دوافع متعددة ...لماذا هاجمت إيران مواقع حزب العمال الكردستانى في العراق؟
شن الحرس الثورى الإيراني هجمات مسلحة على مناطق حيوية
في كردستان العراق في 9 سبتمبر
الجارى؛ حيث اطلقت مقاتلات وطائرات دورن إيرانية ضربات جوية على ثلاثة
مواقع بحجة أنها تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض فيها، على أن
تتمثل أبرز هذه المناطق في سيدكان وقضاء
جومان، التى يتواجد بها بيشمركة تابعيين لأحزاب كردستان إيران، وهو الأمر النابع
من بعض الدوافع الهامة، التى يمكن توضيحها على النحو التالي:
أولاً- مخاطر متصاعدة
كشف قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني محمد
باكبور في 6 سبتمبر الجارى عن أن القوات التابعة لحزب العمال الكردستانى الإيراني
الموجودة بالمحافظات الحدودية العراقية
باتت تكثف من نشاطاتها المعادية لإيران، الأمر الذى من شأنه تهديد الأمن
القومي الإيراني، وقال باكبور في ذلك: "رغم تنبيه مسؤولي إقليم كردستان
عدة مرات بشأن تلك القوات ونشاطاتها، إلا أنها مازالت مستمرة في تهديدنا"، مضيفًا:
"لذا، فإن صبر الحرس الثوري نفد وسيكون للجمهورية الإيرانية رد قوي على
تلك النشاطات". محذرًا سكان المنطقة الحدودية في إقليم كردستان من الوجود
قرب مقرات المسلحين المعادين لإيران حتى لا يعرضوا أنفسهم للأذى. والجدير بالذكر،
أن إيران كانت قد طالبت بغداد بضرورة طرد هذه الجماعات، وهو ما اتضح أثناء اجتماع أمين
المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني مع وزير الخارجية العراقي فؤاد
حسين، في 10 أغسطس الفائت، والتى حذر خلالها من طهران ستتخذ "إجراءات
وقائية" على حد إزاء هذه الجماعات، مما يشير إلى الهجمات التي عزم النظام
الإيراني على شنها ضد الأكراد.
وعليه، من الواضح أن إيران ترغب من خلال الهجمات التى
شنتها على حزب العمال الكردستانى بالعراق في درء المخاطر التى تتعرض لها خلال هذه
الفترة ولاسيما ما يتعلق منها بالأمن القومى الإيراني؛ حيث تخشى إيران أن يؤدى
استمرار الأنشطة التى تقوم بها الجماعات الكردية المعارضة لها على الحدود العراقية
مع إيران إلى تجدد مطالب هذه الجماعات بالانفصال وتحقيق ما يسمى بحلم
"الاستقلال الذاتى" داخل إيران، ولاسيما أن الأحزب الكردية حصلت على نوع
من الحكم الفيدرالى بما يسمح لهم بإدارة نسبة كبيرة من شؤونهم بأنفسهم. في حين كشفت بعض التكهنات الأخرى عن أن الحراك
الذي تفتعله حكومة طهران هو جزء من محاولات طويلة الأمد من الضغط على الأحزاب
الكردية العراقية للسيطرة عن كثب على مناطق البيشمركة، أو علامة على وجود جهود
إيرانية أكثر جدية تلوح في الأفق للقضاء على الأكراد.
ثانيًا- تهدئة الداخل
تأتى الهجمات الإيرانية على مناطق حزب العمال الكردستانى
بالعراق بالتوازى مع تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية في إيران على خلفية سوء
الأوضاع الاقتصادية واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وتوقف محادثات
فيينا، لذا، ترغب الحكومة الإيرانية الجديدة بقيادة إبراهيم رئيسي في ضبط إيقاع
التهديدات الخارجية التى يمكنها التصعيد من حدة الأزمة في الداخل الإيراني.
ويتوازى ذلك، مع تصاعد حدة التهديدات القادمة من
أفغانستان، ولاسيما بعد أن رفضت طالبان الانتقادات الإيرانية بشأن التشكيل الحكومى
الجديد. فالطلما كانت إيران حذرة من عدم الاستقرار الموجود على حدودها الشرقية؛
حيث أدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى الدفع بأعداد كبيرة من اللاجئين
الأفغان إلى إيران، وهو ما تصاعدت على إثره حدة التظاهرات المنادية بقطع إيران
علاقتها مع الحكومة الجديدة في أفغانستان بقيادة طالبان.
ثالثًا- تعزيز الدور
تتوافق الهجمات التى قامت بها قوات الحرس الثورى على
مقرات حزب العمال الكردستانى الإيراني المعارض في العراق مع توجه الحكومة
الإيرانية الجديدة، التى يحظى وزير خارجيتها أمير حسين عبد اللهيان بخبرات
دبلوماسية هائلة في التعامل مع دول المنطقة. وفي هذا السياق، ترغب إيران في تعزيز
نفوذها من خلال الحد من كافة التهديدات الخارجية التى تتعرض لها، بل وزيادة الدعم
الموجه للميليشيات المسلحة التابعة لها في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن
يكون الحرس الثورى هو المساهم الرئيسي فى تحقيق ذلك من خلال تعزيز دوره بالداخل
الإيراني، ولاسيما فيما يتعلق بالاقتصاد، وخاصًة بعد أن تعهد رئيسي بالتركيز على
تطوير ملف الإسكان لخدمة مصالح الشباب والفقراء، وهى أحد أهم المجالات شبه الخاضعة
لسيطرة شركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثورى. وعليه، من المرجح أن ينعكس
النفوذ الداخلى على وضع الحرس الثورى في الخارج، بما يؤدى إلى أن يصبح فيلق القدس
التابع للحرس الثورى أكثر جرأة في السعي لتحقيق الأهداف الأيديولوجية
والاستراتيجية للنظام ولاسيما فيما يتعلق بتعزيز التمدد الشيعي في الشرق الأوسط.
ويأتى ذلك في ظل تزايد حدة التصعيد بين إيران من ناحية
والولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل من ناحية أخرى بشأن الاتفاق النووي
والنفوذ الإيراني بالمنطقة؛ حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال تصريح له في 10
سبتمبر الجارى برد دولي سريع على إيران بشأن احتمال امتلاكها لأسلحة نووية عقب
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى صدر في بداية سبتمبر 2021 ويفيد برفع
إيران لمعدل تخصيب اليورانيوم بما يجعلها قريبة للغاية من مرحلة صنع القنبلة
النووية.
ختامًا:
من المتوقع أن
تسعى إيران لتعزيز نفوذها بالمنطقة خلال الفترة القليلة القادمة، بالتوازى مع توجه
الحكومة الجديدة بالتركيز على تطوير العلاقات مع دول الجوار وصد التهديدات
المتلاحقة سواء من قبل الدول المعادية لها مثل إسرائيل أو بعض الجماعات
الانفصالية، ولاسيما الأكراد الذين يعتبروا من أكبر القوميات الموجودة بالعالم التى
لم تتمكن من تأسيس الدولة الخاصة بها؛ حيث ينقسم وطنهم التاريخي (كردستان) بين كل
من العراق، وإيران، وسوريا وتركيا.