بشكل أكثر انتظامًا
وعمقًا في الاجتماعات الوزارية ومجموعات العمل والهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب -
وهو التحول الذي منح إيران إمكانية الوصول إلى مشاركة محدودة للمعلومات حول الإرهاب
والتطرف وتهريب المخدرات. وفي عام 2017، قررت المنظمة تنشيط مجموعة الاتصال
المشتركة بين منظمة شنغهاي للتعاون وأفغانستان مشيرة إلى رغبتها في لعب دور جماعي
في ذلك البلد. ومن هنا، باتت طهران الآن جزءًا من تلك الحسابات؛ حيث عزز الانسحاب
الأمريكي والاستقرار غير المؤكد لحكومة طالبان الجديدة قضية جعل إيران عضوًا كامل
العضوية، وكانت موسكو تؤكد على الحاجة إلى إشراك المسؤولين الإيرانيين في الرباعية
الروسية - الصينية - الباكستانية – فيما يتعلق بالمحادثات حول أفغانستان.
ولكن كما في الماضي ، من المرجح
أن تحد السياسات المتباينة للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون من قدرة المنظمة
على دفع حوار هادف بشأن أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب؛ حيث تبنت طاجيكستان
وأوزبكستان المجاورتان مقاربتين متناقضتين مع طالبان، حيث عارضت دوشانبي الحكومة الجديدة
علنًا وتبنت طشقند لهجة أكثر توافقًا. لكن من جانبها نددت إيران بدعم باكستان
لهجوم طالبان على مقاومة بنجشير ودعت إلى حكومة شاملة في كابول. وعلى الرغم من هذه
الاختلافات، إلا أن أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون يشتركون في الاهتمام الشامل
بالاستقرار في أفغانستان بسبب مصالحهم المتشابكة بشدة في الأمن الإقليمي.
وفي هذا السياق، لطالما تردد صدى
نفور منظمة شنغهاي للتعاون من الترويج للديمقراطية والتدخل الخارجي في النظام
الإيراني، وغالبًا ما أثر على أساليب التمسك بالسلطة في الداخل. فرداً على الحركة
الخضراء المعارضة التي ظهرت خلال دورة انتخابات عام 2009، عززت طهران سيطرتها على
تقنيات المعلومات باستخدام ممارسات المراقبة على الإنترنت والتكنولوجيا
الإلكترونية الصينية. وبالمثل، بدأ التشريع الإيراني بشأن أمن المعلومات في محاكاة
اللغة المستخدمة في الوثائق الروسية والصينية ووثائق منظمة شنغهاي للتعاون، لا
سيما فيما يتعلق بربط سيادة الدولة
بالسيطرة على الإنترنت.
وعليه، ستتمكن طهران من خلال
كونها عضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون، بالقدرة على دعوة مراقبي الانتخابات من
المنظمة لتوفير مظهر من الشرعية لعملية الاقتراع في المستقبل، كما أنه ستكون قادرة
على تصنيف بعض الجماعات رسميًا على أنها منظمات "إرهابية أو متطرفة أو
انفصالية" في القائمة التي رفعت عنها السرية والتي يحتفظ بها الهيكل الإقليمي
لمكافحة الإرهاب - وهي ممارسة تستخدمها العديد من دول منظمة شنغهاي للتعاون لتهميش
فصائل المعارضة المحلية. باختصار، إن ترويج منظمة شنغهاي للتعاون لممارسات
الاستقرار الاستبدادي له تداعيات على السياسة الداخلية والخارجية بالنسبة لإيران.
وفي النهاية: من غير
المرجح أن يؤدي انضمام إيران الكامل إلى منظمة شنغهاي للتعاون - وهي عملية قد
تستغرق ما يصل إلى عامين بمجرد إطلاقها رسميًا - إلى إحداث تغييرات جوهرية في
المنظمة نفسها. بدلاً من ذلك، ينبغي النظر إلى هذه الخطوة في سياق جهود طهران
للتخفيف من عزلتها الدولية من خلال توسيع العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع
روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، كما ستعزز العضوية دور طهران في إدارة الأمن
الإقليمي، فضلاً عن تعزيز سياسة التوجه شرقًا.
المصدر:
Nicole Grajewski, Iranian Membership in the Shanghai Cooperation
Organization: Motivations and Implications, The Washington Institute for
Near East policy, Sep 15, 2021, available at https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iranian-membership-shanghai-cooperation-organization-motivations-and-implications?s=07&fbclid=IwAR3XhgQFaGm9D-ixXO1do5NC4jnlPaqZzwfCUMkQK2hIjY43z68K2hFXcJc