منذ شهر
فبراير 2021، تزايدت التقارير الصحفية والتسريبات التي ادعت بقرب تشكيل مجلس عسكري
انتقالي في سوريا خلال الفترة المقبلة بدعم غربي، دون الخوض في واقعية تشكيل
المجلس من حيث طبيعة العوامل الممكنة لذلك في الفترة الحالية إضافة إلى الظروف
السياسية، والآلية اللازمة بما يتوافق مع القرار الدولي 2254 وبيان جنيف 1.
فرص المجلس العسكري
يبدو أن
استعصاء الحل السياسي، بالتزامن مع بطء مسار اللجنة الدستورية، وإصرار موسكو ودمشق
على عقد الانتخابات الرئاسية، دفع بعض السوريين لتحريك عجلة المجلس العسكري بشكل
منفرد، رغم وجوب ارتباط طرحه بالقرار الأممي 2254 وبيان جنيف، من خلاله اتباعه
بهيئة الحكم الانتقالي.
دعا
مضمون بيان جنيف 1 صراحة لإقامة هيئة حكم انتقالية لأن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك
في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات
التنفيذية، مع وجوب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة. كذلك نص القرار الأممي
على إنشاء هيئة حكم انتقالي جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة.
إن
الحديث المتكرر عن قرب تشكيل المجلس العسكري وتوافق بعض الشخصيات/الهيئات السورية
على ضرورة المجلس العسكري لتلاشي فرص الحل السياسي وفق اعتباراتهم؛ دون وجود ضوء
أخضر صريح من القوى الفاعلة في الملف السوري، يدفعنا لاستعراض مواقف وأدوار تلك
القوى الفاعلة وتأثيرات كل منها على تشكيل المجلس العسكري أو ممانعة حدوث ذلك.
بحسب تلك
الطروحات فإن احتمالات تشكيل المجلس العسكري ما تزال قائمة بعد عقد
"الانتخابات الرئاسية" في سوريا وارتفاع مستوى استعصاء الحل السياسي في
سوريا، وغياب المفاوضات السياسية وتحولها إلى مفاوضات أمنية عسكرية بين دمشق
وموسكو من جهة والدول الفاعلة في الشأن السوري من جهة ثانية.
وحدها
روسيا (حليفة دمشق) من تطرقت للحديث عن المجلس العسكري ونفت دعمها لهذا التحرك،
بينما اكتفت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالتأكيد على استحالة إعادة
الإعمار دون انتقال سياسي في سوريا، وعلى رفضهم الانتخابات الرئاسية في سوريا،
ودعمهم مسار الحل السوري في جنيف وفق القرار الدولي 2254 وجهود الأمم المتحدة.
كذلك الدول العربية والإقليمية الفاعلة في الشأن السوري لم تتطرق لخيار المجلس
العسكري بشكل منفرد.
رغم تعثر
سبل إنجاز تقدم الحل السياسي في سوريا خلال الفترة الماضية، وبالأخص منذ تشكيل
اللجنة الدستورية السورية (تشرين الأول 2019)، غير أن الواقع العسكري والذي شهد
تهدئة مقبولة و غير مسبوقة على مدى أكثر من عام في الشمال السوري، بعد سيطرة حكومة
دمشق على مساحات واسعة من البلاد، ودخول التفاهمات المشتركة بين الدول الأكثر
فاعلية في الملف السوري (روسيا، تركيا) حيز التنفيذ، في الشمال، يجعل سيناريو
التوجه إلى مجلس عسكري غير ممكن التطبيق بشكل منفرد خلال الفترة الحالية/القريبة
المقبلة، لا سيما وأن كل من موسكو وأنقرة تبنيان تفاهماتهما بشكل علني ومحسوب دون
ارتفاع لدرجات التصعيد بشكل محموم يؤدي لانهيار تلك التفاهمات، في ظل شبه غياب
لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، عن المشهد السوري، وكذلك سلفه الرئيس
جو بايدن.
لا مصلحة
لكل من تركيا وروسيا في الذهاب نحو مجلس عسكري دون الوصول بشكل كامل إلى مرحلة
انتقالية، ولعل المرحلة الأولى من التدخل العسكري الروسي في سوريا (أيلول 2015)
والتصادم مع تركيا في تلك الفترة قد تكون مسوغاً ملائماّ لتشكيل المجلس العسكري،
أكثر من أي فترة أخرى بخاصة خلال المرحلة الحالية لا سيما بعد تبدل الظروف
الميدانية وخارطة النفوذ على الأرض السورية بل والتوافق عليها.
بالمقابل
لم تتضح بشكل تام السياسة الخارجية الأميركية لإدارة الرئيس جو بايدن، رغم أن
الأخير كان أوحى بمواجهة روسيا في مختلف الملفات بعدما تعهد في فبراير الماضي
بمواجهة استبداد روسيا، مشددا على رغبته تغيير نهج سلفه الرئيس السابق ترامب، فيما
تشير ترجيحات إلى أن بايدن سينتهج سياسة أقل إيجابية مع تركيا عما كانت عليه سياسة
واشنطن مع أنقرة، إذاً فالتعامل الأميركي مرهون بشكل التعاطي مع كل من الروس
والأتراك، رغم أن الولايات المتحدة أكدت في وقت سابق على لسان المتحدث باسم
الخارجية الأميركية بالتزام واشنطن بالحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، وهو ما
ينسجم مع توجهات الاتحاد الأوروبي، بمعنى أن هيئة الحكم الانتقالي هي السبيل
الوحيد للتوافق مع الروس على الانتقال السياسي (هيئة حكم انتقالي فدستور جديد
وانتخابات برقابة دولية) والتوجه لخطوات توافق سياسي بناءة وفق تصور كلا الجانبين،
سواء تلك المتمثلة بإعادة الإعمار بحسب الروس، ومواجهة التمدد الإيراني لدى كل من
تل أبيب وواشنطن وحتى موسكو، فضلا عن مكافحة الإرهاب لدى كل القوى الفاعلة في
الملف السوري.
في حين
لا تستطيع إيران الخروج من العباءة الروسية مهما كان الظرف، فضلا عن الضغوط
السياسية والاقتصادية التي تواجهها، وهي في أحسن الأحوال لن يكون لها موضع قدم
سواء في المجلس العسكري أو المرحلة الانتقالية، وأمر معالجة نفوذها وتحجيمه يبقى
مسألة تحتاج إلى توافق مشترك دولي و إرادة أميركية بالتوازي مع خارطة مصالح مشتركة
أميركية-روسية-إسرائيلية، وهو أمر قابل للحصول مهما كانت ظروفه وآلياته وتوقيته.
سبل الحل السياسي
رسم
تدويل الملف السوري عبر محطتين، الأولى في بيان جنيف 1 (حزيران 2012)، والثانية
عبر القرار الدولي 2254 (كانون الأول 2015)، خارطة طريق للحل السياسي في سوريا والتي
تمهد بطبيعة الحال لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات في سوريا. ومع تعرقل مسار
اللجنة الدستورية السورية في جولته الخامسة، وهي إحدى مخرجات القرار الدولي 2254،
وفق الرؤية الروسية المفروضة بعد مؤتمر سوتشي مطلع عام 2018، ومن السلال الأربعة
التي أقرتها مفاوضات جنيف 4 في فترة تولي ستيفان دي ميستورا مبعوثاً أممياً خاصاً
إلى سوريا.
إضافة
إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وتجميد مرحلة إعادة الإعمار التي كانت
تستعجل موسكو البدء بها، في ظل رفض أوروبي-أميركي لتلك المرحلة دون البدء بانتقال
سياسي حقيقي، بات الحديث عن مجلس عسكري انتقالي هو الخيار الذي تقول عنه بعض
الشخصيات السياسية السورية بأنه الحل الوحيد في سوريا بعد استعصاء الوصول إلى حل
سياسي.
لا يمكن
القول أن تأسيس مجلس عسكري فقط و بشكل منفرد، سيكون الضامن لاستقرار سوريا والوصول
بها إلى حل حقيقي وناجع، لا سيما إن كان المجلس العسكري نابع عن اجتهادات بعض
الدول التي لم يسمها داعمو المجلس العسكري دون رؤية تستند على القرار الدولي 2254،
والذي كان واضحاً في تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تكون الأساس والضامن
للبدء بالانتقال السياسي، فضلا عن وجوب حصول توافق دولي واسع لا سيما بين القطبين
الأميركي والروسي.
إذا ما
توافقت الأطراف المؤثرة في الملف السوري، و برعاية ودور فاعل من الدول العربية في
الانطلاق نحو تفعيل مخرجات القرار الدولي 2254، فإن تشكيل هيئة الحكم الانتقالي
سيكون منطلقا حقيقيا لمرحلة استقرار فعلي في سوريا، دون الحاجة على التركيز بشكل
رئيسي أو منفرد على المجلس العسكري.
ومن أجل
أن يتم ذلك لا بد من الاتفاق بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري مع كل من حكومة
دمشق والمعارضة السورية على تكوين هيئة حكم انتقالي، تُنقل لها جميع الصلاحيات
التشريعية والتنفيذية، ويتم تسمية أعضائها و قياداتها خلال فترة قصيرة (شهر إلى 3
أشهر) من بدء المفاوضات تحت رعاية دولية. ينبثق عنها، حكومة انتقالية تتمتع
بصلاحيات كاملة على كافة الأصعدة.
فيما
يكون أحد أهم الهيئات/المجالس المُشكّلة في المرحلة الانتقالية، المجلس العسكري
المشترك الانتقالي، والذي لا بد من أن يتبع للحكومة الانتقالية المدنية، ويضم في
قيادته ضباطا أكفاء لم يرتهنوا للمشاريع التي أغرقت سوريا في وحل الحرب، مؤمنين
بالعملية السياسية الديمقراطية، سواء من طرف القوات النظامية، أو قوات المعارضة
غير التابعة لأجندات سياسية أو عقائدية، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية
"قسد" التي قاتلت إرهاب تنظيم "داعش". تكون من مهام المجلس
العسكري قيادة القطاعات العسكرية المختلفة، إضافة إلى إعادة هيكلة الجيش والأمن
بما يحفظ استقرار البلاد وعدم الإساءة لأي من قطاعات الدولة السورية، ووضع خطة عمل
تنفيذية للقضاء على التنظيمات الإرهابية بكافة جذورها ومن يتحالف معها.
خلاصة واستنتاجات
- لايمكن أن يوجد توافق دولي لتشكيل مجلس
عسكري مشترك في سوريا بشكل منفرد بمعزل عن تأسيس هيئة حكم انتقالي.
-استعصاء الحل السياسي لن يجبر أي طرف على
التوجه لتشكيل مجلس عسكري وتكرار تجربة اللجنة الدستورية دون تنفيذ مخرجات القرار
الدولي 2254 حول سوريا.
-وجود الاتفاقات التي أدت إلى احتواء التصعيد
العسكري في سوريا خلال العام الماضي، تلغي أي احتمالية/حاجة لتشكيل مجلس عسكري،
فيما قد تدفع الرغبة الروسية لبدء مرحلة إعادة الإعمار إلى الجنوح بدلا عن المجلس
نحو إيجاد هيئة حكم انتقالي بالرؤية الروسية وبمشاركة طيف من المعارضة.