طموحات مسقوفة...البنك المركزي الإيراني ودوره في تجاوز العقوبات الاقتصادية
يعتبر تراكم العقوبات المفروضة
على القطاع المالي الإيراني هو أحد الأدوات الرئيسية التي استخدمها خصوم طهران في تعطيل
وصولها إلى النظام المالي العالمي والعملات الأجنبية القابلة للتحويل، والتى يتمثل
أبرزها في الدولار الأمريكي، والذي يستخدم بشكل كبير في التجارة الدولية، بما في
ذلك مبيعات النفط؛ حيث كان الهدف الرئيسي للتدابير التقييدية على جميع المستويات
الدولية والإقليمية والوطنية هو البنوك التجارية الإيرانية التي تعالج المعاملات
للهيئات الحكومية ذات الصلة ببرامج إيران النووية والصاروخية، وهو الأمر الذى بلغ
ذروته في مارس 2012 عندما فصلت SWIFT المؤسسات
المالية الإيرانية الخاضعة لعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، بات البنك المركزي العراقي يخضع لإجراءات عقابية بسبب
دوره في تمويل أنشطة الحرس الثوري الإسلامي (IRGC)
وعمليات فيلق القدس التابع له في الخارج، إلى جانب ذلك، قام
البنك المركزي العراقي بتحويل الأموال إلى شركاء إيران الإقليميين مثل حزب الله
اللبناني وحركة حماس الفلسطينية ومنظمات أخرى في الشرق الأوسط تعتبرها الولايات
المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها في المنطقة "مجموعات إرهابية". علاوة
على ذلك، تعتبر المصالح الأمنية سبب آخر لفرض عقوبات على البنك المركزي العراقي هو
أنه أجرى معاملات نيابة عن كيانات إيرانية كانت مدرجة بالفعل على القائمة السوداء،
مما ساعدها على التحايل على القيود.
وتم فرض العقوبات الأمريكية
الأولى على خلفية أزمة الرهائن في 1979-1981؛ حيث أصدر الرئيس جيمي كارتر آنذاك أوامر
تنفيذية بتجميد جميع الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام،
والتى تُمنع بموجبها إيران من الوصول المباشر إلى النظام المالي الأمريكي، لكن
يُسمح ببعض المعاملات من خلال البنوك في دول ثالثة وتحت أنظمة ترخيص مختلفة، ويتعين
على المؤسسات المالية
غير الأمريكية التي تعالج المعاملات التي تنطوي على رعايا إيرانيين الامتثال لهذه القيود.
استكمالاً
لما سبق، تم تصنيف البنك
المركزى الإيراني بموجب الأمر التنفيذي الأمريكي رقم 13224 ، الذي تم تبنيه في
سبتمبر 2001 لحظر الممتلكات والمعاملات مع الأشخاص الذين يدعمون الإرهاب، بينما
صدر الأمر التنفيذي رقم 13599، في فبراير 2012 ردًا على ممارسات البنك المركزي
الإيراني والبنوك الإيرانية الأخرى، فيما يتعلق باخفاء معاملات الأطراف الخاضعة
للعقوبات، وتضمن ذلك أيضًا حظر ممتلكات الحكومة الإيرانية والمؤسسات المالية
الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي أعقاب هجمات الطائرات بدون
طيار على منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية في سبتمبر 2019 ، والتي
يُشتبه في تورط إيران فيها، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في نفس الشهر عقوبات على
البنك المركزي الإيراني وكيانات إيرانية أخرى بسبب تسهيلها للمدفوعات مقابل البضائع
العسكرية. وفي أكتوبر 2019 ، أصدرت شبكة إنفاذ الجرائم المالية (وحدة الاستخبارات
المالية الأمريكية) قاعدة نهائية تحظر حسابات المراسلين في الولايات المتحدة
الأمريكية لصالح المؤسسات المالية الإيرانية والمؤسسات التى تنوب عنها.
وفي أكتوبر 201، تم تقييد وصول البنك المركزى الإيرنى إلى الخدمات المالية في
الاتحاد الأوروبي أيضًا، وهو ما جاء في إطار تبنى الاتحاد الأوروبي لائحة المجلس
رقم 961/2010 التي تحظر على المؤسسات المالية والائتمانية التابعة للاتحاد
الأوروبي فتح حساب مصرفي جديد، أو إنشاء علاقة مصرفية مراسل ، أو مشروع مشترك جديد
مع مؤسسات مالية مقرها إيران ، بما في ذلك البنك المركزي العراقي أو الكيانات
الموازية له. بالإضافة إلى ذلك، مُنع الأخير من فتح مكتب تمثيلي أو فرع أو شركة
تابعة في الاتحاد الأوروبي.
وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال في
فبراير 2008 ، عن أنه تم التحقيق مع البنك المركزي العراقي من قبل وزارة الخزانة
الأمريكية على خلفية مساعدته للمؤسسات المالية الإيرانية الأخرى على التهرب من
العقوبات الأمريكية. وبشكل أكثر تحديدًا، تعامل البنك المركزي العراقي المعاملات
بالدولار نيابة عن البنوك الإيرانية الخاصة التي تم إدراجها بالفعل في القائمة
السوداء من قبل السلطات الأمريكية، بما في ذلك دعم خطابات الاعتماد المقومة
بالدولار.
وفي هذا السياق، اعتمد البنك
المركزي العراقي من أجل نقل العملة الصعبة إلى الخارج وتمويل أنشطة فيلق القدس
التابع للحرس الثوري الإيراني والمنظمات الشريكة لإيران في الشرق الأوسط، على كبار
قادته الذين شاركوا شخصيًا في هذه بعض المعاملات؛ فعلى سبيل المثال، كشف مكتب
مراقبة الأصول الأجنبية في مايو لعام 2018 عن قيام بنك البلاد الإسلامي العراقي بإجراء
بعض التحويلات إلى جماعة حزب الله، الأمر
الذى أدى لإدراجه على القائمة السوداء أيضًا، فضلاً عن قيام البنك المركزي العراقي بالاعتماد على
البنوك النظيفة في البلدان الصديقة لتنفيذ المعاملات المشبوهة أو العمل كوسطاء حتى
لا يتم تقييد وصولهم إلى النظام المالي
العالمي.
كما استخدم البنك المركزي العراقي
أيضًا مكاتب الصرافة لتحويل الأموال إلى الخارج، خاصًة قبل تنفيذ خطة العمل
الشاملة المشتركة، على خلفية كون هذه مؤسسات مرخص لها بالتعامل بالعملات الأجنبية
وتحويل الأموال نيابة عن الأفراد والشركات. فغالبًا ما لا تمتلك مكاتب الصرافة
حساباتها الخاصة بالدولار الأمريكي وتلجأ إلى حسابات المراسلين لبنوكها الإقليمية
للوصول إلى النظام المالي الأمريكي، فكيف يعمل ذلك؟ يقوم البنك المركزي العراقي
بإصدار العملة إلى شركات الشحن التي تقوم بتسليمها إلى مكاتب الصرافة خارج إيران،
ثم يتم تحويل العملة إلى الدولار الأمريكي وإرسالها إلى المستلم النهائي لها بعد
ذلك.
وعند معالجة مثل هذه المعاملات،
عادةً ما تتجاهل مكاتب الصرافة التفاصيل التي تشير إلى تورط رعايا إيرانيين، مثل
العناوين في إيران والأسماء الإيرانية للشركات والأشخاص؛ حيث تم اعتماد هذه
الطريقة من قبل البنك المركزي العراقي والبنوك التجارية الإيرانية، عند محاولتهم
تجاوز العقوبات والانخراط في معاملات دولية، فيقومون بإزالة أسمائهم من حقلي
المرسل والمستفيد في المستندات حتى لا تكتشف أنظمة المراقبة الجهة القائمة على
التحويلات وتقوم بتعطليها، فالمؤسسات المالية الأمريكية لديها عوامل تصفية حساسة
عندما يتعلق الأمر بالعقوبات لدرجة أن المعاملات يتم حظرها حتى بالنسبة للمطابقات
الإيجابية الخاطئة.
فبالإضافة إلى المشاركة في توفير
العملة الأجنبية للحرس الثوري الإيراني وجناحه الخارجي، شارك كبار مسؤولي البنك
المركزي العراقي أيضًا في التهرب من قيود تصدير النفط المفروضة على إيران من خلال
وضع بعض المخططات التى تقوم على تحويل الأموال إلى شركة إيرانية أخرى، على أن يتم
إحالتها في وقت لاحق إلى مؤسسة مالية في الخارج، ثم إرسال المدفوعات إلى شركة
أجنبية تتولى ترتيب شحن النفط الإيراني إلى دول حليفة مثل سوريا. علاوة على ذلك،
من المعروف أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يعتمد على شركات الواجهة
من أجل ترتيب إعادة الأموال القادمة من مبيعات النفط الإيراني باستخدام الحسابات
المصرفية الأجنبية للبنك المركزي العراقي.
ختامًا: يمكن القول أنه نظرًا لكون البنك المركزى أهم مؤسسة مالية في إيران،
فقد استخدم البنك المركزي العراقي موقعه المتميز لحماية مصالح البنوك التجارية في الداخل
الإيراني، ولعب دورًا فعالاً في دعم استراتيجية الأمن القومي لإيران من خلال توفير
الأموال لشركائها الإقليميين. فقد تؤدي المفاوضات الجارية لعودة الولايات المتحدة
الأمريكية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إلى رفع كلي أو جزئي للعقوبات المفروضة
على القطاع المالي الإيراني كإجراء لبناء الثقة. فقد تكون لفتة أخرى على حسن النية
تجاه طهران هي إلغاء تجميد الأموال الإيرانية ، بما في ذلك الأصول العائدة للبنك
المركزي، وإلى أن يكون هناك وضوح بشأن هذا الأمر، سيواصل البنك المركزي العراقي البحث
عن طرق لتعزيز مصالح إيران، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز كافة الخطوط الحمراء.
المصدر
Ralitsa Karagyozova, The Central Bank of Iran and Its Role in Bypassing
Sanctions, Center of Iranian studies in Ankara, 03.06.2021, available at
https://iramcenter.org/en/the-central-bank-of-iran-and-its-role-in-bypassing-sanctions/?fbclid=IwAR28qHmFc-6xqwgs6_hlQ-yiEplhxlEGjmXcCAYUfYwhpcJLvKI3MImY5CU .