وصول مصر لأعلى معدلات النمو في الشرق الأوسط، تحديات وفرص تعافي الاقتصاد المصري
مع ظهور فيروس كورونا في الصين، وبدء انتشاره في دول العالم كافة اتخذت
الدولة المصرية اجراءات استباقية على مستوى القطاعين المالي والنقدي للحد من
الاثار السلبية لاصطدام فيروس كورونا بالاقتصاد المصري، حيث خصصت الدولة المصرية
100 مليار جنيه كحزمة تمويل تحفيزية لمواجهة مخاطر فيروس كورونا. وعلى الجانب
النقدي قام البنك المركزي المصري بتخفيض سعر الفائدة على الايداع والاقراض 3%
للعمل على زيادة المعروض النقدي في السوق، وتحفيز المستثمرين لجذب استثمارات جديدة.
ولإحكام
السيطرة على فيروس كورونا، والحد من اثاره السلبية اتخذت الدولة العديد من
القرارات الهامة وعدد من الاجراءات الحازمة الأخرى. وقد قام عدد من المسئولين
بمتابعة الأوضاع في الشارع المصري بأنفسهم للتأكد من انتظام سير الحياة في الشارع،
والتزام المواطنين بتطبيق الاجراءات الاحترازية. ونتيجة لتلك الجهود التي قامت بها
الحكومة المصرية للقضاء على فيروس كورونا توقع صندوق النقد الدولي وصول الاقتصاد
المصري لمعدل نمو اقتصادي1. 4 %، وهو أعلى معدل نمو في الشرق الأوسط.
السؤال الان: بعد وصول مصر لأعلي معدل نمو في الشرق
الأوسط، هل يعني ذلك تعافي الاقتصاد المصري نتيجة لتطبيق برنامج الاصلاح
الاقتصادي؟
ان هناك
عدة عوامل تحكم تعافي الاقتصاد المصري، وتعكس ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، منها
الاستثمار والسياحة وتحسين بيئة الأعمال من خلال عدة اصلاحات تشريعية ومالية. واذا
نظرنا الي واقع الاقتصاد المصري بشكل عام سنجده أفضل بكثير مما كان عليه في عهد
الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، اذ كانت مستويات الديون مرتفعة جدا والضغوط
المالية لا حصر لها. أما اليوم فالوضع مختلف تماما، حيث سجلت مصر لأول مرة فائض
أولي قدره 2% من الناتج المحلي في العام المالي 2018/2019. وبالنسبة لمستويات
الدين، فقد تمكنت الحكومة المصرية من خفض دين أجهزة الموازنة العامة من 108% من
الناتج المحلي في يونيو 2017 إلى حوالي90% من الناتج المحلي في يونيو 2019. اذن
فالوضع حتي الان يشير الي تحسن كبير نتيجة لتطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي.
لكن اذا
درسنا واقع الاقتصاد المصري على مستوى القطاعات لا على المستوى الكلي، فان الأمر
يختلف، حيث سنجد العديد من الاختلالات في عدد من القطاعات الهامة. لقد طبقت الدولة
المصرية المرحلة الأولى من برنامج الاصلاح الاقتصادي، وكان الهدف منها اصلاح
السياسات المالية والنقدية. وعلى الرغم من وجود عدد من السلبيات الا أنها حققت عدد
من الايجابيات البارزة مثل تحقيق فائض قدره 2% في الموازنة العامة للعام المالي
2018/2019. وعلى المستوى النقدي، فقد تمكن البنك المركزي من زيادة قيمة الاحتياطي
النقدي الي 5. 45 مليار دولار، الا أنه قد تراجع الى
37.037 مليار دولار بسبب جائحة كورونا.
ولكن تلك
الايجابيات لن تمنعنا من عرض السلبيات للكشف عن مواطنها ومعالجتها. اذا درسنا
السياسات الاصلاحية على مستوى القطاعات سنجد أنها استهدفت توفير فرص عمل للشباب،
وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق الشمول المالي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من
المحاصيل الاستراتيجية، وغيرها من الأهداف العظيمة التي يضمن تحقيقها استقرار
الوضع الاقتصادي المصري على أسس حقيقية ثابتة.
أما اذا
نظرنا الى ما تحقق على أرض الواقع، فسنجد أن الدولة قد طبقت السياسات الاصلاحية من
الخارج فقط دون التعمق في المشكلات الصغيرة التي تعوق تنمية القطاعات الاقتصادية.
فعلي سبيل المثال، اذا نظرنا الى هدف توفير فرص العمل فسنجد أن الدولة بشكل عام
توفر الالاف من فرص العمل للشباب سنويا. أما اذا نظرنا الى ذلك الهدف على مستوى
القطاعات فسنجد أن الدولة المصرية قد طبقت السياسات الاصلاحية بشكل أدي الى تشوه
هيكلي في سوق العمل المصري.
من خلال
دراستنا للسياسات الاصلاحية التي قامت بها الدولة اتضح ان الهدف الرئيسي لها هو
توفير السيولة المالية، وزيادة ايرادات النقد الأجنبي. لذلك فقد اهتمت الحكومة
المصرية بتنمية القطاعات الخدمية أكثر من غيرها مثل السياحة والتشييد والبناء
وتكنولوجيا المعلومات وغيرها. ونتيجة لذلك فقد كانت معظم فرص العمل التي تتيحها
الدولة للعمل في تلك القطاعات. وبما أنها تحتاج الي مهارات ومؤهلات معينة فقد أدت
الى تشوه سوق العمل المصري. يتسم سوق العمل المصري بضعف مرونته في مواجهة الأزمات.
كما أن انخفاض معدلات البطالة يعكس صورة غير حقيقية عن واقع سوق العمل المصري.
وبالنظر
الى هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية سنجد أن العكس هو ما حدث،
حيث نجحت مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من محاصيل أخرى مثل الموالح والفواكه
والخضروات والبطاطس في مقابل تراجع معدل الاكتفاء الذاتي للمحاصيل الاستراتيجية
مثل القمح والذرة والأرز. ونظرا لكثرة استيراد الدولة المصرية للمحاصيل
الاستراتيجية، فقد ارتفع عجز الميزان التجاري للقمح والذرة على سبيل المثال الى4. 13، 10 مليون طن على التوالي في 2019.
ويرجع
السبب في ذلك الي أن المشروعات التنموية في قطاع الزراعة تقوم على أساس استخدام
التكنولوجيا والاستفادة من اقتصاديات الحجم في استصلاح مساحات واسعة في الصحراء،
حيث أن معظمها ينتج الموالح مثل البرتقال، والفواكه مثل الخوخ والفراولة. ولذلك
تتمتع بعدد من المزايا لا تتمتع بها الأراضي في الوادي والدلتا مثل عظم الحيازة
الزراعية للأراضي المستصلحة في الصحراء مما يضمن زراعة عدد أكبر من المحاصيل،
واتباع أحدث الأساليب الزراعية لتحسين جودة المحاصيل.
أما
بالنسبة للشمول المالي، فمن أهم أهدافه حصر عناصر الاقتصاد الغير رسمي، وضمهم الى
اقتصاد الدولة. والحقيقة أنه على الرغم من النتائج البارزة التي حققتها الدولة في
هذا القطاع، الا أن هناك عدد من العوائق تجعل من تحقيق هذا الهدف أمرا في غاية
الصعوبة. فمن تلك العوائق تعامل الدولة مع الاقتصاد الغير رسمي على أنهم شركات غير
رسمية فقط، وهذا يجعل التشريعات الخاصة بالضرائب المستحقة عليهم قاسية، وكذلك
البيروقراطية والروتين الحكومي في اجراءات التسجيل التجاري الحكومي. كل تلك
المعوقات تمثل أسبابا منطقية لهروب عناصر الاقتصاد الرسمي من قبضة الحكومة.
على الرغم
من كل تلك الاختلالات التي تصيب أهم القطاعات، الا أن الدولة قد نجحت في تحقيق
الهدف التي تنشده من البداية، حيث حققت زيادة كبيرة في ايرادات النقد الاجنبي
وتمكنت من تحقيق فائض في الموازنة العامة ساعدها على اتخاذ عدد من الاجراءات
الحازمة لمواجهة فيروس كورونا، والحد من اثارها الاقتصادية. ومن أهم تلك الاجراءات
صرف منحة قدرها 500 جنيه للعاملين في القطاع العام، وتسهيل اجراءات تسديد القروض،
حيث قام البنك المركزي المصري بإعفاء أصحاب القروض من دفع الفوائد لمدة 6 أشهر.
والحقيقة أن ذلك قد ساعد المزارعين بشكل خاص على تفادي اثار فيروس كورونا، وتقليل
الخسائر التي نتجت عن ضعف الطلب الكلي، وعاصفة التنين التي اجتاحت مصر منذ عدة
أشهر.
وأخيرا ان الدولة المصرية تسير على الطريق الصحيح. ولكن يجب تفعيل بعض الاجراءات والقوانين الهامة لتصحيح مسار الاصلاح الاقتصادي، والعمل على علاج المشكلات الداخلية للقطاعات، والقضاء عليها بشكل جذري حتى تتقدم الدولة المصرية، وتصبح في مصاف الدول المتقدمة.