مأزق الاتفاق النووي ....ورؤية بايدن الاستراتجية تجاه إيران
من المتوقع أن يكون الاتفاق النووي الإيراني هو أحد أهم قرارات
السياسة الخارجية التي سيواجهها مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي جو
بايدن إذا فاز خلال الاستحقاقات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر 2020. وفي هذا
السياق، يشير مدير برنامج سياسات المجلس القومي الإيراني الأمريكي بأنه لا يجب أن يتسرع بايدن في هكذا قضية، فمن شأن استمرار
سياسة تكثيف الضغوط أن تجبر طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى خلال الأشهر
والسنوات القليلة المقبلة.
وعليه، يجادل الكاتب بأنه يجب توخى الحذر إذا كانت هناك
رغبة في عقد صفقة شاملة تعالج عددًا لا
بأس به من القضايا الخلافية بين الطرفين، ومع
ذلك، من شبه المؤكد أن هناك مدة زمنية
يمكن خلالها لبايدن إنقاذ خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015، فمن الأهمية
بمكان أن ينتهز بايدن تلك النافذة ويتابع التزامه بالعودة الأمريكية والإيرانية
المتبادلة إلى الاتفاق النووى، خشية أن
يضطر إلى بدء مفاوضات جديدة من الصفر أو أن ينحصر في نهج ترامب الفاشل الذي أدى
إلى التوسع الإيراني، وجعل الولايات المتحدة الأمريكية على شفا حرب فعلية.
فقرار ترامب المتهور بالانسحاب من خطة العمل المشتركة
الشاملة وفرض سلسلة من العقوبات التصعيدية أقنع إيران بوقف التزامها بموجب الاتفاق
في نهاية المطاف، وهو الأمر الذى وصل إلى ذروته في عام 2019 ومازالت تقوم به إيران
حتى الآن. منذ ذلك الوقت، انتهكت طهران ببطء
حدود خطة العمل الشاملة المشتركة بينما تظهر استمرارها بالاتفاق .
ونتيجة
لذلك، فإن الوقت الذي يمكن أن تنتج فيه إيران مادة انشطارية كافية لسلاح نووي واحد إذا اختارت
ذلك - انخفض الآن من أكثر من 12 شهراً مع خطة العمل الشاملة المشتركة إلى ما يقرب
من 3 إلى 4 أشهر. وهكذا، استعادت إيران بشكل فعال الكثير من نفوذها النووي تحسباً
لمفاوضات مستقبلية. ومع ذلك، تؤكد السلطات الإيرانية حتى يومنا هذا علنًا أنها
ستعود إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة إذا عادت الولايات المتحدة
الأمريكية إلى التزاماتها.
لكن إذا فاز بايدن بالرئاسة فعليه أن يسعى إلى استعادة
خط الأساس لخطة العمل الشاملة المشتركة، وإعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الجدول
الزمني الذي يستغرق 12 شهرًا ، والحفاظ على خيار متابعة المفاوضات. ولكن إذا فشل
في متابعة ذلك، أو في حال انحسرت الجهود المبذولة لاستعادة خطة العمل
الشاملة المشتركة بسبب تعقيد أي من الجانبين لعودة متبادلة، فستكون إيران على يقين من أنها تستطيع اللعب بالأوراق النووية المتبقية لديها.
واللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنه يمكن لإيران أن
تستأنف التخصيب إلى 20٪ أو أعلى وتقلل من
تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو تلجأ إلى الإنسحاب الرسمى من خطة العمل الشاملة المشتركة. مع
التركيز على أجندة محلية قوية بشكل لا يصدق للتعامل مع فيروس كورونا، يجب أن تكون
إدارة بايدن حريصة على إبقاء مفاوضاتها الأولية بشأن إيران بسيطة واستعادة خطة
العمل الشاملة المشتركة لمنع حدوث أزمة مع إيران يمكن تجنبها.
على الناحية الأخرى، جادل البعض بأن العودة السريعة
تخاطر بتبديد النفوذ الذي بُني في ظل إدارة ترامب، والذي يسيء تفسير الوضع الحالي
للأمور؛ فمثل هذا التسرع من شأنه أن يقلل من تأثير استراتجية الضغوط ويتسبب في إساءة فهم الدرس
الأساسي للمفاوضات النووية الناجحة التى تم إجراءها في الفترة من 2013-2015.
كما أدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم
تنازلات بشأن مسألة التخصيب وتماسك واشنطن والقوى العالمية في النهاية إلى انفراجة
كبرى في عام 2015 تمثلت في عقد الاتفاق النووى. لكن دمر نهج ترامب مصداقية الولايات
المتحدة الأمريكية، وكسر أي إجماع دولي بشأن إيران، ورفع التكلفة السياسية المحلية
للقادة الإيرانيين ليكونوا قادرين على التفكير في حل آخر وسط.
يتوازى
ذلك، مع تعبير المرشد الأعلى علي خامنئي باستمرار عن شكوكه تجاه المشاركة في أى
مفاوضات قادمة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أدى الفشل النهائي لخطة العمل
الشاملة المشتركة في ظل حكم روحاني - الذي أبدى إرادة سياسية كبيرة لتأمين الاتفاق
– إلى المخاطرة بخرق الإجماع المحلي الإيراني الهش الذي دعم المفاوضات النووية
وردع الإدارات المستقبلية عن المشاركة. وعليه، من المتوقع أن تضطر إدارة بايدن إلى
التعامل مع رئيس إيراني مستقبلي ومفاوض نووي على غرار محمود أحمدي نجاد وسعيد
جلالى، اللذين كانا مزيجًا مزعجًا وسامًا للدبلوماسيين الأمريكيين فيما بعد
الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر عقدها خلال العام القادم، في حين أن مثل هذه
النتيجة لن تلغي إمكانية متابعة المفاوضات في النصف الثاني من عام 2021 أو ما بعده
، لذا، يجب أن يكون هناك حرص من قبل إدارة
بايدن لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة في عهد الرئيس الإيرانى حسن روحاني ووزير
خارجيته جواد ظريف.
ويشير الكاتب إلى إنه إذا جاء رئيس إصلاحى أخر إلى
إيران، فإن انسحاب الولايات المتحدة
الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة والتخلص منها في نهاية المطاف من شأنه أن
يقوي يد إيران للإصرار على تشديد إجراء الحماية
من سوء النية الأمريكية.
لكن الأمر
المؤكد أن العودة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستكون خارج الخيارات
المتاحة في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك، مع انخفاض أسعار النفط وشعور الشركات
الدولية بالنفور من المخاطرة ، قد تضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع مزيد
من التنازلات على الطاولة للحصول على
مستويات مماثلة من الامتيازات الإيرانية. وبالنظر إلى كل هذه العوامل ، فإن البدء
من الصفر سيكون مهمة شاقة بعيدة عن النجاح بالتأكيد.
كما أن التقليل من أهمية عودة الولايات المتحدة
الأمريكية إلى خطة العمل المشتركة الشاملة يعني استبعاد وجهات نظر الحلفاء
الأوروبيين لواشنطن على المدى الطويل، ولاسيما أنهم يواصلون النظر إلى هذه الصفقة
كنموذج للدبلوماسية متعددة الأطراف، لذا، يتم بذل قدرًا كبيرًا من الطاقة
الدبلوماسية للحفاظ عليها.
وإذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة، فستحتاج كل من روسيا
والصين إلى الانضمام للمجموعة المفاوضة لطهران لوضع اللمسات الأخيرة على القرار
النهائى، مما يؤدى إلى بروز مزيد من خطوط
التصدع بين القوى العالمية الثلاث. وبالمثل، حتى لو تمكنت الولايات المتحدة
الأمريكية من انتزاع تنازلات إضافية من الحكومة الإيرانية من خلال الاستمرار في
اتباع سياسة الضغط الأقصى، وهو الأمر الذي يجب أن يكون موضع شك كبير بعد إنسحاب
ترامب من الصفقة.
في
النهاية: بالنظر إلى الإطار الزمني
المحدد لخطة العمل الشاملة المشتركة، يجب على إدارة بايدن المحتملة أن تتصرف بشكل
عاجل لإعادة الانضمام إلى الاتفاقية ومنع انهيارها؛ حيث كان الخروج منها بمثابة أهم
اختراق دبلوماسي أدى إلى تصعيد كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على
مدى العقود الأربعة الماضية.
Ryan Costello, Joe Biden Will Have to Seize the Moment
on the Iran Deal: Can the deal be saved and a nuclear Iran averted?, The
National Interest, September 20, 2020, available at: