مساعي التوافق .. الجهود الدولية في اتجاه تسوية الأزمة الليبية
عقدت اللجنة العسكرية المكونة من عشر مسؤولين
عسكرين ممثلين لطرفي النزاع في ليبيا في 19 أكتوبر 2020 في العاصمة جنيف بسويسرا
اجتماعًا لبحث تشكيل المسار الأمني لضمان وقف دائم لإطلاق النار، وذلك عقب مرور
أسبوعين على اجتماعاتها بمدينة الغردقة المصرية لتحقيق هذا الهدف في ظل المساعي
الدولية بأن تمهد هذه المفاوضات المباشرة الطريق للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار
وتقود إلى تسوية شاملة لإنهاء الصراع والتفكّك داخل البلاد.
ويجب
الإشارة هنا أن هذا الاجتماع الخاص بمناقشة المسار الأمني يشكّل أحد المسارات
الثلاثة التي تعمل عليها البعثة إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي، والتي
انبثقت عن مؤتمر برلين 2020 حول ليبيا وتبناها مجلس الأمن عبر قراره 2510 (2020)
والذي دعا الطرفين إلى التوصل الى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار.
وقد أعلنت البعثة الأممية في ليبيا، بأن هذه
المفاوضات سوف ترتكز على مخرجات الاجتماع الذي جرى بين الطرفين في الغردقة خلال
الفترة بين 28 إلى 30 سبتمبر 2020. وقالت إن تلك المخرجات من شأنها أن تقود ليبيا
إلى وقف دائم لإطلاق النار دائم، وكذلك وقف التمويل الخارجي للفرقاء الليبين
بالمرتزقة.
البناء على ما سبق
في 29 سبتمبر 2020، اختتمت جولة مباحثات أمنية
برعاية الأمم المتحدة بين القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، وحكومة المجلس
الرئاسي في مدينة الغردقة عاصمة محافظة البحر الأحمر المصرية.
وخلص المشاركون في المباحثات إلى جملة من التوصيات
التي تم عرضها على اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، كالإسراع بعقد اجتماعاتها
بلقاءات مباشرة، والإفراج الفوري عن المحتجزين على الهوية دون أي شروط أو قيود،
واتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية، وذلك قبل نهاية
أكتوبر المقبل عبر تشكيل لجان مختصة من الأطراف المعنية.
كما اتفق المشاركون على إيقاف حملات التصعيد
الإعلامي وخطاب الكراهية، واستبداله بخطاب التسامح والتصالح ونبذ العنف والإرهاب،
والإسراع في فتح خطوط المواصلات الجوية والبرية، بما يضمن حرية التنقل للمواطنين
بين كل المدن الليبية.
وقد اتفق المشاركون في الاجتماعات التي استمرت على
مدى 3 أيام، بحضور مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين مصريين وبعثة الأمم المتحدة للدعم في
ليبيا، على دراسة الترتيبات الأمنية للمنطقة التي سوف تحدد في المرحلة المقبلة على
ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5).
ويمكن
القول بأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يراهنان على استئناف جولة ثانية من
الحوار الليبي في جنيف، الذي توقف بعد استقالة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا،
غسان سلامة، من منصبه في شهر مارس 2020، وسط أنباء عن إمكانيه نقل المفاوضات
مستقبلًا إلى جزيرة جربة جنوب شرقي تونس، لأسباب لوجستية من بينها استخراج
التأشيرات للمشاركين.
يأتي
ذلك بعد محادثات بوزنيقة والغردقة وبرلين ومونترو السويسرية، وبعد أن أحرز
المفاوضون الليبيون في هذه الاجتماعات السابقة اختراقات حاسمة، أدت إلى توصلهم
للاتفاق على المناصب السيادية السبعة في البلاد.
ويهدف هذا الحوار إلى إيجاد تفاهمات بخصوص شكل
السلطة الجديدة؛ حيث من المقرر أن يناقش فصل السلطة التنفيذية عن المجلس الرئاسي،
وتقليص أعضاء المجلس الرئاسي من 9 أعضاء إلى 3 فقط، بالإضافة إلى تجديد الالتزام
بمخرجات مؤتمر برلين وتنفيذها، ودعوة الأطراف المعنية إلى تسريع جهود وقف إطلاق
النار، والالتزام بحظر السلاح المفروض على ليبيا.
صعوبات محتملة
على الرغم من وجود إرادة دولية نحو تسوية الأزمة
الليبية والوصول إلى توافق بين الفرقاء الليبيين، بالإضافة إلى إن ما يميز هذه
الجولة هو انطلاقها باجتماع تقابلي مباشر بين وفدي طرفي النزاع في ليبيا، إلا أن هناك
مجموعة من الصعوبات الخاصة بترجمة نتائج مباحثات (5 + 5) الأمنية والعسكرية على
أرض الواقع، وخاصة في غربي ليبيا التي تحتلها المليشيات المسلحة وتحكمها الإرادة
التركية، خاصة وأن الأطراف التي تمثل غربي ليبيا في الاجتماعات العسكرية لا تملك
إرادتها، ولا تستطيع فرض تصورها أو ما تتوصل إليه الاجتماعات على الأرض.
وضمن السياق ذاته كيف ستسمح المليشيات المسلحة
بتطبيق نتائج المباحثات التي تناقش تفكيكها؟ وكيف تخرج تركيا من المنطقة الغربية
دون أن تعمل على صياغة حالة عسكرية وسياسية وأمنية تضمن لها الاتفاقات التي وقعتها
مع رئيس حكومة الوفاق غير الدستورية؟.
وتتطلب تنفيذ مخرجات هذه الاجتماعات إيجاد حل
للأزمة الليبية بتفعيل نتائج المباحثات على أرض الواقع والعمل على جمع السلاح
وتفكيك الميليشيات المسلحة، وإيجاد حل لإخراج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من
ليبيا، وذلك لأن الأطراف التي تسيطر على المنطقة الغربية، ليس لديها النية لإحداث
الاستقرار الذي يمكن الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية.
ولعل امتداد هذه المباحثات في هذه الجولة حتى 24
أكتوبر 2020 يؤشر على أهمية التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة ووضع الخطوط الأساسية لتوافق
ليبي – ليبي، وتأمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن يتوصل الوفدان إلى تسوية
كافة المسائل العالقة بغية الوصول إلى وقف تام ودائم لإطلاق النار في عموم أنحاء
ليبيا.
ختامًا: تُعد
هذه المفاوضات بمثابة امتدادًا لمجموعة الاجتماعات السابقة التي تؤكد على توفر
الإرادة الدولية لتسوية الأزمة الليبية، وهذه الاجتماعات التي تشهدها جنيف أو تلك
التي شهدتها مصر والمغرب ما هي إلا تعبير وتكليل لهذه الجهود نحو تسوية الأزمة
الليبية وفق المسارات الدولية المعترف بها، وعلى الرغم من الصعوبات التي تحول دون
تنفيذ مخرجات هذه الاجتماعات إلا أن هناك مؤشرات عديدة حول إمكانية التوصل لاتفاق يمكن
من خلاله الوصول إلى الأهداف المنشودة من هذه المفاوضات وهو الحفاظ على وحدة
وسلامة الأراضي الليبية ومواجهة الجماعات المسلحة، وتجنب مسار الحرب الأهلية.
المراجع:
1)
فرقاء ليبيا بجنيف.. هل
تقبل المليشيات بالتفكيك وتركيا بالطرد؟، على الرابط:
https://al-ain.com/article/host-libyan-political-dialogue-egypt
2) انطلاق الجولة الرابعة من محادثات اللجنة
العسكرية المشتركة الليبية في جنيف، على الرابط: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=19102020&id=39c994e5-6dc3-4977-a69b-dccf08a15ec1
3) انطلاق
محادثات «5+5» الليبية برعاية أممية في جنيف، على الرابط:
https://www.dostor.org/3231645