أما وقد مَنَّ الله على الليبيين
بالتوصل الى الاتفاق ولو في حده الأدنى ومهما اختلفت في تصنيفه الآراء وقيل
فيه من كونه صناعة وإخراج أممي بامتياز ، فانه بالرغم من بعض سلبياته - وهل هناك شيء
كامل في هذه الايام- يبقى تسوية توافقت
عليها الآراء وله بالطبع ما بعده من تحديات
عدة وبعضها لكي نكون منصفين شديدة
التعقيد، لا أبالغ في القول إن أكدت بأنها
لن تجد طريقها إلى الحل إلا بتظافر الجهود و وحدة الكلمة والابتعاد عن المجادلات والمهاترات وبتوفر حاضنة شعبية قوية تتسامى عن الخلافات وتدفع إلى الوحدة
والعمل وليس إلى التشتت والانشقاق ، فقد
كفانا ما جرى!. وفِي تصوري فإن قصر المدة لولاية الحكومة تستلزم بالضرورة وضع الأهداف المرجوة القابلة للتنفيذ بما يتسق
مع وضع الحكومة وفي زمن محدد في هذا الشأن، فالشعب الليبي وفق قراءتي لا يطمح في سقف توقعاته على الأقل الضالعين منه من ذوي الخبرة والمعرفة من حكومة انتقالية صناعة المعجزات أو إحداث تغيير هيكلي
جذري في أساسيات الدولة أو الانتهاء بجرة قلم من تطوير البنية التحتية للبلاد و
إعادة الاعمار على أحسن وأحدث ما يمكن أن تكون عليه التقنيات.
• أن ما يطلبه الشعب الليبي بإيجاز من حكومته من
مهام وآمل ألا أكون مقصراً أو مبالغاً
فيما سيرد ذكره الآن يمكن حصره مبدئياً في الآتي:
أولاً- تماسك ووحدة العمل بين جهازي السلطة:
أول المهام وخطوات النجاح والتي يجب أن تكون واضحة أمام السلطة
الانتقالية أنها تتولى الحكم في فترة من أخطر المراحل التي تمر بها البلاد ولهذا يتوقف نجاحها أو
فشلها على تداعيات حاسمة من حيث تماسك البلاد أو تفككها خاصة وأنها تأتي بعد
حوارات وسجالات كانت أقرب في معظمها إلى الفشل واليأس منها إلى النجاح والأمل. كما
أن أمامها تحديات عديدة داخلية وخارجية بشقيها الاقليمي والدولي لا يمكن تجاوزها إلا
بإرادة صلبة مشتركة حقيقية وتنسيق تام بين
جهازي السلطة الرئاسي والحكومة ، فهي معركة لا يجب أن يحكمها قصر النظر أو الاستحواذ بالقرار، فهي معركة لوضع القواعد الأساسية لما
يجب أن يكون عليه صنع القرار ولما يجب أن
نقيم عليه البناء بعيداً عن أي تجاذبات أو الدخول في متاهة التنازع على
الاختصاصات ، إنها حركة جماعية مشتركة ضمن اتفاقات علمية محددة لخارطة طريق هدفها
تعزيز وحدة الدولة وتماسكها وإعادتها
وتأهيلها مجدداً بعد طول غياب و تهيئتها لتنفيذ الاستحقاقات المتفق عليها من أطراف الحوار وهي أولا وأخيراً
مطلب شعبي أساسي دون أي جدال.
ثانياً- الانفتاح ومواصلة الحوار
الجماعي:
ولأن مفاتيح الازمة الليبية تتطلب بصراحة تامة وبدون أي نقاش تكاثف الجميع
واحترام كافة الآراء والرؤى وهو ما
لم يكن موجوداً على مدى سنوات، وقد أوصلنا في غيابه وغياب أي تفاعل ناجح ومؤثر إلى
مرحلة قربت جداً من التباعد إن لم نقل الانقسام
التام تغذيها بعض التوجهات المقيتة الجهوية وسيطرة رؤية البعض على المشهد وإصرارهم على الانفراد والاستحواذ ومن
ثم التهميش وسياسة المغالبة التي وصلنا في ذروتها إلى الاحتكام للسلاح، فانه ليس
من الحكمة في شيء تكرار ما سبق من
زلات و ألا تنغلق السلطة الانتقالية
الجديدة على نفسها وتحتكر لوحدها ملكية وعصمة التفكير والتنفيذ أو تفكر في الانحياز إلى جهة ما. إن مهمة إعادة النهوض بالدولة والدفع بها قدما بعد سنوات من التشتت و الاحتراب والاستقواء بهذا الأجنبي أو ذاك تتطلب تكاثفاً جماعياً ومشاركة من كافة اطياف المجتمع وشرائحه
المختلفة وقد يتم هذا في بعض أوجهه في
منتدى فكري وعصف ذهني عام . إنها
مهمة ليست مستحيلة الحدوث متى توفرت حسن
النوايا وابتعدت فيها كافة الاطراف والفاعلين عن التمترس حول الأغراض والمصالح الذاتية والجهوية
والقبلية. انها مهمة وواجب وطني يجب ان يكون متاحاً للجميع
لأنها ان تسامينا في أفكارنا
ستصب أكيداً في صالح الجميع !
ثالثاً- حكومة تكنوقراط أم ماذا؟
في إطار التوجه الشعبي العام وهناك رغبة لتفادي أي تجاذبات واختلافات في هذا المجال
فان هناك قبولاً بحكومة
توافقية فاعلة قليلة الاعضاء و حبَّذا لو
تضم بعض التكنوقراط بحيث تكون
قادرة على التصدي ومعالجة بعض
التشوهات الاقتصادية والمالية و سياستنا الخارجية كأمر جدير بالانتباه . لكن كما يبدو ان هذا الامر خاصة في إطار الوزارات السيادية التي أنيط موضوع الاتفاق عليها إلى مجلس النواب
مباشرة ستأخذ وقتاً
هذا إذا التأم شمل المجلس
أصلاً واجتمع بعد طول انفصال. إن لم يتوافق مجلس النواب فإن
الموضوع سيحال برمته ويعهد إلى ملتقى الحوار
للاعتماد و لن يستطيع أن يتكهن أحد ماهية تداعيات هذا الاعتماد. غير
انه يطرح جديا جدوى وجود مجلس منقسم
لا أثر له على الحياة
السياسية والنيابية سوى ما استنزفه ويستنزفه من أموال ومخصصات طوال هذه السنوات ؟!
وعلى أية حال، فإنه كما يتراءى لي فانه من الصعب بمكان تجاوز
مرحلة طويلة ومقيته من عدم
الثقة تعمقت بصراع الاطراف والدفع بحكومة تكنوقراط بعيداً عن معيار المحاصصة وهو الذي اختيرت
على ضوئه ومعياره
،ويجب الا ننسى هذا ، السلطة
الانتقالية ذاتها برأسيها
في انتخابات جنيف لملتقى الحوار!
فاذا كان
معيار المحاصصة أمراً ليس منه بد
فلنضع الشروط المناسبة التي
تتوافق مع كل منصب وزاري عند الاختيار
في اطار المحاصصة ذاتها.
رابعاً- الامن و الأمان والاستقرار :
إن هذا من صميم المهام الاساسية التي تتطلب معالجة سريعة ومتزنة وفاعلة والتي
تمكن الدولة من إحكام قبضتها على
مفاصل الدولة واحتكار السلاح دون
الفاعلين الآخرين وفرض القانون وهيبته
وسطوته بعد انفلات أمني
جد خطير عم البلاد في الداخل
بل وحتى في حدودها الدولية
والجنوبية على نحو خطير وخاص.
إن قضية استتباب الامن هي مسألة محورية ومركزية
وقاعدة أساسية ضرورية للبناء عليها في اي خطوة قادمة ستنتهجها
الحكومة الموحدة في اطار هدفها
الاساسي للوصول الى الاستحقاق
الانتخابي وتنفيذه وتهيئة المواطنين
للعيش في حياة آمنة ومستقرة
بعيدة عن اي تهديدات تمس
وجودهم وحياتهم . ولن يتأتى هذا الا اذا دعمنا القوات الشرطية وغرسنا
ثقافة السلام واحترام القانون والعدالة والمساواة عند الاحتكام اليه .
خامساً-
تحسين الظروف المعيشية
لقد أصبح واضحاً
لكل ذي بصر وبصيرة أن المواطن يعيش
ضنكاً وفقراً وعجزاً عن توفير حاجاته الاساسية وغلاء غير مسبوق
هذا ناهيك بالتفاوت المريع والظالم في المرتبات من جهة الى اخرى وكأننا في جمهوريات مختلفة وليست جمهورية موحدة تحكمها ضوابط وتشريعات مالية محددة و الأسوء من هذا مرتبات المعلمين التي
تعتبر أكثر فئة مظلومة في كل المجتمعات العربية و فئة المتقاعدين التي لا تفي بأي أساسيات . أمر بائس وخلل إنساني فظيع واجتماعي خطير لا يتوافق مع
ما تزخر به البلاد وتتمتع به من امكانات
هائلة من الثروات تمكن الحكومة من
إجراء إصلاح معيشي لهذه الفئات سريع و فعال.
سادساً- سياسة خارجية متزنة
وواقعية
افتقدت ليبيا خلال فترة الصراع
والانقسام وبوجود وزارتين للخارجية شرعية للوفاق
وموازية للمؤقتة لسياسة خارجية موحدة وقد اثر هذا سلباً على الدولة الليبية
وعلاقاته الخارجية اذ أصبحت ليبيا لتفاقم ازمتها وصراعها الداخلي بنداً يدرج
عادة في جداول اعمال كثير من
المؤتمرات وموضوعاً للنقاش . وقد واكب
هذا قيام طرفي الصراع بتكثيف حراكهما الخارجي
وتسخيره بالكامل لتسويق مواقفهما
واستقطاب الانصار لرؤاهما في كيفية
تسوية الازمة .
ومن هنا، يحتاج
الامر من السلطة الانتقالية الشروع
من ضمن مهامها لإعادة صياغة
الحراك الخارجي بوضع
استراتيجية لسياسة خارجية فاعلة
متزنة وواقعية تبتعد عن تضخيم الذات
ولعب ادوار خارجية ضررها أكثر بكثير من
نفعها على البلاد ، سياسة تستند على عوامل ثابته
واُخرى متحركة تأخذ ضمن محاورها الاساسية
مصالح البلاد ومتطلبات أمنها القومي
في ابعاده المختلفة وطبيعة البيئة
السياسية التي ستتحرك فيها على
الصعيدين الاقليمي والدولي وفِي
مجال التعاون الثنائي والمتعدد الاطراف.
وبالطبع، فان من سيتصدى لمهمة
كهذه عليه ان يعيد ترتيب البيت
الداخلي أولا للخارجية بما فيها اليات العمل الداخلي وتنظيم الملاك الوظيفي في الداخل
والتراكم الوظيفي الضخم في السفارات والقنصليات هذا بالإضافة الى
عدد الملحقين الفنيين بصفاتهم
المتعددة. مع النظر جدياً في تقليص هذا
العدد الكبير من السفارات وفق معايير
محددة ، هذا ودون أن
ننسى اعادة هيكلة المعهد
الدبلوماسي وفِي النظر في مفردات
منهجه الذي يغلب عليها الجانب
النظري ! والتسريع باعتماد
مشروع قانون السلك
الدبلوماسي والقنصلي.
سابعاً-
الاستحقاق الانتخابي ( 24 ديسمبر 2021)
يعتبر هذا الاستحقاق المهمة الاولى
والاساسية للسلطة الانتقالية وهي تعتمد في نجاحها على مدى توفيق الحكومة
الجديدة في العناصر السابقة ولكنها ايضا
على نجاحها في هذين الامرين الحيويين التاليين :
- الإسراع
بعقد مؤتمر المصالحة الشاملة إطلاق مساجين الرأي و السياسة من فترة
عشرة سنوات و حتى اليوم وعودة
المهاجرين والنازحين والتوفيق في
هذا فلا يعقل
ان تعقد الانتخابات
وآلاف الليبيين خارج البلاد.
- مدى
نجاح اللجنة 5+5 العسكرية و في تثبيت وقف اطلاق النار وفتح الطريق
الساحلي وعملية اخراج القوات الاجنبية
والمرتزقة من البلاد. وهو أمر مطلوب
تحقيقه لإجراء الانتخابات على
أرضية صلبة من الوفاق المجتمعي والاستقرار.
- فتح باب
المشاركة للجميع بدون استخدام سياسة العزل السياسي مع فئة أو تيار معين، والقبول
بالنتائج كما هي.