مصداقية الولايات المتحدة لم تتدمر كليا بسبب أفغانستان
يتساءل خصوم أمريكا وحلف شمال الأطلسي عما إذا
كانت المهمة الفاشلة في أفغانستان ستترجم إلى محاولات فاشلة أخرى للحلف في بقاع
مختلفة من العالم.
إن النهاية الفوضوية للبعثة الأميركية في
أفغانستان أدت بكل تأكيد إلى نشأة عدد من التنبؤات السلبية المتعلقة بدور الولايات
المتحدة في المنطقة، خاصة أن الإنسحاب الأمريكي قد أضر بمصداقية الولايات المتحدة.
في الوقت الراهن، ينتظر خصوم أمريكا أي فرصة لاستغلال الوضع الراهن والتحرك ضد
حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبعد أن تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان،
فإن جميع التزاماتها الأمنية أصبحت موضع شك الآن.
أولئك الذين يدقون ناقوس الخطر يرون ثلاث ساحات
مثيرة للقلق بشكل خاص. كما يرى البعض أن ثقة الحلفاء الأوروبيين بالالتزامات
الأمنية الأمريكية تجاههم قد اهتزت، لدرجة أن البعض بدأ يشكك في فعالية حلف الناتو
واحتمالية انهياره. وقد اتهم الرئيس التشيكي ميلوس زيمان حلف الناتو بالتراجع بسبب
انسحابه من كابول. كما أكد الرئيس أن فشل الحلف في أفغانستان يدفع للتساؤل حول
قدرة الحزب على النجاح في دول أخرى.
ومن المفترض أن الصين تسيل لعابها للسيطرة على
بحر الصين الجنوبي وتنتظر الفرصة المناسبة للتحرك ضد تايوان. يتعين على كوريا
الجنوبية الآن أن تفكر في فعالية تحالفها الثنائي مع واشنطن إذا أصبحت كوريا
الشمالية أكثر عدوانية. ولذلك، يجب على سيول أن تعمل على تطوير استراتيجية دفاعية
خاصة بها بعيدا عن الولايات المتحدة. وقال مايكل والتز في تغريدة له على موقع
تويتر" لو كنت في تايوان أو أوكرانيا الآن أشاهد كل هذا، لكنت مرعوبا من
معرفة أن هذه هي الطريقة التي سترد بها الولايات المتحدة على التهديدات في ظل إدارة
بايدن". ثم أضاف"مهما كان الجدول الزمني الصيني للاستيلاء على تايوان،
فإننا نعلم أن الموقف الأمريكي في أضعف حالاته بسبب بايدن".
إن الادعاءات بأن فقدان عميل أمني واحد يضر
بمصداقية الولايات المتحدة بشكل قاتل ليست بالأمر الجديد. المؤيدون لفكرة
إمبراطورية الولايات المتحدة المبنية على الدول الزبونية أو العميلة كانوا يؤمنون
بأن انهيار فيتنام الجنوبية قد يسهم في تقييد النفوذ الأمريكي في جنوب شرق ووسط
آسيا. لكنّ الواقع أثبت أن موسكو وبكين قد استخدما حركتا التحرير الوطني لمد
نفذهما ضد واشنطن في فيتنام وغيرها من الدول. على النقيض من ذلك، نجد أن المنتقدون
لهذه الفكرة دعموا آرائهم بنشأة أنظمة موالية للشيوعية في دول مثل أنجولا
ونيكاراغوا.
في الواقع، اقامة علاقات مع الدول الغير مستقرة
شكل عبئا كبيرا على الاتحاد السوفيتي السابق، وقد كان أحد أسباب انهيار الاتحاد
السوفيتي اقتصاديا لأن روسيا كانت تخصص انفاقات عسكرية كبيرة لدعم حلفائها في
العالم. ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، إلا أن البعض كان يؤمن أن
فيتنام قد تشكل موطنا جديدا لنشأة الشيوعية في العالم.
عندما نتحدث عن المصداقية فيما يتعلق بالالتزام
الأمني، نجد أن هناك عاملان مهمان للغاية. أولا، أهمية المسألة التي تتعرض لها
القوة الضامنة. ثانيا، النفوذ العسكري المتاح للقوة الضامنة لإنفاذ الالتزام. لم
يكن الاتحاد السوفييتي يميل إلى تحدي التزام واشنطن بحلف شمال الأطلنطي لأن القادة
السوفييت خلصوا إلى أن الولايات المتحدة ربما كانت مستعدة لتحمل تكاليف ومخاطر
كبيرة لمنع موسكو من السيطرة على الأصول الاستراتيجية والاقتصادية الحيوية لأوروبا
غير الشيوعية.
إن الأوضاع التي تنطوي على التزامات حلف شمال
الأطلسي والولايات المتحدة تجاه حلفاء آخرين مثل تايوان وكوريا الجنوبية ليست
واضحة المعالم في بيئة ما بعد الحرب الباردة. كما أن واشنطن لا تنظر إليهم
بالتأكيد بنفس ضوء أفغانستان. ونظرا لأهمية هؤلاء العملاء في شرق آسيا، فإنه من
غير المرجح أن يتخلى عنهم القادة الأمريكيون، خاصة إذا كانت بكين هي المستفيد
الرئيسي.
وعلاوة على ذلك، فإن للولايات المتحدة قوات جوية
وبحرية ضخمة منتشرة في منطقة غرب المحيط الهادئ. ورغم ذلك، تفكر الولايات المتحدة
في تعزيز هذا الوجود. إن نظم الأسلحة المتطورة ليست فعالة بشكل خاص في التعامل مع
مقاتلي حرب العصابات في الحرب الأهلية العالمية الثالثة (كما أكدت الأحداث في أفغانستان)
ولكنها أكثر أهمية في المواجهة العسكرية التقليدية بين القوى العظمى. وبالتالي، لا
يجرؤ الخصم على رفض قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها في شرق آسيا.
وعلى الرغم من أن الخبراء جادلوا بأن السياسات
الأمنية الأمريكية تجاه تايوان وكوريا الجنوبية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، إلا
أن مساواة رد واشنطن المحتمل على لعبة القوة ضد تايبي أو سيول بقرار التخلي عن
كابول أمر مناف للعقل. لم يكن لدى أفغانستان أي شيء يشبه إلى حد كبير الأهمية
الاستراتيجية أو الاقتصادية للولايات المتحدة التي تمتلكها تايوان وكوريا الجنوبية
ودول حلف شمال الأطلنطي الكبرى.
وعلى غرار مسؤولين آخرين في إدارة بايدن، أخطأ
وزير الخارجية أنتوني بلينكن في العديد من الأمور المتعلقة بالخروج من أفغانستان.
ومع ذلك ، فهو محق تماما حول نقطة رئيسية واحدة. وقال بلينكن لشبكة سي ان ان
التلفزيونية الاميركية ان "معظم منافسينا الاستراتيجيين في العالم لا يرغبون
في شيء أفضل لنا من البقاء في أفغانستان لمدة عام او خمس سنوات أو عشر سنوات وأن
تكون هذه الموارد مخصصة للوقوع في خضم حرب اهلية". والواقع أن التخلي عن
الالتزامات غير الحكيمة تجاه العملاء الأجانب الضعفاء الذين لا قيمة جوهرية لهم
على نحو يذكر لأمن أميركا يعود بالفائدة على هذا البلد على المدى الطويل.