اغتيال فخرى زاده ...والاشتباكات الإيرانية مع واشنطن وتل أبيب في المنطقة
قام فريق
من القادة الإسرائيليين في الربع الثاني من عام 2018 بالهجوم على قبو بمستودع يخضع
لحراسة مشددة في عمق إيران وسرقوا 5000 صفحة من الأوراق السرية للغاية حول
البرنامج النووي للدولة، استشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما بعد
بمحتويات الوثائق المسروقة للتلميح بخجل إلى عمليات جريئة لا تزال قادمة، وأشار في
هذا السياق إلى العالم محسن فخري زاده
باعتباره قائد محاولات إيران السرية لتجميع سلاح نووي.
وعليه،
يشير الكُتاب إلى أن مثل هذه الاغتيالات غالبًا ما تضع إيران في موقف حرج للغاية،
بين مطالب التيار المحافظ بسرعة الانتقام ورغبة حكومة روحانى بمحاولة تكوين بداية
جديدة مع الإدارة الأمريكية الأقل عدائية بقيادة جوبايدن، ومن هنا، كان هذا
النمط هو الأحدث في أنماط استمرت لعقد
كامل من حالات التسمم الغامضة، تفجير السيارات المفخخة وإطلاق النار والسرقات
والتخريب التي شاع استخدامها تجاه المسؤولين الإيرانيين خلال الفترة الأخيرة.
كما
يشير الكتاب إلى أن عام 2020 يحمل كثير من الأحداث السلبية بالنسبة لطهران؛ حيث لم
تتعرض الدولة الإيرانية في تاريخها لسلسلة من الهجمات كما تعرضت هذه الأيام؛ حيث قتلت
غارة أمريكية بطائرة بدون طيار الجنرال قاسم سليماني بينما كان في سيارة تغادر
مطار بغداد- وهو الأمر الذى تم تيسيره من قبل المخابرات الإسرائيلية- كما أطلق
فريق إسرائيلي الرصاص على زعيم بارز في القاعدة بشوارع طهران (هذه المرة بإيعاز من
الولايات المتحدة الأمريكية، كما أقر مسؤولوها). وعليه، يتصارع الإيرانيون حاليًا مع
شعور جديد بالضعف والمطالبة بتطهير المشتبه بهم من المتعاونين، والأهم من ذلك كله،
أنهم يناقشون كيفية الرد في هكذا لحظة حرجة.
لقد عانت
إيران سنوات من العقوبات الاقتصادية المدمرة في ظل حملة الضغوط القصوى في عهد
الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، وعليه، يأمل القادة الإيرانيين في الرفع التدريجي
لهذه العقوبات، وبخاصًة في ظل تعهد الرئيس المنتخب جوبايدن بالسعي لإعادة الانضمام
للاتفاق النووي مرة أخرى. وفي هذا السياق قال المسؤول السابق في وزارة الثقافة
والإرشاد محمد حسين خوشفاغت في تغريده له على توتير: "من اليوم وحتى
مغادرة ترامب البيت الأبيض هي أخطر فترة بالنسبة لإيران، كما أن الانتقام من إسرائيل
أو الحليف الرئيسي لنتنياهو، الولايات المتحدة الأمريكية، سوف يخدم أعداء إيران في
المنطقة"، مضيفًا " أنهم يسعون لخلق وضع صعب حتى لا تستطيع الإدارة
الجديدة إحياء ذلك الاتفاق".
يشير
الكُتاب إلى أن اتهامات إيران لتل أبيب بالضلوع في هذا الحادث تأتى على خلفية تبني إسرائيل منذ عقود طويلة استراتيجية
الاغتيالات المستهدفة للمسؤولين الإيرانيين في محاولة لإبطاء تقدم طهران المحتمل
نحو تطوير سلاح نووي، والشاهد على ذلك هو حديث المؤرخين بأن وكالات المخابرات الإسرائيلية قد ارتبطت
بقتل علماء يعملون لصالح مصر في الستينيات وللعراق في السبعينيات لنفس السبب. واتهمت
إيران إسرائيل في البداية بقتل أحد علمائها عندما سقط أحدهم ميتًا في مختبره بعد حادثة
تسمم في عام 2007، ونُسبت لتل أبيب سلسلة من الهجمات الأكثر عنفًا على العلماء الإيرانيين
بين عامي 2010 و 2012.
لذا،
يبدو أن إسرائيل طورت سجلاً ناجحًا بشكل فريد من خلال تركيز الموارد الكبيرة
لوكالات التجسس لديها بشكل رئيسي على إيران، التي تعتبر بمثابة العدو الأكبر لها
في المنطقة، ومن المتوقع بحسب الكُتاب أن تواصل تل أبيب العمل ضد البرنامج النووي
الإيراني في المستقبل المنظور. ويؤكد الكُتاب أن هذه الحادثة أثارت مطالب جديدة
داخل الدولة الإيرانية تتمثل في اقتلاع الجواسيس، وهو الأمر الذى اتضح في تعليق
المرشد الأعلى علي خامنئي في أول رد علني
له على مقتل فخرى زاده من خلال مطالبته بالتحقيق في هذه الجريمة واسقاط أشد العقاب
لمرتكبيها.
من ناحية
أخرى، ألقى المتشددون في إيران باللوم على إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي
راهن بشدة على المفاوضات مع واشنطن على الإخفاقات الأمنية التي سمحت بالهجوم، على
خلفية اقتراحه في خطاب متلفز في وقت سابق بأن تواصل إيران ما أطلق عليه بسياسة "الصبر الاستراتيجي" وبخاصًة
بعد فوز مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي جوبايدن. وعلى الصعيد المحلى في إيران،
أشار بعض المحللين إلى أن أي صراع متجدد مع إسرائيل من شأنه أن يساهم في تعزيز حجة
المتشددين ضد التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد، فضلاً عن أن تكرار
هكذا أحداث من شأنها أن تزيد من ضغوط المتشددين على روحاني لتأجيل أي مفاوضات مع
الإدارة الأمريكية الجديدة لأطول فترة ممكنة، الأمر الذى قد يصل إلى موعد
الانتخابات الرئاسية الإيرانية العام المقبل، وفي هذه اللحظة يمكن للتيار المتشدد
التحكم في مسار التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد.
في النهاية؛ يمكن القول إنه من المتوقع أن يتزايد معدل اشتباكات كل
من تل أبيب وواشنطن مع طهران خلال الفترة القادمة وبخاصًة في ظل إدارة ترامب،
لتحقيق عدد من الأهداف يتمثل أبرزها في زيادة المصاعب الاقتصادية بالنسبة لطهران
في الداخل، تعزيز نفوذ التيار المحافظ في مواجهة حكومة روحاني، ومن ثمة ترجيح
احتمالية فوزهم خلال الاستحقاقات الرئاسية القادمة في يونيو 2021، فضلاً وضع المزيد
من العوائق أمام إعادة التفاوض للانضمام الأمريكي للاتفاق النووي مرة أخرى بعد
تسلم إدارة بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.
David D. Kirkpatrick, Ronen Bergman and Farnaz Fassihi,
Brazen Killings Expose Iran’s Vulnerabilities as It Struggles to Respond, The
New York Times, Nov. 28, 2020, available at https://www.nytimes.com/2020/11/28/world/middleeast/iran-assassinations-nuclear-israel.html?searchResultPosition=1&fbclid=IwAR3GiGJgL3LFvburLqSOOkIQXdyrU2WlC60-X8sao5qeK42R-THNtLKFG7I