دوافع كاشفة...لماذا تتصاعد حدة التهديدات الإيرانية للمنطقة؟
رغم نفى
مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي أي تدخل إيراني في الهجمات العسكرية
التى تمت على القواعد الأمريكية بالعراق في أواخر يونيو الفائت، إلا أن طهران تقوم
بحملات من التصعيد المتبادل مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ولاسيما في
العراق وسوريا. يتوازى ذلك، مع اتهام تل أبيب لإيران في 3 يوليو الجارى باستهداف
سفينة تجارية إسرائيلية شمال المحيط الهندي، كانت في طريقها من ميناء جدة السعودي
نحو الإمارات العربية المتحدة. وتنصرف دلالات ذلك إلى حالة الضبابية المحيطة
بمباحثات فيينا وإصرار كلا الطرفين الإيرانى والأمريكي على عدم تقديم أية تنازلات،
فضلاً عن مجئ رئيس إيرانى متشدد ورغبة إيران في توسيع هامش المناورة الخاص بها في
المفاوضات الجارية مع الرياض في العراق.
مظاهر واضحة
سيتم العرض لأبرز مظاهر التصعيد
الإيرانى في المنطقة من خلال عدد من النقاط يمكن فيما توضيحها فيما يلي:
1-
ضربات متزامنة: اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية وكلاء إيران بالمنطقة بالوقوف وراء الهجمات التى تعرض لها أفراد ومنشآت تابعة لها في العراق، وهو ما قامت على إثره واشنطن بشن
ضربات على أقصى ريف دير الزور الشرقي بالقرب من المنطقة الحدودية السورية مع العراق، مما تسبب في مقتل 7 عناصر من فصائل
موالية لإيران، وتمثلت أبرز الميليشيات التى استهدفتها هذه الضربات في "كتائب
سيد الشهداء" و"كتائب حزب الله"، وجزء من قوات الحشد الشعبي التي
تشكلت لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق في عام 2014.
ولكن
الجدير بالذكر، أن المواقع العسكرية التابعة للجماعات المسلحة المدعومة إيرانيًا
تأثرت بشكل سلبي للغاية نتيجة فارق القوة الذى تتمتع به واشنطن وتخفيض إيران للدعم
المالى الموجه لهذه الميليشيات بسبب تأثير
العقوبات الأمريكية وانخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا، لذا، اعتمدت العشرات
منها على تمويل الحكومة العراقية وبعض الخطط جني الأموال التي تتضمن تهريب النفط وممارسة
الابتزاز على الحدود وفي الموانئ، مما أدى هشاشة استراتيجيتها ومعداتها العسكرية.
ورغم ذلك، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في 3 يوليو الجارى بإغلاق 3 قواعد
عسكرية في قطر كانت تستخدم كمستودعات
لتخزين الأسلحة، ونقل المعدات والجنود التابعة لها إلى الأردن.
2-
انتقامات مؤجلة: يمكن
القول أن المصالح الإسرائيلية في المنطقة، باتت من أكثر النقاط المستهدفة من قبل
إيران خلال هذه الفترة لتصفية حسابات قديمة تمثلت أبرز معالمها في الهجوم على المنشأت النووية الإيرانية
واغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليماني في يناير 2021، فضلاً
عن موقف تل أبيب المعادى للبرنامج النووي الإيراني. وعليه، ذكرت القناة 12
الإخبارية الإسرائيلية في 3 يوليو 2021 أن سفينة الشحن CSAV TYNDALL التى تعود
ملكيتها لشركة Zodiac Mari تعرضت لهجمات كبيرة قرب المحيط الهندي.
ويتوازى ذلك، مع اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو إيران في
مطلع مارس الماضي باستهداف سفينة إسرائيلية في خليج عمان، كانت متجهة من ميناء
الدمام في المملكة العربية السعودية إلى
سنغافورة.
ومن
ناحية أخرى، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لابيد لنظيره الأمريكي
أنتوني بلينكين في منتصف يونيو الفائت أن لدى تل أبيب تحفظات جدية بشأن محادثات
فيينا، يتمثل أبرزها في التساهل مع إيران بشأن دورها الإقليمي في المنطقة، فضلاً
عن الانتهاكات الإيرانية المتسارعة لخطة العمل المشتركة الشاملة واقتراب طهران من
مرحلة صنع القنبلة النووية. لذا، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالى بينيت في
المقابل بمواصلة حلقات عقد اتفاقات السلام مع الدول العربية لتضييق الخناق على
إيران، والحد من تأثير نفوذها المتصاعد بالمنطقة.
دوافع بارزة
تأسيسًا على ما سبق، تتضح بعض الدلالات
الهامة التى يمكن توضيحها فيما يلي:
1-
رئيس جديد: رغم إشارة بعض التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تستمر
توجهات السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس القادم إبراهيم رئيسي، إلا أن
الأمر الجديد في الإطار يتضح في تصاعد حدة السيطرة التى يتمتع بها الحرس الثورى،
الذى يمتلك توجهات معادية للوجود الأمريكي في المنطقة، ولاسيما بعد حادثة اغتيال
قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليماني في يناير 2020. ومن هنا، من
المتوقع أن يكون للحرس دوراً كبيراً في دعم ما يعرف بـدول"محور المقاومة"
أى وكلاء إيران في لبنان وسوريا، والعراق واليمن، مما يشير إلى أنه سيتعين
على إدارة بايدن أيضًا إعادة النظر في تقييماتها خلال المحادثات النووية حيث لا
تظهر خلفية رئيسي المتشددة أي تساهل تجاه المخاطرة ببرنامج طهران الصاروخي
وطموحاتها الإقليمية، ولاسيما أن ذلك يتزامن مع استراتيجية أمريكية للانسحاب من
المنطقة بدأت بالعراق وأفغانستان، وتحرك بعض الدول العربية مثل مصر نحو استعادة
مكانتها الإقليمية من خلال تقوية علاقتها بالدول التى تعتبر معقل رئيسي للوجود
الإيراني في الشرق الأوسط مثل العراق.
2-
المفاوضات مع الرياض: ربما
يأتى التصعيد الإيراني في الإقليم من خلال تعزيز دور الوكلاء المسلحين التابعين
لطهران في المنطقة، ولاسيما فيما يتعلق بجماعة الحوثي اليمنية في إطار الرغبة
الإيرانية في استخدام سياسة "العصا والجزرة" مع المملكة العربية
السعودية؛ ففي الوقت الذى تشدد فيه الدبلوماسية الإيرانية على الحاجة لحل الخلافات
العالقة مع الرياض، تحاول القوى الثورية توجيه أكبر قدر ممكن من الدعم لجماعة
الحوثي بغرض تكثيف هجماتها العسكرية على المدن الحدودية السعودية مثل جازان
وخميس مشيط.
ومن ناحية أخرى، تشير بعض التقديرات إلى أن وجود رئيس إيراني متشدد من المرجح أن يعزز نفوذ
جماعة الحوثي لحسم معركة مأرب ومواصلة
المواجهة مع المملكة العربية السعودية؛ حيث يمكن القول أن إيران نجحت في تصدير
نموذجها إلى اليمن بطريقة أفضل من التى تمت في العراق وسوريا ولبنان؛ ففي اليمن يطلق
الحوثيون على استيلائهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 بـ "الثورة"،
بينما تسمي وسائل الإعلام التابعة للحركة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بـ
"قائد الثورة"، وهو المصطلح المخصص عادةً للمرشد الأعلى الإيراني "علي
خامنئي"، ويعتقد الحوثيون المتأثرون بالثورة الإيرانية لعام 1979، أن الحرب
التي قادتها المملكة العربية السعودية، والتي تدخل عامها السابع تشبه الحرب
العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988.
3-
أثر العقوبات: أدى التأثير السلبي للعقوبات الاقتصادية إلى ارتفاع
معدلات البطالة والتضخم وبالتالي، تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية؛ حيث تشهد إيران
إضرابات عمالية متواصلة منذ انتخابات 18 يونيو الماضي للمطالبة بتحسين ظروف العمل
وسبل العيش، وهو ما كشف على إثره بعض الناشطين الإيرانيين عن إضراب نحو 60 ألف
عامل في مشاريع المصافي النفطية بالبلاد وغيرهم من منتقدي النظام، مما جعل البعض
يصفه بأكبر إضراب منذ عقود. ومازاد الأمر تعقيدًا هو الدعم الذى قدمته
وزارة الخارجية الأمريكية لهذه الاحتجاجات، وهو الأمر الذى يمكن فهمه في إطار رغبة
الولايات المتحدة الأمريكية بتوسيع هامش المناورة الخاص بها؛ حيث تعكس عملية
التوازن التي تحاول إدارة بايدن تنفيذها حاجتها للتفاوض مع الحكومة الإيرانية من
ناحية، ودعم المحتجين الطامحين للديمقراطية من ناحية أخرى.
ختامًا: من المتوقع أن تستمر إيران في استخدام سياسة "الشد
والجذب" لتحقيق أهداف سياستها الخارجية بالتوازى مع حالة التعثر التى تخيم
على مفاوضات فيينا، والخلافات القائمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن اتفاق
الضمانات ورغبة طهران في إنهاء رقابة الوكالة على مواقعها النووية، وسريان
المحادثات مع الرياض في بغداد، فضلاً عن تصاعد حدة الاحتجاجات المنددة بالأوضاع
الاقتصادية الصعبة، وتدهور مستوي معيشة المواطن الإيراني.