مع بداية التصاعد في
الموجة الثانية من فيروس كورونا في العالم منذ أكتوبر 2020، تصاعد الحديث مرة أخرى
عن قدرات الدول في مواجهة الوباء، ومن أهم القضايا محل الاهتمام هي مدى قدرة
النظام الإيراني على مواجهة تلك الموجة في ظل خبرة قريبة في التعامل معتلك الأزمة.
فقد واجهت إيران منذ بداية فبراير 2020م تصاعداً في أعداد المصابين والوفيات جراء
تفشي وباء كورونا (كوفيد-19)، وهو ما وضع الحكومة الإيرانية أمام أزمة صحية
وسياسية حقيقية تضاف إلى ما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية، ودفع النظام إلى
استنفار إمكانياته وأجهزته كافة بما فيها الحرس الثوري صاحب الدور الواسع في إدارة
البلاد من أجل مواجهة الأزمة وتداعياتها الخطيرة.
تحاول هذه الدراسة أن تبحث
الفرص والتحديات التي فرضتها أزمة كورونا أمام الحرس الثوري، الذي
اعتاد منذ تأسيسه على استغلال الأزمات الداخلية والخارجية لتوسيع دوره السياسي. وتفرض
هذه الإشكالية عدد من التساؤلات، من أهمها: كيف وظف الحرس الثوري أزمة كورونا
لتأكيد وتوسيع دوره السياسي؟ وما هي الفرص والتحديات التي واجهت الحرس في ظل أزمة
كورونا؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لدور الحرس؟. وتعتمد الدراسة على المنهج
الوظيفي لتحليل دور وأداء الحرس، كمؤسسة تضطلع بدور رئيس داخل النظام السياسي الإيراني
في مواجهة أزمة كورونا.
أولاً- دور الحرس الثوري كمؤسسة ثورية
اهتم العديد من الباحثين بتحليل دور الحرس
باعتباره من ضمن الجيوش الثورية أو البريتورية، حيث صنف كل من روزبه سافشيكان (Roozbeh
Safshekan) وفرزان ثابت (Farzan Sabet) الحرس الثورى باعتباره فاعل بريتورى (Praetorian
Actor)، تنامى نفوذه السياسي منذ منتصف العقد
الأول من الألفية الثالثة مرتبطاً بالتحالف مع التيار المحافظ، ووصفا الباحثان تنَّامي
دوره السياسي بأنه انقلاب تقليدي. وكذلك تأثر مفهوم النمط البريتورى أيضاً بما طرحه الباحث على آلفونة، حيث
رأى أن تنَّامى دور الحرس أدى إلى تحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة عسكرية
ديكتاتورية (Military Dictatorship).(1)
وفي هذا
السياق امتدت هيمنة الحرس على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية على
النحو التالي:
1. الدور الأمني وحماية النظام والثورة
يضطلع الحرس الثوري بدور رئيس في حماية
النظام والثورة، وقد أُسس للقيام بموازنة دور الجيش النظامي، وهذا نابع من طبيعة
النظام الإيراني الحريص على خلق كيانات موازية في جميع مؤسسات الدولة سواء
العسكرية أو المدنية. ومن ثم فقد اضطلع بدور رئيس في الحرب الإيرانية-العراقية
خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت توسع دوره ليشمل المجالات
السياسية والاقتصادية بهدف الهيمنة على الأوضاع الداخلية ومنع أي محاولة عسكرية أو
سياسية لتغيير النظام الإيراني. واستطاع الحرس أن يبرز على الساحة كحام الثورة
وقيمها الأيدلوجية، وخاصة بعد حل حزب الجمهورية الإسلامية بقرار من الخميني في
مايو 1987. (2)
وبرغم أن الدستور الإيراني نص على دور الحرس
الثوري في التنسيق مع القوات العسكرية النظامية الإيرانية، لكن الحرس لا يخضع إلا
للمرشد الأعلى للجمهورية مباشرة، ما يؤكد على استقلاليته داخل النظام الإيراني.
ويحتفظ لنفسه بالمسؤولية عن أهم المبادرات الأمنية في إيران، بما في ذلك الحرب
السيبرانية، والبرنامج النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والأمن البحري في
الخليج العربي ومضيق هرمز، كما يتمتع بدور متزايد في الحفاظ على الأمن الداخلي.(3)
2. الدور السياسي وحماية التيار
المتشدد
يرى العديد من الباحثين أن الحرس الثوري يتمتع بوضعية سياسية
مختلفة، فهو ليس مؤسسة تقليدية، ولا يندرج ضمن الجيوش النظامية، ولا يمكن اعتباره
فاعلاً من غير الدول، بعد أن تم تقنين أوضاعه، الامر الذي جعل هناك حالة من
التفسيرات النظرية تصنفه ضمن الجيوش الموازية أو الجيوش الثورية.
فقد تطور بناء الحرس وقدراته منذ الثورة وخلال
سنوات الحرب الإيرانية-العراقية ليصبح جهازاً عسكرياً غير نظامياً. وبالتالي يختلف الحرس الثوري عن الجيش النظامي في كونه يشكل قوة
سياسية، لذلك يجب النظر إليه بشكل مختلف، فالقوات العسكرية النظامية ليس لها توجه سياسي
محدد، والحرس الثوري يرى أن دوره السياسي ليس فقط أمراً مسموحاً به، بل هو جزء من
رسالة الدفاع عن الثورة، حسبما ينص على ذلك الدستور. (4)
ويمكن التعرف على حدود
الدور السياسي للحرس الثوري من خلال قراءة الضمانات الدستورية لهذا الدور، حيث
تجعل ديباجة الدستور للحرس الثوري دوراً أساسياً في تصدير الثورة من خلال الجهاد
وبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم. وتأتى المادة (150) من الفصل التاسع لتؤكد
التمسك بالحرس وقواته لحماية الثورة ومكاسبها، وتحيل إلى القانون تحديد حدود مهامها
والتنسيق مع العناصر الأخرى الداخلة في تشكيل القوات المسلحة، وتنص هذه المادة
على:" تبقى قوات حرس الثورة التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة
راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها ويعين القانون حدود وظائف
هذه القوات، ونطاق مسؤولياتها فيما يخص وظائف ونطاق مسؤولية القوات المسلحة الأخرى
مع التأكيد على التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها".(5)
وقد جاء في المادة الأولى
من النظام الداخلي للحرس التي تمت صياغتها في عام 1979: الحرس الثوري هو مؤسسة تحت
قيادة القائد المعظم، وهدفه الحفاظ على الثورة الإسلامية في إيران وانجازاتها. والسعي
المستمر لتحقق المثل الإلهية وتوسيع سيادة القانون الإلهي على أساس قوانين جمهورية
إيران مع تعزيز البنية الدفاعية للجمهورية الإسلامية من خلال التعاون مع القوات
المسلحة والتدريب العسكري وتنظيم القوى الشعبية. وجاء في المادة (11): إن تدريب
أعضاء الحرس الثوري يتم طبقاً للتعاليم والموازين الإسلامية وعلى أساس المبادئ
التوجيهية من ولاية الفقيه في الساحات الفكرية والسياسية والعسكرية من أجل الحصول
على المهارات المطلوبة والقدرة على تنفيذ المهام الموكلة إليه. فيما نصت
المادة(27): عندما يتعلق الأمر بالمسائل السياسية والأيدلوجية الحرس الثوري هو
تابع لولاية الفقيه.(6)
ويتيح
الدستور للحرس الثوري المشاركة في مشاريع البناء والإغاثة من الكوارث
الطبيعية، حيث تنص المادة (147) على:" في زمن السلم يجب على الحكومة
الاستفادة من أفراد ومعدات وتقنية القوات المسلّحة في عمليات الإغاثة، التعليم
والإنتاج، جهاد البناء، على ألا یتجاوز معاییر الإسلام، ولا يؤدي إلى هبوط
الاستعداد القتالي".(7)
ولكن
دور الحرس كفاعل سياسي قد برز منذ أن حاول عدد من السياسيين الليبراليين من غير
رجال الدين –بزعامة رئيس الوزراء الأسبق مهدي بازركان– منع الحرس من التحول إلى
قوة مسلحة مستقلة، وذلك لمعرفتهم بمدى التطرف فيه، وأراد بازركان وحلفاؤه دمج
المليشيا تحت راية الشرطة أو الجيش النظامي؛ فجاء إعلان الخميني الرسمي
–المتعلق بتشكيل الحرس–بعد أسبوع من صدور تصريح لبازركان.(8)
وأدى الحرس الثوري
أربعة أدوار في التفاعلات السياسية الداخلية خلال السنوات الأولى الحاسمة: الدور
الأول كان التدخل في لحظات معينة لحسم التنافسات السياسية داخل النخبة السياسية. والدور
الثاني كان التدخل لحماية الثورة وقمع التظاهرات المعارضة والاضطرابات الإثنية، أي
ضبط السلوك الاجتماعي حتى يتفق مع قيم الثورة الجديدة. بينما كان الدور الثالث الذي
أسهم في تنام نفوذ الحرس هو الدور الموازن للجيش النظامي. والدور الرابع تمثل في
تدخل الحرس لإزاحة بنى صدر، أول رئيس إيراني منتخب لإيران (1980-1981)، والذي سقط
بعد عام من استقالة بازركان، رئيس الحكومة الانتقالية بعد نجاح الثورة.(9) إضافة إلى ذلك كان له دور كبير في درء آثار الكوارث
الطبيعية من زلازل وفيضانات. وقد ساعده هذا الدور على الظهور بمظهر المنقذ الأول
للمواطنين أثناء الأزمات والكوارث.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أن الحرس الثوري استمر في
تأدية الدور الحاكم للتنافسات السياسية داخل النظام الإيراني. ولكن بشكل مختلف، ففي
اللحظات التي كان يرى فيها الحرس أن النظام يتعرض لأزمات عنيفة تهدد استقراره
وبقاءه، كان الحرس مستعداً لحماية الثورة. وقد تم ربط الثورة بالتيار المتشدد بشكل
دائم. ولذلك تضافرت تبعية الحرس للمرشد باعتباره ذراعه العسكري لضبط سلوك
المتنافسين دون مقام المرشد داخل النظام الإيراني.(10)
ومن ثم، فإن تدخل الحرس الثوري لإدارة أزمة كورونا هو
تأكيداً لدوره السياسي في حماية التيار المتشدد وتعزيز لنفوذه السياسي قبيل الانتخابات
الرئاسية في عام 2021م في ظل الانتقادات المتزايدة لدور حكومة روحاني في إدارة
الأزمة.
3. الدور الاقتصادي والاقتصاد المقاوم
ارتبط تنَّامي الدور الاقتصادي للحرس الثوري بالفلسفة
الاقتصادية لمواجهة العقوبات الدولية، وهي فلسفة "الاقتصاد المقاوم"، التي
أطلقها المرشد الإيراني على خامنئي. ويشير
مصطلح "الاقتصاد المقاوم" إلى التحذير من التغلغل الخارجي في إيران.
ويرى الحرس الثوري أن الاقتصاد المقاوم هو الطريق الوحيد لإيران لتجاوز الأزمات.
ويعد خارطة طريق وقاعدة لإجراءات السنوات المقبلة في البلاد. كما أعلن استعداده
التام لمساعدة الحكومة في تنفيذ سياسة الاقتصاد المقاوم من أجل تجاوز منعطف تاريخي
يواجه إيران.(11)
وبدأ
هذا الدور خلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني، الذي دعا الحرس الثوري، في وقت
مبكر من رئاسته، إلى لعب دور أكبر في الاقتصاد. وطلب
منه على وجه التحديد المشاركة في إعادة إعمار البلاد. وهذا سمح
للحرس الثوري بدخول الساحة الاقتصادية والحصول على الأموال للاستثمار في قطاع
النفط، وللمشاركة في عمليات إعادة الإعمار. من خلال شركة
خاتم الأنبياء، والتي أنشأت بدورها العديد من الشركات التابعة.(12)
وقد برر قادة
الحرس الثوري الأنشطة التجارية له بالتدخل من أجل تنفيذ مشاريع ذات بعد اجتماعي
تستهدف تحقيق رفاهية السكان في المناطق الريفية والفقيرة. وفى الواقع كان الائتلاف
التجاري للحرس الثوري قد تطور ليصبح مؤسسات عملاقة تستهدف تحقيق الربح الاقتصادي.(13)
وبرغم صعوبة تقدير حجم ممتلكات الحرس الثوري
بسبب الطبيعة المبهمة لحجم الشركات التابعة له، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى أنه يتحكم في
ثلث الاقتصاد الإيراني
(قرابة
20-30% من حجم الاقتصاد). ويصل دخله السنوي إلى سدس
الناتج المحلي الإجمالي الإيراني. وهناك ما لا يقل عن 229 شركة
تخضع
لسيطرته إما من خلال ملكية الأسهم أو من خلال مجلس الإدارة(14)، في
حين يقدر الخبراء الأرباح السنوية للحرس الثوري بقرابة 12 مليار دولار.(15)
ثانياً- عوامل تصاعد أزمة وباء كورونا في إيران
تمثل أزمة وباء كورونا حالة مثالية لدراسة دور
الحرس الثوري في إدارة الأزمات. فقد مثلت الأزمة تهديداً حقيقياً للنظام والحكومة. وكان من بين أهم العوامل التي عقدت من عملية
إدارة الأزمة أنها حدثت متزامنة مع أزمات أخرى، لاسيما العقوبات الأمريكية التي كان لها تداعيات
سلبية على الاقتصاد الإيراني، والاحتجاجات على ارتفاع أسعار البنزين في نوفمبر
2019م، وأزمة مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية
في العراق في 3 يناير 2020 م، وإسقاط الحرس الثوري لطائرة
ركاب أوكرانية فوق طهران في 8 يناير من الشهر نفسه.(16)
وتشير البيانات الرسمية إلى أنه بحلول 14 أبريل 2020م
كان هناك حوالي 75 ألف حالة
إصابة في إيران وخمسة آلاف حالة وفاة. ويقدر خبراء منظمة الصحة العالمية أن المعدل
الحقيقي لأعداد المصابين يمكن أن يصل إلى خمسة أضعاف، ما يعني أن أكثر من 370 ألف
شخص أصيبوا بوباء كورونا حتى ذلك الوقت. بينما اعترف الرئيس روحاني بأن ما يصل إلى
80% من الإيرانيين قد أصيبوا بشكل طفيف (أي بدون أعراض).(17)
وقد تعددت التحليلات والتفسيرات حول أسباب تصاعد
أزمة كورونا في إيران، حيث يمكن تناول أهم أسباب تصاعد الأزمة فيما يلي:
1. التأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة
للحد من انتشار الوباء
يشير العديد من الباحثين إلى تسارع مراحل تطور
الوباء بسبب عدم كفاءة السلطات والقدرات المحدودة للخدمة الصحية في إيران، ومخالفة
توصيات منظمة الصحة العالمية، حيث افتقرت إدارة الأزمة إلى التنسيق بين وزارة
الصحة والحرس الثوري. وعبأت الحكومة الإيرانية المواطنين وأخفت حقيقة انتشار المرض
إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في فبراير 2020م، والتي شهدت تعبئة فعالة
بين الجيل الأكبر من الناخبين، الأمر الذي زاد من تفشي الوباء وانتقاله إلى الفئات
الأكثر عرضة للإصابة، وقد أسهم ذلك في تفشي الوباء ليس في إيران فقط وإنما في
الدول المجاورة وبخاصة بين الشيعة الذين واصلوا زيارة إيران خلال الفترة الأولى من
انتشار الجائحة، حتى وصل الأمر إلى فرض دول الخليج عقوبات على من يزور إيران من
مواطنيها في تلك الفترة.(18)
ولم تعلن الحكومة الإيرانية عن أول حالة إصابة
بفيروس كورونا في 19 فبراير 2020م إلا بعد تزايد أعداد
المصابين في صفوف النخبة السياسية، ولم يعد بإمكانها إخفاء العدد المتزايد من
المصابين والوفيات. ومن ثم فقد قررت حكومة روحاني في البداية، لأسباب عملية واقتصادية،
عدم فرض الحجر الصحي على المدن، وفرضت الحجر الصحي فقط بعد أن غادر العديد من
السكان المدن للذهاب إلى أقاربهم في المناطق الريفية، الأمر الذي زاد من تفشي
الوباء. فضلاً عن إصابة ووفاة
العديد من مسؤولي النظام، وأيضاً العديد من قادة الحرس الثوري وأعضاء البرلمان.(19)
ويبدو أن السلطات الإيرانية
لم تأخذ تفشي المرض على محمل الجد، ولم توقف رحلاتها الجوية من وإلى الصين في
مرحلة مبكرة من الأزمة وتجاهل مخاطر انتقال عدوى كورونا إليها، حيث استمرت حركة
الخطوط الجوية ماهان المرتبطة بالحرس الثوري إلى الصين، ويرجع ذلك إلى أن إيران كانت مهتمة بالحفاظ على علاقات مستمرة مع الصين
في أعقاب تكثيف الضغوط والعقوبات الأمريكية.(20)
وقد ألقى المرشد علي خامنئي كلمة قال فيها إن الفيروس ليس مشكلة خطيرة وأن
البلاد شهدت كوارث أكثر كارثية. وعلى الرغم من أن شخصين فقدا بالفعل حياتهما بسبب
فيروس كورونا، لكن كان لدى الإيرانيين شكوك متعلقة بإخفاء الحكومة العدد الحقيقي
للمصابين بالمرض.(21)
2. العوامل المرتبطة بالمعتقدات
الدينية
تزايدت أعداد المصابين
والوفيات بسبب تأثير المعتقدات الأيديولوجية
والدينية التي أعاقت بشكل واضح استجابة الحكومة لهذا الوباء، ولا سيما الإجراءات
الخاصة بإغلاق المواقع الدينية التي تجذب عدداً كبيراً من الشيعة من جميع أنحاء
العالم. وقد تعرضت الحكومة لانتقادات واسعة بسبب عدم قيامها بسرعة فرض الحجر الصحي على مدينتي قم ومشهد.
ورفض الحرس الثوري والسلطات الدينية تطبيق إجراءات الحجر، مؤكدين أنه لا يمكن إغلاق
الأماكن المقدسة أمام الملايين(22). وجاء ذلك بعد أن طلبت وزارة الصحة الإيرانية
في 27 فبراير 2020م من السلطات الإيرانية إلغاء صلاة الجمعة بسبب القلق من تزايد حالات
الإصابة والوفيات.
وعارض
كل من المرشد علي خامنئي والمؤسسة الدينية التوصيات الطبية التي قدمتها وزارة
الصحة، بما فيها دعوات لإقامة محاجر صحية في قم. وبرروا موقفهم من هذه الإجراءات
بالإشادة بالمناعة الإلهية للمدينة، إلى حدّ تشجيع الشيعة على زيارة العتبة
الفاطمية والصلاة لشفاء المرضى، وعندما أصرّ مسؤولو الصحة على فرض حجر صحي على العتبة
نفسها، انضم محمد سعيدي -متولي العتبة الفاطمية وأبرز ممثل ديني لخامنئي في قم-إلى
السلطات الدينية الأخرى الرافضة للقرار، الأمر الذي أدى إلى تأخير كبير في تطبيق
التدابير الوقائية الضرورية.(23)
وبرغم استجابة الحكومة
لتطبيق هذه الإجراءات في الرابع من مارس 2020م، حيث تم إلغاء صلاة الجمعة في جميع
المحافظات، وإغلاق الأضرحة في قم ومشهد، فقد استمر الإيرانيون في زيارة الأضرحة في
مشهد وقم، وحضر مئات الإيرانيين جنازة حسين أسد اللهي، أحد قادة الحرس الثوري السابقين.(24)
3. العوامل السياسية وطريقة إدارة الأزمة
كشفت الأزمة عن الصراع المكتوم بين مراكز
القوى المنوط بها مواجهة الجائحة، لاسيما بين الحرس الثوري ومؤسسة الرئاسة، وهو
ليس وليد اللحظة فقد بدأ مع تولي الرئيس حسن روحاني السلطة عندما وجه انتقادات
لاحتكارات الحرس الثوري ونشاطه الاقتصادي، فالصراع بين المؤسسات ومركز القوى معلوم
داخل النظام الإيراني، لاسيما داخل المؤسسة العسكرية التي تضم الجيش النظامي والحرس
الثوري الذي يهيمن على العديد من المؤسسات الاقتصادية ويتدخل في العملية السياسية
والانتخابات، ولا يقبل أي تدخل من جانب المؤسسات الأخرى في شؤونه.(25) ومن ثم يشير بعض الباحثين إلى أن الصلاحيات المحدودة للرئيس حسن روحاني لم
تساعده في احتواء تفشي الوباء.(26)
وبرغم أن المجلس الأعلى
للأمن القومي الإيراني قد قرر إنشاء فرقة عمل وطنية لمكافحة فيروس كورونا في 25
فبراير 2020م، وعُين وزير الصحة سعيد نمكي لقيادة فرقة العمل، ولكن في غضون أسابيع
قليلة، اتصل خامنئي برئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في 13 مارس 2020م
لإنشاء مراكز طبية في القاعدة الطبية للقوات المسلحة لمكافحة فيروس كورونا. وبرغم
أن خامنئي حث القوات المسلحة على العمل والتنسيق مع الحكومة ووزارة الصحة، إلا أن
الحكومة لم تكن راضية عن دعوة الجيش لإدارة الأزمة واعتبرت هذه الخطوة بمثابة
تهميش لدورها.(27)
وتشير العديد من التحليلات
إلى مسؤولية الحرس الثوري الإيراني عن تفشي الوباء، ففي 26 فبراير 2020م، كتب أحد قادة الحرس الثوري في تقرير
سري أن هناك خلافات حول كيفية دخول الفيروس إلى إيران، وأن الحرس يُلام على ذلك.
وذلك لأن شركة طيران "ماهان إير"، وهي شركة تابعة للحرس، واصلت عملياتها
مع الصين. ومنذ أن ظهرت تقارير عن الوباء لأول مرة، عمل الحرس الثوري على تكديس
ومراقبة بيع وتوزيع المعدات الطبية الحكومية إلى دول أخرى. وأرسل ما يقرب من 52
مليون قناعاً إلى الصين وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، في حين كانت البلاد تواجه عجزا بل تم بيع جزء
كبير من المعدات في السوق السوداء بأسعار باهظة.(28)
ثالثاً- دور الحرس الثوري في إدارة أزمة كورونا
كانت
المنظمة الوطنية للدفاع غير القتالي التابعة للحرس هي المسؤولة تقليدياً عن مكافحة
التهديدات البيولوجية، وكانت قد أنشأت شبكة دفاع بيولوجي في جميع المحافظات منذ
سنوات، برئاسة محافظين وعينت قادة من الحرس نواباً لهؤلاء المحافظين. ووفقاً لرئيس المنظمة، الجنرال غلام رضا
جلالي، تمت تنحية منظمته بالكامل عندما شكلت الحكومة مركزاً وطنياً لمكافحة كورونا
بقيادة الرئيس حسن روحاني. وفي 12 مارس2020م، بعد دراسة الأدلة التي تشير إلى هجوم
بيولوجي، أوكل خامنئي للقيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية مهمة تنسيق جهود
الدفاع البيولوجي التي يبذلها الجيش، وتأسس في سياق ذلك مقرات للرعاية والعلاج.(29)
ومن
ثم، فقد ساعد الوباء في تمكين الحرس الثوري أكثر من أي مؤسسة أخرى، بعد أن أعلن عن
حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى. ومُنحت قوات الحرس سيطرة غير مسبوقة على البلاد
بعد أن قررت الحكومة أن تصبح أكثر صرامة بشأن فرض الحجر الصحي، والتباعد
الاجتماعي، وما شابه ذلك من تدابير. وقد توسّع النظام الصحي والبنية التحتية
الطبية التي يديرها الحرس والجماعات التابعة له توسعاً هائلاً وعمل كل منهما بشكل
مستقل عن نظام الرعاية الصحية الإيراني.(30)
ويشير
المتابعين للشأن الإيراني إلى أن تدخل الحرس الثوري في إدارة الأزمة قد همش دور
الحكومة، لأنه لم يُترَك للوزراء، مثل نمكي، والحكومة بشكل عام سوى دور ثانوي منذ
بداية تفشي الوباء. فروحاني ليس له دور يُذكر في حالة الطوارئ، ويرجح باحثون أن
تستمر إجراءات الأمن البيولوجي الصارمة التي ينفذها الحرس قائمة لمدة طويلة في حال
استمرار الأزمة. كما أن التوظيف السياسي للوباء على أنه هجوم أجنبي يساعد على
تبرير هذه الإجراءات الأمنية الشاملة. وقد يضطر العديد من المواطنين في التكيف مع
هذه الإجراءات بسبب مخاوفهم من تفشي المرض.(31)
وعلى
أية حال، يمكن الإشارة إلى نمط تعامل الحرس الثوري مع أزمة كورونا على النحو الآتي:
1. عسكرة الأزمة
تشير تقارير غير رسمية من إيران إلى قيام الحرس
الثوري بتهديد أسر الضحايا وحثهم على التزام الصمت في محاولة للتغطية على العدد
الحقيقي لحالات الإصابة والوفاة. وأمرت قيادة الحرس بتواجد أقسامها الإقليمية في
المستشفيات والمراكز الطبية للتحكم في التقارير الصادرة عنها حول عدد الإصابات
والوفيات، حيث يتم الضغط على عائلات الضحايا لعدم الكشف عن السبب الحقيقي للوفاة،
وقد تم فرض رقابة شبه محكمة على الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام عبر
الإنترنت.(32) ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لجأ النظام الإيراني في 13 مارس
2020م إلى عسكرة الأزمة بمنح المؤسسة العسكرية دور أكبر في إدارتها عن دور الحكومة
ووزارة الصحة.(33)
2. تسييس الأزمة
وظف الحرس الثوري أزمة تفشي وباء كورونا سياسياً في
سياق تصاعد التوترات الأمريكية-الإيرانية، وخاصة بعد مقتل سليماني، وروج للأزمة باعتبارها
ناتجة عن هجوم بيولوجي شنته الولايات المتحدة على إيران لتدمير
سكانها من الداخل. ووصف
قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، كورونا بأنه هجوماً إرهابياً بيولوجياً، شنته
الولايات المتحدة.(34)
3. تحسين صورة الحرس الثوري
قام الحرس الثوري ببناء
مستشفيات مجهزة وميدانية، كما قامت قوات "الباسيج" بدور مماثل من خلال
مشاركة أكثر من 600 ألف من عناصرها في جميع أنحاء البلاد لدعم الأجهزة المختلفة.
وتقديم الدعم للجهات الفاعلة في الأزمة في توفير وتوزيع آلاف من حزم المساعدات إلى
المناطق المحرومة بمساعدة المتبرعين. وترى العديد من التحليلات أن الحرس الثوري قد
تجنب في البداية التصدي للكارثة وترك مسؤولية ذلك للقوات المسلحة خشية التعرض
لهجوم وانتقادات هو غني عنها.(35) وعمل الحرس على إبراز دوره باعتباره المنقذ والحارس والمكافح الأول ضد هذا الوباء، وإعلانه
في أوقات سابقة عن خطط، يمكن من خلالها التصدي لهذا الفيروس، من خلال الإعلان عن
أجهزة، طبية زعم الحرس أنها قادرة على كشف الفيروس على بعد 100 متر.(36)
4. استغلال الأزمة للسيطرة على حركة
الاحتجاجات
شن الحرس الثوري حملة اعتقالات على من ينتقدون أداء الدولة في إدارة
أزمة كورونا، وأعلن أنه سيراقب جميع المواطنين عبر الإنترنت(37)، وتشير
بعض التحليلات إلى أن الحرس يسعى إلى استغلال الأزمة للسيطرة على الأوضاع الداخلية، وكشفت عن ذلك
تصريحات قادة الحرس، حيث يقول القائد العام للحرس
الثوري إنهم مستعدون لإدارة عواقب كورونا والسيطرة عليها(38)، في إشارة إلى دوره
الأمني ودوره في حماية الأمن الداخلي والخارجي.
5. دعم التيار المتشدد في الانتخابات
الرئاسية 2021
ثمة مؤشرات على أن الحرس الثوري يسعى
إلى استغلال أزمة كورونا لتنصيب رئيس حليف له خلال الانتخابات التي تجري في النصف
الأول من عام 2021م، ويعمل على إقناع الشعب الإيراني الرافض لإدارة الحكومة
الحالية للأزمة، بأنه (أي الحرس) الأكثر أهلية وجدارة لاحتواء الوباء، وأن فشل
الحكومة أسهم في ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير في الفترة الماضية. وقد بدأت أذرع
الحرس التمهيد لذلك، من خلال اللجوء لشبكات التواصل الاجتماعي، لمهاجمة الحكومة،
وجذب الشعب الإيراني، والترويج بأن حكومة روحاني لم تحقق أي إنجاز منذ أن وصلت
للحكم.(39)
6. التغطية على الاخفاق في إدارة
الأزمة
تشير ممارسات الحرس الثوري عن حرصه على تحويل
انتباه المجتمع الإيراني بعيداً عن أداء النظام الإيراني في مواجهة أزمة تفشي وباء
كورونا، حيث أعلن الحرس الثوري في 22 أبريل 2020م عن إطلاق أول قمر صناعي مخصص
للأغراض العسكرية يحمل اسم "نور1". وهو ما أثار الدهشة بشأن إطلاق
هذا القمر الصناعي العسكري في هذا التوقيت تحديداً، إذ كان من الممكن تأجيله إلى
ما بعد الأزمة، وهو ما يشير إلى محاولة الحرس الثوري تحويل انتباه المجتمع
الإيراني بعيداً عن أزمته الراهنة.(40)
ومن ثم، فإن إدارة الحرس الثوري لأزمة كورونا قد
تركزت على حماية النظام وليس حماية المواطنين من تفشي أزمة كورونا، بمعنى حماية النظام
من تصاعد الأزمة الصحية لتتحول إلى أزمة سياسية تهدد استقرار النظام، وذلك من خلال
السيطرة على المستشفيات ومنع إجراءات الكشف عن الأعداد الحقيقية للمصابين
والوفيات. وتوظيف الأزمة من أجل تعزيز دور السياسي والأمني في حماية التيار
المتشدد في سياق الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة في 2021م.
رابعاً- مكاسب وتحديات الدور السياسي للحرس في ظل
أزمة كورونا:
مثلت أزمة تفشي وباء كورونا فرصة وفي
نفس الوقت تهديد لمستقبل الدور السياسي للحرس الثوري، وذلك على النحو الآتي:
1. مكاسب الحرس من الأزمة
لقد
تنامي الدعم السياسي للحرس الثوري، وقد اعترف علي رضا عرافي، مدير مركز إدارة
المعاهد الدينية، مؤخراً أن رجال الدين يدعمون الحرس الثوري في المعركة ضد
"كوفيد-19"، مشيراً إلى أنهم يُصلّون من أجل "عظمة ومجد"
الحرس الثوري.(41) كما تلقى الحرس دعم المرشد في
إدارة الأزمة، حيث أصدر المرشد علي خامنئي أمراً مكتوباً يطلب من اللواء باقري،
القائد العام للقوات المسلحة المشتركة (الجيش والحرس الثوري وقوات الأمن) تولي
إدارة أزمة كورونا، ولم يتم تحديد أي حد زمني لهذه السلطة. وقد سمح له خامنئي
فعلياً بتهميش دور الحكومة، بحجة أن الحكومة ليس لديها موارد كافية لإدارة الأزمة.
2. تحديات وخسائر الحرس الثوري من الأزمة
فقد
الحرس العديد من كبار القادة جراء إصابتهم بالفيروس، بما في ذلك أولئك الذين شغلوا
مناصب أمنية رئيسية. وكانت الخسارة الأكثر أهمية للحرس هي وفاة ناصر شعباني، نائب
قائد قاعدة ثأر الله سابقاً، ثم رئيس مركز بحوث الدفاع في جامعة الإمام الخميني،
والذي كان بمثابة القاعدة الأهم خلال فترات الاضطرابات المدنية في إيران. كما قتل
الفيروس أقرب المقربين من علي خامنئي مثل الجنرال رحيم بور نوبريان، رئيس مكتبه
الاستشاري العسكري. ولذلك يتوقع أن تمثل وفاة رموز وقادة الجيل الأول من الحرس،
الذين كانوا موالين للغاية لخامنئي، تحديات كبيرة للنظام الإيراني، وسيكون
استبدالهم مسألة غير مضمونة.(42)
بالإضافة
إلى تزايد الغضب بين من يسميهم النظام بالمستضعفين الموالين له، حيث وعدت الثورة
الإسلامية بالدفاع عن هذه المجموعة الاجتماعية التي تشكل الدائرة الأساسية للنظام
أو الطبقة المضطربة. ولعل الأهم من ذلك أن معظم أعضاء الحرس والباسيج (وعائلاتهم)
هم من هذه التركيبة السكانية. والكثير منهم قد فقدوا العائلة والأصدقاء بسبب
الفيروس. ناهيك عن أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتفشي الوباء من شأنها أن
تضر فئة المستتضعفين أكثر من غيرها. في عام 2019م، حذر مركز أبحاث البرلمان
الإسلامي الإيراني من أن العام المقبل قد يشهد ما يصل إلى 57 مليون إيراني يعيشون
تحت خط الفقر. ومنذ عام 2017م، دفعت الأوضاع المعيشية الإيرانيين باستمرار إلى
الشوارع. بالإضافة إلى الاضطرابات الكبرى في ديسمبر 2017م ونوفمبر 2019م، شهدت إيران
4200 احتجاج على نطاق أصغر بين يناير 2018 وأكتوبر 2019 م، وكانت معظمها بسبب تردي
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران.(43)
وقد تؤدى التداعيات
الاقتصادية للوباء إلى تصعيد الاحتجاجات، الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث اضطرابات
خلال الفترة المقبلة. ففي 7 أبريل 2020م، حذر روحاني من أنه إذا لم تستأنف البلاد
نشاطها الاقتصادي قريبًا، "سيتدفق 30 مليون جائع إلى الشوارع". وعلى
المدى القريب، من المحتمل أن يدفع المرض والفقر والجوع المواطنين إلى الشوارع، بدلاً
من المعارضة والسياسية.(44)
خامساً- مستقبل الدور السياسي للحرس الثوري
يبدو
أن هناك سيناريوهين لمستقبل الدور السياسي للحرس الثوري، وذلك على النحو الآتي:
1. السيناريو الأول: تنامي الدور السياسي
للحرس الثوري
تعد أزمة تفشي وباء كورونا من أهم الفرص التي تساعد الحرس على تعزيز دوره
في المجالات السياسية والعسكرية والصحية والاجتماعية، لاسيما بعد تزايد هيمنته على
النظام الصحي وتكليفه بإنفاذ تدابير مكافحة انتشار الوباء، ناهيك عن تزايد الدعم
الشعبي بعد اغتيال الجنرال سليماني، لاسيما المسيرات الشعبية التي خرجت تأييدًا
للحرس(45). وفشل حكومة
روحاني في التعامل مع الفيروس، وهو يمنح الحرس الثوري فرصة كبيرة لاستغلال ذلك،
ومحاولة دفع الشعب الإيراني للتفكير في اختيار رئيس محافظ. ويساعده على ذلك أيضاً
حسم التيار المحافظ الأصولي الانتخابات البرلمانية التي عقدت في فبراير 2020م لصالحه
بعد استبعاد صيانة الدستور أكثر من 90% من مرشحي التيار الإصلاحي المنافس لهم..(46)
ولكن برغم هذه الفرص التي من المحتمل أن تعزز من الدور السياسي للحرس
الثوري، يقلل من فرص حدوث هذا السيناريو تصاعد الخلاف داخل المؤسسة
العسكرية بين الجيش النظامي والحرس الثوري نتيجة تصاعد نفوذ الحرس وتدخله في
الشؤون السياسية والاقتصادية واتساع نطاق الدعاية الاعلامية لأنشطته ومهامه.(47)
2. السيناريو الثاني: تركيز الحرس
الثوري على دوره الأمني والعسكري في حماية النظام والثورة
ويعني هذا السيناريو
أن دور الحرس سينحصر في التركيز على المجال الأمني والعسكري مع تنامي التهديدات
الخارجية، وتصاعد حدة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب مقتل الجنرال
سليماني، واستمرار العقوبات الأمريكية وخاصة تلك التي تستهدف المؤسسات المالية
للحرس.(48)
ومع ذلك فإن استمرار أزمة تفشي وباء كورونا في العالم واحتمالية تصاعد
حالات الإصابة مع بداية الموجة الثانية في أوروبا من شأنه أن يعزز من دور الحرس في
مواجهة أزمة كورونا وذلك لاحتواء التهديدات الداخلية.
ولذلك على الأرجح سيكون السيناريو الأول هو الأكثر
احتمالاً في ضوء عدد من الاعتبارات، وأهمها التحديات المرتبطة بحماية استقرار
النظام الإيراني، لاسيما اهتمام الحرس بقضية خلافة المرشد، فخامنئي في الثمانين من
عمره، لذلك فإن احتمال وفاته أو عجزه عن تأدية مهام منصبه أمر وارد. وحتى لو بقي
في السلطة لبعض الوقت، فقد يجد نفسه مهمشاً في ظل التغييرات الداخلية والخارجية المستجدة.
كما يرى المؤيدون لهذا السيناريو أنه من غير المرجح أن يكون أي انتقال إلى زعيم
جديد أو نظام قيادة جديد سريعاً وتوافقياً. وهذا يفسح المجال أمام قيام نظام أمني
وعسكري خاضع إلى حد كبير لسيطرة تحالف من الفصائل الرئيسية في الحرس الثوري من جهة
وحلفاء الحرس والمستفيدين منه والتابعين له من جهة أخرى.(49)
الخلاصة
استغل الحرس الثوري أزمة
كورونا لتوسيع دوره السياسي على الصعيد الداخلي من خلال تحسين صورته وإبراز إخفاق
حكومة الرئيس الروحاني في إدارة الأزمة، وقمع ومنع أي احتجاجات أو أي انتقادات
للنظام حول إدارة الأزمة. وعلى الصعيد السياسي الخارجي، استغل الحرس الأزمة في حشد
الرأي العام الداخلي ضد الولايات المتحدة من خلال تسييس الأزمة والترويج بأن
الوباء ما هو إلا هجوم إرهابي شنته الولايات المتحدة على إيران، وهو ما يتطلب
توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة العدو الخارجي.
ويبدو أن السيناريو المرجح
لمستقبل الدور السياسي للحرس الثوري هو استمرار الحرس في توسيع دوره واستغلال أزمة
تفشي وباء كورونا في دعم التيار المتشدد وإبراز اخفاق حكومة روحاني في إدارة
الأزمة، وذلك في سياق الاستعداد للانتخابات الرئاسية عام 2021م، بالإضافة إلى تهيئة
الأوضاع لمواجهة التحديات المرتبطة بخلافة المرشد.
المراجع
1) تعود فكرة التنظيمات الحارسة تاريخياً إلى
الحرس البريتوري (Praetorian Actor)،
الوحدة العسكرية الرومانية القديمة، التي كلفت في المقام الأول بحماية الإمبراطور،
حيث كان الحرس البيريتوري قادراً على التأثير على الخلافة الإمبراطورية من خلال
تغيير وتنصيب الأباطرة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى هذا النمط في دراستها
للمجتمعات النامية التي شهدت بالفعل حلقات متكررة من التدخل العسكري، أي التي
تعاني من عدم وجود مؤسسات سياسية قادرة على الاستمرار في إدارة الشئون السياسية
والاجتماعية والاقتصادية للدولة. ففي مثل هذه المجتمعات، يتزايد دور الجيش
ليصطبغ بصبغة النمط البريتوري في السيطرة على الدولة بسبب ضعف المؤسسات
السياسية. راجع:
Hesam Forozan and Afshin Shahi, The Military and the
State in Iran: The Economic Rise of the Revolutionary Guards, Middle East
Journal, (Washington:
D.C: Middle East Institute, Vol. 71, No. 1, Winter 2017),Pp. 68-70.
2) كينيث كاترمان، مركز الإمارات للدراسات والبحوث
الاستراتيجية (ترجمة): الحرس الثوري الإيراني: نشأته وتكوينه ودوره، دراسات
مترجمة، (أبو ظبي: مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطبعة
الثالثة، 1998)، ص 241-244.
3)
Bcol Sean Corriganة Exploitable
Vulnerabilities of Iran’s Islamic Revolutionary Guard Corps, (5 Nov. 2014), US Army War College, accessed on: 1 Sep. 2020. https://bit.ly/2F9BGui
4) كينيث
كاترمان، الحرس الثوري الإيراني: نشأته وتكوينه ودوره،
مرجع سابق، ص10-17.
5) نيفين عبد المنعم مسعد، صنع القرار في إيران
والعلاقات العربية-الإيرانية، الطبعة الأولى، (بيروت: مركز دراسات الوحدة
العربية،2001)، ص 136.
6)
الجمعية
الاوربية لحرية العراق، اللجنة الدولية للبحث عن العدالة: الدور المخرب لفيلق
الحرس الثوري في الشرق الأوسط، (مارس 2017)، ص 10، تاريخ الاطلاع: 2 سبتمبر 2020.
1.
file:///C:/Users/m.hamdy/Downloads/____1.pdf
7) طهران،
الدستور الإيراني الصادر عام 1979، المادة (147)، تاريخ
الاطلاع: 3 سبتمبر 2020. https://bit.ly/33xp6hQ
8) كينيث
كاترمان، الحرس الثوري الإيراني: نشأته وتكوينه ودوره، مرجع
سابق، ص 75.
9) أمل
حمادة، الخبرة الايرانية: الانتقال من الثورة إلى الدولة، (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008)، ص 238.
10)
المرجع السابق، ص 242.
11)
عادل السالمي، خامنئي يجهض بـالاقتصاد المقاوم مشاريع
حكومة روحاني، الشرق الأوسط، (23 مارس 2016)،
تاريخ الاطلاع: 5 سبتمبر 2020. https://bit.ly/3iBg4ET
12) Emanuele
Ottolenghi, Hearing before the Missouri State Senate Committee on Jobs,
Economic Development, and Local Government, (Washington: Foundation for
Defense of Democracies, January 27, 2016), p.4.
13) Mareike
Enghusen, Clientelism in
the Islamic Republic, Illustrated at the Example of IRGC and Basij, (Standrews:
Iranian Studies M. Litt., School of History, University of Standrews,
August 2011),
p.15
14) Emanuele
Ottolenghi, Hearing before the Missouri, Op Cit,
p.3
15) Mareike
Enghusen , Clientelism in
the Islamic Republic, Op Cit,p.20
16) Marcin Andrzej Piotrowski, Implications of the
Coronavirus Pandemic on the Stability of Iran and the Regional Situation,
(Warsaw: The Polish Institute of International Affairs (PISM), No. 79 (1509),
15 April 2020),p.1
17) Ibid,
p.2.
18) Idem.
19) National Council of
Resistance of Iran, The Coronavirus Crisis in Iran Causes of the Outbreak And
Spread: Cover-Up, Deception, Incompetence, Theft and Corruption, (7 Mar 2020), p.14, accessed on: 10 Sep 2020. https://bit.ly/36BCfbD
20) Anu Sharma, Has Iran
mismanaged its Corona crisis?, CAPS in Focus, Centre for Air Power Studies, (16 April
2020),p.2-3, accessed on 2 Sep 2020. https://bit.ly/30GlDM9
21) TRT
World Research Centre, The Coronavirus Outbreak in Iran: Political and Economic
Implications, (March 2020) ,p.8, accessed on: 6 Sep 2020. https://bit.ly/36DqXU3
22) Ibid, p.8.
23)
مهدي خلجي: " فيروس كورونا في إيران (الجزء الأول): عوامل متعلقة
برجال الدين "، المرصد السياسي، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، (9 مارس 2020)، تاريخ الاطلاع 7 سبتمبر
2020. https://bit.ly/2XqJzSQ
24) TRT
World Research Centre, The Coronavirus Outbreak in Iran,Op Cit,
p.8.
25) Anu Sharma, Has Iran mismanaged its Corona crisis?, Op
Cit,
p.1.
26) TRT
World Research Centre, op Cit, p.10.
27) Idem.
28) National Council of
Resistance of Iran, Has Iran mismanaged its Corona crisis?, Op Cit,Pp.11-13.
29)
فرزين نديمي: "خامنئي يضفي الطابع الأمني على وباء
الكورونا بينما يدرس "الحرس الثوري" تحركاته الإقليمية"، المرصد السياسي، معهد
واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، (26 مارس 2020)، تاريخ الاطلاع: 7 سبتمبر 2020. https://bit.ly/30DIaJu
30)
مهدي خلجي:" الوباء قد يغيّر النموذج القائم على المرشد الأعلى في
إيران إلى الأبد"، المرصد السياسي، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، (17
أبريل 2020)، تاريخ الاطلاع: 10 سبتمبر 2020. https://bit.ly/33Cn14d
31)
[1] المرجع السابق.
32) Raphael
G. Bouchnik-Chen, Opportunity Out of Crisis: The Case of Iran ,BESA Center
Perspectives Paper,(April 10, 2020),p.2, accessed on: 10 Sep 2020. https://bit.ly/2GB2HY2
33) Sally
Sharif, How Robust is the Authoritarian Social Contract? : Social Dissent
during Iran’s COVID-19 Outbreak ,in: The COVID-19 Pandemic in the Middle East
and North Africa, The Project on Middle East Political Science, (April 2020),p.
43, accessed on: 4 Sep 2020. https://bit.ly/3d5gq5n
34)
محمود
حمدي أبوالقاسم، "إيران وإدارة أزمة كورونا: النتائج والمالآت"،
(الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، إبريل 2020)، ص 10. https://bit.ly/36Dtcqr
35)
المرجع
السابق.
36)
المرجع، "أزمة كورونا.. فرصة الحرس الثوري والمحافظين للوصول لحكم
إيران"، (19 مايو 2020)، تاريخ الاطلاع 10 سبتمبر 2020. https://bit.ly/33D1Z5C
37) Sally
Sharif, How Robust is the Authoritarian Social Contract?, Op Cit,
p. 43.
38)
شاهد
علوي:" الحرس
الثوري الإيراني: علينا إدارة عواقب كورونا والسيطرة عليها"، موقع إيران اير، (5
يوليو 2020)، تاريخ الاطلاع: 9 سبتمبر 2020. https://bit.ly/2SxGblx
39)
المرجع، "أزمة كورونا.. فرصة
الحرس الثوري والمحافظين للوصول لحكم إيران"، مرجع سابق.
40)
أحمد طاهر، القمر الإيراني «نور1».. دلالات التوقيت ومخاطر
التأثير، مجلة المجلة ، 28 مايو 2020، تاريخ الاطلاع: 11 سبتمبر 2020. https://bit.ly/30Gqqx7
41)
مهدي خلجي، " الوباء قد يغيّر النموذج القائم على المرشد الأعلى في
إيران إلى الأبد"، مرجع سابق.
42) Saeid
Golkar, Kasra Aarabi, Will COVID-19 inhibit Iran’s ability to suppress
protests?, Middle East Institute, (3 June 2020), accessed on: 1 Sep 2020. https://bit.ly/30HRlbM
43) Ibid, p.2.
44) Idem.
45)
عبد
الرحمن عاطف أبوزيد، فيصل عبدالله، ما بعد تزايد نفوذ الحرس الثوري الإيراني علي حساب حكومة روحاني الدينية في
ظل وباء كورونا وأثرها علي تغيير طبيعة النظام في إيران، مركز أضواء للدراسات
والبحوث،17 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع: 9 سبتمبر 2020. https://bit.ly/36GbgeQ
46)
المرجع، "أزمة كورونا.. فرصة الحرس
الثوري والمحافظين للوصول لحكم إيران"، مرجع سابق.
47)
مركز المستقبل للأبحاث
والدراسات المتقدمة: "هل ظهر الخلاف بين الجيش والحرس الثوري إلى
العلن؟"، 8 يونيو 2020، تاريخ الاطلاع: 8 سبتمبر 2020. https://bit.ly/2SxHbWP
48)
مهدي خلجي:" الوباء قد يغيّر النموذج القائم على المرشد الأعلى في
إيران إلى الأبد"، مرجع سابق.
49) عبد الرحمن عاطف أبوزيد، فيصل عبد الله، ما بعد تزايد نفوذ الحرس الثوري الإيراني، مرجع سابق.