المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تداعيات الانسحاب الأمريكي ومستقبل الصراع في أفغانستان

الخميس 19/أغسطس/2021 - 04:04 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اعتزامها الانسحاب من أفغانستان في 11سبتمبر 2021 وهو الأمر الذي ألقي بتداعياته على الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة بالصراع الأفغاني، فبعد عقدين من التدخل الأمريكي هناك أعلنت طالبان سيطرتها على البلاد وإعلانها أفغانستان إمارة إسلامية.

والجدير بالذكر أنه في عام 2001، كانت الولايات المتحدة ترد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن، والتي قُتل فيها ما يقرب من 3000 شخص. وحمل المسؤولون حينها جماعة القاعدة الإسلامية المتشددة(القاعدة) وزعيمها أسامة بن لادن المسؤولية عن الهجوم. وكان بن لادن في أفغانستان، تحت حماية حركة طالبان الإسلامية التي كانت تمسك بزمام السلطة منذ عام 1996. وعندما رفضوا تسليمه، تدخلت الولايات المتحدة عسكريا، وسرعان ما أزاحت القوات الأمريكية طالبان وتعهدت بدعم الديمقراطية والقضاء على التهديد الإرهابي.

أولاً- سيطرة طالبان وانتشار الجماعات المتطرفة

قال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين إن الحركة تعمل على تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، مشيرًا إلى أن طالبان طلبت من مقاتليها عدم التعرض للمدنيين، في الوقت الذي تسعى فيه الحركة لتقديم صورة أكثر اعتدالًا للمواطنين الأفغان. بالإضافة إلى أنه لن تكون ثمة نية لدى الحركة لشن هجمات انتقامية على المتعاونين مع الولايات المتحدة من المواطنين الأفغان.

ومن جانب آخر هناك العديد من الدلالات الأخرى حول إمكانية أن تصبح أفغانستان ساحة للانتشار والتمركز للجماعات والتنظيمات الإرهابية، فمع انسحاب للولايات المتحدة والقوات الدولية التابعة للتحالف، سيصبح الجزءان الجنوبي والشرقي من أفغانستان – اللذان يشكلان حوالي 40 إلى 50 في المئة من مساحة البلاد ويشملان مدينة قندهار - خاضعَيْن على الأرجح لحُكم حركة "طالبان". ويضم هذا القسم من البلاد عددًا كبيرًا من البشتون، أي القاعدة الإثنية التي ينحدر منها معظم الجنود في حركة "طالبان". ويمثّل البشتون أيضًا حوالي 45 في المئة من إجمالي سكان أفغانستان، والمناطق التي يمثّلون فيها الأغلبية هي التي سيستخدمها على الأرجح تنظيما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان من أجل إنشاء قواعد تدريب جديدة بعد انسحاب الولايات المتحدة.

وضمن هذا السياق يُحتمل أن يتدهور الوضع في القسمين الشمالي والغربي من أفغانستان ليشهد اشتباكات مسلحة بين حركة "طالبان" والميليشيات من غير البشتون. فالطاجيك، الذين يمثّلون حوالي 25 في المئة من إجمالي سكان أفغانستان، هم المجموعة الإثنية التي تشكل الأغلبية في المدينتين الكبيرتين مزار شريف الشمالية وهرات الغربية. والهزارة، الذين يشكلون المجموعة الإثنية الشيعية الوحيدة في البلاد، يمثّلون حوالي 10 في المئة من سكان أفغانستان، وهم الأغلبية في منطقة وسط أفغانستان الريفية. والأوزبك والتركمان، وكلاهما شعبان تركيان، يمثّلون حوالي 10 إلى 15 في المئة من سكان أفغانستان ويعيشون بشكل أساسي في الشمال. وفي حين أن البشتون يقطنون بكثافة أكبر في جنوب أفغانستان وشرقها، يمكن أن تصبح تجمعاتهم في باقي أنحاء البلاد مراكز لنشاط تنظيمَيْ "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"-ولاية خراسان. وفي حقيقة الأمر أن حركة طالبان كجماعة تشهد حالة من التنوع وهناك خلافات بين قادتها، وكلما زادت هذه الخلافات بينهم ازداد الأمر سوءًا ودفع الجماعات الإرهابية الأخرى للاستفادة من حالة الوهن التي تعتريها.

وامتدادًا لهذا الأمر وبعد دخول عناصر طالبان إلى العاصمة كابل، حذّر رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي من إمكانية تشكّيل جماعات إرهابية جديدة في أفغانستان، وأن ظهور هذه الجماعات قد يكون أسرع مما هو متوقع، وأنه في الوقت الذي ستحاول فيه طالبان الالتزام بشروط السلام المتفق عليها مع الولايات المتحدة - التي تتعهد فيها بألا تتحول أفغانستان إلى ملاذ للإرهابيين - فإنه لن يتعين على الجماعات المتطرفة الأخرى الالتزام بمثل هذه التعهدات خاصة بشأن الحركات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة العربية.

ثانيًا-  تداعيات متعددة

مع تعثر محادثات السلام وتزايد سرعة الاستعدادات للانسحاب الكامل للقوات الدولية، تقف أفغانستان على مفترق طرق خطير. فالعودة الكاملة لطالبان إلى السلطة قد تخاطر بتراجع عشرين عامًا من التقدم في مجال حقوق المرأة وحقوق الأقليات وحرية التعبير وحرية الإعلام. بالإضافة إلى إمكانية تصاعد التنافس الإقليمي والدولي على من يمتلك التأثير على مجريات الأوضاع هناك خاصة بين روسيا وإيران والصين وتركيا وباكستان، كما أن هذا التنافس سينعكس على الارتباطات الإقليمية. وداخليًا ما يمكن أن تقدمه الحركة من تنازلات أو تتّبعه من سياسات بعد التسوية. ويمكن القول هنا أن طالبان ستظل حركة دينية محافظة ولن تتخلى عن قيمها أو معتقداتها الأساسية.

وستسعى إلى تسوية يتم خلالها تقاسم السلطة مع الفصائل الأخرى، مستندةً في ذلك إلى قدراتها العسكرية، بعد أن صمدت بالحرب، وتحولت من طرف إرهابي منبوذ إلى طرفًا مقبولًا دبلوماسيًا في النزاع، وشريكًا في التفاوض، كما إن الحركة ستخضع للمساومة السياسية وعملية توازن القوى بين مختلف الأطراف السياسية، وسيعتمد استمرار بعض التغييرات في نهجها على قدرة المجتمع الأفغاني والقوى السياسية على مواصلة الضغط على طالبان، وهذا بدوره يعتمد على استمرار الاهتمام الدولي بأفغانستان.

من ناحية أخرى تتفاقم مشكلة اللجوء بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وما سيكون لهذه الظاهرة الكثير من الانعكاسات السلبية وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن 270 ألف أفغاني نزحوا داخل بلادهم منذ يناير 2021 مع انسحاب القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة. وأرجعت المفوضية ذلك إلى العنف وانعدام الأمن، وأنه بهذا العدد يرتفع إجمالي عدد السكان النازحين إلى أكثر من 3.5 مليون شخص.

في الختام: تتعدد الانعكاسات الداخلية والخارجية لسيطرة حركة طالبان على الحكم وستظل مرهونة بصورة أو بأخرى بما يمكن أن تتبناه الحركة من سياسات ومدى قدرتها على الالتزام ببنود الاتفاق الموقع من الولايات المتحدة ومدى قدرتها على التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية ذات الصلة بها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟