شهد
العام 2020 العديد من التطورات على الساحة السورية، لعل أهمها الغزو التركي لادلب
السورية في مارس 2020 بعد مقتل العشرات من الجنود الأتراك في ضربة جوية سورية.
ورغم الهدوء النسبي في الأوضاع إلا أن الحرب السورية لم تضع أوزارها بعد؛ حيث لا
تزال التنظيمات المسلحة تسيطر على مدينة إدلب وريفها، فضلا عن تركيا لا تزال
موجودة في شمال سوريا. وفي نفس الصدد، لا يزال الأكراد يسيطرون على مساحات واسعة
في شمال شرق سوريا، الأمر الذي يجعل من احتمالية نشوب حرب مع تركيا قائمة. من
الجدير بالذكر هنا أن أنقرة لا تعترف بالتنظيمات الكردية وتصنيفها على أنها
ارهابية. وتتبني تركيا معادلة صفرية في صراعها مع الأكراد، بمعنى أنها ترفض أي وجود أو
دور سياسي أو عسكري للأكراد في مستقبل سوريا. بالتوازي مع ذلك، يتبنى النظام
السوري وجهة نظر صفرية مماثلة في تعامله مع فصائل إدلب التي يرى فيها تهديدًا
جوهريًّا على أمنه، وعلى وحدة سوريا ذاتها.
حاول كل أطراف الأزمة السورية تأمين حلفاء عسكريين
له على الساحة، فدعمت تركيا بعض الميليشيات الإسلاموية لتستخدمها في قتال الأكراد
في شرق سوريا والنظام على تخوم مدينة ادلب؛ تماما كما حدث خلال عمليتي غصن
الزيتون، ودرع الفرات؛ حيث اصطفت الميليشيات خلف تركيا في طرد الأكراد من مدينتي
الباب وعفرين على التوالي، كما شهدت الفترة الأخيرة تفاهمات بين الأكراد والنظام
السوري، يتم بمقتضاها تسليم بعض المدن للجيش السوري ليتجنب الأكراد بذلك هجومًا
تركيًّا وشيكًا، ما جعل تركيا ضمنيا في مواجهة النظام السوري.
أولا) عملية عسكرية في إدلب
في فبراير 2020، تم قتل العشرات من الجنود الأتراك
في ضربة جوية، ما دفت تركيا للقيام بعملية عسكرية مارس 2020. ولم تنتهي هذه
العملية إلا باتفاق لوقف اطلاق النار بين روسيا وتركيا بصفتهما دولتين ضامنين وفقا
لمسار أستانا وسوشي.
تمثل ادلب أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا على
كافة الأصعدة. أولها أنها آخر معقل للمعارضة المسلحة التي تتلقى دعما عسكريا
وسياسيا من أنقرة. ثانيا، سيطرة النظام على ادلب قد تؤدي إلى موجات نزوح داخلية
فضلا عن زيادة اللاجئين إلى تركيا، وهو الأمر الذي لا يستطيع الإقتصاد التركي
تحمله بسبب الإشكاليات التي يعاني منها الإقتصاد وأهمها تراجع سعر الليرة مقابل
الدولار. علاوة على ذلك، لعب اللاجئين السوريين دورا في خسارة حزب العدالة
والتنمية لبلدية اسطنبول في الإنتخابات التي عقدت في 2019، حيث يعتقد قطاع واسع من
الأتراك أن اللاجئين أضروا استقرارهم الوظيفي.
على صعيد آخر، رغب النظام التركي في افتعال مشكلة
خارجية من أجل تأمين دعم القوميين الأتراك، فضلا عن إيجاد مبررات لتدهور الإقتصاد.
وقد شكل خوض حرب خارجية نقطة مهمة للنظام التركي في هذا الشأن.
ثانيا) انسحاب أمريكي لم
يتحقق
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات
المتحدة من سوريا، الأمر الذي أثار استياء الكثير في الأوساط السياسية الأمريكية
لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس قدم استقالته في 2019 احتجاجا على هذا
القرار الذي كان من المتوقع أن يؤدي لتراجع دور الولايات المتحدة في سوريا لصالح
قوى اقليمية ودولية مثل تركيا وروسيا. من الجدير بالذكر أن عام 2020 لم يشهد
انسحاب الولايات المتحدة بشكل كامل من سوريا، حيث لا تزال القوات الأمريكية موجودة
على الأرض.
وجد قرار الإنسحاب ترحيبا من تركيا، لكنه واجه معارضة
من الدول الخليجية التي ترى أن ايران سوف تتمدد أكثر في سوريا في حالة انسحاب
الولايات المتحدة بشكل كامل. على صعيد آخر، انسحاب الولايات المتحدة يشكل ضربة
للأكراد الذين كانوا بمثابة "قوات أرضية" للتحالف الدولي في القتال ضد
داعش. وفي حالة إتمام الولايات المتحدة لإنسحابها الكامل من سوريا، فإن الأكراد قد
يذهبون للحصول على دعم من دول أخرى مثل فرنسا التي تعاني من توتر العلاقات مع
تركيا في الوقت الحالي. كما ساهم الأكراد في زيادة نفوذ الولايات المتحدة في
المناطق الواقعة في شرق الفرات، ما يعني أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سوف
يفقدها نفوذا كبيرا تكوّن خلال سنوات قتال تنظيم داعش. علاوة على ذلك، يمثل الوجود
الأمريكي ضغطا على تركيا خاصة بعد أن مالت أنقرة تجاه كل من روسيا وايران في سوريا. ويمثل
الأكراد ورقة هامة في افساد أي تسوية سياسية من شأنها أن تهمش الولايات المتحدة في
سوريا.
ثالثا) سيناريوهات مستقبلية
لم تنتهي الحرب في سوريا بعد، حيث يرغب النظام
السوري مدعوما بروسيا في استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية بما فيها ادلب
وطرد التنظيمات الإرهابية منها. وتعد بقاء القوات التركية في إدلب نقطة خلافية بين
تركيا وروسيا، حيث ترغب موسكو في أن تجعل الوجود التركي في ادلب مؤقتا، لكنّ أنقرة
ترغب في وجود قواتها لأبعد من ذلك. وفي نفس الصدد، تشهد العلاقات التركية
الأمريكية توترا في الوقت الراهن. وتعد سوريا نقطة خلافية بين الطرفين بسبب علاقة
الولايات المتحدة بالأكراد.
وفقا لذلك، هناك عدد من السيناريوهات بخصوص
مستقبل سوريا.
1-
اندلاع المواجهات في إدلب: قد تتجدد المواجهات من جديد بين النظام السوري وتركيا،
حيث يرغب الأول في استعادة السيادة على المناطق الشمالية، بينما ترغب تركيا في
بقاء قواتها لوقت أطول. في حالة تحقق هذا السيناريو، سوف تقف روسيا على الحياد
تماما كما فعلت في مارس 2020. كما سوف تلعب روسيا دور الوسيط بين الطرفين.
2- بقاء
الوضع كما هو عليه في ادلب: ويعد بقاء الوضع كما عليه في ادلب أمرا وارد في حالة
عدم حدوث أي تطورات جديدة في إدلب. وفق لهذا السيناريو، سوف تستمر روسيا وتركيا في
تيسير الدوريات المشتركة في ادلب، لكنّ موسكو سوف تمارس الضغط على أنقرة من أجل
إجبار التنظيمات الإرهابية للتخلى عن سلاحها.
3-
استعادة النظام السوري مناطق الأكراد: من غير الوارد حدوث حرب بين النظام السوري
والأكراد في العام المقبل. ورغم ذلك، قد تحدث تفاهمات بين الطرفين، يتم على اثرها
دخول النظام السوري إلى مناطق الأكراد بهدف قطع الطريق على تركيا في حالة رغبت بشن
أي هجوم على الأكراد.
4- نشوب
حرب بين تركيا والأكراد: احتمالية حدوث هذا الأمر في 2021 غير واردة لأن إدارة
بايدن سوف تعمل على دعم الأكراد كوسيلة لزيادة الضغط على تركيا، ما سوف يجعل الأمر
صعبا للغاية بالنسبة لأنقرة للمخاطرة بعملية عسكرية جديدة ضد الأكراد لأن الولايات
المتحدة قد ترد بعقوبات قاسية.
في النهاية، ترغب تركيا في تثبيت الوضع الراهن في
إدلب، لكنها تريد من روسيا أن تساعدها على تفكيك التنظيمات الكردية المسلحة. هذا
الأمر لن يكون سهلا على الإطلاق في حالة ما اتبعت إدارة بايدن سياسة الاندماج
المباشر في النزاع السوري.
الهوامش:
- بي بي
سي، استقالة جيم ماتيس بسبب خلافه مع ترامب في الرأي. https://www.bbc.com/arabic/world-46643020
-
روسيا اليوم، أنقرة تعلن الإتفاق
مع روسيا على بنود وقف اطلاق النار في ادلب وتيسير درويات مشتركة. https://arabic.rt.com/middle_east/1093479-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A5%D8%AF%D9%84%D8%A8/