المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نورهان علي محمد
نورهان علي محمد

أثر التواجد الإيراني في اليمن بعد فوز بايدن في الإنتخابات الأمريكية

السبت 05/يونيو/2021 - 10:12 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

بعد إعلان فوز الرئيس المنتخب الديمقراطي جو بايدن في الإنتخابات الأمريكية أمام نظيره دونالد ترامب. الذي اتبع نهجاً واضحاً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط. فكانت السياسة الخارجية الأمريكية قد اتسمت بإعلاء المصلحة الأمريكية دائماً وهذا ما قد انعكس في خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عدد من الإتفاقات الدولية وأهمها الإتفاق النووي الإيراني.

إن العلاقات الأمريكية الإيرانية شهدت في عصر ترامب العديد من التوتر، بعد أن تم فرض عدد من العقوبات الإقتصادية على إيران، والتضيق عليها في كافة المجالات وأهمها الإقتصادية. وقد انعكست نتجية الخنق الإقتصادي على إيران من خلال عجز المؤسسات الإيرانية على التحكم بفيروس كورونا المستجد، وصعوبة التعامل مع أزمة الوباء العالمي بجانب كافة التهديدات الإقليمية والعالمية.  فوجدت  إيران نفسها أمام تضيق إقتصادي مؤثراً على السياسة الصحية في البلاد محلياً، ومحاولاتها على الحفاظ الدائم على الصورة الإيرانية إقليمياً وعالمياً.

وعلى غرار ذلك، فإن الساحة السياسية بعد الإنتخابات الأمريكية ستشهد تغيراً في العديد من الجوانب. التي بإمكانها أن تطول عدد من الدول المهمشة كإيران وتغيير سياسات إقليمية مهمة كانت قد تنبتها الولايات المتحدة الأمريكية. وإعادة ترتيب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

بايدن والإتفاق النووي الإيراني

كان قد تعهد الرئيس المنتخب الديمقراطي جو بايدن في بداية حملته الإنتخابيه عام 2019، بأن العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني  من الممكن أن يحدث شريطة إخضاع إيران إلى الإمتثال، والتعهد على الإلتزام بكافة بنود ونصوص الإتفاق النووي  الذي تم إبرامه في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما. فبعد أن كانت السياسة الأمريكية تجاه إيران قبيل عهد أوباما  وبالتحديد في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن من فرض عقوبات إقتصادية رادعة، جاء اوباما بفكر الديمقراطيين وأقام إتفاق نووي إيراني لتقييد القوة النووية لإيران. هذه الخطوة التي تمت إدانتها من قبل دول مجلس التعامون الخليجي معتبرة هذا الإتفاق، بأنه إتفاق تحويلي، ليغير الوضع القائم من إبعاد وتهميش إيران تجاه المنطقة الخليجية، وجعلها طرف مهم في العديد من الملفات العربية.

فأعاد انسحاب ترامب العلاقات الراكدة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي لاسيما المملكة العربية السعودية. وشهد عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب بالإضافة إلى الإنسحاب من الإتفاق، عدداً من القيود الإقتصادية منها، فرض عقوبات على ما يقارب 50 بنكاً وعدد من الأشخاص والقادة السياسيين بلغ عددهم أكثر من 200 شخص، وطالت العقوبات الخطوط الجوية الإيرانية " إيران إير"، وسفن وقطاع الشحن بالكامل. وهذا ما أعتبره المجتمع الدولي سياسة خنق بالكامل.

منذ الإعلان عن الحملات الإنتخابية لكلا المرشحين، وتزايدت الإحتمالات والإفتراضات على ما يمكن أن يحدث إذا عاد الديمقراطيون إلى الحكم مرة أخرى. وما هو مصير العلاقات الأمريكية الإيرانية – السعودية بالتحديد في ظل تبني الديمقراطيين سياسة إنهاء الحرب في اليمن بشكل كلي، وعودة نشر القيم الأمريكية السامية من خلال الدبلوماسية وطاولة النقاش لا الحروب. مؤكدة في مسودتها أن ترامب متهم بزيادة عسكرية السياسة الخارجية الأمريكية، والقرارات لم تجلب سوى الكوارث للعالم أجمع. فمن المؤكد أن تأتي السياسية الأمريكية لجو بايدن الديمقراطي مغايرة تماماً عما قد قام به ترامب، من تهميش للدور الإيراني في المنطقة، وزيادة الضغوطات الإقتصادية على عاتق الدولة.

مما لاشك فيه أن الطريقة الدبلوماسية ونشر القيم الأمريكية بديلاً من الحرب والقوى العكسرية كسياسة يتبناها الديمقراطيين تُشعر إيران بالأريحية بشكل كبير. ولكن سرعان ما جاءت كلمات ورسائل الممثل الأمريكي الخاص لشؤون إيران، إليوت أبرامز، محبطة للآمال مرة أخرى؛ حيث أنه أكد بأن العقوبات ستزال تستهدف إيران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ الباليستية. يذكر بأن بلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أكثر من 2440 كغ. وهذا يدل على أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% وهي بالطبع نسبة إعلى من النسبة المتفق عليها.

ولهذا فهذا ما اعتبره أبرامز تهديداً لأي خطوة مستقبلية  للعلاقات الأمريكية الإيرانية. فالشرط الأساسي لعودة العلاقات مرة أخرى وهو توقف إيران عن تعظيم تحركاتها النووية. ولكن من الواضح بان إيران لديها شروط أساسية معلنة لرجوعها إلى الإتفاق، فبعد القيود التي طالت إيران في عصر ترامب، والعقوبات الإقتصادية، جاء الوقت من النظر الإيراني إلى العودة من جديد والتعويض سيصبح الحل الأوحد للعلاقات.

التواجد الإيراني في اليمن

إن التواجد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط أصبح جزءاً متأصلاً من الثقافة الإيرانية بشكل عام.  فسياسة التوسع والتوغل الإيراني كانت موجودة عبر التاريخ ومستمرة إلى الوقت الراهن وستستمر، لإسباب قديمة متعلقة بالكبرياء الفارسي. والتهميش الدولي وسياسة الضغط التي تُلعب وبشكل مستمر على إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

بعد أن تفاقمت الأحداث في اليمن في عام 2015، وانقسامات طالت كافة المؤسسات الحيوية داخل الدولة. وصراعات في الكيان الداخلي القبلي، و ظهور الفاعلين الجدد على الساحة اليمنية. كانت إيران من أحد أهم هؤلاء الفاعلين، من خلال دعمها الكامل علناً وسراً لجماعة حوثي. حاولت إيران منذ بداية الأزمة اليمنية أن تستفيد بكافة الطرق التي تمتلك من لتحقيق مصالحها الخاصة. فاليمن، دولة عربية تمتاز بالموقع الجغرافي المتميز، وبالسيطرة عليه فهذا يدل على التحكم في حركة السفن في خليج عدن. وحدود اليمن مع السعودية كانت أكثرإغرائاً لإيران لتمويل جماعة حوثي وامدادهم بالقوة العسكرية والقوة اللإقتصادية المطلوبة لزعزعت أمن منطقة الخليج. فهي تقوم بعملية إلهاء لدول الخليج، وجعلهم أكثر إنشغالاً بالصراعات والتوترات في الملف اليمني؛ لإضعاف تواجدهم في الملف السوري، العراقي واللبناني.

ومن الأهداف السامية لإيران بأن تصبح من الدول ذات تأثير دولي وليس إقليمي فقط. بأن تجعل من " المذهب الشيعي " أداة لتقويض السياسة الأمريكية في المنطقة. كما هو الحال في " حزب الله " في لبنان، والمذهب الشيعي في العراق، واستخدامها المنتمون للمذهب الشيعي في البحرين، وأخيراً الحوثيين في اليمن. فبهذه الطريقة وبالإنقسامات التي تولدها إيران من خلال التوغل الشيعي المسيس فهي تكون قادرة بشكل أكبر بأن تولد الرعب في المنطقة الخليجية وتصبح المسيطر الأكبر.

بعد أن تم الإنسحاب من الملف النووي الإيراني من قبل دونالد ترامب وفرض عدد من العقوبات الإقتصادية التي أقرب إلى سياسة الخنق والإستبعاد من الساحة الدولية. أصبحت إيران تميل إلى فرض السيطرة في الدول التي تشهد نزاعات، واستخدمت النزاعات الإيديولوجية سبيلاً في بداية الأمر. فاعتمدت إيران على سياسة استخدام القوى الناعمة ولم يكن الأمر بجديد. فقد بدات سياسة التشيع في اليمن من قبل إيران في ثمانينات القرن الماضي من خلال التركيز على المفكرين والشباب المنتمين إلى المذهب الزبدي، ودعوتهم لزيارة إيران. وأصبحت إيران في وقت من الأوقات مساهمة في إعادة إحياء الطابع الديني في مدن يمنية كصعدة التي تعتبر معقل للزبدية في شمال اليمن. وبعد إستمالة الزبدية اتجهت إيران إلى الحوثيين لتعزيز العلاقات الثنائية بينهم وتوطيد العلاقات بشكل أوسع من خلال الإيديولجية.

وبجانب القوة الناعمة، لجأت إيران بالطبع إلى استخدام القوة العسكرية من خلال إمداد حلفائها في اليمن بدعم عسكري هائل. ومن أمثلة هذه الأسلحة، صواريخ كاتيوشا إم 122، صواريخ أرض جو ستريلا1 و2، قواذف ار بي جي 7، وأجهزة رؤية ليلية إيرانية الصنع، والعديد من الأسلحة التي ظُبطت تستخدم من قبل الحوثيين وقد بلغتهم عن طريق التهريب البحري.

إن التواجد الإيراني في اليمن من خلال الدعم المباشر لجماعة حوثي يعتبر من مهددات الأمن القومي الخليجي بشكل كامل، والسعودي بشكل خاص. وهذا ما كانت نتجته قيام التحالف العربي وبداية عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودة ومجموعة من الدول العربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ قيام التحالف العربي في عام 2015، وتشهد الساحة اليمنية حرباً بين قوات التحالف العربي وميليشيا حوثي و أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ويحارب كل من الطرفين لحماية أهداف خاصة لكل منهما. فإيران بدعمها جماعة حوثي تمكنت من فرض السيطرة على وسط وشرق اليمن. وقد ظهرت قدرة جماعة حوثي على السيطرة وقلب النظام عندما استطاعت السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وهذا هو المحرك الأساسي لنشأة التحالف في الأساس. إن التقدم جماعة حوثي حليفهم في المناطق الشرقية في البلاد، وبسقوط معكسر ماس الإستراتيجي أصبحت عدة محافظات أهمها مأرب في خطر شديد. محاولات قوات التحالف العربي مستمرة في تقييد حركة جماعة حوثي وتقدمها في السيطة، ولكن إيران تستخدم طريقة الإلهاء من خلال أكثر من طريق، فقد تم الإعلان عن عدد من الإنفجارات التي حدثت في السعودية سواء كان في البر أو في البحر، واستهدافها ارامكو.

إن إيران تضع سياسة خارجية واضحة وصريحة تجاه منطقة الخليج العربي وبالتحيد اليمن، فهي تجد من اليمن المكان ذو الأهمية الإسترتيجة والبوابة للسيطرة على منافع باهظة الثمن قبل الخليج العربي.

مستقبل بايدن من الأزمة اليمنية  

إن مستقبل التواجد الإيراني في اليمن بعد فوز بايدن، مرتبط بعدد من العوامل والفرضيات. مؤثراً فيها صعود الحزب الديمقراطي الداعي إلى السلام وإعلاء شأن امريكا من خلال نشر قيمه المنيرة، وصعود بايدن الذي أعلن في خطاباته أن لا حلول باستخدام الحروب بعد الآن. وهذا ما تم انعكاسه عندما اختار بايدن أنتوني بلينكن لوزارة الخارجية، وجيك سوليفان، مستشاراً للأمن القومي. ولهذه الإختيارات دلالة عدة فكلاهما من خلال مواقف أكدا على أن السبيل الوحيد لديهم للوصول لحلول وهو الدبلوماسية. وجدير بالذكر أن سوليفان كان من ضمن المشاركين في الإتفاقات السرية التي دارت من أجل إقامة الإتفاق النووي الإيراني. وكان من أوائل السياسيين الذين طالبو بالعمل مجدداً مع إيران من خلال الدبلوماسية والحلول الوسطية.

تم الإعلان من قبل الحملة الإنتخابية لجو بايدن أن الدعم الأمريكي للحرب في اليمن سينتهي فور توليه الرئاسة. معلناً أن العلاقات الأمريكية السعودية ينبغي أن يتم تقييمها وأن لا تكون قائمة على دخول البلاد في حروب كارثية كاليمن. ولهذا فمن الممكن أن يتم الحديث مرة أخرى عن فرص النقاش بين السعودية وجماعة حوثي تحت رعاية أمريكية كاملة. وهذا القرار عن إنسحاب امريكي من الحرب اليمنية من المؤكد أنه سيؤثر على نهج إيران في المنطقة،  فمن الممكن استمرارية الوجود الإيراني وبقوة وبأكثر وحشية وهذا إن استمرت سياسة التهميش الأمريكية ضد إيران. فستبقى الأسباب الإيرانية للسيطرة والتدخل موجودة لامحالة وستزداد قوتها في فترة الإنتخابات التي من المفترض أن تحدث في 2021.

وأما ما هو أبعد عن الحقيقة هو إذا اتسمت سياسة بايدن مع إيران بشيئ من إعادة الثقة، وإعادة فرص النقاش. وهذا سيحدث بالطبع بالعودة الأمريكية للإتفاق النووي ووقف كافة العقوبات بكل أنواعها. هنا من الممكن القول بأن السياسية الإيرانية التوغلية والمسيطرة في اليمن من قبل جماعة حوثي ستشهد حالة من الركود ولكن لن تتوقف.

المراجع:

1-      انظر: سياسة بايدن الخارجية... من وعود الحملة الانتخابية إلى مواجهة الصين وروسيا وإيران، الرابط:

https://cutt.us/GrJXY

2-      انظر: كيف سيؤثر فوز بايدن على سياسات واشنطن تجاه المنطقة العربية؟، الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/interactivity-54892684

3-      محمد حس القاضي، الدور الإيراني في اليمن وانعكاساته على الأمن الإقليمي، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية.

4-      عبدالرحمن الأحمر، صراع الأدوار بین السعودیة وإیران في منطقة الخلیج العربي دراسة حالة الیمن 2011-2017، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2018.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟