أعلنت قناة فوكس نيوز الأمريكية في 16 يناير 2021 عن أن الصواريخ بعيدة المدى التي أطلقتها إيران خلال مناوراتها الأخيرة "الرسول الأعظم" سقطت بالقرب من سفينة تجارية في المحيط الهندي، وعلى بعد 100 ميل فقط من حاملة الطائرات الأمريكية "Nimitz". وكشف موقع The Intel Lab – Observer المعنى بالتكنولوجيا العسكرية في التاريخ ذاته عن وجود منشأة مشبوهة تحت الأرض في جنوب غرب إيران بالقرب من قاعدة "مسجد سليمان الجوية"، وتُظهر الصور وجود أنفاق وتحصينات ومنشآت لتخزين الأسلحة، بالإضافة لقاعدة إطلاق صواريخ باليستية قصيرة المدى، الأمر الذى يشير إلى اهتمام إيراني متزايد بإبراز القدرات الصاروخية.

ويطرح ما سبق عدة دوافع يمكن توضيحها فيما يلي:

تصعيد المواجهة

انطلاقا من كون البرنامج الصاروخي هو الركيزة الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، لذا، تحاول طهران من خلال إبرازه تكثيف الضغوط على الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جوبايدن حتى تتم العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015، دون الدخول في مفاوضات جديدة قد تضطر خلالها طهران إلى تقديم المزيد من التنازلات، ولاسيما أنها تعتبر التفاوض بشأن البرنامج الصاروخي والنفوذ الإيراني في المنطقة بمثابة خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها. كما تأتي هذه التحركات الإيرانية كرد فعل على توجه قاذفتا B-52 الأمريكيتان إلى الشرق الأوسط للمرة الخامسة في 17 يناير الجاري⁽¹⁾.

والجدير بالذكر، أن تكثيف الضغوط الإيرانية على الإدارة الأمريكية الجديدة، يأتي بالتوازي مع إعلان بعض المصادر الإسرائيلية في 17 يناير 2021 عن بدء المحادثات السرية بين إيران وواشنطن بشأن العودة للاتفاق النووي⁽²⁾، فضلاً عن تعيين بايدن لكبيرة المفاوضين الأمريكيين في اتفاق إيران النووي الذي عقد في مايو لعام 2015 ويندي شيرمان  كنائب وزير الخارجية في إدارته المقبلة، وهو ما يشير إلى استعداد واشنطن لتقديم بعض التنازلات بغرض خفض حدة التوتر وإعادة العلاقات مع إيران⁽³⁾.

أهمية متزايدة

تحظى الصواريخ الباليستية بأهمية كبيرة في ظل وجود أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذى من شأنه أن يجعلها ذات قيمة، ولاسيما في ظل التوافر المتزايد لتقنيات التوجيه عالية الدقة. في السياق ذاته، أدى الغزو العراقي لإيران في سبتمبر 1980 والصراع الطويل الذي تلاه إلى إعادة تقييم جذرية للبيئة الأمنية الإيرانية ووضع استراتيجية جديدة للتعامل معها، والتي تمحورت حول الردع التقليدي والنووي. فمنذ بداية الصراع لجأ الجيش العراقي إلى قصف المواقع المدنية الإيرانية وازدادت وتيرة هذه الهجمات مع تقدم الحرب، وعليه، كانت الحاجة إلى ردع العراق هي الدافع الأساسي وراء القرار الإيراني بضرورة امتلاك برنامج للصواريخ الباليستية، واتخذت الحكومة الإيرانية في عام 1984 قرارًا بالحصول على هذا النوع من الصواريخ، مما اضطر النظام  لشراء أنظمة كاملة من الخارج للتعامل مع الحاجة الفورية إليها لاستخدامها في الحرب الدائرة⁽⁴⁾.

 وعليه، اقتربت طهران من سوريا وليبيا في عام 1984 ثم كوريا الشمالية لاحقًا للحصول على صواريخ " Scud B" الروسية، نظرًا لأن عدد هذا النوع من صواريخ كان محدوداً في السوق السوداء، ثم جاء وضع الولايات المتحدة الأمريكية لإيران كأحد دول محور الشر في عام 2002، ليدعم السير في هذا الاتجاه ويؤكد على ضرورة امتلاك هذه التقنية لمواجهة القوة العظمى الأولى بالعالم في ذلك الوقت؛ حيث يعتقد القادة الإيرانيين أن بإمكانهم ردع الهجمات الأمريكية من خلال إظهار القدرة على تعقيد جهود الولايات المتحدة لنشر قوتها العسكرية في المنطقة. وشرعت طهران لاحقًا في تصنيع هذه التقنية محليًا وباتت تنتج صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصواريخ كروز بعيدة المدى، على خلفية استخدامها كرمز لقوة إيران العسكرية المتنامية، وبالتالي، من المؤكد أن تحافظ إيران على هذا النوع من التقنيات سواء وصلت إلى مرحلة القنبلة النووية أم لا⁽⁵⁾. 

تصدى للتهديدات

يأتي اهتمام إيران بإبراز قدراتها الصاروخية بالتوازي مع بعض التحديات غير المسبوقة بشأن نفوذها في المنطقة؛ فبعد اضطرار الميليشيات التابعة لطهران في سوريا على رفع أعلام النظام هروبًا من القصف الإسرائيلي، أشارت بعض التقارير في 17 يناير 2021  إلى أن قاعدة حميميم الروسية باللاذقية شهدت اجتماعًا   الشهر الماضي بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، وتمثلت أهم مطالب تل أبيب في خروج إيران والجماعات المسلحة التابعة لها من سوريا⁽⁶⁾.

وفي السياق ذاته، تواجه إيران تحدى آخر لا يقل أهمية والذى يتمثل في فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عقوباتٍ اقتصادية على المسؤولين وقادة الميليشيات التابعين لها في المنطقة؛ حيث أدرج الاتحاد الأوروبي في 15 يناير الجاري وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على قائمة العقوبات التي تستهدف نظام بشار الأسد، الأمر الذى يتضمن تجميد أصوله ومنعه من السفر إلى هذه الدول⁽⁷⁾. كما اعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 13 يناير 2021 فرض عقوبات على رئيس هيئة أركان الحشد الشعبي العراقي أبو فدك المحمداوي، وهو ما يأتي بعد أيامًا معدودة من معاقبة رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض⁽⁸⁾.

ختامًا: من المتوقع أن تستمر إيران في اتباع سياسة تكثيف الضغوط على الإدارة الأمريكية الجديدة، ولاسيما بعد أن نجحت في تحمل ظروف صعبة للغاية في ظل إدارة ترامب على خلفية عدم رغبتها في تقديم المزيد من التنازلات، والعودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة التي تم عقدها في عام 2015، دون الخوض في بعض الملفات الأخرى مثل البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي.

الهوامش:

1-     رسالة ردع جديدة لإيران.. قاذفات أمريكية إلى الشرق الأوسط، العربية. نت، 17 يناير 2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/tj4FGIc .

2-     القناة 12 الإسرائيلية...إدارة بادين بدأن محادثات سرية مع إيران حول الاتفاق النووي، إيرانتنشنال، 18 يناير 2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/2j4GmQ1 .

3-     إيلان بيرمان، كيف تعزز إيران نفوذها على أكتاف بايدن؟، الحرة، 9 يناير 2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/7j4GBdC .

4-          Kamran Taremi, Ballistic Missiles in Iran's Military Thinking,  Middle East Program, Wilson Center , Oct. 14, 2003.

5-          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. “Beyond the Axis of Evil: Ballistic Missiles in Iran's Military Thinking.” Security Dialogue, vol. 36, no. 1, 2005, pp. 93–108. JSTOR, www.jstor.org/stable/26298900 . Accessed 27 Jan. 2021.

6-     تقارير عن اجتماع سوري ـ إسرائيلي في حميميم، الشرق الأوسط، 18 يناير 2021، متاح   على الرابط التالي https://cutt.ly/3j4Ju5r .

7-     الاتحاد الأوروبي يعاقب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فله)، 15 يناير 2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/5j4Jn2r .

8-     "أبو فدك" المحمداوي على قوائم الإرهاب الأمريكية، الحرة، 13 يناير 2021، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/Bj4JGZ9 .