المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عزام شعث
د. عزام شعث

المسارات المتعددة: كيف تعاملت مصر مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟

الثلاثاء 08/يونيو/2021 - 02:00 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

لعبت جمهورية مصر العربية دورًا رئيسيًا ومهمًا في الوساطة بين قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة و"إسرائيل" منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على القطاع الذي استمر لمدة 11 يومًا (10- 21 مايو 2021)، وذلك بتبنيها أدوار "متعددة المسارات" تنطلق أساسًا من التوصل لوقف إطلاق النار، وإبرام اتفاقًا للتهدئة بين الطرفين، والبدء في عملية إعادة إعمار الأعيان المدنية التي تعرضت للهدم جراء العدوان، وصولًا إلى استئناف عملية التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية المعطلة منذ عام 2014 . وتُعدّ هذه الجهود امتدادًا طبيعيًا للدور التاريخي لمصر في حماية الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته الوطنية.

تعرض هذه الورقة محددات الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية عمومًا، ومسارات واتجاهات الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل" في أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وبعده، والنتائج المتوقعة للوساطة المصرية لجهة انعكاسها على طبيعة العلاقات بين طرفي الصراع: الفلسطيني- الإسرائيلي راهنًا ومستقبلًا، وعلى الأوضاع الداخلية الفلسطينية، بما فيها إعادة إحياء ملف المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية بين حركتي "فتح" و"حماس" وبين الضفة الغربية وقطاع غزة بالمعنيين السياسي والجغرافي، وتوحيد أطر النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته المنقسمة منذ سيطرة "حماس" على القطاع في منتصف عام 2007.

مسارات الوساطة وأولوياتها

تَحكم مصر في سياستها تجاه القضية الفلسطينية مجموعةً من المحددات التقليدية والثابتة، تنطلق أساسًا من إدراك الدولة المصرية لخصوصية القضية الفلسطينية وأهميتها باعتبارها قضية العرب الأولى، والتزامها الدائم بدعم الشعب الفلسطيني وعلى المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. وتبدو هذه المحددات الأكثر إلحاحًا لمصر مع قطاع غزة لارتباطهما بعلاقات الجوار الجغرافي، والتاريخ المشترك والصلات الاجتماعية والثقافية.

ووفق هذه المحددات عدّدت القاهرة من أدواتها في مواجهة العدوان الحربي الإسرائيلي على القطاع، وهي التي واكبت تطورات العدوان ونشطت في صده على أكثر من صعيد، فإلى جانب الدور الذي اضطلعت به مؤسسة الرئاسة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي ووزارة الخارجية المصرية بفتح خطوط التواصل مع دول العالم والمنظمات الدولية، تتوازى معها وساطة الأجهزة الأمنية المصرية الدؤوبة لوقف القتال والدخول في تهدئة متزامنة ومتفقٌ عليها لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة (جرى الاتفاق عليها وتنفيذها في 21 مايو 2021)، فإن مصر اتخذت إجراءات عملية للتخفيف من آثار العدوان الإسرائيلي وتداعياته، تمثلت في: 1- قرار فتح معبر رفح البري واستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين، وتكليف المؤسسات الصحية المصرية باستقبالهم وتقديم الخدمة العلاجية العاجلة لهم؛ 2- قرار الحكومة المصرية بإرسال المساعدات الطبية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة؛ 3- إطلاق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرته بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة.

 لم يتوقف الدور المصري على المعالجة الآنية للعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وتداعياته، لكنه الدور الذي ينشط فعليًا لضمان عدم تكرار العدوان على قطاع غزة عبر المعالجة الشاملة للقضية الفلسطينية وفق ما عبر عنه الرئيس المصري خلال قمة باريس في منتصف مايو 2021، ولقائه كلٍ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وملك الأردني عبد الله الثاني، وهو الموقف المصري الثابت تجاه القضية الفلسطينية "..لا سبيل من إنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن واشتعال الموقف بالأراضي الفلسطينية، إلا بإيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس"، والموقف ذاته في الاتصالَيْن الذين تلقاهما الرئيس المصري من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وغيرها من الاتصالات واللقاءات التي أجراها الرئيس المصري ووزير الخارجية المصرية.  

في إطار هذه التحركات، تدرك القاهرة وتؤمن بضرورة خلق المناخات المواتية لتلبية الحقوق الفلسطينية وتسعى من أجل تحقيقها وعلى المستويين الفلسطيني والإسرائيلي. هذا ما يدفعها للعمل على خطيّ إتمام المصالحة الفلسطينية، وتثبيت التهدئة وانتقالها إلى تهدئة ممتدة تمهد لاستئناف عملية التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية وحكومة "إسرائيل"، ولئن كانت هذه وتلك تواجه تعقيدات باعتبارها من قضايا الجدل الداخلي عند الطرفين، إلا أن مصر ماضية باتجاه العمل على المسارين، وفق ما عرضناه في هذه الورقة، وما كشفت عنه الزيارة المهمة لرئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى رام الله وغزة وتل أبيب، واستقبال وزير الخارجية سامح شكري لوزير خارجية "إسرائيل" غابي اشكنازي في وقتٍ متزامن.              

النتائج المتوقعة

كان اتفاق وقف إطلاق النار المتزامن بين قوى المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، بعد العدوان الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين والذي خلف آثارًا كارثية بشريًا وإنسانيًا واقتصاديًا، أول نتائج الجهود المصرية المستمرة وعلى مختلف المسارات، وهي خطوة أولية مهمة وأساسية وفاتحة لجهود مستقبلية لضمان تحقيق الاستقرار في سبيل تحصيل الحقوق الوطنية الفلسطينية، غير أن هذه الجهود تستدعي اسنادها ورفدها بأدوار فلسطينية وإقليمية ودولية، منها: 1- أن تستجيب الفصائل الفلسطينية وخاصة حركتي فتح وحماس للدعوة التي أطلقتها مصر لترتيب البيت الفلسطيني وانهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة الوطنية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، للاطلاع بمسؤولية توحيد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني وأطره وإصلاحها، بما يضمن مشاركة وتمثيل القوى السياسية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير باعتبارها المظلة الوطنية العليا التمثيلية والجامعة، وذلك عبر إقرار والاتفاق على إجراء الانتخابات العامة، وهي الانتخابات المؤجلة منذ مايو 2021، بذريعة معارضة "إسرائيل" لإجرائها في مدينة القدس المحتلة.2- أن تتجاوز حركتا فتح وحماس الجدل الدائر بينهما حول الجهة المُشرفة على عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وآليات التنسيق مع الحكومة المصرية، وذلك عبر تشكيل لجنة وطنية سياسية ومجتمعية تتولى هذه المهمة، مع عدم إغفال حقيقة أن الآلية الدولية  المتبعة في إجراءات إعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي في عام 2014، أثبتت فشلها جراء السيطرة والتحكم الإسرائيلي في مواد البناء الموردة إلى القطاع لغرض الإعمار، ولا تزال آلاف الوحدات السكنية على حالها ولم يصار إلى إعادة إعمارها حتى بعد مرور 7 سنوات على انطلاقها. 3- أن تلتزم الفصائل الفلسطينية وخصوصًا حركتي المقاومة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" باتفاق التهدئة الذي تقوده وترعاه مصر تجنبًا لاستئناف العدوان الإسرائيلي وحماية للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. 4- أن تتفق القوى السياسية الفلسطينية على برنامج وطني جامع يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، بما في ذلك الاتفاق على آليات وأدوات المواجهة مع "إسرائيل" سياسيًا أو عسكريًا، لضمان ألا تنفرد جهة بالقرار دون أن تتحمل مسؤولياتها أو تداعيات قرارها. 5- من المتوقع أن تمارس الدولة المصرية جهودها في الضغط على الحكومة الإسرائيلية، واستثمار علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لضمان انطلاق مسيرة التسوية السياسية على أساس قرارات الشرعية ومبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين.

وأخيرًا، يمكن القول أنَّ مصر أثبتت نجاحها في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، باعتبارها وسيط فعّال لا بد منه ولا غنى عنه، لما تمتلكه مصر وترتكز عليه من مقومات وخبرات تقليدية في شؤون القضية الفلسطينية وتشابكاتها، وقدرتها الفائقة على توظيف مساراتها الدبلوماسية والأمنية، دون أن يكون لها مصلحة سياسية أو مطامع في توظيف الموضوع الفلسطيني لحساباتها، الأمر الذي يستدعي المراكمة على الجهود المصرية الأخيرة بما يخدم الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.                  

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟