أوروبا والولايات المتحدة.. تاريخ طويل من التقارب والتباعد حول الملف الإيراني
بدأ الاحتقان يسود العلاقة بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي في 2017
لعدم اقتناع ادارة ترامب بفعالية الإتفاق في الحد من أنشطة إيران المزعزعة
لاستقرار المنطقة.
بالعودة إلى بداية الأزمة في نهاية السبعينات من
القرن الماضي، نجد أن الخلاف قد بدأ بين أوروبا والولايات المتحدة بشكل حاد بشأن
كيفية التعامل مع النظام الإيراني الذي تبني موقفا عدوانيا من الغرب بشكل عام.
وبينما دعمت الولايات المتحدة فكرة فرض عقوبات اقتصادية حادة، اعتقدت أوروبا أن
الحوار هو الطريقة المثلي لإقناع إيران بتغيير سلوكها في المنطقة. كما رأت أوروبا
أن سياسة العقوبات تزيد من قبضة الراديكاليين القابعين على السلطة على حساب
الإصلاحيين الذين يتبنون رؤى معتدلة بشأن الغرب.
بداية الأزمة
في
أعقاب ما يعرق بالثورة الإسلامية عام 1979؛ حيث أعلنت إيران محاربة الإمبريالية
الغربية متمثلة في الولايات المتحدة كهدف لها. وفي أعقاب اندلاع تلك الثورة اقتحم
الإيرانيون السفارة الأمريكية واحتجزوا أمريكيين داخلها لمدة 444 يومًا قبل أن يتم
الإفراج عنهما لاحقا.
ردّ الولايات المتحدة على هذا الأمر كان واقعيًا؛
حيث أوقفت الرحلات الثنائية بين البلدين، وحظرت التعاون العسكري مع إيران وتجميد
الأصول الإيرانية في البنوك الأمريكية، في الثمانينات دعمت الولايات المتحدة
العراق، اعتقادًا أن بقدرته منع إيران من تصدير ثورته لدول الجوار. وفي بداية
التسعينيات من القرن الماضي، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر شراسةً، وتبنت
سياسة تغيير النظام، خاصةً بعد أن انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كانت تجد فيه
إيران سندًا لها في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1996، أقر الكونجرس
الأمريكي قانون عرف باسم Iran- Libya Sanction
Act، وقد هدف بالأساس لفرض
عقوبات على قطاع النفط الإيراني في كل من إيران وليبيا. بمقتضى هذا القانون، يحق
للولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بفرض عقوبات على أي شركة تقوم باستثمار أكثر
من 60 مليون دولار في قطاع النفط الإيراني أو الليبي، بالتأكيد أثار هذا القانون
حفيظة الأوروبيين الذين كانوا يعتقدون آنذاك أن التفاوض والحوافز الاقتصادية مع إيران
قادرة على أن تجبر إيران على تغيير سلوكها العدواني.
وفي التسعينيات، وكرد فعل على العقوبات الأمريكية،
قامت أوروبا برفع دعوى أمام منظمة التجارة العالمية؛ مدعية أن العقوبات الأمريكية
على إيران تشكل تهديدا مباشرا على شركاتها العاملة في إيران. لكنّ تفاهمًا قد تحقق
بين الطرفين في عام 1997؛ حيث تعهدت الولايات المتحدة بعدم معاقبة الشركات
الأوروبية العاملة في إيران، كما قامت أوروبا بإسقاط دعوتها. وقد شكل عام 1997
منعطفا هامًا في التقارب الأمريكي الأوروبي بشأن التعاطي مع الأزمة الإيرانية؛ حيث
تم انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية الإيرانية، ما دفع أوروبا للتفاوض بشكل
مباشر مع إيران من خلال ما عرف آنذاك باسم Critical
Dialogue. وللمرة الأولي، نشرت
الولايات المتحدة بيانا أكدت فيه امكانية التفاوض مع ايران بشرط تغيير الأخيرة
لموقفها. وقد عُد ذلك أنذاك تغييرا في الموقف الأمريكي الذي كان يتبنى سياسة تغيير
النظام في ذلك الوقت.
موقف أمريكي رافض للتفاوض
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، تغيرت الأوضاع قليلا في
واشنطن؛ حيث بدأ الساسة الأمريكيون من الحزب الجمهوري يميلون أكثر لسياسية استخدام
القوة على التفاوض. وقد تبنت ادارة بوش استراتيجية للأمن القومي تقوم على توجيه
ضربات استباقية لأعداء الولايات المتحدة الأمريكية. بالفعل، قامت الولايات المتحدة
بغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وقد كان من المتوقع أن تكون إيران الدولة
التالية التي يتم غزوها. وفقا للمعطيات الجديدة، اقترحت إيران، من خلال الحكومة
السويسرية في 2003 أن تقوم بمبادلة سياساتها في الشرق الأوسط ونشاطها النووي
ودعمها للجماعات المتطرفة بضمانات أمريكية تتعلق بعدم توجيه ضربة عسكرية لإيران.
جاء ردّ الولايات المتحدة عنيفًا للغاية بين الطرفين؛ حيث قامت بشجب وساطة الحكومة
السويسرية، واتهمتها بتجاوز صلاحياتها كممثل وراعي للمصالح الأمريكية في إيران.
ويمكننا ارجاع الموقف الأمريكي المتشدد لرغبتها في اسقاط النظام الإيراني بالقوة.
اتفاقيات أوروبية إيرانية لاحتواء الأزمة
استغلت أوروبا رغبه إيران في التفاوض، وقامت بتوقيع
اتفاقية طهران في أكتوبر 2003. وفقا لهذه الإتفاقية، توقفت إيران عن تخصيب
اليورانيوم، كما قامت أوروبا بدعم ملف إيران للحصول على عضوية كاملة في منظمة
التجارة العالمية. الموقف الأمريكي بخصوص هذه الإتفاقية كان متشددا للغاية؛ حيث
اعتبرت واشنطن هذه الإتفاقية محاولة من ايران للهروب من واقع العقوبات أو الغزو
العسكري المباشر.
كعادتها خالفت إيران الاتفاقية، ثم عادت للتفاوض
مجددًا قبل أن يتم توقيع اتفاقية باريس في 2004، وفيها تعهدت بريطانيا وفرنسا
وألمانيا بمنع أي محاولة أمريكية لإرسال الملف الإيراني لمجلس الأمن، مقابل أن
توقف إيران تخصيب اليورانيوم، من ناحية أخرى تعهدت دول أوروبا بالتفاوض مع إيران
على توقيع اتفاقية اقتصادية شاملة تضمن زيادة التعاون الاقتصادي في كل المجالات.
وقد أقرت اتفاقيتي باريس وطهران حق في استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض
السلمية، كما تعهدت الاتفاقيتان بالسماح لإيران بالحصول على التكنولوجيا العسكرية
الحديثة بمجرد زوال الشكوك والتوتر حول برنامجها النووي.
تقارب أوروبي أمريكي
في ولاية جورج بوش الثانية، تغير الموقف الأمريكي
من إيران وأصبحت الولايات المتحدة أكثر ميلًا للتفاوض من أي وقت مضى. وقد قام جورج
بوش برحلة أوروبية هدف من خلالها إلى تقريب وجهات النظر مع الدول العربية بشأن
إيران، وأكد للأوروبيين أن الولايات المتحدة لا تنوي اطلاقا مهاجمة إيران مطلقًا
في الوقت الحالي. كما أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدة اقتصادية محدودة
لإيران، ودعمت ملفًا عضويتها في منظمة التجارة الدولية.
يمكننا إرجاع التغير في الموقف الأمريكي لعدة
أسباب؛ لعل أهمها تدهور أوضاع القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، ما يعني أن
الولايات المتحدة ليس بمقدرتها أن تخوض حربًا جديدة. كما خشيت الولايات المتحدة من
أن تقوم إيران باستهداف القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. والأهم من ذلك هو
المحاولة الإيرانية المحتملة لإغلاق مضيق هرمز، ما يمثل ضربة لسوق الطاقة العالمي،
وتهديدًا مباشرًا لأصدقاء الولايات المتحدة.
في النهاية، لابد أن نؤكد أن الصراع بين الولايات
المتحدة وأوروبا في التعاطي مع الملف الإيراني قديم ومن المتوقع أن يستمر لعدة
سنوات مقبلة في حالة فوز ترامب. لكنّ فوز بايدن سوف يعجل بعودة الولايات المتحدة
للاتفاق مرة أخرى.
Middle
East Institute, the EU and the ongoing USA- Iran crisis, at:
https://www.mei.edu/publications/eu-and-ongoing-us-iran-crisis
European
Council on Foreign relations, why Iran will divide Europe from the united
states, at:
https://www.ecfr.eu/publications/pr/why_iran_will_divide_europe_from_the_united_states_7230