المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

مستقبل الصراع في اليمن

الأربعاء 21/أبريل/2021 - 11:48 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في ظل انسداد واضح بشأن التوصل لتفاهمات سياسية باليمن بين التحالف وجماعة الحوثي، شهد الصراع تصعيداً ملحوظاً مؤخراً، عده مراقبون مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" من النزاع العسكري المستمر منذ 6 أعوام.

وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي لإحلال السلام فإن مستقبل تسوية الأزمة لا يزال بعيدًا وغامضًا، فسيناريوهات مستقبل الأزمة في اليمن في معناها العام هي أشبه بالمناورات، التي تقوم بها الجيوش، عبر خلق واقع افتراضي لمعارك متخيلة، وتمرين القوات العسكرية على التعامل معها، وبطبيعة الحال، فإن من المستحيل أن تتطابق المناورات مع المعارك الحقيقية. والفائدة المرجوة من عرض السيناريوهات هي تقريب الأفكار والمشاريع المطروحة عبر تفسير حدوثها ومن ثم استيضاح صيرورتها ونتائجها.

أولًا: أسباب داخلية للصراع

لا يمكن النظر إلى المشهد الداخلي اليمني بمعزل عن الصراعات والتناقضات العميقة بين مكوناته الاجتماعية والقبلية والطائفية والجهوية، والحكم الاستبدادي، وانعكاساته السياسية في السعي نحو التوريث، وحروب صعدة والتفجيرات والاغتيالات والخلافات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتواجد تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" على أرض اليمن، والخلاف حول مسودة الدستور ونظام الأقاليم، فضلًا عن البطالة والفقر وغياب العدالة في توزيع الثروة.

أدت هذه العوامل وغيرها، لا سيما بعد تأزم الانتقال السلمي للسلطة بعد ثورة العام 2011، وسيطرة الحوثيين العسكرية على العاصمة صنعاء في العام 2014، إلى اتساع دائرة تشظي اليمن وتمزقه، الأمر الذي شكّل مدخلًا لتأثير دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية على مجريات الأحداث.

وقد خرج الشعب اليمني إلى الساحات والميادين في ثورة سلمية للمطالبة برحيل النظام، ومن أجل الحرية والكرامة وإصلاح مؤسسات الدولة. وشكَّلَ المسار السياسي للأحداث التي مرت فيها الثورة، مع طول العامل الزمني في عدم حسمها، الخيارَ الأمثلَ لتدخل نفوذ القوى الدولية والإقليمية، الحاضر بقوة في اليمن.

 

 

ثانيًا: أسباب خارجية للصراع

يتميز اليمن بموقع استراتيجي يربط الشرق بالغرب عبر بحر العرب ومضيق باب المندب، ويعدّ ممرَ التجارة الدولية البحرية الأهم في العالم، وهذا جعله محط أطماع وتدخلات دول الجوار والإقليم، وصراع القوى الدولية والاستعمارية؛ بهدف السيطرة على الموقع والممر المائي لتأمين وحماية مصالحها الحيوية والإستراتيجية، فالذي يسيطر على اليمن، يتحكم، عمليًا، بخطوط الملاحة البحرية وممرات التجارة العالمية، ويفرض ويحدد شروطه داخل اليمن والإقليم والعالم. ومن هنا، لا يمكن اعتبار اليمن كغيرها من دول العالم بسبب هذا العامل الذي يدفع الدول الكبرى إلى التدخل تحت ضغط وتأثير مصالحها وأهمية اليمن من الناحية الجيوإستراتيجية.

والهدف من هذا هو عرض السيناريوهات العديدة التي يمكن أن يمر بها اليمن فيكون أكثر استقرارًا أو أشد فوضى مما هو عليه الآن. والسيناريوهات المستعرضة ليست سوى صور مختلفة  للتعبير عن هذا المستقبل.

1. سيناريو الاستقرار

ما نقصده بالاستقرار في هذه السيناريوهات هو انخفاض وتيرة العنف، وسيطرة حكومة مركزية على الأراضي اليمنية، ورفع الحصار عن المنافذ البحرية والجوية والبرية، وتحكم قوى محلية، معترف بها من قبل العالم الخارجي، بالشأن اليمني، فيما يُعرف بحالة السيادة.

يقوم هذا السيناريو على تشكيل سلطة لفترة انتقالية تضم جميع أطراف النزاع، وتشمل هذه السلطة رئيسًا توافقيًّا، أو نائب رئيس توافقيًّا تُنقل له صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، وتشكيل حكومة من جميع الفرقاء.

ووفقًا لهذا السيناريو؛ يتم إعلان وقف شامل لإطلاق النار، وإبقاء خطوط المواجهات على ما هي عليه قبل الاتفاق، وتشكيل قوات مراقبة محلية من قوى لم تشارك في الحرب ومقبولة من جميع أطراف النزاع، يتم تطعيمها بمراقبين من دول أجنبية، أو الأمم المتحدة، للإشراف على تطبيق بنود التسوية وخاصة تلك المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وتسليم السلاح من جميع الأطراف، وتشكيل جيش وطني وقوات أمن تتحمل مسؤولية الأمن بديلًا عن قوات الأطراف المتحاربة.

وبعد تشكيل هذه الحكومة، يُرفع الحصار المفروض على اليمن وتُلغى العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن على عدد من الأشخاص المحسوبين على بعض أطراف النزاع، وينتهي التدخل العسكري الخارجي،

ويناط بالسلطة الانتقالية مهمة تطبيع الأوضاع، وخلق ظروف تسمح بإجراء حوار سياسي حول شكل الدولة والنظام السياسي الدائم لليمن، مستنيرين بنتائج الحوارات السابقة وتحديدًا مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في شهر مارس  2013، واختتم أعماله في يناير 2014، بالإضافة إلى تطبيق مبادرة الرياض على أن تنتهي المرحلة الانتقالية بانبثاق سلطة شرعية لليمن بواسطة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كما أنها تستهدي بالمبادرة الخليجية التي نزعت فتيل الصراع الدموي الذي كان ماثلًا في عام 2011، وحققت سلامًا نسبيًّا في المرحلة اللاحقة ساعد على عقد مؤتمر الحوار الوطني وكتابة مسودة دستور جديد للدولة، ومع ذلك هناك معوقات جوهرية تقف أمام تحقق هذا السيناريو يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

- أطراف الحرب الرئيسية في اليمن، هي في جوهرها حركات شمولية دينية (الحوثيون، حزب الإصلاح، السلفيون) وحركات من هذا النوع خياراتها صفرية في الغالب، فعداؤها لبعضها البعض أيديولوجي ديني لا يقبل التسويات التي تقوم على الحلول الوسط، وتنعدم الثقة فيما بينها ويصعب وضعها ضمن نظام تعددي أو محاصصة سياسية مستقرة.

- الجماعات المطالبة بانفصال المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، يقوم مشروعها على إلغاء الوحدة اليمنية وعودة دولتي اليمن السابقتين، وهي بهذه المطالب لن تكون مهتمة، أو قادرة على الدخول في سلطة الجمهورية اليمنية.

- لا يمكن قياس هذه التسوية بظروف نجاح المبادرة الخليجية؛ فالصراع حينها كان منحصرًا بين أطراف محلية صرفة، وكان محور الصراع يتركز حول خروج الرئيس السابق على عبدالله صالح، وإدخال إصلاحات في النظام السياسي، وهي أمور أسهل بما لا يقاس وطبيعة الصراعات الحالية. كما أن المبادرة الخليجية تمت في ظل مؤسسات دولة قائمة كانت تسيطر بشكل شبه كامل على كل مناطق الدولة ومؤسساتها تقريبًا؛ فيما الوضع الحالي يشهد تدخلًا خارجيًّا كثيفًا، وتفككًا في المؤسسات وتقاسم النفوذ والسلطة بين أطراف داخلية وخارجية عديدة لها أجندات متباينة، ولهذا كله فإن من الصعب تكرار نموذج المبادرة الخليجية في المستقبل.

 - ليس هناك من مؤسسات عسكرية ذات طابع وطني يمكن لأطراف النزاع الاحتكام لها وتسليمها أسلحتها، ومنحها صلاحية حفظ الأمن؛ فالقوات العسكرية والأمنية في مناطق سيطرة الحوثيين أصبحت عمليًّا أقرب لميليشيا خاصة بهم. وبالمثل، تقريبًا، جميع القوات العسكرية والأمنية في الجانب الآخر، هي أقرب ما تكون لقوات حزبية أو جهوية أو شخصية؛ فهي في حقيقتها قوات مقسمة بين حزب الإصلاح، والمؤتمر، وبين الجماعات الانفصالية والجهوية والسلفية، وبعض شيوخ القبائل وغيرهم.

ووفقًا لذلك؛ فلا وجود لجيش وطني حقيقي يمكن أن تقبل أطراف النزاع تسليم السلاح له أو الاندماج فيه. كما أن من الصعب تشكيل جيش وقوات أمن وطنية جديدة عبر دمج قوات الأطراف المتناحرة.

- التسويات الشبيهة التي نجحت في بعض الدول بعد الحروب الأهلية، كان من أسباب نجاحها وجود قوة خارجية فرضت التسوية على الجميع أو انحازت لبعض الأطراف، كما حدث في لبنان بعد اتفاقية الطائف، والتي فرضتها سوريا عبر أجهزتها  الداخلية وبغطاء إقليمي ودولي. وفي اليمن يستحيل تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة، أو متعددة الجنسيات أو غيرها، وفق المعطيات الراهنة على الأقل، تتولى نزع الأسلحة وتنفيذ بنود تسوية كهذه.

كما أن التسوية من هذا القبيل تعني تثبيت الأمر الواقع؛ وهذا يعني أن الأطراف القوية على الأرض هي من ستستفيد منها، ولكون الحركة الحوثية هي الطرف الحاكم على أكثر من 70% من سكان الدولة ولديها قيادة مركزية وتنظيم صارم، ونواة صلبة، وتمارس سلطاتها عبر مؤسسات الدولة اليمنية التي سيطرت عليها؛ فإن التسوية، وفق هذا السيناريو، ستصب في صالحهم، وستكون بمنزلة اعتراف لهم بالنصر وهزيمة خصومهم. كما أنها ستؤدي إلى سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة بعد أن تتوقف الضربات الجوية بمعنى آخر، لن يلتزم الحوثيون بأية اتفاقية وهم قادرون على السيطرة على مناطق جديدة، ولن يعدموا الأسباب والمبررات التي سيسوقونها لقيامهم بذلك الفعل.

- تباين الأجندات للدول التي تتدخل في الشأن اليمني، كالسعودية والإمارات من جانب وإيران من جانب آخر، وغيرها من الدول، والتي ستقف ضد أية تسوية لا تحقق أهدافها. ومن الصعب وفق الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، توقع توافق هذه الدول على مشروع تسوية استنادًا إلى هذا السيناريو.

والخلاصة أن هذا السيناريو يصعب تخيل حدوثه، وسيبقى في خانة التمنيات لدى البعض، وحتى لو تم العمل به؛ فإن فرصته في الصمود، ومن ثم خلق الاستقرار في اليمن، ضعيفة جدًّا؛ إذ إن من المحتمل ألا يُـنفَّذ حتى لو وقَّعت أطراف الصراع عليه تحت الضغط الداخلي والخارجي.

 

2- سيناريو تسوية الأزمة بسبب انتشار كورونا

لا تنفصل أزمة فيروس كورونا المستجد عن مشهد الصراع اليمني، حيث تبدو ثمة علاقة تأثير متبادل بين كورونا والصراع، وهذه العلاقة لا تعني، بأي حال من الأحوال، المبالغة في الحديث عن تأثير كورونا في مسار الصراع، لأنه يظل متغيرًا مفردًا يتفاعل مع معطيات الصراع ومساراته عبر رؤية فاعلي الصراع للفيروس وكيفية توظيفه. ومن هذا المنطلق، يرتبط تأثير فيروس كورونا على الصراع اليمني بعدد من الأبعاد الرئيسية:

1-معضلة الأوضاع الصحية: فقد تكفل الصراع اليمني بإنتاج مشهد مجتمعي وإنساني مأزوم تبلورت ملامحه في تدهور المؤشرات الصحية في دولة تعاني بالأساس من مشكلات هيكلية. ووفقًا للعديد من التقديرات فإن نحو 50%  فقط من المستشفيات والعيادات هي التي تعمل داخل اليمن، ومعظمها يفتقر إلى الطواقم الطبية المؤهلة والأدوية. وعلى مدار السنوات الماضية تعرض اليمن لتفشي الأمراض مثل الكوليرا التي ظهرت كتهديد حقيقي لليمنيين، بعدما تجاوز العدد الإجمالي لحالات الكوليرا المشتبه بها 2 مليون و300 ألف حالة خلال الفترة من أكتوبر 2016 إلى يناير 2020. كما اكتسب مرض حمى الضنك اهتمام الكثير من المنظمات الدولية مؤخرًا على خلفية انتشاره في أكثر من مديرية باليمن، حتى إن بعض التقديرات تذهب إلى أن إصابات حمى الضنك تجاوزت 3000 شخص.

وفي سياق كهذا، يشكل ظهور فيروس كورونا، واحتمالات انتشاره داخل اليمن، معضلة جوهرية، فالبنية التحتية الصحية لن تستوعب احتمالية انتشار الفيروس، كما أن توافر المستلزمات الطبية اللازمة، ومتطلبات مواجهة كورونا، مثل توافر المياه النظيفة لكافة الأفراد، يمثل مشكلة حقيقية لليمن، خصوصًا مع قرار بعض المانحين الدوليين بخفض المساعدات لليمن نتيجة لسياسات الحوثيين العدوانية. علاوة على ذلك، فإن تزامن ظهور فيروس كورونا مع وجود أمراض أخرى داخل اليمن يضاعف من تأثير كورونا على الأوضاع الإنسانية باليمن.

 2-حسابات الحكومة الشرعية: رحبت الحكومة اليمنية بمبادرات وقف إطلاق النار والتهدئة. ففي يوم 29 مارس الماضي، رحبت الحكومة بدعوة المبعوث الأممي "مارتن جريفيث" إلى عقد اجتماع عاجل يبحث وقف إطلاق النار في اليمن لمواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا. كما أصدرت وزارة الخارجية اليمنية بيانًا ذكرت فيه أن "هذا الموقف يأتي حرصًا من الحكومة على التخفيف من معاناة اليمنيين، ومن أجل تجنيب اليمن تبعات الانتشار المحتمل لكورونا". ودعت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى "الضغط على ميليشيات الحوثي للاستجابة لهذه الدعوة دون شروط مسبقة، وإيقاف خروقاتها وتصعيدها المستمر".

3- التوظيف الحوثي للأزمة: حيث تعامل الحوثيون مع أزمة كورونا منذ بداية ظهوره في المنطقة، وحتى قبل أن تظهر إصابات بالفيروس في اليمن، على أنه فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب، سواء على الساحة الداخلية أو الخارجية، واستمرت ميليشيا الحوثي في هجماتها حيث أعلنت السعودية يوم 28 مارس الماضي اعتراض صاروخين باليستيين فوق مدينتي جازان والرياض بعد أن أطلقهما الحوثيون من صنعاء وصعدة.

ولم يتوقف هذا التعاطي الحوثي البراجماتي مع أزمة كورونا عند هذا الحد، ولكنهم استخدموا خطابًا تآمريًّا ضد دول التحالف العربي، فالكثير من قادة الحوثيين يروجون لسردية "فيروس كورونا المُصنّع من قبل الولايات المتحدة"، وفي السياق ذاته، وفي مقابل هذا الخطاب التآمري، حاول الحوثيون تحسين صورتهم الخارجية عبر طرح مبادرة يوم 8 إبريل الجاري، قبل ساعات قليلة من إعلان التحالف العربي إيقاف إطلاق النار في اليمن، لإنهاء الحرب في اليمن، حيث قال الناطق باسم الحوثيين إن جماعته قدمت رؤية للأمم المتحدة تنص على وقف شامل للحرب وتأسيس الحوار، وتدعو الوثيقة المعلنة إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية يمنية تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة.

4- مبادرة التحالف العربي: فقد أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية عن وقف إطلاق نار شامل في اليمن لمدة أسبوعين اعتبارًا من يوم الخميس التاسع من شهر إبريل 2020، وهي مدة قابلة للتمديد. وكشفت المبادرة عن سعي التحالف العربي لتخفيف حدة الصراع اليمني وتوجيه المزيد من الجهود للتعامل مع فيروس كورونا. ولعل هذا ما عبر عنه المتحدث باسم التحالف العربي العقيد الركن "تركي المالكي"، إذ أوضح أن الهدف من وقف إطلاق النار هو تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن لعقد اجتماع بين حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" والحوثيين، وفريق عسكري من التحالف تحت إشراف أممي لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم، وخطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد.

5- الضغوط الدولية لتهدئة الصراع: فالكثير من الدول ترغب في الوقت الحالي في تهدئة الصراع اليمني، في ظل انشغالها بمواجهة تداعيات كورونا. ومن ثم، قد تتزايد الضغوط الدولية من أجل تهدئة حدة الصراع في الوقت الراهن، وهو ما ظهر مثلًا من خلال مطالبة الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في اليمن للتعامل مع أزمة كورونا، وأكد على هذا المنحى البيان الصادر مؤخرًا من مجلس الأمن الدولي الذي رحب بمبادرة التحالف العربي بإيقاف إطلاق النار في اليمن، ويطالب كافة الأطراف بضرورة الالتزام بالتهدئة، والتواصل مع المبعوث الأممي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع.

ويفترض هذا السيناريو التزام أطراف الصراع، خاصة الحوثيين، بمبادرة الأمم المتحدة وكذلك مبادرة التحالف العربي لإيقاف إطلاق النار، والتوقف عن التصعيد بحثًا عن إطار فعلي لتسوية دائمة ومستقرة.

3. سيناريو الفوضى

يقوم هذا الافتراض على انفصال الجنوب والسيطرة عليه سيكون بمثابة أهم الأهداف التي تحققت من هذه الحرب، لأن الجنوب إلى جانب أنه سيشكِّل حائط صد يمنع الحوثي من التمدد في الجنوب السني بعيدًا عن سيطرة الحوثيين، فإنه في الوقت نفسه سيشكل منطقة عازلة تمنع الحوثيين من إيذاء السعودية ومحاربتها.

يعتقد الانفصاليون أن موقع الجنوب ومساحته التي تمثل ثلثي مساحة اليمن وشواطئه، التي تطل على جزء من مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي هي أكثر أهمية استراتيجيًّا من بقية اليمن.

كما أن اشتعال الحرب، وفق هذا السيناريو، لن يكون بين الحوثيين وخصومهم فقط، فهناك احتمال قوي بأن تشتعل الحرب في مناطق أخرى؛ حيث ستحاول بعض الأطراف مدَّ سلطاتها في بعض المناطق، وفي هذا الصدد؛ من المتوقع، أن تقع حرب في محافظة تعز بين السلفيين والمؤتمريين والناصريين وغيرهم، مع حزب الإصلاح للسيطرة على هذه المحافظة.

وفي الجنوب، سيحدث نزاع دموي عنيف بخلفيات جهوية وحزبية، فالمجلس الانتقالي سيحاول أن يسيطر على بقية مناطق الجنوب وهو ما يجعله يصطدم بخصومه الجهويين في محافظات أبين وشبوة وربما حضرموت والمهرة، وخصومه السياسيين كحزب الإصلاح.

 ومن ناحية أخرى فإن تنظيم القاعدة وداعش سيبرزان في بعض المناطق في مواجهة الحوثيين والمجلس الانتقالي في الجنوب، سواء أكان ذلك بشكل منفرد أو بالتحالف مع جماعات أخرى كحزب الإصلاح أو السلفيين أو غيرهم، فمناخ الصراع سيكون مواتيًا لهما أفضل من الوضع الحالي. كما أن من المتوقع أن تدعم بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر هذه التنظيمات لمحاربة الحوثيين أو أطراف أخرى.

من الطبيعي وفق هذا السيناريو أن تكون الحرب أكثر دموية والأطراف المتحاربة أقل التزامًا بقوانين الحرب، وبالأعراف القبلية والاجتماعية؛ لأنهم لن يكونوا حينها محكومين بجهات تخشى العقوبة واللوم والمساءلة، وبالطبع ستكون الجماعات الإرهابية هي أكثر الأطراف التي يتوقع أن تمارس هذه الأعمال، وهو الأمر الذي سيخلق ردود أفعال من أطراف أخرى والدخول في دائرة عنف بشعة من الفعل ورد الفعل، على غرار ما حدث في سوريا والعراق والجزائر.

ومن المتوقع في مناخ صراع كهذا أن تتخذ الحرب طابعًا مذهبيًّا وجهويًّا وقبليًّا وسُلاليًّا، وهو ما سيؤدي إلى عمليات تطهير سكاني كبير.

4. سيناريو اليمن الاتحادي

منذ سقوط نظام الرئيس صالح ارتفعت الأصوات المنادية بتغيير شكل الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة اتحادية. وكانت المبررات التي تقف خلف هذه الدعوات تتمثل في أن الدولة الاتحادية ستُضعف الدعوات المطالبة بانفصال الجنوب، وستحل مشكلة المركزية السياسية والمالية والإدارية، والتي يرى أنصار الفيدرالية أنها تمثل جوهر المشكلة اليمنية.

وقد منح هذه الأفكارَ الزخمَ وصولُ رئيس جنوبي للسلطة، والذي جعله منحازًا إلى الفكرة كونها ستمنح الجنوبيين قدرًا أكبر من السلطة وسيطرة أكبر على مناطقهم ومواردها، وتخلق توازنًا يحد من التفوق السكاني للشماليين مقابل الجنوبيين. وبالإضافة إلى ذلك؛ وجدت فكرة الدولة الاتحادية صدى لدى عدد كبير من النخب السياسية الشمالية التي لا تنتمي لمنطقة الهضبة العليا، والتي يعتقدون أن سكانها يهيمنون على السلطة منذ نظام علي صالح والأنظمة التي سبقته، وتحديدًا منذ أن تأسست الدولة في شمال اليمن عقب خروج العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى.

فخلال تلك الفترة، سيطر السكان المنحدرون من تلك المنطقة على السلطة، وخاصة على مؤسسات (الجيش والأمن)، وأصبحوا عمليًّا هم الطبقة الحاكمة خلال الحكم الإمامي والجمهوري في شمال اليمن قبل الوحدة، وفي دولة الوحدة بعد حرب 1994.

ووفقًا لذلك، تم العمل من قبلهم على تبني الفدرالية في مؤتمر الحوار الوطني، وتم في وقت لاحق تحديد عدد أقاليم الدولة الاتحادية المخطط لها بـستة أقاليم، وتم تأكيده في مشروع الدستور الدائم لليمن، والذي تم استكمال كتابته قبل أشهر من الحرب.

ومنذ انتهاء مؤتمر الحوار دفع المبعوث الدولي وسفراء الدول الكبرى مجلس الأمن لتأييد الدولة الاتحادية، وبعد الحرب تم تبني صيغة محددة من قبل "دول التحالف" والدول الداعمة لها تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار، والتي تنص على الدولة الاتحادية مرجعية لأي حوار وتسوية تنبثق عنه.

وسيناريو الدولة الاتحادية يعني استكمال المرحلة الانتقالية من نقطة توقفها في 2015 قبل الحرب، عبر إجراء الاستفتاء على الدستور، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية، وتقسيم الدولة إلى 6 أقاليم، ثم إجراء انتخابات رئاسية تنتهي حينها المرحلة الانتقالية وتبدأ المرحلة الدائمة.

ويتبنى الرئيس هادي مشروع الدولة الاتحادية بكل قوة لأنه يمنحه المبرر للاستمرار في السلطة، حتى انتهاء "الفترة الانتقالية" وفق المبادرة الخليجية، ويقطع الطريق أمام الأفكار الأخرى المطروحة للحل من قبيل استبدال رئيس جديد به أو تفويضه السلطة لنائب رئيس توافقي وإجراء حوار جديد في المرحلة الانتقالية الثانية، والتي أشرنا لها في سيناريو التسوية.

وإلى جانب الرئيس هادي، أصبح حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة المنضوية في حكومة هادي متمسكة بخيار الدولة الاتحادية ورافضة لأي حلول خارج هذا الحل.

من جهة أخرى، يرفض الحوثيون بشكل مباشر أو غير مباشر صيغة الدولة الاتحادية وتحديدًا فكرة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعتبرونها جزءًا من مؤامرة تمزيق وتقسيم اليمن، وهو الموقف الذي كان يعبِّر عنه الرئيس السابق، علي صالح، بوضوح، والذي كان يرفض فكرة الفيدرالية والدولة الاتحادية بأية صيغة كانت. وإلى جانب هؤلاء، ترفض القوى الانفصالية -وتحديدًا المجلس الانتقالي- فكرة الدولة الاتحادية وترى فيها مؤامرة وعملية التفافية لحرمان الجنوبيين مما يعتبرونه حقهم في تقرير مصيرهم؛ حيث يرون أن مشروع الدولة الاتحادية سيؤبد دولة الوحدة ويلغي فكرة الانفصال بشكل نهائي.

ولتنفيذ سيناريو الدولة الاتحادية يتطلب الأمر انتصارًا شاملًا ونهائيًّا للرئيس هادي والتحالف الحاكم المكوَّن بشكل رئيس من حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة، على الحوثيين وعلى المجلس الانفصالي وعلى القوى التابعة لأنصار الرئيس السابق، علي صالح، والتي تُعرف بحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح.

ولكن يظل تحقق هذا السيناريو محفوفًا بعدد من التحديات، ربما أهمها الحاجة إلى تصاعد حدة الضغوط الدولية على الحوثيين لإنهاء التصعيد، لا سيما مع التكلفة التي يتحملها المجتمع في الوقت الراهن لمواجهة فيروس كورونا. علاوة على تراجع حسابات القوة لدى الحوثيين من زاويتي صعوبة السيطرة العسكرية على مدينة مأرب، وكذلك تنامي الصعوبات التي تواجهها طهران داخليًّا بسبب وباء كورونا، والتي على إثرها يتيقن الحوثيون من أنهم لن يحصلوا على أي دعم إيراني خلال فترة زمنية لن تكون بالقصيرة.

في الختام يحتمل السياق الراهن، الذي يضم العديد من المتغيرات التي لا تقتصر فقط على فيروس كورونا، سيناريوهات مختلفة لمستقبل الصراع اليمني تتراوح بين بداية تسوية الصراع والالتزام بالتهدئة، واستمرار الصراع.

المراجع:

1) أبرز جولات المفاوضات والمشاورات اليمنية التي حصلت منذ بداية الحرب عام 2015، قناة المنار، 6 ديسمبر 2018، على الرابط: http://almanar.com.lb/4597991&nbsp

2) Declan Walsh & David D. Kirkpatrick, “U.A.E. Pulls Most Forces from Yemen in Blow to Saudi War Effort,” The New York Times, 11/7/2019, at: https://nyti.ms/2JMaaRX

3) Forster, Robert. “The Southern Transitional Council: Implications for Yemen's Peace Process”, Middle East Policy, September, 2017.

https://www.researchgate.net/publication/319600171_The_Southern_Transitional_Council_Implications_for_Yemen%27s_Peace_Process

4) الصراع مع إيران وسيناريوهات مستقبل الشرق الأوسط، العين الإخبارية، على الرابط: https://al-ain.com/article/conflict-iran-scenarios-future-middle-east

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟