على
الرغم من وعود الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة مرشح الحزب الديمقراطي جوبايدن
بتخفيف العقوبات الاقتصادية على طهران، إلا أنه من الواضح أن حملة الضغوط القصوى
التى فرضتها إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب مازالت تلقى بظلالها على الأوضاع
الاقتصادية والسياسية في الداخل الإيراني، الأمر الذى تجلى في تجدد الدعوات
الإيرانية للحوار على المستوى الإقليمي، ولاسيما مع المملكة العربية السعودية
والإمارات العربية المتحدة. تمثل ما سبق
في تصريح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في التغريدة التى نشرها باللغة العربية
على حسابه على تويتر، مؤكداً فيها على ضرورة سيادة روح التعاون بين طهران وجيرانها من دول الخليج،
باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الخلافات
والتوترات، كما أنه من شأنه المساهمة في الحفاظ على أمن المنطقة.
وهو الأمر الذى من شأنه أن يطرح دلالات عدة يمكن توضيحها فيما يلي:
أولاً- مأزق الوضع الاقتصادى
يمكن القول أن دعوات الحوار
الإيرانى ورغبة طهران في تحسين علاقتها بدول المنطقة تأتى في ظل فترة عصيبة على كافة
الأصعدة من تاريخ الدولة الإيرانية؛ حيث تعانى طهران وضع اقتصادى متدهور للغاية،
الأمر الذى يتمثل في تصاعد معدلات التضخم، البطالة، مما أدى لارتفاع أسعار السلع
الأساسية، وبالتالى تدهور مستوى معيشة المواطن الإيراني. يتوازى ذلك، مع تسارع
تفشى فيروس كورونا في إيران، الأمر الذى وصل بطهران لأن تحتل المركز الأول على
مستوى الشرق الأوسط من حيث عدد الوفيات والإصابات(1).
وعليه، أدى ذلك إلى
تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية، على خلفية عمليات الإغلاق الإجبارية لعدد لا بأس به من الشركات والمصانع الصغيرة التى
كانت تضم عدد كبير من العمال الإيرانيين. في السياق ذاته، أدت الظروف الاقتصادية
الصعبة إلى عدم قدرة حكومة روحانى على الوفاء بالتزاماتها المالية ولاسيما فيما
يتعلق بدفع رواتب العمال والموظفين، مما أدى لتكرار اندلاع الاحتجاجات الفئوية
وبخاصة خلال نوفمبر الحالى الذى يتزامن مع ذكرى تظاهرات عام 2019 التى اندلعت
اعتراضًا على قرار مجلس التنسيق الاقتصادى برفع أسعار الوقود(2).
ثانيًا- مواجهة واشنطن وتل أبيب
يبدو وكأن طهران تحاول من خلال دعواتها المتكررة
للحوار الإقليمى صد محاولات التطويق الأمريكى الإسرائيلي لتمدد نفوذها في المنطقة،
ولاسيما بعد عقد اتفاقات السلام الخليجية مع تل أبيب في أغسطس الفائت. وعليه،
تحاول إيران التحالف مع بعض دول المنطقة التى تمتلك نفس وجهة النظر بشأن بعض
الملفات الإقليمية مثل تركيا وقطر، ولكن الملاحظ أن هذه الدعوات تأتى في سياق
ترحيب مرشح الحزب الديمقراطى الفائز بالانتخابات الأمريكية جوبايدن باتفاقات
السلام بين تل أبيب ودول المنطقة، فضلاً عن تجديد التعهد بضمان أمن إسرائيل
وتفوقها العسكرى في الشرق الأوسط(3).
لذا، ليس من المقرر أن
يحدث بايدن تغييرات كبيرة وجذرية في السياسات الأمريكية تجاه تل أبيب؛ حيث كان
النظام الإسرائيلي مركز ثقل توجهات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب
وأساس تحركها في الشرق الأوسط على مدى الأربع سنوات الماضية. في السياق ذاته، أقر
اللوبي الإسرائيلي في واشنطن "إيباك" بين صفوفه بأن لديه أعضاء متساو العدد
من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وذلك على خلاف الجماعات الأخرى الموالية لإسرائيل
في الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما سمح لإيباك بالاحتفاظ بدعم قوي لإسرائيل
داخل الكونجرس وضمان هذه الجماعة لمكانتها كواحدة من بين أكبر جماعات الضغط الأكثر
تأثيراً على مدار السبعين عامًا الماضية(4).
ثالثًا- تعظيم هامش المناورة
أدركت طهران منذ الحملة الانتخابية لبايدن، أنه
يختلف كثيراً عن سلفه الديمقراطي باراك أوباما والذى قام بتوقيع خطة العمل
المشتركة الشاملة مع إيران في عام 2015؛ حيث أعلن بايدن منذ البداية أن عملية رفع
العقوبات المفروضة على إيران ليست بالأمر اليسير، فضلاً عن إصراره على تضمين ملف
النفوذ الإيراني في المنطقة داخل المفاوضات المستقبلية بشأن العودة للاتفاق
النووى، فضلاً عن برنامج الصواريخ الباليسيتة(5).
وعليه، يبدو وكأن طهران
ترغب في توسيع هامش المناورة الخاص بها خلال الترتيبات القادمة مع الولايات
المتحدة الأمريكية، من خلال تحسين موقفها الإقليمي والظهور بمظهر الداعى للسلام
والمحفز له. والجدير بالذكر، أن هناك نوع من التفاؤل الحذر في إيران بخصوص فوز
بايدن؛ حيث يرى المرشد الأعلى علي خامنئي على سبيل المثال أنه لا يمكن الوثوق
إطلاقًا في واشنطن، لذا، فإن سياسة التشجيع على التفاوض تعتبر بمثابة حرب ذكية
تهدف إلى إضعاف الأسس المعنوية للدولة الإيرانية، كما أن فوز بايدن لن يكون
بالضرورة نذيرًا بحدوث تغيير سياسي كبير، وهو التقييم الذى يستند إلى فشل الأمال
الاقتصادية التى كانت معلقة على خطة العمل المشتركة الشاملة التي لم تؤتِ ثمارها المرجوة حتى قبل مجئ ترامب(6).
الهوامش:
1- H. Plecher, Iran: Unemployment rate from 1999 to 2020, Oct 20, 2020, Statista,
available at https://www.statista.com/statistics/294305/iran-unemployment-rate/.
2- Hamideh Taati. Iran News in Brief
– November 11, 2020, People’s
Mojahedin Organization of Iran (PMOI/MEK), available at https://www.ncr-iran.org/en/news/iran-news-in-brief-news/iran-news-in-brief-november-11-2020/ .
3-
ملحم ريا، كيف تواجه طهران
تهديدات واشنطن وتل أبيب وحلفائهما؟، الميادين، 28 يوليو 2020، متاح على
الرابط التالى https://cutt.ly/nha4cF3 .
4-
ترامب واللوبي
الإسرائيلي.. من يخدم سياسة نتنياهو أكثر؟، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة
فلة)، 26/3/2019، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/wha7tN2 .
5- Ilan Goldenberg, Elisa Catalano Ewers and
Kaleigh Thomas, Reengaging Iran, A New Strategy for the United States, Center
For New American Security, AUGUST 04, 2020, available at https://www.cnas.org/publications/reports/reengaging-iran .
6- Elisa Catalano Ewers, Ilan Goldenberg, and
Kaleigh Thomas, On Iran, the Next Administration Must Break With the Past
Neither Pressure Nor a Narrow Nuclear Deal Can Succeed on Its Own, Foreign
Affairs, October 1, 2020, available at https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2020-10-01/iran-next-administration-must-break-past .