ليبيا في 2020.. المزيد من التطورات الداخلية والخارجية
شهدت ليبيا العديد من
التطورات خلال العام الحالي على المستويين الداخلي والخارجي. كما شهد هذا
العام اندماج العديد من القوى الدولية في النزاع الليبي بشكل واضح، الأمر الذي زاد
من تعقيد الوضع السياسي والعسكري. كما تحولت ليبيا خلال العام 2020 إلى حلقة جديدة
للصراع التركي الروسي من جهة، فضلا عن الصراع التركي الفرنسي من جهة آخري؛ حيث
تحمل كل دولة أجندة مختلفة سعت لتحقيقها خلال العام الحالي.
أولا: تطورات الوضع الداخلي
شهد عام 2020 العديد
من التطورات العسكرية والسياسية داخل ليبيا. وتعد العملية العسكرية التي أطلقها
الجيش الليبي في 2019 هي الحدث الأبرز داخليا خلال 2020؛ حيث استمرت هذه العملية
حتى أكتوبر 2020 حينما تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة. وقد
سيطر الجيش الليبي على كافة المدن الجنوبية المحيطة بالعاصمة. كما تمكن الجيش
الليبي من إحكام سيطرته على مطار طرابلس الدولي في جنوب العاصمة، الأمر الذي جعله
على مقربه من السيطرة على العاصمة وإنهاء الوجود السياسي لحكومة الوفاق الوطني.
لكنّ الأخيرة طلبت دعما تركيا وفق مذكرة تفاهم عسكرية تم توقيعها في 2019 دون أن
يصدق عليها البرلمان الليبي. وقد ساهم هذا التدخل في تحسين الوضع العسكري لصالح
حكومة الوفاق الوطني.
وصلت العلاقة بين
الجيش الليبي وحكومة الوفاق الوطني إلى طريق مسدود، حيث أعلن المشير خليفة حفتر
قائد الجيش الوطني إسقاطه لاتفاق الصخيرات الذي وقع عام 2015 من أجل تهيئة البلاد
لانتخابات رئاسية وبرلمانية. لكنّ المدة القانونية للاتفاق والمقدرة بعامين قد
انتهت دون أن تتمكن حكومة الوفاق من القيام بمهامها وفق للاتفاق نفسه. علاوة على
ذلك، لم تحصل حكومة الوفاق الوطني على تصويت بالثقة من البرلمان الليبي وفق لاتفاق
الصخيرات ذاته. كل هذه العوامل دفعت الجيش الليبي لإعلان الحرب على طرابلس من أجل
طرد المليشيات المسلحة التي تفرض قوة السلاح على العاصمة.
على المستوى السياسي،
تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر برلين الذي عقد في يناير 2020 بهدف
وقف إطلاق النار والتأكيد على قرار مجلس الأمن الذي يقضي بحظر توريد السلاح إلى
أطراف الصراع في ليبيا. وقد هدف هذا المؤتمر بشكل رئيسي على تقييد الدور التركي في
ليبيا من خلال وقف إطلاق النار. ورغم اتفاق كل الأطراف المشاركة، بما فيها تركيا،
على وقف توريد السلاح إلى ليبيا، إلا أن أنقرة قد انتهكت هذا القرار واستمرت على
سياساتها الداعمة عسكريا لحكومة الوفاق.
كما شهد العام 2020
مزيدا من النشاط للدبلوماسية التونسية فيما يتعلق بالأزمة في ليبيا. ففي زيارة له
إلى باريس، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن شرعية حكومة الوفاق مؤقتة ولابد من
استبدالها بآخرى دائمة. كما قامت تونس في نوفمبر 2020 بعقد منتدى الحوار الليبي؛
حيث تم جمع الفرقاء الليبين بهدف وضع خارطة طريق مستقبلية، لكنّ هذا المؤتمر لم
ينجح في تحقيق أهدافه الرئيسية التي تمثلت في الاتفاق على خارطة طريق من أجل عقد انتخابات
رئاسية و تشريعية.
ثانيا: المزيد من الإندماج التركي الروسي
شهد عام 2020 مزيدا
من الاندماج للقوى الدولية في الأزمة الليبية. التدخل التركي لصالح حكومة الوفاق
أصبح أكثر وضوحا من أي وقت مضى. كما لعبت روسيا دورا مهما في تقديم الدعم اللوجستي
للجيش الوطني الليبي في عملياتها العسكرية ضد المليشيات في طرابلس. وقد هدفت روسيا
بشكل رئيسي إلى تدعيم وجدها العسكري في ليبيا ليكون ذلك بوابة تكثيف وجودها
العسكري في أفريقيا. علاوة على ذلك، هدفت روسيا بشكل رئيسي إلى تدعيم وجودها
العسكري في شرق المتوسط قبالة السواحل الليبية بهدف زيادة قدرتها على مواجهة
الناتو عسكريا في حالة اندلاع حرب بين الطرفين. وقد بذلت موسكو جهدا كبيرا منذ وقت
طويل لتحقيق هذا الغرض بهدف تأمين قدرتها على نقل المعارك مع الناتو من البحر
الأسود إلى البحر المتوسط أو قطع طرق الإمداد المتجهة للبحر الأسود من خلال مضيق
البوسفور.
بالنسبة لأنقرة، فإن
وجودها في ليبيا كان أمرا ضروريا بالنسبة لها من أجل ضمان زيادة نفوذها في شرق
المتوسط، خاصة في ظل الخلاف القوي مع اليونان والذي قد يدفع أوروبا لفرض عقوبات
على أنقرة بهدف دفعها لإيقاف أنشطة استكشاف الغاز الغير شرعية في المناطق المتنازع
عليها مع اليونان. وقد استغلت أنقرة ضعف حكومة الوفاق الوطني وحاجتها إلى المزيد
من الدعم العسكري من أجل إجبارها على توقيع مذكرة تفاهم بحرية بين البلدين.
لعبت ليبيا دورا مهما
في اظهار التناغم الروسي التركي بخصوص قضايا المنطقة. وقد جاء الموقف الروسي في
ليبيا متسقا مع الموقف المصري الذي رفض بشكل قاطع دخول المليشيات إلى منطقة سرت
والجفرة. توقف المعارك عند هذه النقطة دفع الأتراك والروس لعقد جلسات ثنائية بهدف
تدعيم وقف اطلاق النار وحل النزاع حول منطقة سرت- الجفرة بشكل سلمي. وقد طرحت فكرة
اخلاء المنطقة من المسلحين ونشر قوات شرطية فيها فقط من أجل تأمين مصالح
المواطنين.
ثالثا: خلاف تركي فرنسي بارز
ولا يمكننا أن نغفل
عن الدور الذي قامت به العملية العسكرية الأوروبية "ايريني" والتي تدور
مهمتها حول مراقبة السواحل الليبية ومنع توريد السلاح الغير شرعي لأطراف النزاع.
وقد أثارت هذه العملية جدلا كبيرا بين الأتراك والأوروبيين؛ حيث يتهما الأتراك
بكونها غير قانونية لأنها لا تعترض إلا السفن التركية، فضلا عن أنها لم تحصل على
تفويض من مجلس الأمن للقيام بدور "الشرطي" في شرق المتوسط. وقد أثارت
هذه العملية خلافا بين تركيا وفرنسا حيث هددت فرقاطة تركية أخرى فرنسية بسبب
اعتراض طريقها، الأمر الذي دفع فرنسا للاحتجاج رسميا أمام الناتو. كما حاولت فرنسا
دفع الناتو لفرض عقوبات على أنقرة إلا أن هذا الأمر لم ينجح.
وفي النهاية، لابد أن
نؤكد أن الحدث الأبرز بالنسبة للأزمة الليبية في 2020 هو اتفاق وقف إطلاق النار
الذي تم توقيعه في أكتوبر 2020 برعاية الأمم المتحدة. ويمهد هذا الاتفاق لحل
النزاع بشكل رسمي من خلال إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. كما لعب وقف إطلاق
النار دورا مهما في إيقاف التمدد التركي في ليبيا والذي كان يتم من خلال المليشيات
التابعة لحكومة الوفاق الوطني.
المراجع
- الأمم
المتحدة. 2020. الأمين العام: توقيع وقف اطلاق النار في ليبيا خطوة نحو السلام
واستقرار. https://news.un.org/ar/story/2020/10/1064432
- سكاي
نيوز عربية. 2020. النص الكامل لوقف اطلاق النار في ليبيا. https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1386461-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%95%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7