هل خسر بايدن أفغانستان؟
في
9 يوليو، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن حادثة إجلاء المدنيين والدبلوماسيين من
السفارة الأمريكية لن يتكرر بنفس المنوال الذي حدث في فيتنام حينما تم الإجلاء من
فوق أسطح السفارة. كما أكد بايدن أنه هناك احتمالية أن تسيطر طالبان على كل شيء في
المستقبل. وبعد عدة أسابيع، يبدو أن نبؤة الرئيس قد تحققت؛ حيث تسيطر طالبان على
كل البلاد تقريبا، بينما تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها من أجل إجلاء رعاياها
بأسرع وقت ممكن من العاصمة كابل.
هل
كان بايدن مخطئا بخصوص ما حدث في أفغانستان؟ وفقا لتقرير نشره ماكس بوت في
الواشنطن بوست، يعد سيطرة طالبان على الدولة هو أكبر فشل للسياسة الخارجية
الأمريكية منذ سقوط سايغون عام 1975 في فيتنام. كما يعد هذا الأمر أسوأ بكثير من
سقوط الموصل في العراق الذي لم يكن ليحدث لولا انسحاب الولايات المتحدة من العراق.
ويقول بوت أن بايدن لم يكن بيده تجاهل الاتفاق الذي وقعته ادارة ترامب مع طالبان.
ويري بوت أنه لم يكن هناك سببا مقنعا لسحب كل القوات الأمريكية من أفغانستان، لأن
حالة الجمود العسكري كان من الممكن أن تطول أكثر لو ظلت الولايات المتحدة في
مكانها.
وقد
قام القادة العسكريين بإبلاغ الرئيس بايدن أن طالبان سوف تسيطر على كامل الأراضي
الأفغانية في حالة انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل، لكنّ بايدن استخدم صلاحياته
الرئاسية من أجل تجاوز نصائح قادته العسكريين. على كل حال، فهو لم يكن يؤمن بضرورة
بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وقد عبر عن ذلك مرارا في حواراته الصحفية. في
الواقع، ما أدهش الرئيس الأمريكية ليس الزحف الطالباني، ولكن الآلية والسرعة التي
تمت بها العملية. وقد أراد بايدن فاصلا زمنيا بين انسحاب الولايات المتحدة ومحاولة
طالبان السيطرة على مقاليد الحكم، لكن اتضح لاحقا أن الفاصل الزمني غير موجود، حيث
كانت حركة طالبان سريعة جدا في التحرك.
من
الواضح الآن أنه لم يكن هناك دولة أو حكومة أو جيش في أفغانستان. لقد كانت كل هذه
الكيانات مجرد وسيلة لتبرير الاحتلال الأمريكي لأفغانستان. وبمجرد أن قرر بايدن
سحب قواته، تهاوت هذه الكيانات بكل سهولة كأنها لم تكن موجودة. و رغم الإنفاق
العسكري الأمريكي لتدريب الجيش الأفغاني، إلا أنه بدا عاجزا تماما أمام طالبان.
من
المؤكد أن كل تقديرات الإستخبارات الأمريكية تحت قيادة ويليام بيرنز سوف تخضع
للتدقيق. إذا كانت هذه التقديرات ايجابية، فعليهم أن يجيبوا على الأسئلة التي
تناقش احتمالية تعرض المصالح الأمريكية للتهديد من قبل عناصر أفغانية. أيضا، سوف
يخضع دور المبعوث الخاص زلماي خاليلزاد الذي أكد أن حركة طالبان قد تغيرت كثيرا
منذ الأيام السوداء التي عاشتها البلاد في التسعينيات. وسوف يتم التدقيق في
احتمالية أن يكون دور خاليلزاد قد أثر على تقديرات الاستخبارات الأمريكية. أيضا،
هناك الكثير من الأسئلة عما سوف تقوم به طالبان في المستقبل وعلاقاتها مع جيرانها.
وقد يدفع بادين وحزبه ثمنا سياسيا بسبب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وعلى
المدى القصير، فإن الجمهور المنهك من الحرب والذي يهتم بكوفيد-19 أكثر من الصراعات
في الخارج قد يصبح أكثر تصميما على مواجهة تهديد طالبان، لكن لا يمكن لنا الجزم أن
حكم طالبان لن يدوم.
وفي
الولايات المتحدة، يسعى الجمهوريون في مجلس الشيوخ بقيادة ميتش ماكونيل الى تحويل
انتخابات التجديد النصفى الى استفتاء حول من خسر افغانستان. و رغم أن ترامب
الجمهوري هو من أتخذ القرار، لكن الجمهوريين يحاولون استخدام هذا الملف للتقليل من
شعبية الرئيس بايدن على اعتبار أنه من قام بالتنفيذ.
وقد
سخر وزير الخارجية السابق مايك بومبيو في برنامج "فوكس نيوز صنداي" مما
اعتبره "تحول اللوم المثير للشفقة" لبايدن و"القيادة الأمريكية
الضعيفة" التي تحاول دوما تحميل ترامب المسئولية بدلا ن مواجهة الحقائق.
إن
أي هجوم إرهابي في أميركا أو حدوث أي انتكاسة أخرى في الخارج قد يحيي ذكريات
الهزائم المتتالية التي شهدتها أميركا في سبعينيات القرن العشرين، في الوقت الذي
تمكن فيه الاتحاد السوفييتي من تطوير علاقاته مع دول العالم الثالث. ولا يخفى على أحد
أن اعتراف بايدن بأن أمريكا قد خسرت الحرب في أفغانستان، قد يجعله شخصيا يبدو
بمظهر الخاسر.