كانت حادثة  اغتيال رئيس مؤسسة الأبحاث والتطوير بوزارة الدفاع الإيرانية محسن فخرى زاده في 27 نوفمبر الفائت بمثابة حافزاً هامًا سلط الضوء على مظاهر التصعيد الإيراني مع كل من واشنطن وتل أبيب في المنطقة وبخاصًة بعد خسارة ترامب وفوز مرشح الحزب الديمقراطي جوبايدن في الاستحقاقات الرئاسية التي تم عقدها  في  أوائل نوفمبر 2020.

وفي السياق ذاته، يمكن القول أن حادثة اغتيال زاده التي تم تدبيرها من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) كما يزعم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تأتي بالتوازي مع بروز بعض القضايا الهامة بالنسبة لطهران على الصعيدين الداخلي والخارجي، يتمثل أبرزها في إعلان الرئيس الأمريكي الجديد إعادة فتح قنوات تواصل مع طهران مرة أخرى لحل الملفات الخلافية القائمة بين طهران وواشنطن بما يتضمن البرنامجين النووي والصاروخي والدور الإقليمي لإيران في المنطقة وفقًا لمبدأ "الالتزام مقابل الالتزام"، فضلاً عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية والمقرر عقدها في 18 يونيو 2021، وبالتالي، من شأن ذلك أن يفرض بعض التداعيات الهامة على الداخل الإيراني.

أولاً- تصاعد المواجهة

 أدى اغتيال فخرى زاده في هكذا توقيت حرج من تاريخ الدولة الإيرانية، إلى تصاعد حدة التوترات بين كل من الإصلاحيين والمحافظين أو بالأحرى أعضاء البرلمان الإيراني وحكومة روحاني؛ ففي الوقت الذى أصر فيه رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وعدد من الأعضاء المحسوبين على التيار الأصولي على ضرورة الرد، حتى لا يتجلى الضعف الإيراني في مواجهة الأعداء، إلا أنه كان للرئيس الإيراني وعدد من مسؤولي حكومته رأي آخر تمثل في ضرورة التريث وعدم الانجراف وراء هكذا حوادث يمكن استغلالها من قبل المنافسين لخلق إجماع دولي ضد إيران⁾¹⁾.  

ثانيًا- تنامى الاستغلال

 يمكن القول أن الحرس الثوري والتيار المحافظ بشكل عام لطالما يحاول الاستفادة من أوقات الأزمات لصالحه، وها هو استغل حالة التصعيد المتزايد مع أعداء إيران في المنطقة وبخاصًة بعد اغتيال فخرى زاده لتعزيز نفوذه في الداخل، الأمر الذى تمثل في  رفع  مخصصات الحرس الثوري إلى 1.5 مليار دولار بعد أن كانت ملياراً واحداً في 2020، كما ارتفعت حصة الجيش الإيراني في مشروع الموازنة الجديد إلى 700 مليون دولار، بعد أن كانت 500 مليون في 2020 فضلاً عن زيادة مخصصات مؤسسة الأبحاث والإبداع، التي كان يرأسها محسن فخري زاده إلى 5 أضعاف، أي إلى نحو 10 ملايين دولار، بعد أن كانت حوالي مليوني دولاراً فقط في 2020⁽²⁾.

ثالثًا- عرقلة العودة

 من الواضح أن فوز جوبايدن تسبب في أزمة كبيرة فيما يتعلق بمواصلة  النهج الذى اتبعه ترامب تجاه إيران لعدد من دول المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل. ومن هنا، تحاول هذه الأخيرة بذل كل ما في استطاعتها بالتعاون مع الإدارة الأمريكية الحالية لإعاقة عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وبخاصًة بعد أن وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بتصفية كافة الملفات الخلافية مع إيران من خلال مسارين متوازيين للتفاوض يتضمن الأول خطة العمل المشتركة الشاملة، في حين يتطرق الثاني إلى البرنامج الصاروخي والنفوذ الإيراني في الإقليم⁽³⁾.

رابعًا- انكشاف أمني

 أثار اغتيال فخرى زاده العديد من الانتقادات في الداخل الإيراني، ولاسيما بعد أن تمت مثل هذه الحادثة في قلب العاصمة طهران، على خلفية ضعف أجهزة المخابرات والنظام الأمني العام في إيران، وهو الأمر الذى جاء على لسان سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، قائلاً خلال رسالة وجهها إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني في 28 نوفمبر الفائت" إن استمرار مثل هذه الأعمال يشير إلى ضعف أجهزة المخابرات في البلاد"، مطالبًا في الوقت ذاته بإيجاد حل لمثل هذا الانكشاف الأمني، فضلاً عن ضرورة البحث عن العدو الداخلي الذي قام بهذه العملية⁽⁴⁾.  

في النهاية: من المتوقع أن تستمر مثل هذه الحوادث من قبل تل أبيب والإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب تجاه إيران خلال الفترة المتبقية من رئاسة هذا الأخير، بغرض تعطيل أي ترتيبات مستقبلية بين طهران بقيادة روحاني وإدارة بايدن، وبخاصة مع اقتراب موعد الاستحقاقات الرئاسية القادمة في إيران المزمع عقدها في يونيو 2021 والتي من المتوقع أن تأتي برئيس متشدد استكمالاً لما حدث في الانتخابات البرلمانية التي تمت في فبراير 2020.

الهوامش:

1-      صحيفة أميركية: انقسام إيراني حول أسلوب الرد على اغتيال فخري زاده، 4 ديسمبر2020 ، العربية.نت، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/ahT83f0    .

2-      حكومة روحاني ترفع ميزانية القوات العسكرية والأمنية: زيادة 14 الف مليار تومان في موازنة الحرس الثوري، 3 ديسمبر 2020 ، إيرانتراشنال، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/bhT4pQe .

3-           Ilan Goldenberg, Elisa Catalano Ewers and Kaleigh Thomas, Reengaging Iran, A New Strategy for the United States, Center For New American Security, AUGUST 04, 2020, available at https://www.cnas.org/publications/reports/reengaging-iran  .

4-      انتقادات في إيران.. "أجهزة مخابراتنا ضعيفة"، 28 نوفمبر 2020، العربية.نت، متح على الرابط التالي https://cutt.ly/6hT4Okz .