رغم
إعلان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في 3 فبراير الجاري عن تراجع طهران عن شرط
"الخطوة الأمريكية أولاً" والمطالبة بدلاً من ذلك بوساطة أوروبية، إلا
أن وزارة الخارجية الإيرانية أكدت في 9 فبراير 2021 على غلق باب الوساطات مع
الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق بالمبادرة التى طرحها الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون حول لتسهيل تفاهمات واشنطن- طهران خلال الفترة القادمة،
الأمر الذى يحمل تناقضًا واضحًا يحمل دلالات عدة يمكن توضيحها فيما يلي:
أولاً- التمسك بالبرنامج
الصاروخي
تعتبر
فرنسا من أبرز الدول الأوروبية الداعية إلى ضرورة العمل على وقف
البرنامج الصاروخي الإيراني، على خلفية كونه العصب الرئيسي للبرنامج النووى
واستمرار طهران في تطويره حتى باتت تمتلك واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ
الباليستية في الشرق الأوسط والتى يصل مداها إلى 2000 كليومتر أي المسافة بين حدود
إيران الغربية واليونان(1). وعليه، أصبح البرنامج الصاروخي الإيراني
يشكل خطراً كبيراً على كافة دول المنطقة؛ حيث كشفت الضربة الصاروخية التى شنتها
إيران على قاعدة عين الأسد الجوية في 8 يناير2020 عن عمق وتأثير الصواريخ
الإيرانية، والخطير في الأمر هو أن الفترة الطويلة التى فرضت فيها العقوبات
الاقتصادية على إيران – منذ قيام الثورة الإيرانية لعام 1979 – أدت إلى اعتماد
طهران في تطوير هذه الصواريخ على استيراد
قطع الغيار اللازمة من السوق السوداء وقدراتها المحلية(2).
يتوازى
ذلك، مع شروع إيران في تزويد الميليشيات التابعة لها في المنطقة بهذه التقنيات،
والتي تمثل أخرها في إعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان في 29يناير الفائت عن تمكن
قوات حزب العراقية من تسلم 56 صاروخ أرض- أرض دخلوا بشكل غير شرعي عبر الحدود
السورية- العراقية إلى منطقة دير الزور الغربي(3).
ثانيًا- انخفاض التوقعات
رغم دعوة
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للوساطة الأوروبية، لكن بررت طهران رفضها
للوساطة الفرنسية بحجة أن باريس تعتبر أحد الأطراف الأساسيين الموقعين على
الاتفاق، وبالتالي لا يمكن لماكرون لعب هذا الدور، وهو ما يشير إلى أن طهران لم
تطلب وساطة ماكرون بالتحديد بل طلبت وساطة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب
بوريل بصفته المنسق الرئيسي بين مجموعة (5+1)(4).
يتوازي ذلك، مع موقف ماكرون الهامشي -كباقي
الدول الأوروبية- خلال مرحلة ما بعد
الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي؛ حيث فشلت دول الترويكا الأوروبية في انقاذ خطة
العمل المشتركة الشاملة، بل وحتى تفعيل ألية "إنسكتس" التى أقرها
الاتحاد الأوروبي للتخفيف من حدة التداعيات السلبية للعقوبات الأمريكية على إيران.
ثالثًا- تخطى التشدد
ربما
يأتي رفض الوساطة الفرنسية في إطار الرغبة الإيرانية في تفويت كل الفرص الممكنة
على باريس في الضعط على طهران فيما يتعلق بادخال بعض الملفات الأخري خلال أي
تفاهمات قادمة بين أعضاء الاتفاق النووي، لاسيما وأن مقاربة ماكرون لخطة العمل
المشتركة الشاملة تتوافق مع تلك التى تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة
وبايدن، والتى تتمحور حول 3 محددات هامة تتمثل في مستقبل الاتفاق النووي الإيراني
بعد عام 2025، والمدى الذى يمكن أن يصل إليه تطور البرنامج الصاروخي الإيراني
وتداعيات تصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة.
وفي ضوء
ذلك، يمكن تفسير التخلي الإيراني عن الوساطة الفرنسية في إطار رغبة طهران في
الهروب من موقف ماكرون المتشدد تجاهها،
ولاسيما بعد أن اعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنه لن يتم رفع العقوبات إلا بعد
فترة اختبار يتم خلالها التأكد من التزام طهران بتعهداتها، فضلاً عن الزيارة
المرتقبة للرئيس الفرنسي لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية
المتحدة والتى من المتوقع أن يكون الملف النووي الإيراني على رأس أجندتها(5).
الهوامش
1- Iran rejects France's call for wider talks
beyond nuclear deal, france 24, 8/1/2021, available at https://www.france24.com/en/20190607-iran-rejects-france-call-wider-talks-beyond-nuclear-deal-usa-sanctions-petrochemical
2-
عقيدة الدفاع الأمامي الإيرانية.. برامج الصواريخ
والفضاء، المعهد الدولى للدراسات الإيرانية، 20/10/2020، متاح على الرابط
التالي https://cutt.ly/gld6bv1.
3-
كتائب حزب الله العراقية تتسلم شحنة صواريخ أرض، الأنبار،
29/1/2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/bld62dS .
4-
إيران ترفض وساطة ماكرون بشأن الاتفاق النووي، الشرق
الأوسط، 8 /2/2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/clfqfAH .
5-
رؤى متباينة : لماذا ترفض إيران الوساطة الفرنسية مع
إدارة بايدن؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 14/2/2021، متاح
على الرابط التالي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/6076 .