الاتفاق النووي ومأزق الطبقة الوسطى في إيران
بدأت
إيران في تفاهمات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية تمهيداً لمفاوضات بشأن
العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)لعام 2015، يتزامن ذلك مع تصاعد معاناة ملايين الإيرانيين
من الناحية الاقتصادية على خلفية العقوبات الأمريكية التى تم تكثيفها بعد انسحاب
واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2018. فرغم صدور عدد كبير من مقالات
الرأي ورسائل الكونغرس من الحزبين التى حثت الرئيس الأمريكي جوبايدن على الاستمرار
في حملة الضغوط القصوى لسلفه دونالد ترامب، على اعتقاد بأن فرض المزيد من العقوبات
سيجبر إيران على تقديم المزيد من التنازلات، ويضعف موقفها التفاوضي، لكن يؤكد
الكاتب على خطأ هذه الإدعاءات، والشاهد على ذلك، هو أن ما دفع إيران إلى طاولة
المفاوضات في عام 2013 لم تكن الضائقة الاقتصادية التي سببتها عقوبات إدارة
أوباما، بل كانت رغبة شعبية من جانب الطبقة الوسطى في إيران لتحسين وضعها
الاقتصادي من خلال الوصول إلى الاقتصاد العالمي، إن لم يكن من خلال علاقات أفضل مع
الغرب.
ففي عام
2013، وبدعم قوي من الطبقة الوسطى، تم انتخاب الرئيس حسن روحاني للتفاوض على اتفاق
نووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذى كان يعتبر بمثابة مطلب رئيسي للناخبين؛ حيث لم يكن انتصاره ناتجًا عن
ضائقة اقتصادية بل عن أمل، ورغم التأثير السلبي للعقوبات على الأجندة الانتخابية،
إلا أنها لم تدفع إلى هذه النتيجة. ففي غضون أشهر من فرض العقوبات، انهارت قيمة
العملة الإيرانية، مما أطلق العنان للتضخم الذي قوض المكاسب في المستويات المعيشية
للإيرانيين العاديين، بما في ذلك الطبقة الوسطى، لكن العقوبات وحدها ما كانت لتنتج
الاتفاق النووي ، كما أظهرت بوضوح العقوبات الأشد في ظل ترامب.
لقد أدى
عقد من الركود الاقتصادي الناجم عن العقوبات والوعود الدولية المخالفة إلى وصول
الطبقة الوسطى في إيران إلى نقطة قد تعيد النظر في مستقبلها كقوة للاعتدال السياسي
والعولمة، لكن يؤكد الكاتب على أن ما
ينجزه فريق بايدن وروحاني في فيينا في الأسابيع المقبلة قد يحدد هذا المستقبل.
أولاً- صعود الطبقة الوسطى
في إيران
ضاعف
النمو الاقتصادي المستدام الناتج المحلي الإجمالي للفرد وانتشل الملايين من براثن
الفقر وانتقلوا إلى الطبقة الوسطى خلال السنوات الخمس عشرة التي سبقت عقوبات
أوباما عام 2011، كما كان هذا التحول نتاجًا للإصلاحات القائمة على السوق بعد
نهاية الحرب مع العراق، والاستثمار العام المنحاز للريف في البنية التحتية والتعليم
والصحة، وارتفاع أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وخلال نفس الفترة، أظهرت بيانات المسوح
أن متوسط مستويات المعيشة في المناطق الحضرية -موطن الطبقة الوسطى - قد تضاعف أكثر، ووفقًا لعتبة الدخل المقبولة على
نطاق واسع (الإنفاق الفردي فوق 11 دولارًا أمريكيًا، أو ضعف خط الفقر الذي حدده
البنك الدولي وهو 5.5 دولار أمريكي للبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى)، نمت الطبقة
الوسطى خلال هذه الفترة من 28 % إلى 60 % من السكان، مما أدى لارتفاع الأغلبية من
بين صفوف الفقراء، الذين انخفضت حصتهم من 33 % إلى 7%، وانخفضت نسبة الطبقة
المتوسطة الدنيا من 38 إلى 32 % وضاعفت فئة الدخل الأعلى حصتها من 1 إلى 2 %.
ثانيًا- القوة التصويتية
تحظى
الطبقة الوسطى في إيران - باعتبارها الأعلى من الناحية التعليمية – بقوة تصويتية
كبيرة؛ ففي عام 1997، عندما انتخبت إيران أول رئيس معتدل محمد خاتمي، شكلت الطبقة
الوسطى 30.5 % فقط من السكان وكان منهم نسبة 56.1 من السكان المتعلمين في سن
الاقتراع (أكبر من 16 عامًا ولديهم تعليم ثانوى على الأقل)، وبحلول عام 2011،
ضاعفوا نصيبهم من السكان إلى 59.8 % ومن الناخبين المتعلمين إلى 80.9%.
تم دعم انتخاب
روحاني في عام 2013 بشكل كبير من قبل الطبقة
الوسطى التي تم تنشيطها بوعوده بإنهاء العقوبات وإصلاح العلاقات مع الغرب؛ حيث فاز
روحاني في الجولة الأولى على 6 مرشحين آخرين بنسبة 51 % من الأصوات. أما بعد أربع
سنوات، وبعد توقيعه على الاتفاق النووي وانتعاش الاقتصاد مرة أخرى في حين خففت
العقوبات لفترة وجيزة في عام 2016، أعيد انتخاب روحاني بأغلبية ساحقة، وحصل على 57
% من الأصوات ضد منافسه إبراهيم رئيسي. ففي منطقة الطبقة الوسطى المزدهرة في شمال
طهران (شميرانات)، قفزت حصة التصويت لروحاني من 49 % في عام 2013 إلى 79 % في عام
2017، مما يدل على شعبيته المتزايدة بين الطبقة الوسطى.
ثالثًا – العقوبات وخطة
العمل المشتركة الشاملة
ساهمت
عقوبات أوباما في عقد الصفقة النووية لعام 2015 لأنها قدمت مسارًا سلميًا لاقتصاد
كانت الطبقة الوسطى مألوفة له وازدهرت فيه، كما ساعدت العقوبات أيضًا في اقناع هذه
الطبقة بهشاشة الروابط العالمية لإيران، وبالتالي، ضرورة تقييد إيران لطموحاتها
النووية للوصول إلى الاقتصاد العالمي، ولكن يؤكد جواد أصفهاني على أن العقوبات نجحت لأن السياسة العامة لم تكن تهدف
إلى تغيير النظام ولم تحرض الطبقة الوسطى في إيران ضد قيادة البلاد وقواتها الأمنية القوية. وفي المقابل
، طالب دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بالاستسلام وتحدثوا كثيرًا عن
تغيير النظام؛ لقد دعوا الإيرانيين للمشاركة في الإطاحة بحكومتهم دون أن يؤكدوا
لهم كيف ستخرج إيران بشكل أفضل من الدول الأخرى في المنطقة التي حدث فيها تغيير
جذري مماثل.
رابعًا - مستقبل الطبقة الوسطى في إيران
تزعم
سياسة بايدن الخارجية أنها تخدم الطبقة الوسطى، لكن يؤكد الكاتب على أنه لكي يتم
التحقق من ذلك، يجب أن ينظر بشكل أعمق إلى الطبقات الوسطى في البلدان النامية ،
وخاصة تلك الموجودة في الشرق الأوسط، ولاسيما أنه غالبًا ما يُنظر إلى الطبقات
الوسطى على أنها مرتكزات للقيم الديمقراطية، لكن هذه القيم لا تزدهر في الأوقات
الاقتصادية الصعبة، كما حذر جون ماينارد كينز الشهير في عام 1919؛ حيث يُمكن أن
تؤدي الضائقة الاقتصادية بسهولة إلى ترجيح كفة الميزان لصالح الحكام الاستبداديين
الذين يوفرون الأمن الاقتصادي.
تعتبر الطبقة
الوسطى في إيران على حافة الانهيار الاقتصادي منذ عام 2011؛ حيث تبعت سنوات النمو
السلبية والإيجابية بعضها البعض، مع تكثيف العقوبات أو تخفيفها. ففي 2020عاد متوسط
إنفاق الفرد الحقيقي إلى ما كان عليه في عام 2001 قبل طفرة النفط، وتقلصت الطبقة
الوسطى بنحو 8 ملايين شخص منذ عام 2011 أيضًا.
ويشير
استطلاع للرأى تم إجراه في أوائل عام 2021
إلى أن الصعوبات الاقتصادية قد غيرت نظرة الإيرانيين بعيدًا عن دعم السياسيين
المعتدلين والعولمة، وانخفض دعم خطة العمل الشاملة المشتركة من حوالي 80 % منذ وقت
التوقيع عليها لأول مرة إلى 50 % حاليً . كما أظهر الاستطلاع تراجع شعبية الرئيس
روحاني وإدارته؛ حيث بات ينظر إليه شخص واحد فقط من كل ثلاثة على أنه إيجابي مقارنة
بـ 3 من كل 4 لإبراهيم رئيسي، الذي هزمه بقوة في عام 2017. كما يُنظر إلى وزير
الخارجية جواد ظريف، بشكل أقل تفضيلًا من رئيسي.
وفي النهاية: يؤكد الكاتب على أنه بالنظر إلى أن خطة العمل الشاملة
المشتركة لن تتم العودة إليها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران 18
يونيو 2021، فمن المحتمل أن يهيمن المحافظون على جميع فروع الحكومة في السنوات
المقبلة، الأمر الذى من شانه أن يجعل مهمة بايدن بالعودة إلى خطة العمل الشاملة
المشتركة وتمديدها أكثر صعوبة. ورغم صعوبة الأمر بالنسبة للولايات المتحدة
الأمريكية ولاسيما فيما يتعلق بإيقاف العمل بأداة العقوبات الاقتصادية المفضلة لديها، لكن من
الأفضل التوقف عن استخدام الطبقة الوسطى في إيران كوسيلة ضغط للضغط على الحكومة
الإيرانية.
https://www.brookings.edu/blog/future-development/2021/04/08/irans-middle-class-and-the-nuclear-deal/amp/?fbclid=IwAR2ezKVf8XJG86W2R6NaF4qzMZEYVEtkI8SfeTiE_Yaoe5bOnJKnbw9_hWs