الولايات المتحدة وروسيا.. علاقات معقدة وتهديدات متواصلة
إن
مستقبل العلاقات بين الولايِات المتحدة وروسيا هو إلى حدٍ كبير خيار أميركا. إذا
لم تتمكن الولايات المتحدة من تثبيت هيمنتها في العالم، فإن روسيا سوف تشكل تهديدا
حقيقا يتنامى مع مرور الوقت.
تعد
روسيا خصمًا حازمًا للولايات المتحدة. وتعتقد حكومة بوتين، التي أعادت بناء الجيش،
أن واشنطن تقود مسعى عدائياً يهدف إلى تقويض مواقفها الدولية واستقرارها الداخلي.
وقد ولدّ هذا المعتقد رغبة لدي روسيا على مقاومة النفوذ الأمريكي في أماكن عدة في
العالم، منها الشرق الأوسط الذي يمثل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة. ويدرك
بوتين جيدا أن العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا وقلة الحلفاء الدوليين
يشكلون عقبة أمام محاولة موسكو الهادفة إلى تمديد نفوذها في العالم. ولذلك، يعتقد
الكاتب أن محددات مستقبل العلاقات بين البلدين يكمن في قدرة واشنطن على احتواء
الروس، على اعتبار أن واشنطن هى الطرف الأقوي في هذه المعادلة وبإمكانها تهدئة
الأوضاع مع روسيا.
أضاف
الكاتب أن ادارة الرئيس بايدن أمامها العديد من الخيارات في التعامل مع روسيا، حيث
أنه بإمكان بايدن أن يثبت للعالم أن الولايات المتحدة امبراطورية ديمقراطية تسعى
للحوار مع أعدائها. كما بإمكانه أيضا أن يتخذ موقفا عدائيا مع روسيا من خلال فرض
المزيد من العقوبات التي بكل شك سوف تؤدي إلى تدهور العلاقات وزيادة التوتر بين
البلدين أكثر. وفي هذا الإطار، أكد الكاتب أن أي حرب بين البلدين سوف تؤدي لتدمير
البشرية ووضع حد لحالة التقدم البشري في الوقت الحالي.
عن
القوة الإقتصادية، أكد الكاتب أن روسيا لا يمكن أن تنافس الولايات المتحدة بأي
شكل؛ حيث تعتبر واشنطن هي القوة الاقتصادية الكبرى في العالم بينما تحتل موسكو
المرتبة الحادية عشر بين الدول الأفضل اقتصاديا في العالم. وفيما يتعلق بالقوة
الشرائية، التي يعتبرها العديد من خبراء الاقتصاد مؤشراً أكثر موثوقية، فإن روسيا
تحتل المرتبة السادسة - بعد الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وألمانيا
فقط. وبينما تشتهر روسيا باعتمادها المفرط على صادرات الطاقة، فإن تقدمها المتنوع
في التكنولوجيا العسكرية والفضاء والقدرات السيبرانية، ومؤخراً لقاحات
"كوفيد-19" تُظهر أنها بلد متقدم لا يجب أن يستهان به.
وعن
المنافسة الجيوبولتيكية بين الصين والولايات المتحدة، يعتقد الكاتب أن روسيا تحاول
قدر المستطاع أن تقف في المنتصف لكي تجنب نفسها أي عقوبات غربية. ولكنها في الوقت
ذاته تقدم دعمًا بسيطًا للصين من أجل دفعها نحو المزيد من العداء مع الغرب
والولايات المتحدة. وتهدف روسيا من ذلك إلى اثارة المزيد من العقبات أمام النفوذ
الأمريكي في العالم.
بعد
انتهاء الحرب الباردة في التسعينيات من القرن الماضي، حاولت روسيا تكوين شراكة
حقيقة مع الولايات المتحدة، لكنّ الأمر لم ينجح بسبب حالة الشك والخوف التي كانت
لا تزال تسيطر على الأمريكيين. وفي بداية القرن الحالي، بدأت روسيا تبني قواها
العسكرية مرة أخرى وتتخذ موقفًا عدائيًا من الولايات المتحدة، لكنّ حالتها
الاقتصادية حالت دون أن تتمكن من تنفيذ كل أهدافها. ومع ذلك، شنّت روسيا العديد من
الحروب في السنوات الأخيرة، لعل أهمها حرب القرم وجورجيا. بالطبع، لا يمكننا أن
نغفل عن الدور الروسي في سوريا. ويبرهن هذا الأمر أن روسيا تنتظر الفرصة المناسبة
لتقزيم دور الولايات المتحدة في العالم.
وعن
الإستراتيجية المثلى التي يجب أن تتعامل بها الولايات المتحدة مع روسيا، أكد
الكاتب أن روسيا لن تقبل بأي محاولة أمريكية لفرض نظام أحادي القطبية في العالم
إلا إذا انهارت اقتصاديا تماما أو تم هزيمتها بشكل عسكري. ويعد كلا الأمرين
مستبعدين لأن صادرات الغاز الروسية تشكل نقطة نجاة للاقتصاد الروسي، كما أنه ليس
من المتوقع أبدا أن تخوض روسيا حربا عسكرية مع الولايات المتحدة. وإذا افترضنا أن
حربا عسكرية قد نشأت بين البلدين، فإن روسيا ستكون أول من يستخدم الأسلحة النووية
خاصة إذا كان وضع البلاد على المحك بسبب الحرب مع واشنطن. ورغم ذلك، لم يستبعد
الكاتب امكانية حدوث مواجهات بين روسيا والناتو في أوكرانيا أو منطقة البلقان،
لكنه يستعبد أن يتحول لحرب شاملة تستخدم فيها الأسلحة النووية.
وعن
العقوبات الإقتصادية على موسكو، أكد الكاتب أنه السلاح الأفضل في الوقت الراهن
لترويض موسكو، خاصة أنه يشكل عقبة أمام تطوير قدرات موسكو العسكرية، فضلا عن أنه
يشكل عقبة أمام تحسين الاقتصاد الروسي.
أكد
الكاتب أن القيادة في روسيا تهتم بأمر بقائها في الحكم. وإذا ما شعرت هذه القيادة
أن الولايات المتحدة والغرب يشكلون تهديدا جوهريا لبقائهم في الحكم، فإنهم بكل
تأكيد سوف يصبحون أكثر عدوانية تجاه الغرب وسوف تفشل كل جهود تحسين العلاقات بين
البلدين.
وعن قضية نافالني، أكدت روسيا
على لسان وزير خارجيتها، لافروف، أنها مستعدة لكسر العلاقات مع الغرب إذا ما تزايد
التهديد الغربي المتعلق بشبح العقوبات الاقتصادية القاسية. كما أكد لافروف أن
موسكو يجب عليها أن تحتوي الولايات المتحدة لتجنب تصعيد المواجهة بين
الطرفين. وتعتقد الدول الغربية أن التصعيد العسكري الروسي في مناطق كثيرة من
العالم في الوقت الراهن يرجع إلى طبيعة بوتين العسكرية التي تميل لاستخدام القوة.
ويراهن الغرب أن الأمر يمكن أن يتغير بعد ترك بوتين للسلطة.
وفي
النهاية، أكد الكاتب أن العلاقات مع روسيا لا يمكن اختزالها في عامل واحد، ولذلك
يجب على واشنطن أن تتحرك بحذر شديد في ملف لا يمكن الإستهانة به أبدا.
Dimitri Simes, Getting serious about Russia, National Interest.
https://nationalinterest.org/feature/getting-serious-about-russia-178832?fbclid=IwAR2C5F2kR2ePQcCLpTKZEew9fgaRYGz_wqtYp0VCoHXAUHMTm9bVV4618Bc