آليات جديدة ...كيف تتعامل إيران مع تمدد النفوذ الطالبانى فى أفغانستان؟
تجددت
الاشتباكات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في 31 يوليو الفائت؛ حيث تصاعدت
أعمال العنف عقب الانسحاب شبه الكامل للقوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية من أفغانستان في مايو 2021، مما سمح لطالبان بالسيطرة على معبرين
حدوديين مع إيران وتركمانستان. وعليه، استقبلت إيران هذه الأحداث بمقاربة حذرة
تعتمد على بعض السياسات التى يمكن تفصيلها على النحو التالي:
أولاً- تسهيل الهجرة غير
الشرعية
كشف تقرير نشرته مجلة "The Economist"
البريطانية في 31 يوليو 2021 عن أن حوالى 1000 أفغاني يعبرون يوميًا من أفغانستان
إلى تركيا عبر إيران؛ حيث أدت الهجمات المسلحة التى شنتها حركة طالبان في عدة
مناطق بافغانستان إلى موجات غير مسبوقة من الهجرة غير الشرعية من قبل الأفغان إلى
الدول المجاورة. وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن تركيا هي بالفعل موطن لما
بين 200000 و600000 أفغاني، وصل معظمهم في العقد الماضي، هربًا من العنف والفقر،
لكن زاد هذا العددد بشكل كبير بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسعى طالبان
لإحكام قبضتها على أجزاء كبيرة من الأراضي الأفغانية.
وتأسيسًا على ما سبق، وإنطلاقًا من الأزمات السياسية
والاقتصادية المتفاقمة التى تعانى منها إيران في الوقت الحالي، تعمل هذه الأخيرة
على فتح الحدود مع تركيا للمساعدة في هروب أكبر عدد ممكن من الأفغان إلى أنقرة،
للتخفيف من حدة التداعيات السلبية التى يمكن أن يخلفها زيادة عدد الأفغان على
الأراضي الإيرانية.
فلا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من آثار العقوبات
الأمريكية في ظل تعثر مفاوضات فيينا، بالإضافة إلى التداعيات السلبية الناتجة عن
تفشي فيروس كورونا بشدة في إيران؛ حيث يعانى اللأجئين الأفغان في إيران بالفعل من
ارتفاع مستوى البطالة فيما بينهم وانعدام الرعاية الصحية. لذا، تحاول إيران اتباع سياستها الرامية إلى
الدفع بالأزمات إلى الدول المجاورة، الأمر الذى من شأنه أن يساهم في توفير حد أدنى
من الاستقرار ويسمح لها بالتركيز على الأولويات الأخرى التي تعتبر أكثر إلحاحًا.
ثانيًا- إدارة متوازنة في
العلاقة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية
تحاول
إيران منذ الإعلان الأمريكي عن إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تحقيق
مصالحها عن طريق نوع من التوازن بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية؛ فبعد أن صارت حوالى 85 % من
الأراضي الأفغانية تحت النفوذ الطالبانى، بالتوازى مع الصعوبة الكبيرة التى
تواجهها الحكومة الأفغانية في احتواء الهجوم الواسع الذي تشنه الحركة، تخشى إيران
حدوث موجات نزوح جديدة إلى أراضيها.
ورغم تصريحات المسؤوليين الإيرانيين المؤكدة على حالة
الأمان والاستقرار المحيطة بحدود إيران الشرقية، إلا أن حالة الصراع بين الحكومة
الأفغانية وحركة طالبان تنذر بإمكانية تمدد بعض التنظيمات الجهادية ولاسيما فيما يتعلق بتنظيم
الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش) داخل الأراضي الأفغانية؛ بالإضافة إلى
فشل الوجود الأجنبي في كابول أمام تصاعد نفوذ حركة طالبان، إلا أن المصلحة
الأمريكية اقتضت انتقال (داعش) من دمشق وبغداد إلى كابول، مما ساهم في تصاعد معدل
التهديدات الموجودة على الحدود الإيرانية- الأفغانية.
ومن هنا، يتضح مما سبق، أنه رغم إعلان حركة طالبان أن لا
مشكلة لها مع الشيعة واحترامها للحدود الإيرانية، وهو الأمر الناتج عن الجهود التى
بذلتها السلطات الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية ولاسيما فيما يتعلق
باستضافة لقاءات التفاوض بين زعماء الحركة والحكومة الأفغانية، إلا أن مقاربة
طالبان العنيفة والقائمة على القوة تشكل مستقبلاً غير مضمون سواء للشيعة أو الحدود
مع إيران.
ومن ناحية أخرى، تخشى طهران من أن يؤدى صعود طالبان إلى تقارب أفغانى مع
المملكة العربية السعودية التى تعتبر بمثابة المنافس التقليدي والأهم لها في
المنطقة. لذا، من المتوقع أن تحاول إيران بذل المزيد من الجهود لإبقاء العناصر
الأكثر تشددًا في طالبان خارج دوائر صنع القرار الأفغاني، لاسيما وأن هذه العناصر
ذات الأغلبية السنية لا تميل إلى النفوذ الشيعى المتزايد لإيران في الشرق الأوسط.
ولكن إذا كان العمل مع حكومة مركزية في كابول تضم عناصر من طالبان سيساعد إيران في
حماية مصالحها الأساسية، فإنها لن تتوانى عن القيام بذلك، وهو الأمر الذى اتضح من
خلال المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية
التى قدمتها طهران من أجل تعزيز علاقتها
ببعض فصائل حركة طالبان خلال السنوات القليلة الماضية.
ثالثًا- تشديد الرقابة على
الحدود
رغم حالة
الاستقرار النسبي التى تخيم على الحدود الإيرانية مع أفغانستان، إلا أن طهران تبذل
قصارى جهدها لتكثيف المراقبة الأمنية على طول هذه الحدود الذي يبلغ حوالى 900
كليومتر. وفي هذا السياق، صرح القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم
موسوى في منتصف يوليو الفائت بأن التطورات الجارية في أفغانستان لا تشكل أدنى
تهديد لأمن البلاد حيث تخضع الحدود للمراقبة باستخدام معدات إلكترونية عالية
التقنية، وقال موسوى في ذلك: " أكثر من 90 % من الحدود تراقبها أنظمة إلكترونية وأجهزة استشعار
وكاميرات وطائرات مسيرة"، مضيفًا:
" كما أن المعلومات الواردة يتم تحليلها واتخاذ قرار بشأنها في
الحال".
ومن هنا،
أشارت بعض التقارير الغربية إلى أنه رغم الترتيبات الأمنية العالية التى تتخذها
إيرن للتصدى لخطر النفوذ الطالبانى الذى بات يقترب منها، إلا أن حكومة الرئيس
الإيرانى الجديد إبراهيم رئيسي - التى تواجه أزمات متفاقمة في الداخل ظهرت أبرز
تجلياتها في احتجاجات الأهواز، التى تأتى على خلفية النقص الحاد في بعض الخدمات
المعيشية مثل المياه والكهرباء في هذه المنطقة – من المقرر أن تتعامل مع مخاطر
أمنية متجددة في الخارج مصدرها أفغانستان، الأمر الذى من شأنه أن يعظم من عمق
الأزمات التى تواجهها الحكومة الإيرانية القادمة.
فمن
المتوقع مع سيطرة حركة طالبان الكاملة على أفغانستان، أن تكون الحدود مع إيران
ممراً رئيسيًا لتصدير المخدرات إلى أوروبا، ولاسيما تجارة "الحشيش" التى
تعتبر المصدر الأساسي لإيرادات الحركة، مع احتمالية أن يتسرب جزء من هذه المواد
إلى الداخل الإيرانى، بما يعظم من المخاطر الاجتماعية التى يمكن أن يواجهها
المجتمع الإيرانى خلال الفترة القادمة، وخاصًة أن إيران تمتلك أعلى معدلات للإدمان
في العالم. وعليه، ربما ستقوم طالبان
بتحويل إيراداتها من هذه التجارة لتأمين مزيد من الأسلحة والمقاتلين في معاركها ضد
القوات الحكومية، بما يعزز من حدة المخاطر المحيطة بالحدود الأفغانية مع إيران.
وعلى
جانب آخر، رغم تواصل إيران مع بعض العناصر المتطرفة داخل طالبان، إلا أن العديد من الجماعات المتطرفة الأخرى المتحالفة
مع طالبان ترى فيها العدو الأول، فمن المحتمل أن تتوجه هذه الجماعات بعد رحيل
القوات الأمريكية إلى البحث عن أهداف جديدة في بعض الأماكن الأخرى، الأمر الذي
يشكل تهديدًا حقيقيًا لبعض الدول مثل الصين وروسيا، لكن تعتبر إيران، بحكم العداء
المذهبي والقرب الجغرافي الأكثر عرضة للخطر.