مماراسات متعددة: كيف تهدد إسرائيل وإيران الشرق الأوسط
تم
تعزيز صورة إيران كدولة إرهابية فريدة من نوعها من خلال تكديس إدارة الرئيس
الأمريكي السابق دونالد ترامب للعقوبات ضد إيران باسم الإرهاب، كسلسلة ممتدة من العقوبات
الهادفة إلى إعاقة قدرة الإدارة المقبلة
على إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة. والآن بعد العودة إلى الامتثال لخطة العمل
الشاملة المشتركة وهو الاتفاق متعدد الأطراف الذي يقيد برنامج إيران النووي إلى
المسار الصحيح رغم أنه لا يوفر ضمانات بأي حال من الأحوال، فإنه يجدر التذكير بمدى
استثنائية القيود التي خضعت لها إيران من خلال التوقيع على هذا الاتفاق، وإنها
أكثر تقييدًا بكثير من القواعد العامة التي تنطبق على الدول الأخرى والتي بموجبها
يمكن لأي دولة أخرى غير إيران على سبيل المثال تخصيب قدر ما تريد من اليورانيوم؛
حيث تجنبت بعض الدول القواعد الدولية والمراقبة إسرائيل التي قامت ببناء ما لا
تعترف به ولكن يُفهم على نطاق واسع أنه ترسانة من الأسلحة النووية.
مواجهة أمريكية
لم
تحصل إيران على شيء مميز مقابل قبولها للقيود غير العادية والمراقبة بموجب خطة
العمل الشاملة المشتركة، وأن إيران لا تبحث عن هذا النوع من المساعدات الأميركية
في برنامجها النووي، خاصة وأن بعض الدول على الجانب الآخر مثل إسرائيل قد حصل أو سعى للحصول على دعم
الولايات المتحدة في برامجها النووية، وأن كل ما توقعته إيران كان يتم التعامل معه
بشكل طبيعي مثل أي دولة أخرى في المنطقة.
ومن
جانب آخر، لم تتنازل الولايات المتحدة عندما وافقت على خطة العمل الشاملة المشتركة
، بصرف النظر عن رفع العقوبات التي كان هدفها هو حث إيران على الانخراط في نفس نوع
المفاوضات التي أسفرت عن خطة العمل الشاملة المشتركة، خاصة أن عملية رفع العقوبات لا
يسبب الأضرار للاقتصاد الأمريكي.
كما
لم يكن على الولايات المتحدة حتى الوفاء بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة
المشتركة إلا بعد أن أوفت إيران بشكل يمكن التحقق منه بكل ما لديها ما في ذلك التخلي
عن معظم اليورانيوم المخصب ، وأجهزة الطرد المركزي ، وتعطيل المفاعل النووي ،
واستكمال تنفيذ جميع القيود الأخرى بموجب الاتفاقية.
وبعد
هذه الإجراءات، منعت مخاوف القطاع الخاص والقصور الذاتي بسبب فرض العقوبات إيران
من الحصول على التجارة العادية والمزايا الاقتصادية المرتبطة بها التي كانت
تتوقعها من التوقيع على الاتفاقية، حتى قبل أن تتراجع إدارة ترامب بصورة كاملة عن
التزاماتها في عام 2018، خاصة وأنها تشن حربًا اقتصادية غير مقيدة ضد إيران. وفي ظل هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن يعتقد
الكثير داخل النظام الإيراني، وخاصة من التيار المتشدد، بأن إيران حصلت على نهاية
قصيرة من الصفقة. كما أنه ليس من المستغرب أن يتحدث المرشد الأعلى الإيراني علي
خامنئي والمسؤولين الإيرانيين الآخرين عن الحاجة إلى التحقق من رفع العقوبات
الأمريكية، في ظل القيود التي يتعرضون لها من تجربتهم السابقة، يرفضون التخلي عن
كل نفوذهم قبل أن يتم طمأنتهم بأن الولايات المتحدة سوف تمتثل بالكامل لخطة العمل
الشاملة المشتركة.
على
الرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مواتية للولايات
المتحدة ولسبب عدم انتشار الأسلحة النووية،
فقد كان لها أثر جانبي سلبي يتمثل في الحفاظ على فكرة أن إيران يجب أن تراجع
سياستها وأن تخضع لمعايير لا تطبق على أي دولة أخرى مثل إسرائيل. ومن ثم قررت إيران
أن تسعى لامتلاك سلاح نووي لم يكن في المصالح الإيرانية على أي حال، في حين كان
الإيرانيون على استعداد للتوقيع على اتفاق يغلق كل السبل الممكنة لمثل هذا السلاح
بالنسبة لإيران فقط. وهذا لا يعني أنه في الأمور الأخرى غير النووية خاصة في
الأمور التي يعتبرها الإيرانيون مهمة لأمنهم القومي.
مسارات إيران الإقليمية
يعيش الإيرانيون في جوار إقليمي رافض
لتوجهاتها، وهو ما دفع بها إلى أن تساعد عدة أنظمة في المنطقة بمختلف الأساليب لإبراز القوة
والنفوذ التي تتعارض مع القانون الدولي والأعراف الدولية، وكانت إيران في مناسبات
عديدة الطرف المتلقي لمثل هذه الأساليب، على سبيل المثال الاحتجاج الشعائري
للإرهاب، كما هو الحال في العبارة التي يتم ترديدها الآن مثل "الدولة الأولى
الراعية للإرهاب"
وقد استخدمت إيران بالفعل بعض الأساليب الإرهابية، لا سيما خلال جزء سابق من تاريخ
الجمهورية الإسلامية الممتد على مدى أربعة عقود، وبشكل واضح في شكل اغتيالات خارج
الحدود الإقليمية للمنشقين المنفيين، لكن إيران ليست المكان الذي يكون فيه العمل الرئيسي اليوم
في لعبة الاغتيالات خارج الحدود الإقليمية. بالإضافة إلى أن السياسات الإقليمية
الأوسع نطاقًا التي تم وضع عليها تسمية "الإرهاب" لا تشير إلى إيران
أكثر مما تشير إلى بعض دول الشرق الأوسط الأخرى، ففي سوريا دعمت إيران نظام الأسد
الحالي البالغ من العمر خمسين عامًا. وفي العراق، دعمت إيران إلى جانب الولايات
المتحدة النظام العراقي في القضاء على "الخلافة" الإقليمية التي أقامها
تنظيم الدولة الإسلامية المعروف أيضًا باسم داعش، كما تم تقديم هذا الدعم من خلال
الميليشيات العراقية التي تمثل وكيل لإيران في تنفيذ أهدافها.
وقد كانت التصرفات الإيرانية على مدى
العقد الماضي والتي تتوافق مع تعريف وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب بمثابة ردود
على أفعال مماثلة من قبل آخرين ضد إيران، ومن المرجح أن بعض الهجمات لم تكن
ناجحة جدًا ضد الدبلوماسيين الإسرائيليين، بمثابة
محاولات للرد على سلسلة اغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين؛ حيث استأنفت إسرائيل حملة
الاغتيالات باستهداف عالم إيراني آخر في نوفمبر 2020الماضي.
وهو ما يعني وجود نمط مماثل مع العنف السياسي المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط
والذي قد لا يتوافق مع تعريف الإرهاب الذي وضعته الولايات المتحدة ويتضمن
الاستخدام العلني للقوة العسكرية كما تفعل إسرائيل، ومن ثم تُظهر القدرات الدفاعية
المشروعة لدول الشرق الأوسط نمطًا مشابهًا آخر. وبالتالي ما هو المبرر لتقييد إيران
إذا لم يتم تقييد إسرائيل؟
ما وراء خطة العمل
المشتركة
هناك ثلاثة استنتاجات رئيسية يمكن من
خلالها توضيح ملامح خطة العمل المشتركة المستقبلية تتمثل في:
العنصر الأول: وهو أن التركيز الأمريكي
المعتاد على إيران المتجذر في التاريخ والسياسة المحلية ينتج صورة
مشوهة وغير كاملة بشكل خطير لمصادر انعدام الأمن وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
العنصر الثاني: أنه يجب الاعتراف بخطة
العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وهي الاتفاقية متعددة الأطراف التي هي الآن في الميزان كطريقة عرضية وناجحة للتعامل مع القضية النووية الإيرانية، كما
لا ينبغي بذل أي محاولة لتمديدها إلى
قضايا أخرى وتحويلها إلى شيء لم يكن من الممكن أن يكون عليه عندما تم التفاوض عليه
ولا يزال غير قابل للتنفيذ الآن.
العنصر الثالث: في حال نجاح خطة العمل
المشتركة الشاملة(JCPOA)،
فستحتاج مفاوضات المتابعة بشأن القضايا التي تتعلق بإيران إلى تجاوز التركيز الضيق
على إيران، كما ستكون الاتفاقات الوحيدة الممكنة التي ستؤثر على الصواريخ
الإيرانية، على سبيل المثال تحديد سياسات دول الشرق الأوسط الأخرى أيضًا كإسرائيل؛
حيث لا يكمن الطريق إلى شرق أوسط أكثر استقرارًا وأمانًا من خلال المزيد من
المحاولات لمواجهة لاعب واحد في المنافسات الإقليمية، ولكن بدلاً من ذلك إدارة
الخلافات بين جميع المتنافسين وإيجاد طرق يمكنهم من خلالها التعايش بسلام.
Paul R.
Pillar, Iran Isn’t the Only State Making the Middle East a Rough Place (Think
Israel), April 12, 2021, at: https://nationalinterest.org/blog/paul-pillar/iran-isn%E2%80%99t-only-state-making-middle-east-rough-place-think-israel-182532