المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

ملامح السياسة التركية في عام 2021

الخميس 29/أبريل/2021 - 01:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهدت تركيا خلال الأعوام السابقة مجموعة من التحديات على المستويين الداخلي والإقليمي والدولي والتي من شأنها أن تتسبب في تغيير مآلات الأوضاع ذات الصلة بها، ويمكن استعراض هذه التحديات من خلال مستويين الأول يتعلق بتطورات الوضع الداخلي وما شهدته تركيا من أزمات على مستوى الحزب الحاكم من خلال انقسام الحزب وخروج كثير من قياداته وصعود المعارضة والأحزاب الوليدة المنشقة عن الحزب الحاكم بالإضافة إلى التراجع الاقتصادي وتراجع سعر الليرة.

وعلى الجانب الخارجي فقد شهدت السياسة التركية انحسارًا في تمددها الإقليمي في كثير من مناطق الصراع في المنطقة العربية، بالإضافة إلى استمرار فرض العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبجانب ذلك اتجاه هذه الدول لمواجهة السياسة التركية من خلال مسارين أولهما يتمثل في رفض التطورات الداخلية الخاصة بمصادرة الحقوق والحريات والأمر الثاني يتمثل في مواجهة السياسة الخارجية التركية التي تسببت في تهديد أمن الدول الأوروبية والولايات المتحدة والأحلاف المشتركة بينهم مثل حلف الناتو من خلال اعتمادها على منظومة تسليح روسيا متطورة مثل إس 400، وتهديد أمن الدول الأوروبية من خلال ملف اللاجئين أو من خلال التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط أو من خلال تعذية الصراعات في المناطق ذات الصلة بالأمن الإقليمي الأوروبي.

أولاً- سيناريوهات السياسة الداخلية التركية

1) من المحتمل أن تتسبب هذه الملفات تجاه تعزيز الزخم للحراك الداخلي من جانب الأحزاب التركية المعارضة أو تلك الوليدة في التأثير على شعبية حزب العدالة والتنمية خاصة وأن كافة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في النسب التي حصل عليها الحزب بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16 أبريل 2017، مرورًا بالانتخابات البلدية في مارس 2019، ومن ثم فإن توجهات الأحزاب الجديدة تتجه نحو تغيير المعادلة السياسية الداخلية؛ حيث فقد حزب العدالة والتنمية السيطرة على رئاسة بلديات عدة مدن كبرى، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، حيث تولى مرشحون من حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي مسؤولية المناطق الحضرية التي تمثل نحو ثلثي الناتج الاقتصادي للبلاد.

ويبدو أن ثمة منافسة ناشئة بين أردوغان ورئيس بلدية إسطنبول الجديد، إكرام إمام أوغلو المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، فقد تنازعاً علنياً بشأن المشاريع الضخمة في المدينة وكذلك الاستجابة لفيروس كورونا، من بين قضايا أخرى. وقد فاز إمام أوغلو على أردوغان وآلة حزب العدالة والتنمية مرتين في العام الماضي، الأولى في الانتخابات المحلية في مارس 2019، ثم مرة أخرى في إعادة الانتخابات في يونيو، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى مساعدة حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

2) تُشير التحليلات التي تناولت رسالة داوود أوغلو وعلي باباجان الأخيرة إلى صعوبة المستقبل الذي يُمكن أن ينتظر حزب العدالة والتنمية في حال عدم الاكتراث بالرسائل السياسية التي أرسلها الأتراك له عبر الانتخابات البلدية، وتذهب بعض التحليلات إلى احتمالية أن يشهد حزب العدالة والتنمية خروج العديد من أعضاءه وذلك على شاكلة خروج حزب العدالة والتنمية نفسه من رحم حزب الرفاه.

3) شهدت تركيا خلال المرحلة الماضية الكثير من التفاعلات الداخلية على مستوى الأحزاب السياسية، خاصة مع إعلان كل من أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان اعتزامهما تأسيس حزبين جديدين لمواجهة حزب العدالة والتنمية اللذان كانا من المؤسسين له، ويمثل هذه التحولات بداية للتأثير في الساحة السياسية التركية في الانتخابات المقبلة بسبب التحركات المعلنة وغير المعلنة بين اطراف سياسية فاعلة تسعى للدخول الى مسار المنافسة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وقياداته.

4) من خلال توظيف الضغوط الاقتصادية التي تواجهها تركيا بسبب سياستها الإقليمية والدولية، والتي أثرت على سياسة حزب العدالة والتنمية الداخلية والخارجية فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية من خلال الولايات المتحدة والدول الأوروبية أو من خلال تراجع نمو الاقتصاد التركي وزيادة مستوى البطالة وارتفاع نسبة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، يمكن للأحزاب الجديدة أو المعارضة مواجهة السياسات التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية خاصة أنها تمثل العامل المهم في زيادة هذه الضغوط.

ثانيا- سيناريوهات السياسة الخارجية التركية

1) يُعد ملف الأمن من أهم الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة بشكل خاص والدول الغربية بصورة عامة خاصة بعد اقتناء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس 400"، وهو الأمر الذي تسبب في تهديد المصالح الأمنية داخل حلف شمال الأطلسي، وبسبب ذلك أفرزت التوجهات التركية نحو تعزيز علاقاتها الأمنية مع روسيا ظهرت اتجاهات داخل الحلف حول مدى إمكانية بقاء تركيا داخل الحلف أو استبعادها.

2) من جانب آخر فإن الرئيس بايدن يهدف إلى استعادة تحالفات الولايات المتحدة التقليدية وأن يعيد تكريس بلاده للتعاون متعدد الأطراف من خلال العودة إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية التي انسحبت منها واشنطن خلال إدارة ترامب، بالإضافة إلى ذلك فقد وصف بايدن الدول الأوروبية بأنها شريك لا غنى عنه  للولايات المتحدة، وأن هذه الفكرة تمثل مبدًأ إرشاديًا لإدارة بايدن الجديدة في تعاملها مع هذا الملف من خلال إعادة الاستثمار في التحالفات المتعددة الأطراف.

وبناء على ذلك فسوف يتجه بايدن نحو تنسيق الجهود الإقليمية والدولية، أو ما يمكن أن نطلق عليه عودة الإطار الجماعي لإدارة الأزمات دون تفرد الولايات المتحدة بتسوية هذه الأزمات بصورة أحادية من خلال التعاون مع الجانب الأوروبي الذي غاب في كثير من الملفات التي تولتها الإدارة الأمريكية الخارجية في فترة ترامب الذي كان شعاره "أمريكا أولًا دونما النظر إلى المصالح الأوروبية أو غيرها من الدول. وضمن السياق ذاته ومع حدوث تقارب بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية فإن هذا الأمر سيقوض مساحة تحرك تركيا التي استغلت التناقضات بين السياستين الأمريكية والأوروبية تجاه الكثير من أزمات المنطقة وهو ما استثمرته تركيا في تعزيز نفوذها، كما يجب على دول الاتحاد الأوروبي العمل بشكل أكثر تماسكًا عبر مجالات السياسة على الساحة الدولية دون أن يعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية لاستقلاله عن الولايات المتحدة في الوقت الذي ستكون فيه مساعي إيجاد استراتيجية موحدة عبر الأطلسي تشمل التجارة والتكنولوجيا والأمن التي تمثل أفضل الاتجاهات لمواجهة التصعيد التركي ضد مصالحهم.

3) هناك اتجاه مستمر من جانب دول الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على تركيا؛ حيث أن سلوك تركيا في شرق البحر المتوسط وانتهاكات حقوق الإنسان يثير قلق الاتحاد الأوروبي الذي يلوح باللجوء لخيارات ترغم أنقرة على التقيد بالتزاماته. بيد أن تلويح تركيا بورقة المهاجرين يمنعه من اتخاذ أي تدابير، خاصة وأن دول الاتحاد قد أقرت من قبل بعد عملية تركيا العسكرية نبع السلام مجموعة من الأطر القانونية والسياسية لمواجهة السياسة التركية والتي شملت إيقاف كافة صفقات الأسلحة بين الجانبين، وهو ما ساهم في الدفع بدول الاتحاد إلى صياغة دور جديد وآليات مستحدثة لمواجهة استثمار تركيا لملف اللاجئين الذي يمثل ورقة الضغط الكبرى التي تستخدمها أنقرة في تهديد الأمن الإقليمي الأوروبي، ويجب الإشارة هنا إلى وجود خلاف كبير بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي، فتركيا تقدم دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ومتهمة بانتهاك حظر الأمم المتحدة على تسليم أسلحة لهذا البلد يمثل امتدادًا لمجموعة من الخلافات الداخلية والإقليمية والدولية.

أ. تعزيز النفوذ الإقليمي التركي

يستند هذا المسار إلى افتراض أن الدور التركي سيشهد صعوداً في المرحلة القادمة في حال تمكنها من الحفاظ على استقرارها الداخلي بمختلف مستوياته، ومن ثم تعزيز توجهاتها الإقليمية، كما يفترض تعزيز تأثير النفوذ الإقليمي لكل من تركيا وإيران؛ بسبب تراجع نفوذ الدول العربية الإقليمي، وتوجيه سياستها لمواجهة التهديدات الداخلية. ويجب الإشارة إلى أن هذا الوضع يمثل امتداداً للأوضاع العربية قبل اندلاع الثورات العربية؛ حيث تراجع نفوذ الدول العربية، وهو ما أدى إلى زيادة النفوذ التركي.

ولتحقيق هذا السيناريو لا بد من توافر عدة عوامل، من أهمها التنسيق والتعاون بين كل من تركيا والولايات المتحدة في ما يتعلق بركائز سياسة تركيا الإقليمية؛ حيث إن تركيا تُعد من الدول الحليفة للولايات المتحدة وتعتمد عليها في تنفيذ أهدافها في المنطقة، ومن ثمَّ فإن التعاون بينهما يمكن أن يُسهم في تعزيز أنقرة لنفوذها الإقليمي، فضلاً عن استمرار تراجع النفوذ الإقليمي للدول العربية، وضعف النظام الإقليمي العربي.

ب. تراجع النفوذ الإقليمي التركي

يفترض هذا المسار تراجع الدور التركي الإقليمي وفشل استراتيجيتها الإقليمية القائمة على الدمج بين قضايا الداخل والخارج، وتراجع قدرتها على انتهاج سياسة متكاملة، ومن ثمَّ توجيه سياستها إلى التركيز على إصلاح الأزمات الداخلية، وبناء عليه يمكن أن يشهد النفوذ الإقليمي التركي تراجعاً بسبب العديد من المؤشرات؛ من أهمها زيادة مستوى الصراع الداخلي بين حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، والأحزاب العلمانية، بالإضافة إلى تصاعد الخلافات الداخلية مع الأكراد، وتفاقم التهديدات الاقتصادية التي ستؤثر على النفوذ الإقليمي التركي.

ومن بين هذه المؤشرات أيضاً عدم قدرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على إحكام سيطرته على مجريات الأوضاع السياسية الداخلية، وكذلك عدم قدرته على الفوز في الانتخابات؛ وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الأحزاب المعارضة لمواجهته. وبناءً عليه تراجع قدرة الحزب على تحقيق نفوذه الإقليمي، فضلاً عن تراجع أهمية تركيا بالنسبة إلى الدول الكبرى؛ وبخاصة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على تقديم نفسها كدولة مهمة في استراتيجية الدول الغربية.

وضمن هذا السياق، فإن هناك الكثير من العوامل الداعمة لهذا السيناريو؛ من أهمها توجهات تركيا الإقليمية تجاه المنطقة العربية، بعد أحداث الثورات العربية في عام 2011، حيث إن اختلاف السياسة التركية تجاه التعامل مع دول المنطقة أسهم في تراجع صورتها كدولة تؤسس توجهاتها على مبادئ الحرية والمساواة، وذلك بعدما أظهرت ارتباطاً وثيقاً بالجماعات الإسلامية في الدول العربية التي تعتبرها الدول العربية عاملاً لتهديد مصالحها، كما أظهرت عدم حياديتها تجاه قضايا المنطقة، ودعَّمت هذه الجماعات في ليبيا ومصر وسوريا وتونس. بالإضافة إلى العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ووفق هذا المسار الذي ظهرت بوادره في العديد من أزمات المنطقة ذات الصلة فقد اتجهت الدول الأوروبية إلى محاولة الانخراط بصورة مباشرة في تسوية الأزمات مثل الأزمتين الليبية والسورية اللتان يمثلان مصادر للتهديد ففي الحال السورية فإن الأزمة أفرزت مجموعة من التحديات أبرزهم مشكلة اللاجئين والتي تم الاعتماد فيها على تركيا واتجهت نحو تقديم المساعدات لها للحيلولة دون انتقالهم إلى الجانب الأوروبي ولكن اتجهت أنقرة نحو استثمار هذه الملف للضغط على دول الاتحاد في إطار تحقيق مصالحها، وبالنسبة للأزمة الليبية فهناك تخوفات أوروبية متصاعدة من إمكانية انتقال المرتزقة والجماعات المتطرفة التي ترسلها تركيا إلى الساحة الليبية مما يهدد الأمن الأوروبي من جهة الجنوب، ولعل انخراط الدول الأوروبية في القيام بدور أكثر نشاطًا من ذي قبل ساهم في التأثير على تعاظم هذه المخاطر وإن كانت الدول الأوروبية مستمرة بصورة مرحلية في محاولة التقارب مع تركيا في هذه الملفات.

ت. محدودية الدور التركي

يرتكز هذا المسار على افتراض أن النفوذ الإقليمي التركي سيكون هامشياً أو محدوداً؛ بسبب عجز تركيا عن القيام بدور مؤثر في القضايا الإقليمية، ومن ثمَّ القضايا الدولية، وذلك وَفق عدة مؤشرات؛ منها عدم قدرة أنقرة على تحقيق التوازن في علاقاتها الإقليمية والدولية، بسبب ارتباط سياساتها بالجماعات الإسلامية، ومن ثمَّ تصاعد الرفض الإقليمي للنفوذ التركي بصورة تؤثر على نفوذها الإقليمي، وفشل المفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بفرص انضمام تركيا، ومن ثمَّ سيقف هذا في وجه تعزيز نفوذها الإقليمي في المنطقة العربية.

كما يستند هذا المسار إلى تراجع النفوذ الإقليمي التركي في التأثير على مجريات الأحداث في العراق الذي يعد من أهم الدول في الاستراتيجية الإقليمية التركية، ومن ثمَّ فمن المرجح أن يمثل ذلك انعكاساً سلبياً على المصالح التركية، وتراجعاً لنفوذها، فضلاً عن قيام الولايات المتحدة بمواجهة النفوذ الإقليمي لتركيا بعدما كانت تعتمد عليه بصورة كبيرة في حماية مصالحها داخل المنطقة العربية؛ خصوصاً بعدما شهدت علاقاتهما خلافات متصاعدة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟