تعتبر إيران من ضمن عدد لا بأس به من الدول الشرق
الأوسطية التي تعاني من مجموعة من الأزمات المتصاعدة على المستويين الداخلي
والخارجي، الأمر الذى يتمثل في التدهور الاقتصادى اللاحق على الخروج الأمريكي من
الاتفاق النووي لعام 2018 وإعادة فرض موجات من العقوبات الاقتصادية مرة أخرى، بعد
أن تم رفعها في عام 2015. تأسيسًا على ما سبق، أدى التدهور الاقتصادي إلى تصاعد
حدة الاحتجاجات السياسية بسبب تزايد معدلات البطالة والتضخم، وبالتالي تدهور مستوى
معيشة المواطن الإيراني، كما أدى العدد الكبير من القضايا الخلافية إلى تصاعد حدة
الصراع بين التيارات السياسية.
اما فيما يتعلق بالمستوى الخارجي فزادت حدة العداء بين
الولايات المتحدة الأمريكية وإيران خلال السنوات اللاحقة على الخروج الأمريكي من
الاتفاق النووي وهو لأمر الذي وصل إلى ذروته في 3 يناير 2020 عندما اغتالت واشنطن
قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد الدولي.
كما زادت حدة التهديدات المتبادلة بين كل من طهران وتل أبيب وبخاصة بعد عقد
اتفاقات السلام الإسرائيلية مع بعض الدول العربية والتي يتمثل أبرزها في الإمارات
العربية المتحدة والبحرين.
المستوى الداخلي
تعاني طهران من عدد من الأزمات
السياسية والاقتصادية يمكن توضيحها على النحو التالي:
أولاً-
تدهور حاد؛ أعلنت مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد استمرار معدل الانكماش الاقتصادي
في إيران البالغ 9.5%هذا العام إلى2021، وأشارت بعض التقديرات التي أعلنها البنك الدولي
في أوائل أكتوبر 2020 أن الاقتصاد الإيراني سيختم السنة المالية 2019-2020 بنمو
يقل 90% عما كان عليه قبل عامين، على خلفية العقوبات الاقتصادية المشددة المفروضة
من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
كما توقع صندوق النقد الدولي أن
يبلغ معدل التضخم الاقتصادي في إيران بنهاية 2020 حوالى 35.7%، فضلاً عن الانهيار التدريجي في قيمة العملة الإيرانية؛
حيث بلغ سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني في 15 أكتوبر 2020 حوالي 42 ألف ريال
مقابل الدولار الأمريكي، في حين بلغ سعر
صرف السوق 115 ألفًا.
يشير ما سبق إلى حجم المعاناة التي يعيشها المواطن الإيراني
من ارتفاع أسعار السلع، تدني مستوى الخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الكفاف الاقتصادي؛
حيث أظهر تقرير المركز الإحصائي الإيراني الأخير عن التضخم أن متوسط مؤشر أسعار
المستهلك للسلع والخدمات ارتفع في فترة الـ 12 شهرًا المنتهية في 21 سبتمبر 2020
بنسبة 26٪ مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، وهو الأمر الذى من شأنه أن
يكون دافعًا كبيراً لتصاعد الاحتجاجات مرة
أخرى في إيران.
ثانيًا- صراع متزايد؛ يمكن القول أن قضية اغتيال رئيس
مؤسسة الأبحاث والتطوير بوزارة الدفاع الإيرانية محسن فخرى زاده في 27 نوفمبر 2020 في هكذا توقيت حرج من تاريخ
الدولة الإيرانية أدى إلى تصاعد حدة التوترات بين كل من الإصلاحيين والمحافظين أو
بالأحرى أعضاء البرلمان الإيراني وحكومة روحاني؛ ففي الوقت الذى أصر فيه رئيس
البرلمان محمد باقر قاليباف وعدد من الأعضاء المحسوبين على التيار الأصولي على
ضرورة الرد، حتى لا يتجلى الضعف الإيراني في مواجهة الأعداء، إلا أنه كان للرئيس
الإيراني وعدد من مسؤولي حكومته رأي آخر تمثل في ضرورة التريث وعدم الانجراف وراء
هكذا حوادث يمكن استغلالها من قبل المنافسين لخلق إجماع دولي ضد إيران.
تشير الأجواء السياسية المتوترة داخل الدولة
الإيرانية إلى أنه من المتوقع أن يصل رئيس محافظ إلى سدة الحكم خلال الاستحقاقات
الرئاسية القادمة المزمع عقدها في يونيو 2021، اتساقًا مع نتيجة الانتخابات
البرلمانية التي تم عقدها في فبراير الفائت والتي حظى فيها التيار المتشدد بالعدد
الأكبر من المقاعد. وعلى الرغم من أن فوز بايدن يمكنه أن يقلل من صعود مرشح أصولي
في إيران، ولكن يمكن القول أن السياسة المتشددة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب تجاه طهران، وجهت ضربة قوية
لتيار الاعتدال بقيادة الرئيس الحالي حسن روحاني.
ومع الإعلان عن عدم ترشح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي الذى من
الواضح أنه يسعى لخلافة خامنئي، تصبح الساحة السياسية مهيئة لمنافسة حادة بين
الأقطاب الأصولية، وبخاصًة مع الحرس الثوري الذى بدأ في الترويج لنفسه على أنه
تيار ثالث مستفيداً من الأزمة الاقتصادية التي تضخمت في ظل حكومة روحاني. وعليه، من المحتمل أن يأتي الرئيس الإيراني
القادم من تيار فكري ينظر بعين الشك والريبة لأي ترتيبات مستقبلية مع الولايات
المتحدة الأمريكية، إلا إذا حدثت تغيرات كبيرة في الساحة السياسية مهدت الأوضاع
لترشح شخصية إصلاحية بارزة مثل وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف، الذى تحدث
خلال مقابلة له مع بعض المنصات الإعلامية الإيرانية عن علاقة قديمة تربطه بالرئيس
الأمريكي الجديد جوبايدن عندما كان يعمل بالأمم المتحدة.
ثالثًا- احتجاجات متصاعدة؛
تعانى طهران وضع اقتصادي متدهور للغاية، الأمر الذى يتمثل في تصاعد معدلات التضخم،
البطالة، مما أدى لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي تدهور مستوى معيشة
المواطن الإيراني. يتوازى ذلك، مع تسارع تفشى فيروس كورونا في إيران، الأمر الذى
وصل بطهران لأن تحتل المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط من حيث عدد الوفيات
والإصابات.
أدى ذلك إلى تصاعد حدة
الاحتجاجات الداخلية، على خلفية عمليات الإغلاق الإجبارية لعدد لا بأس به من الشركات والمصانع الصغيرة التي
كانت تضم عدد كبير من العمال الإيرانيين. في السياق ذاته، أدت الظروف الاقتصادية
الصعبة إلى عدم قدرة حكومة روحاني على الوفاء بالتزاماتها المالية ولاسيما فيما
يتعلق بدفع رواتب العمال والموظفين، مما أدى لتكرار اندلاع الاحتجاجات الفئوية.
المستوى الخارجي
تحظى الدولة الإيرانية بعلاقات متأزمة مع الولايات
المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي وعدد من دول المنطقة على المستوى الإقليمي
والتي يتمثل أبرزها في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فضلاً
عن إسرائيل، وهو الأمر الذى يأتي على خلفية الانخراط الإيراني في عدد لا بأس به من
دول الأزمات في المنطقة ومن المتوقع أن يستمر هذا التدخل باستمرار وجود نظام ولاية
الفقيه في إيران .
أولاً - الولايات المتحدة الأمريكية؛ تتشابك
إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية في ملفين رئيسيين يتمثلان في الاتفاق النووي
الإيراني والتهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في المنطقة؛ حيث أدى الخروج
الأمريكي من خطة العمل المشتركة الشاملة في عام 2018 إلى خلافات كبيرة بين
الطرفين، فضلاً عن توترات مستمرة بشأن العلاقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة
الذرية. وعلى الرغم من رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صاحب قرار الخروج من
الاتفاق النووي مع إيران ومجيء آخر ديمقراطي، إلا ان العلاقات مازالت متوترة بين كل من واشنطن وطهران، على
خلفية عدم الاتفاق حول الملفات التي يجب التفاوض حولها ولاسيما أن الإدارة
الأمريكية الجديدة ترغب في تضمين بعض الملفات الأخرى مثل النفوذ الإيراني في
المنطقة، بل وإشراك عدة دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية
المتحدة في المفاوضات وهو الأمر الذى من غير المتوقع أن توافق عليه إيران مطلقًا.
ثانيًا – دول الخليج وإسرائيل؛ تعتبر
إسرائيل واحدة من الأعداء الرئيسين لطهران في المنطقة، وتتشابك معها في عدد من
الملفات يتمثل أبرزها في الاتفاق النووي والتهديدات المرتبطة بالميليشيات
الإيرانية في المنطقة؛ حيث ترغب إسرائيل في أن تكون الدولة النووية الوحيدة في
المنطقة، وهو الأمر الذى تعتبره طهران تهديداً كبيراً لها. وعليه، بدأت تل أبيب في
شن حملة تطويق كبيرة للنفوذ الإيراني في المنطقة- وهو ما تم بالتزامن مع
الانتهاكات الإيرانية المتواصلة لالتزاماتها
النووية بموجب الاتفاق، والهجمات التي تتعرض لها من الجماعات المسلحة
التابعة لإيران- ولاسيما على المواقع العسكرية التابعة لها في سوريا.
أما فيما يتعلق بدول الخليج فتتشابك مع إيران في الملفات
ذاتها مع اختلاف مناطق التهديد بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات
العربية المتحدة والتي تتمثل في اليمن بشكل رئيسي. من ناحية أخرى، تقوم جماعة
الحوثي اليمنية بشن هجمات مستمرة على الداخل السعودي وهو الأمر الذى وصل إلى ذروته
في سبتمبر 2019 عندما قامت هذه الجماعة بضرب منشآتا نفط تابعتين لشركة أرامكو
السعودية، الأمر الذى أسفر عن خسائر كبيرة ولاسيما فيما يتعلق بأسعار النفط التي
ارتفعت بشكل كبير، فضلاً عن نقص المعروض العالمي منه.