عندما يتحرك لولا يتململ المشهد السياسي البرازيلي
في الثامن مارس 2021 تلقينا، بشكل مفاجئ، قرارا لم يكن متوقعا، ذلك
أن وزير المحكمة العليا إدسون فاشين (أعضاء المحكمة العليا في البرازيل لديهم رتبة
الوزراء) أصدر قرارا بعدم ملاحقة لويس إغناثيو لولا داسيلفا بأي من التهم التي
كانت موجهة إليها، بسبب خطأ في الإجراءات الشكلية. ووفقا لنص الحكم فإن الرئيس
السابق للبرازيل لم يكن ينبغي أن يحاكم في كوريتيبا (المنطقة التي يعمل بها القاضي
الذي بث في ملف لولا، سيرجيو مورو )، بل في العاصمة برازيليا، والسبب هو أن قاضي
الدرجة الأولى الذي حكم في الملف، سيرجيو مورو، لم يكن يتوفر على صفة"القضاء
الشامل"، والنتيجة هي أن لولا يظل حرا طليقا ويستعيد حقوقه السياسية التي تم
تجريده منها.
والسؤال
الذي يوجد اليوم على كل لسان هو: هل سيقدم لولا ترشيحه للانتخابات الرئاسية عام
2022؟.
من حيث المبدأ الجواب هو نعم. ولكن القرار القضائي ينص
على أن الأحكام ضده يجب أن تحول إلى المحكمة الفيدرالية في العاصمة برازيليا، لكي
يجري تحليلها من طرف قاضي آخر يتم اختياره من طرف قضاء المحكمة الفيدرالية وفق
نظام القرعة. وبذلك فإن المحاكمة قد تبدأ مجددا. ولكي يسترجع ولا جميع حقوقه
السياسية يتعين أن يتم الحكم عليه، مرة أخرى، من طرف محكمة الدرجة الثانية، وهذا
يمكن أن يحصل قبل انتخابات 2022، رغم أن لا شيء ممكن في البرازيل.
غير أن تعقيد الملف لا يتوقف هنا، لأن السؤال هو: لماذا
اتخذ القاضي ، فاشين، هذا القرار الانفرادي، في هذا الوقت بالذات، مفاجئا الجميع،
بمن فيهم زملاؤه في المحكمة العليا؟.
لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعلم بأن المحكمة العليا
تنقسم إلى فريقين، فريق "اللافاخاتيستا" والفريق المضاد، يعني "غير
اللافاخاتيستا"، وأن القاضي فاشين
ينتمي إلى الفريق الأول. وقبل أسابيع فقد صرح وزير آخر (أي عضو المحكمة العليا)،
هو يلمار مينديس، المعروف بأنه من الفريق الثاني، بأنه خلال النصف الأول من العام
2021 سيتم البث في تعليق عمل القاضي السابق مورو، الذي بث في ملف لولا. ويعني هذا
أمرا بالمثول أمام القضاء بالنسبة إلى لولا، بناء على اتهامات بالتحيز، وهي
الاتهامات التي من المحتمل أنها بنيت على المحادثات المسربة بين القاضي مورو،
والقضاة كانوا مكلفين بالتحقيق في قضية "لافا جاطو"، التي تورط فيها
لولا، والتي تم نشرها ـ أي المحادثات ـ في صحيفة"المُتلقي".
لقد كانت تلك المحادثات، التي تم تسريبها إلى الصحافة
والتي لا يمكن لمضمونها إلا أن يجعل أي شخص له ذرة من الإيمان بالديمقراطية يشعر بالخجل،
برهانا ساطعا على الانحياز الذي حصل بين القاضي مورو والمحققين الذي وضعوا لائحة
الاتهام، وعلى الطريقة التي تم بها تحويل قضية "لافا جاطو" إلى وسيلة
لتصفية حسابات سياسية ضد حزب العمال، وخصوصا ضد لولا.
ولكن رد فعل لولا داسيلفا، الذي لا يزال حتى اليوم يتحصن
وراء الصمت، لم يكن متوقعا. ففي العاشر من مارس أدلى بخطابه الذي لم يخيب أمل
الكثيرين. وقد تضمن ذلك الخطاب ثلاث رسائل أساسية: الرسالة الأولى هي أن لولا
سيكون من الآن المنافس الرمزي للرئيس البرازيلي بولسونارو، طالما أنه بدأ خطابه
بضرورة كشف الأقنعة والقيام بعملية تلقيح، واتخاذ إجراءات اجتماعية في مرحلة
الوباء. والثانية هي إشارته إلى أهمية تكوين جبهات واسعة تشكل مختلف المكونات
السياسية للوقوف في وجه بولسونارو، وأخيرا، وربما كانت الرسالة التي انتظرها
الجميع، تتعلق بغمزه إلى القطاع الاقتصادي، حين قال "لا تخشوا مني شيئا"
موجها الكلام إلى القطاع الليبرالي الحر، ومذكرا مرات كثيرة إلى التحالف التاريخي
"الرأسمال ـ العمل" الذي مكنه من الفوز في الانتخابات عام 2002، ومكنته
من البقاء في الحكم لمدة ثماني سنوات، والمقصود هنا ذلك التحالف بين لولا، المناضل
النقابي وقتها، ورجل الأعمال خوصي ألنكار، نائبه خلال ولايتين.
وعلينا اليوم أن نرى كيف ستسير أطوال المحاكمة الجديدة
للولا داسيلفا في برازيليا، وماذا سيعمل حزب العمال، وما هو الخطوات التي سيتخذها
الرئيس. ولكن الشيء المؤكد الآن هو أنه عندما يتحرك لولا يتململ المشهد السياسي
البرازيلي.