عقد قادة
مجموعة العشرين قمتهم لعام 2020 برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز،
بشكل افتراضي في موعدها المحدد يومي 21 و22 من نوفمبر 2020، وقد جاءت هذه القمة في
ظروف استثنائية؛ حيث يواجه فيه العالم انتشار فيروس كورونا، وقد قادت المجموعة
جهودًا دولية أفضت إلى التزامات بأكثر من 21 مليار دولار أمريكي بهدف دعم إنتاج
الأدوات التشخيصية والعلاجية واللقاحات وتوزيعها وإتاحتها، كما قامت بضخ أكثر من
11 تريليون دولار لدعم الاقتصاد العالمي . ومن الطبيعي أن تتحكم هذه الملفات بصورة
كبيرة في أجندات هذه الدول.
وتمثل مجموعة
العشرين منتدى للتعاون الاقتصادي والمالي بين هذه الدول وجهات ومنظمات دولية تلعب
دورًا محوريًا في الاقتصاد والتجارة في العالم وتجتمع سنويًا في إحدى الدول
الأعضاء فيها، وتولت السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم رئاسة اجتماع
القمة، وتم تسمية هذه القمة بعنوان "استثنائية قمة العشرين".
ويمكن
الإشارة هنا إلى إن المجموعة ليست منظمة دولية لكنها أشبه بمنتدى غير رسمي
وبالتالي المجموعة لا تتخذ قرارات ملزمة قانونيًا للدول الأعضاء في المجموعة. كما
لا تملك المجموعة سكريتارية دائمة او موظفين ثابتين، والرئاسة فيها دورية، ولكن
تكمن أهميتها في مشاركة الدول والمنظمات الاقتصادية الكبرى في العالم مثل صندوق
النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة الدولية، مجلس الاستقرار المالي، منظمة
التنمية والتعاون الاقتصادي، منظمة العمل الدولية، الأمم المتحدة، كما يحق لرؤساء
الدول المشاركة في القمة دعوة زعماء من خارج المجموعة.
وطوال
تاريخها وخلال الدورات الـ14 السابقة، لم تواجه قمم مجموعة العشرين مرحلة صعبة
واستثنائية كما تواجه الدورة الحالية التي تستضيفها السعودية 2020؛ حيث أدى انتشار
كورونا إلى إعلان غالبية دول العالم حالة الطوارئ، وتأثر اقتصاداتها بفعل إجراءات
الإغلاق.
أولاً- مخرجات متعددة
استحوذ
ملف انتشار فيروس كورونا المستجد على أهمية كبيرة في اجتماعات الدول العشرين، وتم
تنسيق الجهود فيما بين هذه الدول ومع المنظمات الدولية بكل الطرق اللازمة لتخفيف
آثار هذا الوباء ووضع سياسات استباقية على مستوى العالم متفق عليها لتخفيف آثاره
على كل الشعوب والاقتصاد العالمي، لتحديد المتطلبات وإجراءات الاستجابة اللازمة من
خلال وضع خارطة طريق لمواجهة جائحة كورونا، ووضع استراتيجية عالمية موحدة لاحتواء
آثار الفيروس، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يسفر عن ركود عالمي، ولذلك سيتطلع
الجميع إلى الخروج بمبادرات وإجراءات محددة وعملية، تحقـق آمال شعوب العالم في
تجاوز آثار الجائحة، وتمهيد الطرق لتحقيق دول العالم مستقبل أفضل، والعمل على
مواصلة الاقتصادات العالمية تعزيز سيولتها النقدية، وتسهيل الاقتراض وإرجاء
الاقتطاعات الضريبية، وتمديد آجال القروض الممنوحة ودعم الشركات.
وتأتي
هذه الجهود في ظل الانكماش الحاد الذي شهده الاقتصاد العالمي في عام 2020 م نتيجة
آثار جائحة فيروس كورونا المستجد، إلا أن النشاط الاقتصادي العالمي قد عاود
ارتفاعه جزئيًا على خلفية معاودة فتح هذه الاقتصاديات تدريجيًا، ومع ذلك، يُعد
التعافي غير متكافئ، وتكتنفه حالة عدم يقين كبيرة، وتواجهه مخاطر سلبية مرتفعة،
منها المخاطر الناجمة عن عودة تفشي الفيروس في بعض الاقتصادات، مع عودة بعض الدول
إلى تطبيق تدابير صحية مشددة. ونؤكد الحاجة الملحة للسيطرة على تفشي الفيروس، فهو
أمر أساسي لدعم التعافي الاقتصادي العالمي.
ولعل هذه
الأوضاع ساهمت في الدفع بقادة الدول ذات الاقتصادات الأقوى في العالم بالتزامهم
بـتكوين "جبهة موحدة"، بالإضافة إلى ضخ خمسة تريليونات دولار في
الاقتصاد العالمي "بهدف مكافحة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية
والمالية لجائحة كورونا".
ثانيًا- تعهد بالتضامن
العالمي
أقر
البيان الختامي للقمة مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، والتي
سيستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المدينة، كما تعهد قادة مجموعة العشرين
ببذل كل الجهود لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا المستجد إلى الجميع بطريقة عادلة
وبتكلفة ميسورة، وتلبية "الاحتياجات التمويلية المتبقية بشأن هذه اللقاحات.
ومن جهة
أخرى تنظيم أسواق المال العالمية وتعزير آليات الرقابة عليها لمنع تكرار الأزمة
المالية العالمية التي شهدها العالم في عام 2008 وعدم ترك أي قطاع من السوق
المالية العالمية بعيدًا عن الرقابة، ومحاربة التهرب الضريبي وتفادي المنافسة عن
طريق تخفيض الضرائب، وتأتي هذه الإجراءات من جانب هذه الدول بسبب حالة الانكماش
التي تعرض لها الاقتصاد العالمي جراء انتشار فيروس كورونا.
وبالإضافة
إلى ذلك اتباع مجموعة من السياسات المختلفة لمواجهة القضايا المعاصرة مثل التغيير
المناخي، وسياسات التنمية، وأسواق العمل وقوانينها، ومبادرات نشر التقنية، وقضايا
الهجرة وقضية اللجوء ومحاربة الإرهاب. وتعتبر قمة هذا العام الأهم في تاريخ
المنظمة التي تأسست عام 1999، خاصة أن كل الآمال معلقة على اتفاق هذه الدول ذات
الاقتصادات الأقوى في العالم، وتوحُّد جهودها في مواجهة أكبر خطر يواجه مستقبل
الإنسانية.
وقد دخل
القطاع الصحي بقوة في الاجتماعات الدولية ذات الطابع الاقتصادي؛ حيث جرى التفاهم
بين وزراء المالية والصحة على العمل المشترك في مجالات عديدة يجمع بينها توفير
رعاية صحية ودعم الوصول لعلاجات ولقاحات ميسورة التكلفة. والتيسير عامل جوهري في
نجاح البشر في مكافحة كورونا ودعم التعافي الاقتصادي العالمي. وفي هذا الإطار
اتخدت عدة مبادرات من جانب مجموعة الفكر T20 المنبثقة من
"مجموعة العشرين" وتعد هذه المجموعة بمنزلة الشبكة الاستشارية للبحوث
والسياسات، وعقدت هذه المجموعة اجتماعاتها بتنظيم وقيادة مركز الملك عبدالله
للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك"، ومركز الملك فيصل للبحوث
والدراسات الإسلامية. وذلك ضمن اتجاه دعوة
مفكري العالم عامة ومفكري العالم الإسلامي خاصة، إلى استكشاف أفضل الحلول لتخفيف
مشكلات البشرية. وهذا يعني الدعوة إلى تعزيز قيم التعاون وممارسات وتطبيقات
العدالة الاجتماعية والشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن الإنساني.
ختامًا: من
الجدير بالذكر أن التأكيد على انعقاد القمة في موعدها السنوي المحدد برغم الظروف
الاستثنائية التي تواجهها دول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا يعكس مدى رغبة
الدول الاقتصادية الكبرى في تجاوز هذه الأزمة من خلال وضع استراتيجيات تعاونية
بينهم يمكن لدول العالم الأخرى الاستفادة منها باعتبار هذه الدول من أكبر دول
العالم الاقتصادي، كما أن هذا الدور الإيجابي الذي قادته المملكة العربية السعودية
يعكس حرصها على أن تكون الدول العربية والإسلامية شريكة أسايسية في جهود التنمية
التي من المحتمل أن تقودها هذه الدول مستقبلًا والتي وضعت لتنفيذها مجموعة من
الإجراءات السياسية والاقتصادية اللازمة للتغلب على هذه المشكلات.
المراجع:
1) مجموعة العشرين: ما هي
وما الذي يبحثه قادتها خلال قمتهم؟، على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/world-54951775
2) بيان ختام قمة العشرين:
تعليق مدفوعات الديون حتى يونيو 2021، على الرابط: https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/g20/2020/11/22/
3) «قمة الرياض 2020»
تنعقد اليوم في عام رئاسة مجموعة العشرين «الصعب»، على الرابط: https://aawsat.com/home/article/2637076/