الانسحاب الفرنسي المرتقب من الساحل الإفريقي ومكاسب موسكو
يتضح من خلال تصريحات الرئيس الفرنسي"
إيمانويل ماكرون" في 10 يونيو2021، أثناء انعقاد القمة الافتراضية مع قادة
مجموعة دول الساحل الخمس (مالي ، بوركينافاسو ، تشاد ، النيجر ، موريتانيا ) ، بأن
باريس رسمت خريطة طريق للإنسحاب بشكل جزئي
من الساحل الإفريقي بدءا من النصف الثاني من عام 2021، وذلك بتقليص عدد قواتها العسكرية المتواجدة في
المنطقة و إغلاق قواعدها في شمال مالي(تاسيليت
، كيدال، تمبكتو) في إطارإعادة صياغة تواجدها
في منطقة الساحل الإفريقي .
ومن المرجح أن إعلان فرنسا عن تخفيص عدد قواتها العسكرية في المنطقة
وإنسحابها من شمال مالي سيزيد من فرص القوى الدولية لتعبئة هذا الفراغ واحتدام
التنافس فيما بينها وعلى رأسها روسيا التي تسعى إلى إثبات حضورها في القارة
السمراء كقوة عائدة . وفي هذا السياق تحاول هذه الورقة فهم أبعاد الحضور الروسي في
منطقة الساحل الإفريقي وآلياته كما تلقي
الضوء على الفرص والتحديات التي سيواجهها
هذا الحضور .
أولاً - فهم أبعاد الحضور
الروسي في منطقة الساحل الإفريقي
حظت دول مجموعة الساحل الإفريقي الخمس
بإهتمام دولي نظرا لموقعها الاستراتيجي حيث تمثل همزة وصل بين مختلف دول القارة
السمراء وغنائها بالثروات الطبيعية ، وبلاشك أن موسكو تبذل جهدا لإعادة تفعيل دورها في القارة الإفريقية ككل
ومنطقة ساحل بشكل خاص، ولقد اعتمدت روسيا من أجل الترويج لاستراتيجيتها على أساس
أن ليس لها ماضي استعماري في المنطقة كبقية الدول الغربية لدغدغة مشاعر الدول
الإفريقية المعادية لهذه القوى مثل جمهورية
إفريقيا الوسطى ومدغشقر، كما أتاح عدم الاستقرار وغياب الأمن في دول
المنطقة فرصة لموسكو لتدخل وفي هذا السياق دعى رئيس بوركينافاسو " روش مارك
كريستيان كابوري " روسيا إلى
الانضمام إلى
"الشراكة الدولية من أجل الأمن
والاستقرار" في منطقة الساحل كما نادت بعض الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع
المدني روسيا بالتدخل عقب انقلاب 18 أغسطس 2020 في مالي حيث خرج الآلآف في مظاهرات
مطالبين روسيا بالتدخل لمكافحة الإرهاب. تعد
منطقة الساحل الإفريقي والضفة
الغربية الإفريقية الأطلسية عبر موريتانيا وغينيا بوابة نفاذ بالنسبة لروسيا لفك الحصار الغربي بسبب أزمة أوكرانيا
في عام 2014 وضم إقليم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي .
ثانيًا- أليات الحضور الروسي في منطقة الساحل الإفريقي
نلمس آليات الحضور الروسي في المنطقة
من خلال ما يلي :
- تعزيز
التعاون العسكري بتوقيع اتفاقيات عسكرية مع عدد من دول المجموعة مالي عام 2015
النيجر عام 2017 وآخرها مع موريتانيا في 24 يونيو 2021 حيث يهدف هذا الاتفاق إلى
تطوير التعاون العسكري بين الدولتين من أجل تعزيز الثقة المتبادلة .
- تطمح
موسكو في أن تلعب دورا أساسيا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل حيث تشهد هذه
المنطقة تزيدا في التهديدات الإرهابية لاسيما بعد الانقلاب الذي أطاح برئيس المالي
"بوبكر كيتا " في 18 أغسطس 2020
.
- وبمأن
موسكو ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم تعمل على زيادة مبيعاتها العسكرية لدول
المنطقة مقابل الحصول على الموارد الطبيعية فبوركينافاسو والمالي دولتان تمتلكان
مناجم الذهب ، تشاد ونيجيربا ر والكاميرون دول غنية بالنفط والغاز في حين أن
النيجر دولة غنية باليورانيوم .
ثالثًا-
فرص الحضور الروسي في منطقة الساحل الإفريقي
من
المرجح أن فرص موسكولتعزيز دورها في
المنطقة وبسط نفوذها ستزداد نظرا انكماش الدور الفرنسي في المنطقة ويرجع ذلك لعدة
أسباب منها الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها فرنسا في مواجهة التنظيمات الإرهابية ، ضغوط الرأي العام الفرنسي المعارض للتواجد
الفرنسي في منطقة الساحل الأمر الذى دفع الرئيس ماكرون بمطالبة الدول الأوروبية
بالانخراط في العمليات العسكرية ، بالإضافة إلى تقليص الولايات المتحدة الأمريكية
وجودها العسكري مع احتفاظها بقاعدتها في مالي .
استغلال
روسيا تراجع أداء الاتحاد الأوروبي في إدارة ملف الهجرة الغير شرعية بالسيطرة على
طريق الهجرة الذي يعبر منطقة شمال إفريقيا والساحل إذا يتسبب تدفق المهاجرين في
خلق أزمة جديدة تؤدي إلى تفاقم التواترات السياسية بين دول الاتحاد .
رابعًا- تحديات الحضور
الروسي في منطقة الساحل الإفريقي
- تدرك فرنسا أن روسيا من القوى
الدولية المنافسة لنفوذها في المنطقة لذلك تسعى لعرقلة الاستراتيجية الروسية ونلمس
ذلك من خلال تصريحات كبار المسؤولين الفرنسيين محذرين من الإختراق الروسي للقارة
السمراء .
- تنافس القوى الدولية على موارد
المنطقة وخاصة الصين التي تسعى إلى ترسيخ
نفوذها الاقتصادي في المنطقة والولايات
المتحدة الأمريكية التي لاتزال متواجد رغم تقليص قواعدها.
- العقوبات الغربية والأمريكية القاسية التي أنهكت كاهل الاقتصاد الروسي بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة إلى شركة فاغنر الروسية من طرف دول الإفريقية بسبب عقدها صفقات مع معارضي
الحكومات .
خاتمة
نستنج مما سبق ذكره أن منطقة الساحل
الإفريقي منطقة غنية بالموارد الطبيعية لذا تسعى موسكو استغلال تراجع الدور
الفرنسي في المنطقة ولعب على وتر الأوضاع الأمنية المتردية من أجل توسيع دائرة
حضورها الأمني والعسكري ضمن حدود
إمكانياتها وتفوقها العسكري لتحقيق مكاسب مادية بأقل خسائر لاسيما وأن
موسكو تعاني من أزمة اقتصادية جراء العقوبات
الأوروبية المفروضة عليها بعد ضم القرم ، كما تدرك موسكو أن تحركها في
المنطقة يراعي مصالح القوي الدولية حتى لا
يتسبب لها في صدامات معها .