أثارت
دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لعقد مؤتمر لدول جوار العراق ودول عربية
وأجنبية أخرى في 28 أغسطس 2021، الكثير من التساؤلات حول أهداف المؤتمر وتوقيته
والدور الذي يمكن أن تلعبه بغداد في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران وتخفيف
مستوى التوتر في المنطقة.
وجاءت فكرة عقد المؤتمر التي كانت مقتصرة في
بدايتها على دعوة دول جوار العراق لمناقشة قضايا تتعلق بالتدخلات الخارجية في
الشؤون الداخلية العراقية، وقضايا الأمن والاستقرار والاستثمار والتحديات
الإقليمية المشتركة والعلاقات بين دول الجوار. لكنه تحول إلى مؤتمر دولي، بعد دعوة
دول عربية وأجنبية من غير دول جوار العراق، بالإضافة إلى مؤسسات دولية، مثل
الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وقد وجهت الحكومة العراقية دعوات لدول جوار
العراق، إيران والسعودية والأردن والكويت وتركيا، ودول أخرى، مثل مصر وقطر
والإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
أهداف متعددة
هناك
حالة من عدم الوضوح فيما يخص أهداف ومحددات العراق من هذا المؤتمر، فهناك من يربطه
بمستقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وحلم العودة للحكم، على الرغم من عدم
وضوح موقف رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي تجاه خوضه للانتخابات ورغبته بالعودة
لمنصبه من عدمها، لكن حراكه الخارجي وسعيه إلى اكتساب رأي عام دولي وأقليمي مؤيد
له، يمكن أن يكون جزءًا من تحضيره لمستقبله السياسي.
من ناحية
أخرى، هناك من يرى أن بغداد تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تجسيد رؤيتها
الاستراتيجية وحضورها الإقليمي كعامل تهدئة واستقرار ونقطة وصل بين المتصارعين في
المنطقة، ويرتبط الموضوع أيضًا بموضوع سعي العراق إلى الانفتاح وتعميق الصلات مع
الدول العربية وبشكل قريب مع المملكة السعودية ودول مجلس التعاون بعد قطيعة طويلة،
ويأتي المؤتمر كمتمم طبيعي للقمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن التي عقدت خلال
هذا العام.
ولكن
هناك بعض الوقائع التي تثير تفسيرات أخرى أو عوامل مختلفة تكمن خلف الدعوة
للمؤتمر، فوزير التخطيط العراقي خالد بتّال الذي حمل دعوة رئيس مجلس الوزراء إلى
أمير الكويت، قام بزيارة صندوق التنمية الكويتي، والتقى برئيس الصندوق غانم
الغنيمان ، وطلب دعم الكويت لتمويل بناء مستشفيين في محافظة نينوى ومحافظة المثنى،
فهل تهدف حكومة الكاظمي تفعيل مقررات مؤتمر دعم العراق الذي سبق أن عقد في الكويت؟
وضمن هذا
السياق يمكن الإشارة إلى أن أهداف الدعوة العراقية لهذا المؤتمر تمثل جزءً من
محاولة الكاظمي لتحقيق هدفين، الأول إحداث استقرار داخلي عبر تحقيق استقرار إقليمي
بين الدول المتصارعة التي تنتقل مشاكلها بطريقة أو بأخرى الى العراق، والثاني هو
تحقيق علاقة دولة أمام دولة مع إيران، مع إدراك الكاظمي التام أن النفوذ الإيراني
لن ينتهي ، وأنه لن يستطيع إخراج الإيرانيين من العراق، ولكن المهم تحقيق نوع من
التوازن في العلاقة، عبر إقامة علاقات مع قوى إقليمية مهمة كمصر وتركيا والسعودية
والإمارات، الأمر الذي يمنحه دعم قوي يستند عليه وهو يسحب العراق تدريجيُا من
النفوذ الإيراني.
إستعادة المكانة
ذهب
البعض إلى أن ما يحاول العراق فعله منذ فترة كبيرة تتمثل في العودة إلى لعب دور
اقليمي، وتزايدت التفسيرات الخاصة بهذا الأمر من خلال الحديث عن دور بغداد في تقريب
وجهات النظر بين تركيا ومصر، وايران والسعودية، ولكن يبدو أن حقيقة دور العراق في
حل الأزمات الإقليمية لا يعدو أن يكون محاولة تقريب وجهات النظر وليس حل الخلافات
بشكل فعلي.
وفي إطار
سلسلة من الخطوات والفاعليات التي تهدف لترسيخ هوية وسيادة العراق، تأتي قمة دول
الجوار العراقي في بغداد، كمحاولة جديدة من رئيس الوزراء العراقي للنأي بالنفس عن
الصراعات الإقليمية، وتقديم العراق في صورة جديدة عنوانها أن بغداد التي عاشت
مرحلة طويلة من عدم اليقين السياسي والأمني يمكن أن تكون الجسر الذي يربط بين جميع
دول المنطقة، والمكان الذي يستضيف الحوارات والنقاشات التي تقود إلى إنهاء
الصراعات، وبدء مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة.
ويؤكد على
ذلك ما تحقق بالفعل في العراق منذ مايو 2020 وتحديدًا عندما جاء الكاظمي لرئاسة
الحكومة العراقية؛ حيث بدا هناك دورًا عراقيًا يتبلور تدريجيًا، يعزز من القيمة
الإيجابية المضافة لمكانة العراق، الذي تجاوره 4 دول عربية هي المملكة العربية
السعودية، والكويت، والمملكة الأردنية، وسوريا، ودولتان من خارج المظلة العربية
هما إيران وتركيا، ولعل زيارة الكاظمي للسعودية في 31 مارس 2021، ثم زيارته لدولة الإمارات العربية
المتحدة، في 4 أبريل 2021، دليل كبير على رغبة دول المنطقة في فتح صفحة جديدة.
كما أن
استقبال العراق للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وثق شهادة عراقية جديدة برغبة بغداد
في نشر السلام والتعايش المشترك، بين مكونات العراق الداخلية ومحيطه الإقليمي. كما
يدلل الحرص العراقي على نجاح القمة الثلاثية العراقية - المصرية - الأردنية
ببغداد، في 27 يونيو 2021، على وجود استعداد عراقي يتنامى يومًا بعد يوم، نحو مزيد
من الانفتاح على المحيط العربي.
إلى جانب
ذلك، نجح الكاظمي منذ 20 يونيو 2020، في قيادة أربع جولات من الحوار الاستراتيجي
مع الولايات المتحدة، ادت إلى قرار إنهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية في 31
ديسمبر القادم، وبدء الانسحاب الفعلي للقوات الأمريكية من العراق كنتيجة للجولة
الرابعة من ذلك الحوار، والتي جرت بين الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن بواشنطن
في 27 يوليو 2021.
من جانب
آخر، لا يزال العراق يشكل معضلة معقدة بالنسبة لدول الجوار، القريب والبعيد، ليس
من مصلحة أي دولة إقليمية أن يعود العراق قويًا فاعلًا في الإقليم، لأن قوته تعني
تمدد نفوذه إقليميًا، بما سيحجم من نفوذ هذه الدول الذي حازته منذ خروج العراق من
المعادلة بعد غزو الكويت، ناهيك عن انتهاء نفوذ هذه الدول في العراق ذاته في حال
استعاد العراق قوته.
ولكن في
الوقت نفسه، فإن بقاء العراق بحالته غير المستقرة يعني قلق مستمر لدول الإقليم، إن
انفلات السلاح في العراق، وضعف سلطات الدولة، سوف يقودان في النهاية إلى حدوث عدم
استقرار إقليمي وتفشي للأزمات والمشكلات المعقدة والمتداخلة في المنطقة كتهريب
السلاح والمخدرات والبشر، ناهيك عن انطلاق عمليات الحرب بالوكالة دون قدرة أحد على
السيطرة عليها.
مسارات متعددة
إن الاتفاق
على حد أدنى من وجهات النظر للدول الإقليمية للعراق سيكون مقدمة لأي تسوية كبرى، أن
ترتيب البيت الداخلي وتطمين وتحييد الوكلاء المحليين سيكون شرطًا أساسيًا لنجاح أي
تحرك إقليمي للعراق وكذلك لتسوية الأزمة الداخلية، ويبدو أن الكاظمي يحاول أن يبدأ
من الخارج الى الداخل في حل الأزمة العراقية، فبجمعه للدول الإقليمية المختلفة على
حد من الاتفاق سوف يعطيه مساحة لفرض قرار الدولة داخليًا. من جانب آخر، يرى البعض
أن هذه المؤتمرات إذا لم يكن لها انعكاس إيجابي وأثر حقيقي داخليًا فإنها ستكون
مجرد تجمعات شكلية، ولن تختلف عما سبقها مثل مؤتمر دعم وبناء العراق في الكويت
الذي لم يكن له انعكاس واقعي بما ولد اليأس لدى العراقيين من إمكانية إيجاد أي حل
حقيقي للوضع المتأزم.
وفي
الختام هناك مجموعة من الأهداف التي تسعى العراق إلى تحقيقها على المستويين
الداخلي والخارجي والتي يتوقف تحقيقها بصورة كبيرة على مدى قدرة العراق على
استثمار هذا المؤتمر في تحييد الخلافات بين الأطراف المشاركة من جانب واستعاده
الاستقرار الإقليمي ومن جانب آخر لأنه يرتبط بصورة كبيرة بتأثيرات على الوضع
الداخلي العراقي خاصة مع اقتراب إجراء الانتخابات العراقية، وقد تكون هناك مؤشرات
إيجابية لمخرجات هذا المؤتمر في ظل التوجه العام لدول المنطقة نحو تجاوز الخلافات
والفوضى وعدم الاستقرار الإقليمي.