في ظل حالة الارتباك والذهول التي يعيشها العالم بسبب
جائحة كورونا، اتخذت الدول والحكومات العديد من الإجراءات والتدابير لمكافحة
الفيروس والحد من انتشاره، بالنظر للأخطار غير المسبوقة لكوفيد- 19 على حياة
ورفاهية الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء العالم، وكذلك على أداء الاقتصاد
العالمي والأعمال التجارية؛ وقد تنوعت هذه الإجراءات بين إعلان حالة الطوارئ
والتعبئة العامة وحظر التجوال الجزئي والكلي.
Abstract :
In light of the state of
confusion and astonishment experienced by the world due to the Corona pandemic,
countries and governments have taken many measures and measures to combat the
virus and limit its spread, given the unprecedented dangers of Covid-19 to the
lives and welfare of men, women and children around the world, as well as the
performance of the global economy and business; These measures varied between
declaring a state of emergency, general mobilization, and a partial and total
curfew.
حقوق
الإنسان في ظل جائحة كورونا: محاولة في تقييم التزامات الدول إبان حالة الطوارئ
مقدمة
إن استمرار انتشار فيروس كورونا وغياب لقاح مضاد، خلف
تداعيات كثيرة وسبب أزمة صحية عالمية تلتها أزمة اقتصادية شاملة؛ وهو ما جعل هاتين
الأزمتين تشكلان خطرا على حقوق الإنسان، فقد نتج عن الأزمة الأولى تهديد للحق في
الحياة والحق في الصحة والحق في التنقل وتقييد الحرية، أما الثانية فقد تسببت في
فقدان الحق في العمل والحق في الملكية والعديد من حقوق الإنسان الأساسية الأخرى؛
مما أصبحت معه الدول ملزمة بدعم حقوق الإنسان في الأراضي الخاضعة لولايتها، كما
تتحمل الشركات مسؤولية احترام هذه الحقوق داخل مؤسساتها وطوال سلاسل القيمة
الاقتصادية الخاضعة لها.
وفي ظل حالة الارتباك والذهول التي يعيشها العالم بسبب
جائحة كورونا، اتخذت الدول والحكومات العديد من الإجراءات والتدابير لمكافحة
الفيروس والحد من انتشاره، بالنظر للأخطار غير المسبوقة لكوفيد- 19 على حياة
ورفاهية الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء العالم، وكذلك على أداء الاقتصاد
العالمي والأعمال التجارية؛ وقد تنوعت هذه الإجراءات بين إعلان حالة الطوارئ
والتعبئة العامة وحظر التجوال الجزئي والكلي.
وأمام هذا الواقع المستجد، برزت إشكالية حماية حقوق
الإنسان كما هي مكرسة في المواثيق الوطنية والدولية، حيث أن معظم الدول التي
طالتها الجائحة تبنت تقريبا تدابير وإجراءات متشابهة تمحورت جلها حول إعلان حالة
الطوارئ وحظر التجوال، مما أثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان.
ومن جهة أخرى، فتفشي الفيروس بسرعة شديدة ولم تكن العديد
من الدول جاهزة للتعامل معه بما فيها الدول المتقدمة كما أن تكلفة احتواء هذا
الفيروس بدت باهضة، وهو ما يشير إلى أن أية قرارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية
تتخذها الحكومات للتعامل مع الأزمة من شأنها التأثير على قدرة مئات الآلاف من
الناس في تخطي هذه الفترة، مما قد يؤدي إلى تضاعف انتشار اللامساواة في أنحاء
العالم في عدة مجالات مثل الرعاية الصحية والأمان الاجتماعي والوظائف والتعليم
والخدمات الأساسية، خاصة في الدول التي لا تتوفر على الحماية الاجتماعية والاقتصادية
والطبية للفئات الأكثر تضررا.
إلى جانب ذلك، لا يواجه العالم فيروس كورونا ككيان واحد
كما لا يتساوى تعامل الدول معه ويرجع ذلك بشكل كبير لتفاوت مستويات التقدم وتفشي
اللامساواة ليس فقط بين الدول ولكن داخل الدولة الواحدة، ما يؤدي لتضرر فئات
بعينها أكثر من أخرى مثل العاطلين وعمال اليومية والنساء واللاجئين وذوي
الاحتياجات الخاصة وكبار السن والمرضى، بالإضافة لمن يعيشون تحت الاحتلال أو في
مناطق حرب أو في دول تشهد انهيار اقتصادي.
كل هذه الأوضاع تدفعنا للقول أن تأثير فيروس كورونا
سيكون أكثر حدة وخطورة في الجنوب العالمي، بسبب غياب المساواة الاقتصادية
والاجتماعية وعدم الاستقرار؛ وإن التزام الدول بحماية حقوق الإنسان في ظل هذا
الظرف الاستثنائي يطرح تساؤلات كثيرة حول المعايير التي تحكم حقوق الإنسان في حالة
الطوارئ وما جاءت به المعاهدات الدولية من استثناءات في تطبيق قواعد حماية تلك
الحقوق، ما يستحق تحليل دور الدول والتزاماتها تجاه حقوق الإنسان في حدود ما
يتطلبه الوضع وريثما تعود الأمور إلى حالها الطبيعي بزوال الظرف الاستثنائي، وقد
أشارت ميشيل باشيليت(1)إلى أنه في أوقات الأزمات يمكن لقيم حقوق
الإنسان أن تقودنا في الاتجاه الصحيح، ماذا يفترض أن تفعل الحكومات في مثل هذه
الظروف؟ وماذا يمكن أن نتوقع في هذا السياق من الدولة؟
أولاً-
ما مدى تأثير حالة الطوارئ الصحية على حقوق الإنسان
أثار تفشي فيروس كورونا جدلا كبيرا حول حقوق الإنسان،
خاصة من طرف المنظمات الحقوقية عبر العالم، والتي عبرت عن موقفها بأن هذا الوباء
يؤثر بشكل سلبي على الحقوق الأساسية للإنسان.
ومن جهة أخرى يعتقد البعض أن شعار هذه المرحلة هو مواجهة
فيروس كورونا، وأن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل هذه الظروف، يعتبر نوعا من
الرفاهية وهذه رؤية قاصرة، فانتشار جائحة كورونا يشكل تهديدا لحياة الإنسان ما
يؤدي بالضرورة إلى حماية الحق في الصحة باعتباره أحد الحقوق الأصلية للإنسان،
ونشير هنا إلى أن الحق في الصحة مكفول بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي
ينص على الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية وحظر التمييز في تقديم الخدمات الطبية(2)؛
فهذا الفيروس يعد حالة نموذجية من حالات الطوارئ واسعة النطاق ما يشكل تهديدا
كبيرا للصحة العامة.
دائما وفي نفس الإطار، نجد أن العهد الدولي للحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 "أن لكل شخص الحق في التمتع
بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية"، كما يلزم العهد الحكومات
باتخاذ خطوات فعالة من أجل الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية وغيرها
من الأمراض.
ولا مراء أنه من الضروري اتخاذ إجراءات حكومية فعالة
حيال هذا الفيروس، وحماية المجتمعات وتوفير كل أسباب التخفيف من آثار المرض
وتداعياته على الصحة العامة لمواطنيها، غير أن التاريخ علمنا أن حالات الطوارئ
القصوى عادة ما تمثل فرصة مناسبة للسلطات التنفيذية للنزوع إلى تجاهل حقوق الإنسان
والحريات العامة، كما تتشبث بعض الحكومات بالسلطات الممنوحة لها وتصر على الاحتفاظ
بها حتى بعد انفراج الأزمات. (3)
بإضافة إلى ذلك، لاحظنا أن تفشي فيروس كورونا أدى إلى
بروز تأثيرات اقتصادية كبيرة في معظم دول العالم، نتج عنها فقدان الوظائف وتزايد
نسب البطالة، وهو ما يثير على الحق في العمل والحصول على الإعانات إلى حدود الحصول
على وظيفة، فهذه الطائفة من الحقوق الإنسانية تأثرت بشكل مقلق.
هذا، وفرضت حالات الطوارئ حظر التجوال وعزل المدن مما
اضطر الأفراد للدخول في حجر منزلي، وبالتالي الحد من حرية الأشخاص في التنقل ما
ساهم في توقف مظاهر الحياة العامة؛ كما أدى هذا الوضع الاستثنائي إلى تأجيل عقد
الانتخابات في عدد من الدول، وهو ما ينطوي بطبيعة الحال على حزمة من التأثيرات
السلبية على الصيرورة الديمقراطية، حيث
اعتبر الاستاذ فلوريان بيبر في مقالة له بمجلة فورين بوليسي الأمريكية ، أن
الوباء وفر للحكومات الديكتاتورية والديمقراطية فرصة للتعسف وإساءة استخدام القرار
وتقليص الحريات المدنية، ويرى بيبر أن الإجراءات الحالية قد تنجح في التخفيف من
انتشار الفيروس، لكن قد يواجه العالم خطرا من نوع آخر، إذ ستكون العديد من البلدان
أقل ديمقراطية بكثير. (4)
وعليه، نستطيع القول أن جميع سمات الديمقراطية حول
العالم تعاني من آثار جائحة كورونا، إذ تضعف الضوابط الحكومية ويغيب المشرعون عن
البرلمانات وتتأجل الانتخابات ولا تتعامل المحاكم إلا مع القضايا العاجلة، ويمنع
التجمع وتقييد الحركة ويضطر الصحفيون للعمل من منازلهم؛ ومع تزايد عدد البلدان
التي أعلنت حالة الطوارئ العامة، تتزايد المخاوف بشأن انتهاك التدابير والحقوق
الأساسية وسيادة القانون مع بقاء ما يقارب من ثلث سكان العالم في العزلة الصحية. (5)
وتماشيا مع ما سبق، ونظرا للإشكالات الكثيرة التي أنتجها
انتشار فيروس كورونا، شهدت العديد من مناطق العالم ظهور خطاب الكراهية والعنصرية
والتمييز على أساس العرق أو الدين ضد المواطنين الآسيويين الصينين في الشرق الأوسط
وأوروبا والولايات المتحدة؛ ففي الولايات المتحدة مثلا تركز خطاب الكراهية على
تسمية الفيروس الصيني بالتزامن مع تزايد التعصب ضد الآسيويين، نفس الشيء عرفته كل
من فرنسا وألمانيا حيث تزايدت نبرة العداء للأجانب في بعض وسائل الإعلام وعلى
مواقع التواصل الاجتماعي نقرأ كيف يعاني الآسيويون منذ ظهور أزمة فيروس كورونا،
وأيضا كيف يغير راجلون مسارهم في الشارع عندما يعترضهم شخص بملامح آسيوية.
وانطلاقا من هذه الخلفية، حذرت الأمم المتحدة في شخص
أمينها العام من التأثيرات السلبية والخطيرة لخطاب الكراهية والتمييز خاصة على
الفئات الضعيفة، كما أكد على أن تزايد القومية والعرقية والشعبوية وصد حقوق
الإنسان في بعض البلدان يمكن يؤدي توفير ذريعة لاعتماد تدابير قمعية لأغراض لا
علاقة لها بالوباء.
علاوة على ذلك، لاحظنا أن قضية الرقابة الرقمية لمكافحة
وباء فيروس كورونا عرفت جدلا خاصا فيما يتصل بحقوق الإنسان، حيث سمح إعلان حالة
الطوارئ الصحية حجرا على الحق في الحصول على المعلومات والتي حالت دون إمكانية
تطويق الفيروس.
وفي هذا الإطار، استخدمت حكومات دول كثيرة الظروف
الاستثنائية في اعتماد تطبيقات الالكترونية لتتبع حالات المشتبه في حملهم للفيروس
ما سيمنح ضوء أخضر لاقتحام الحياة الخاصة للناس.
وهكذا، يحضر سؤال حقوق الإنسان بقوة في أوقات الأزمات
الكبرى التي تعرفها الأمم، ما يستدعي الضرورة أو المصلحة العامة لتعليق بعض الحقوق
في فترة معينة، فحتى في مثل هذه الحالات، المجتمعات الديمقراطية لا تخلو من مساحات
للنقاش تسمح بطرح الأسئلة بشأن مشروعية قرارات السطلة، بالنظر للحاجة الملحة إلى
احترام حقوق الإنسان في مثل هذه اللحظات الحرجة.
وبناء على ذلك تجدر الإشارة إلى أن التداعيات السلبية
للإجراءات الصحية تثير المخاوف، خاصة في فترة ما بعد كورونا، فالاستمرار في
تطبيقها لفترة طويلة قد يعطي الشرعية لنظام مراقبة جديد، إذ يمكن لمراقبة تحركات
أي شخص وحتى مراقبة آرائه السياسية وميولاته، ممارسة الضغوط والتأثرات عليه في
مجالات لا علاقة لها بحالة الطوارئ.
ثانيا: حقوق الإنسان في سياق جائحة كورونا، كيف أدارت الدول أزمة كوفيد-19؟
إن جائحة كوفيد-19 ليست حالة من حالات الطوارئ في مجال
الصحة فقط، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إنها أزمة اجتماعية وأزمة إنسانية أخذت تتحول
بسرعة إلى أزمة لحقوق الإنسان، وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو
غوتيريش في رسالة له بالفيديو أن هناك تمييزا في تقديم الخدمات العامة للتعامل
مع كوفيد-19 وهناك عدم مساواة هيكلية تعوق الوصول إليها.
وانسجاما مع هذا المنطق، أعلنت جل دول العالم حالة من
الطوارئ الصحية حتى يُسمح لها باتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة الفيروس فسنت
قوانين تحد من تحركات الناس وتمنح السلطات التنفيذية مساحات واسعة لتقييد حريات
الناس، ويكتسب هذا التصرف مشروعيته القانونية من الدساتير والمواثيق والمعاهدات
الدولية، التي تجيز للدولة في مثل هذه الحالات الخروج عن ما هو مألوف من إجراءات
عادية لتحل محلها قوانين الطوارئ، والتي يتطلب إعمالها التقيد بجملة من الضوابط
الشكلية والموضوعية التي فرضتها نصوص المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولا يتم
التقيد فيها بالشروط والأوضاع العادية المنصوص عليها في الدستور وإمكانية التحلل
المؤقت من التزاماتها الدولية، لكن في حدود ما يتطلبه الوضع وريثما يعود الوضع إلى
حاله الطبيعي. (6)
وفي هذا السياق، يسمح القانون الدولي باستخدام تدابير
استثنائية ردا على التهديدات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، إذ نجد مجموعة من
اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية تحتوي على فقرات تسمح بفرض حالة الطوارئ،
منها المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والمادة
الخامسة عشرة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة السابعة والعشرون من
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وهذه الاتفاقيات لا تضمن فقط حق الدول في
تعليق بعض بنودها في حالات الطوارئ بل تضع أيضا شروطا لممارسة هذا الحق من قبل
الدول الأعضاء. (7)
وعليه نستطيع القول أن القانون الدولي يجيز للدولة أن
تعلن حالة الطوارئ وفق اعتبارات موضوعية تتناسب مع التدابير المتخذة ويحدد الشرط
الأساسي لفرض حالات الطوارئ بوجود خطر استثنائي يهدد حياة الأمة، وبشرط ألا تكون
التدابير المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي، وعدم
انطواء هذه التدابير على نزعة تمييزية.
وفي هذا الصدد، أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان
مبادئ توجيهية تحدد الشروط التي يجب أن تمتثل لها التدابير الاستثنائية من أجل
ضمان احترام حقوق الإنسان، حتى في الفترات التي تتطلب تحديد الأولويات وصعوبة
اتخاذ القرار، حيث ركزت هذه المبادئ على وجوب أن تكون هذه التدابير متناسبة مع
المخاطر المحددة وأن تكون موجهة للتدخل لحماية الصحة العامة، ولا ينبغي استخدام
حالة الطوارئ لإسكات المعارضة أو المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، وانتهاك
بعض الحقوق غير الملموسة بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية وحظر عمليات الطرد
الجماعي وحظر التعذيب وسوء المعاملة واستخدام الاعتقال التعسفي، كما يجب على
الحكومات أن تشرح للسكان المتضررين ما تعنيه حالة الطوارئ ومدى سريانها وكم من
المتوقع أن تظل سارية.
وبناء على ذلك، بادرت العديد من البلدان إلى اتخاذ
تدابير استثنائية بفرض حالة الطوارئ في ظل انتشار جائحة كورونا، بعد أن أظهر
مسؤولون حكوميون في مجموعة من الدول
انكارهم لخطورة هذا الفيروس في بداية ظهوره، خاصة في المكسيك والبرازيل والولايات
المتحدة الأمريكية وميانمار والهند وتركيا وفنزويلا وبريطانيا وبعض الدول العربية،
إذ قامت السلطات باعتقال واحتجاز مجموعة من الأشخاص بتهمة نشر أخبار مضللة، لكن
فيما بعد ستكتشف هذه الحكومات أن كوفيد-19 ليس إشاعة أو خبرا مضللا بل هو حقيقة
مؤكدة يجب التصدي لها.
وفي هذا الإطار، أقرت جميع دول الاتحاد الأوروبي تدابير
تقييدية للحد من انتشار كوفيد-19 وشملت هذه التدابير الحجر الصحي والتباعد الجسدي
والاجتماعي وإغلاق الشركات وإقرار العمل عن بعد وإغلاق الحدود وفرض قيود على
السفر، كما أعلنت هذه الدول بأنها ستجهز مخزنا جديدا من المعدات الطبية؛ وما فعلته
دول الاتحاد سبق أن فعلته مقاطعة هوبي الصينية منبع وبداية فيروس كورنا، حيث تبنت
الصين سياسة قاسية وصارمة مكنتها من السيطرة على هذا الفيروس في ووهان والمدن
المجاورة. (8)
وفي السياق نفسه، قامت العديد من الدول الإفريقية
والعربية بإعلان حالة الطوارئ الصحية، حيث أعلن المغرب عن تطبيق حالة الطوارئ
باتخاذ إجراءات تحد من حركة المواطنين إلا في حالات محددة وبموجب تراخيص وزعتها
السلطات وإلزامهم بوضع كمامات واقية، وأن المخالفين لإجراءات الحجر الصحي يتعرضون
لعقوبات بالحبس تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وغرامة تصل إلى 300 و1300 درهم أو
بإحدى العقوبتين؛ وفق آخر حصيلة رسمية فاق عدد الأشخاص الذي ضبطوا في حالة مخالفة
لهذه الإجراءات 60 ألفا تمت ملاحقة أكثر من 32 ألفا منهم قضائياً. (9)
وتماشيا مع ذلك، طالبت لجنة الأمم المتحدة لمنع التعذيب
الحكومات بأن تقلل تعداد السجناء كلما أمكن من خلال تطبيق برنامج للإفراج المبكر والمشروط
والمؤقت، نتيجة لأعمال الشغب والتظاهرات التي شهدتها بعض السجون في الأرجنتين
والبرازيل وكولومبيا وإيران وإيطاليا والبيرو وتايلاند وفنزويلا، بسبب تدهور حالة
النظافة والصحة ما يعرض السجناء أكثر لخطر الإصابة بالفيروس؛ كما أصدرت منظمة
الصحة العالمية إرشادات للسجون ومراكز الاحتجاز حول كيفية التحضير للجائحة لكن قلة
من هذه المراكز تستوفي الشروط ففي في دول مثل أستراليا وكندا وأوروبا ودول الخليج
والولايات المتحدة اضطر المحتجزون للمطالبة بتوفير شروط النظافة. (10)
واستجابة لهذه الإجراءات أفرجت مجموعة من الدول عن بعض
السجناء لتخفيف ازدحام السجون ( أفغانستان، فرنسا، إيران، الاردن، المغرب،
كينيا...)، أما في بريطانيا والولايات المتحدة أدت طعون قانونية إلى حصول بعض الأشخاص
على أحكام إخلاء سبيل من المحاكم للخروج من مراكز الاحتجاز، وفي البرازيل وتشيلي
قامت السلطات بالإفراج عن بعض النساء الحوامل والمسنين والأطفال المحتجزين في
جرائم غير عنيفة. (11)
إلى جانب ذلك، أفرز لنا انتشار فيروس كورونا وفرض حالة
الطوارئ التي تلزم الأفراد بالتزام البيوت مجموعة من الظواهر السلبية التي سيكون
لها أثار خطيرة على المجتمعات حول العالم، إذ كشفت هذه الجائحة عن هشاشة الأنظمة الصحية
والاجتماعية وغياب المساواة الاقتصادية، مما اضطر معه الحكومات إلى اتخاذ إجراءات
من أجل تقديم مساعدات مالية خاصة للفئات الاجتماعية الأكثر تضررا من أثار هذه
الجائحة، كما أبانت هذه الظروف عن ضعف هيكلي في بعض القطاعات الاقتصادية.
هذا، وقد نتج عن إجراءات الحجر الصحي بروز ظاهرة العنف
المنزلي ضد النساء والفتيات في مجموعة من البلدان، إذ وصفت المديرة التنفيذية
لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومزيللي نكوكا أن العنف الممارس ضد النساء على
خلفية تفشي فيروس كورونا راح يسجل تصاعدا في أرقام النساء اللواتي تعرضن للعنف،
وأن ذلك لا يقتصر على مجتمعات بعينها بل يمارس في كل المجتمعات وفي كل الطبقات
الاجتماعية، ما فرض على السلطات الرسمية في هذه الدول خلق خلايا للتوعية والتحسيس،
ووضع أرقام هاتفية ووضع أجهزة إنذار طارئة
في الصيدليات ومحلات البقالة للتبليغ عن حالات العنف.
وفي هذا السياق من المفيد التذكير، بأنه بموجب القانون
الدولي لحقوق الإنسان هناك حقوق مطلقة لا تخضع لقيود أو استثناءات مثل، الحق في
الحياة والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الرق،
فحين توجد حقوق أخرى غير مطلقة يمكن تقييدها لأسباب متعلقة بحماية الصحة العامة.
وفي هذا الاتجاه، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أن
الحكومات يجب أن تكون شفافة ومتجاوبة، وأي تدابير طارئة من المفروض أن تكون
قانونية ومتناسبة وضرورية وغير تمييزية، وتتخذ أفضل نهج ممكن للتدخل لحماية الصحة
العامة.
وفي هذا الصدد، انتقدت منظمات حقوقية مغاربية ما وصفته
باستغلال مرحلة الطوارئ في تونس والجزائر والمغرب، لسن تشريعات تحد من حريات
الأفراد وتجهز على حرية الرأي والتعبير ومنح مساحات واسعة للسلطات.
وفي هذا السياق، وضعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان توجيهات
سياسية جديدة خاصة بتدابير الطوارئ والإجراءات الاستثنائية تلزم فيها المسؤولين
الحكوميين بالالتزام بمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب، وشددت ميشل باشيليت
على وجوب أن يبقى تنفيذ هذه التدابير بطريقة إنسانية وألا تفرض بشكل تعسفي أوتمييزي.
(12)
خاتمة
وهكذا، يمكننا القول أن الدول والحكومات حينما تلجأ إلى
إعلان حالة الطوارئ فإنها تعرف جيدا بأنها تخاطر بالحقوق والحريات، لكنها تبرر ذلك
بأنه الخيار الأفضل للحفاظ على المصالح الوطنية وعلى استقرار وأمن الدولة.
وبما أن حقوق الإنسان وحرياته تتعرض للإنتهاك في مثل هذه الظروف، فقد حرص
المشرع الدولي على إحاطتها بجملة من الضمانات التي تكفل حمايتها من خلال المواثيق
والاتفاقيات الدولية.
ومن جهة أخرى، فقد لا حظنا وفي ظل انتشار أزمة فيروس
كورونا كيف سارعت معظم دول العالم إلى تبني عدة خطوات لمواجهة هذه الأزمة باتخاذ
مجموعة من الإجراءات التي تسعى إلى فرض حجر صحي والتقليل من تنقلات وحركة الأفراد،
حيث كشفت بعض التقارير أن حكومات بعض الدول استخدمت الظروف الاستثنائية التي
فرضتها جائحة كورونا لتبرير تعطيل القانون وحيازة السلطة المطلقة.
وعلى العموم، نستنتج مما سبق أن حقوق الإنسان هي دائما
الضحية الأولى في زمن الظروف الاستثنائية، ويبقى المبدأ العام عدم جواز انتهاك أي
حق من الحقوق ويجب ضمان الشرعية القانونية في جميع الظروف، ولابد من التنويه أن
التاريخ لم يذكر أن تسب تطبيق العدالة واحترام حقوق الإنسان في أي ضرر للأمن
والسلم على الصعيدين الدولي والوطني.
وبالتالي، يجب أن تكفل أي تدابير استعجالية احترام
الحقوق والحريات والتركيز على الصحة العامة، وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،
التي أبانت جائحة كورونا عن الضعف والاختلال الذي يشوبها؛ وعلى حد تعبير الأمين
العام للأمم المتحدة فإننا في قارب واحد، لذا وجب تعزيز احترام حقوق الانسان في ظل
هذه الظروف وإيجاد حلول فعالة وشاملة
للخروج من هذه الأزمة.
المراجع
1)
رئيسة
المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
2) "حقوق
الإنسان في عصر كورونا"، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبريل
2020، www.ecssr.ae، 12 ماي 2020.
3)
مركز
الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، www.aljazeera.net.
4) "حقوق الإنسان في عصر كورونا"، مركز
الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مرجع سابق.
5) "الديمقراطية المعلقة في عهد كورونا..
هل تصبح حقوق الإنسان ضحية الجائحة؟، مارس 2020، الجزيرة، www.aljazeera.net ،
14ماي 2020.
6)
محمد
محبوبي، قوانين الطوارئ وأثرها على حقوق الإنسان في ظل القانون الدولي لحقوق
الإنسان، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة العربي بن مهيدي،
الجزائر، 2016-2017، ص.1.
7)
كمال سيد قادر، "حالة الطوارئ في القانون
الدولي"، إيلاف، نوفمبر 2004، www.elaph.com، 10 ماي 2020.
8)
عماد الدين حسين، " تقييد حرية الناس
للمحافظة على أرواحهم"، البيان، مارس 2020، www.albayan.ae، 10 ماي 2020.
9)
موقع
فرنسا 24، www.farance24.com.
10)
المرقع
الرسمي لهيئة الأمم المتحدة، www.un.org
11)
موقع منظمة هيمن رايتس
ووتش، www.hrw.org
12) الموقع الرسمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، www.ohchr.org .